الإجراءات القانونيةالاستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المصريجرائم الانترنت

هل تعتبر الرسائل المصورة دليلاً في المحكمة؟

هل تعتبر الرسائل المصورة دليلاً في المحكمة؟

دليلك الشامل لتقدير حجية الرسائل المصورة في الدعاوى القضائية

في عصر الثورة الرقمية، أصبحت الرسائل المصورة جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث يتم تبادل المعلومات والاتفاقيات وحتى التهديدات عبر هذه الوسائط. ومع تزايد الاعتماد عليها، يطرح تساؤل جوهري حول مدى إمكانية اعتبار هذه الرسائل دليلاً قانونياً في المحاكم. إن قبول الرسائل المصورة كقرينة أو دليل يعتمد على مجموعة من الشروط والإجراءات القانونية المعقدة، التي تهدف إلى ضمان صحتها وسلامتها من التلاعب. في هذا المقال، سنستعرض بشكل مفصل وشامل كافة الجوانب المتعلقة بحجية الرسائل المصورة كدليل إثبات، مع تقديم حلول عملية وخطوات دقيقة لتعزيز قيمتها القانونية في سياق الدعاوى القضائية.

المبادئ القانونية لحجية الدليل الرقمي

مفهوم الدليل الرقمي

هل تعتبر الرسائل المصورة دليلاً في المحكمة؟يشمل الدليل الرقمي أي معلومات أو بيانات يتم تخزينها أو معالجتها أو نقلها إلكترونياً، ويمكن استخلاصها وتحليلها باستخدام التكنولوجيا. تعتبر الرسائل المصورة، سواء كانت صوراً ثابتة أو مقاطع فيديو، جزءاً لا يتجزأ من هذا المفهوم الواسع للدليل الرقمي. يختلف التعامل مع هذا النوع من الأدلة عن الأدلة التقليدية الورقية أو المادية، نظراً لسهولة التلاعب بها أو تزييفها. لذلك، تتطلب المحاكم معايير خاصة للتحقق من مصداقيتها وسلامتها قبل قبولها كقرينة مؤثرة في الحكم القضائي.

مبدأ حرية الإثبات

ينص القانون المصري، شأنه شأن العديد من القوانين الحديثة، على مبدأ حرية الإثبات في المسائل الجنائية والتجارية، وهو ما يعني أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في قبول أنواع مختلفة من الأدلة، بما في ذلك الأدلة الرقمية. ومع ذلك، هذه الحرية ليست مطلقة، بل تخضع لضوابط وشروط تضمن تحقيق العدالة وسلامة الإجراءات. في الدعاوى المدنية، قد تكون هناك قيود أكثر صرامة على أنواع معينة من الأدلة، خصوصاً إذا كانت تتعلق بالالتزامات التعاقدية الكبيرة. الهدف هو تحقيق التوازن بين المرونة في الإثبات وضمان حقوق الأطراف.

تطور التشريعات

شهدت التشريعات في مصر والعالم تطوراً ملحوظاً لمواكبة الثورة الرقمية، وأبرزها صدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018. هذا القانون يعترف بالدليل الرقمي كدليل مقبول أمام المحاكم، ويحدد آليات جمع وحفظ الأدلة الإلكترونية. كما أن هناك اجتهادات قضائية عديدة ساهمت في بلورة فهم أوسع لكيفية التعامل مع الرسائل المصورة والوسائط الرقمية الأخرى كأدلة. هذا التطور القانوني والقضائي يعكس الحاجة الملحة لتكييف القواعد التقليدية للإثبات مع طبيعة الأدلة الحديثة، ويوفر إطاراً قانونياً أكثر وضوحاً للتعامل معها.

شروط قبول الرسائل المصورة كدليل في المحكمة

الرسالة الأصلية ووضوحها

يجب أن تكون الرسالة المصورة هي الأصلية، أو نسخة طبق الأصل منها لا يشوبها أي شك في صحتها. الوضوح هنا لا يعني فقط جودة الصورة أو الفيديو، بل أيضاً أن يكون محتواها قابلاً للفهم بشكل لا يدع مجالاً للتأويلات المتعددة. فإذا كانت الصورة غير واضحة المعالم، أو الفيديو غير مفهوم الصوت أو الصورة، فإن ذلك يقلل بشكل كبير من حجيتها كدليل. يجب التأكد من أن النسخة المقدمة للمحكمة هي بالضبط ما تم إرساله أو استلامه دون أي تغيير، ويُفضل تقديم الجهاز الذي يحوي الرسالة الأصلية إن أمكن.

نسبة الرسالة لمرسلها ومستقبلها

لتحظى الرسالة المصورة بالقبول، يجب إثبات أنها صدرت بالفعل من الشخص الذي يُنسب إليه الإرسال، وأنها وصلت إلى الشخص الذي يدعي استلامها. يمكن تحقيق ذلك من خلال شهادة الشهود، أو إقرار الطرف الآخر، أو عن طريق أدلة فنية مثل عنوان بروتوكول الإنترنت (IP address) أو رقم الهاتف المستخدم، أو حتى عن طريق طبيعة المحادثة السابقة واللاحقة التي تؤكد السياق. هذه الخطوة حاسمة لمنع أي ادعاء بالتزوير أو الإنكار، وتتطلب غالباً الاستعانة بخبراء متخصصين في الأدلة الرقمية لربط الرسالة بمالكها.

سلامة الرسالة وعدم التلاعب بها

من أهم الشروط لقبول الرسائل المصورة كدليل هو التأكد من عدم تعرضها لأي تعديل أو تلاعب بعد إنشائها أو إرسالها. سهولة برامج التعديل تجعل هذا الشرط بالغ الأهمية. يمكن إثبات سلامة الرسالة من خلال فحص فني دقيق يجريه خبراء متخصصون في الأدلة الرقمية، باستخدام برامج وأدوات تكشف أي علامات للتعديل أو التزوير. يجب تقديم الدليل بطريقة تضمن سلامته من وقت جمعه حتى عرضه أمام المحكمة، مع توثيق كافة الإجراءات المتخذة للحفاظ على هذه السلامة. أي شك في سلامة الرسالة قد يؤدي إلى استبعادها كدليل.

صلة الرسالة بموضوع الدعوى

يجب أن تكون الرسالة المصورة ذات صلة مباشرة ومؤثرة بموضوع النزاع أو الدعوى القضائية. لا يكفي أن تكون الرسالة موجودة، بل يجب أن تقدم معلومات جديدة أو تؤكد وقائع متنازع عليها، أو تدعم موقف أحد الأطراف بشكل مباشر. إذا كانت الرسالة لا تقدم أي قيمة إثباتية حقيقية، أو كانت مجرد معلومات عامة لا ترتبط بالقضية، فغالباً ما ترفض المحكمة اعتبارها دليلاً. يجب على الطرف الذي يقدم الرسالة توضيح العلاقة بين محتوى الرسالة والوقائع المطروحة أمام المحكمة بشكل منطقي ومقنع.

طرق إثبات صحة الرسائل المصورة

محضر إثبات حالة بمعرفة خبير متخصص

إحدى أقوى الطرق لتوثيق الرسائل المصورة هي تحرير محضر إثبات حالة بمعرفة خبير متخصص في الأدلة الرقمية، أو من خلال محضر رسمي في الشرطة أو النيابة. يقوم الخبير بفحص الجهاز الذي يحتوي على الرسالة، ويقوم بتوثيقها فنياً، مع تحليل البيانات الوصفية (Metadata) لضمان عدم التلاعب. هذا المحضر يكون له قوة إثباتية كبيرة أمام المحكمة لأنه صادر عن جهة محايدة ومتخصصة، ويُعد دليلاً فنياً يدعم صحة الرسالة. يجب أن يتضمن المحضر وصفاً دقيقاً لكيفية استخراج الدليل وتأمينه.

الشهادة القضائية

يمكن لأي شخص كان طرفاً في المحادثة أو شاهداً عليها أن يدلي بشهادته أمام المحكمة حول صحة الرسائل المصورة ومحتواها. تلعب الشهادة دوراً مهماً في ربط الرسالة بأصحابها وتوضيح سياقها. إذا أقر الطرف الآخر بصحة الرسائل، فإن ذلك يرفع من قيمتها الإثباتية بشكل كبير. ومع ذلك، قد لا تكون الشهادة وحدها كافية، خاصة في حال إنكار الطرف الآخر أو وجود شكوك حول مصداقية الشهود. لذا، يُفضل دائماً دعم الشهادة بأدلة فنية أخرى لتعزيز الحجية.

القرائن القضائية

يمكن للمحكمة أن تستنتج صحة الرسائل المصورة من مجموعة من القرائن المتوفرة في القضية، حتى لو لم يتم تقديم إثبات فني مباشر. فمثلاً، إذا كانت الرسائل تتسق مع وقائع أخرى مثبتة، أو كانت جزءاً من سلسلة طويلة من المراسلات المتبادلة بين الطرفين، يمكن للمحكمة أن تعتبرها دليلاً. كما يمكن للقرائن أن تتشكل من سلوك الأطراف بعد تبادل الرسائل، أو إقرار ضمني منهم. القرائن القضائية هي تقديرية للقاضي، وتعتمد على قوة الربط المنطقي بين الرسالة وباقي الأدلة.

الاستعانة بخبراء تكنولوجيا المعلومات

في القضايا المعقدة التي تتطلب تحليلاً فنياً دقيقاً، يمكن للمحكمة أو لأطراف الدعوى الاستعانة بخبراء معتمدين في مجال تكنولوجيا المعلومات والأدلة الرقمية. يقوم هؤلاء الخبراء بفحص الأجهزة والوسائط الرقمية، واستخراج الرسائل، وتحليلها للتأكد من أصالتها وسلامتها، وتقديم تقرير فني مفصل للمحكمة. تقارير الخبراء الفنية تحظى باهتمام كبير من المحكمة وتعتبر دليلاً قوياً، خصوصاً في حال وجود ادعاءات بالتزوير أو التلاعب. إن اختيار خبير ذو سمعة جيدة وكفاءة عالية أمر ضروري.

تصديق المحتوى الرقمي

في بعض الدول، هناك شركات أو جهات متخصصة تقدم خدمات تصديق للمحتوى الرقمي، حيث يتم توثيق المحادثات والرسائل المصورة بطرق فنية تضمن عدم التلاعب بها وتحديد تاريخ ووقت الإنشاء. ورغم أن هذا التوثيق قد لا يكون منتشراً على نطاق واسع في جميع الأنظمة القانونية، إلا أنه يوفر طبقة إضافية من الأمان والحجية للدليل الرقمي. يمكن للمحكمة أن تأخذ بعين الاعتبار هذا النوع من التصديق كعامل مساعد في تقدير حجية الدليل، ويدعم موثوقية الرسالة بشكل كبير.

التحديات القانونية والعملية

صعوبة التحقق من المصدر

تعد صعوبة التحقق من المصدر الفعلي للرسالة المصورة أحد أبرز التحديات. مع وجود تطبيقات المراسلة التي تتيح إرسال الرسائل من أرقام وهمية أو حسابات مزيفة، يصبح من الصعب جداً التأكد من هوية المرسل الحقيقي. هذا التحدي يتطلب جهوداً أكبر من المحققين والخبراء لتعقب المصدر باستخدام التقنيات المتاحة، مثل تتبع عناوين بروتوكول الإنترنت أو معلومات الحساب. في بعض الأحيان، قد يكون من المستحيل تحديد المصدر بشكل قاطع، مما يضعف من قيمة الدليل.

سهولة التلاعب بالمحتوى

تتيح برامج تعديل الصور والفيديو الحديثة إمكانية التلاعب بالمحتوى الرقمي بسهولة فائقة، مما يجعل من الصعب التمييز بين المحتوى الأصلي والمزيف. يمكن تغيير التواريخ، إضافة أو إزالة أشخاص، وتعديل السياق العام للرسائل المصورة. لمواجهة هذا التحدي، يتوجب الاعتماد بشكل كبير على الخبرة الفنية المتخصصة التي تستطيع اكتشاف علامات التلاعب، مثل تحليل البيانات الوصفية أو فحص البكسلات. أي دليل يشتبه في تلاعبه يفقد قيمته الإثباتية فوراً.

نقص الوعي القانوني

يعاني العديد من الأفراد وحتى بعض المهنيين القانونيين من نقص الوعي الكافي بالجوانب الفنية والقانونية المتعلقة بالأدلة الرقمية. هذا النقص يؤدي إلى أخطاء في جمع وحفظ الدليل، أو عدم معرفة كيفية تقديمه بالشكل الصحيح للمحكمة. من الضروري زيادة الوعي من خلال الدورات التدريبية والمبادرات القانونية لتأهيل العاملين في المجال القانوني للتعامل بكفاءة مع هذا النوع من الأدلة. الفهم الصحيح لمتطلبات الدليل الرقمي يعزز فرص قبوله في المحكمة.

الاختصاص القضائي

في بعض الأحيان، قد تنشأ الرسائل المصورة أو يكون أطرافها موجودين في دول مختلفة، مما يثير تساؤلات حول الاختصاص القضائي وأي القوانين التي يجب تطبيقها. قد تختلف قوانين الإثبات من دولة لأخرى، وهذا يعقد عملية الاعتراف بالدليل أو تنفيذه. يتطلب هذا التحدي دراية بالقانون الدولي الخاص والاتفاقيات القضائية بين الدول، وقد يستدعي التنسيق مع جهات قضائية أجنبية. من المهم تحديد المحكمة المختصة والقانون الواجب التطبيق لتجنب الإجراءات المطولة.

نصائح عملية لتعزيز حجية الرسائل المصورة

حفظ الرسائل بطريقة آمنة

لتعزيز حجية الرسائل المصورة، يجب حفظها بطريقة آمنة تضمن عدم التلاعب بها أو فقدانها. يفضل الاحتفاظ بالجهاز الأصلي الذي يحتوي على الرسالة، والامتناع عن حذفها. يمكن أيضاً عمل نسخ احتياطية على وسائط تخزين خارجية مؤمنة، أو استخدام خدمات التخزين السحابي الموثوقة التي توفر سجلات تدقيق للتغييرات. كلما كانت عملية الحفظ أكثر احترافية وأمناً، زادت ثقة المحكمة في سلامة الدليل وقيمته الإثباتية.

التوثيق الفوري للمحادثات

بمجرد وقوع الواقعة أو استلام الرسالة التي قد تكون دليلاً، يفضل توثيقها فورياً. يمكن القيام بذلك عن طريق التقاط لقطات شاشة (Screenshots) أو تسجيل مقاطع فيديو للشاشة وهي تعرض الرسائل على الجهاز الأصلي، مع إظهار التاريخ والوقت إن أمكن. الأهم هو التوجه لأقرب قسم شرطة أو مكتب نيابة أو خبير رقمي لعمل محضر إثبات حالة رسمي في أقرب وقت ممكن. التوثيق المبكر يقلل من فرصة التلاعب ويثبت أن الدليل لم يتعرض للتعديل بمرور الوقت.

الاحتفاظ بالهاتف الأصلي

يعد الاحتفاظ بالهاتف أو الجهاز الأصلي الذي تم من خلاله تبادل الرسائل المصورة أمراً حيوياً. هذا الجهاز يمكن أن يكون مصدراً رئيسياً للبيانات الوصفية (Metadata) التي تثبت أصالة الرسالة، مثل وقت الإنشاء، وقت الإرسال، وبيانات الجهاز. في حال الحاجة إلى فحص فني، يكون الجهاز الأصلي هو الأداة الأكثر موثوقية للخبراء لاستخلاص الدليل بشكل صحيح. تقديم الجهاز الأصلي للمحكمة أو للخبراء يضفي مصداقية عالية على الدليل المقدم.

الاستشارة القانونية المتخصصة

نظراً لتعقيد الجوانب القانونية والفنية للأدلة الرقمية، من الضروري طلب الاستشارة القانونية من محامٍ متخصص في قضايا الجرائم الإلكترونية أو الأدلة الرقمية. يمكن للمحامي تقديم النصح حول كيفية جمع الدليل بطريقة صحيحة قانونياً، وكيفية تقديمه للمحكمة بالشكل الذي يزيد من فرصة قبوله. كما يمكنه المساعدة في اختيار الخبراء الفنيين المناسبين والتنسيق معهم لضمان الحصول على تقرير فني قوي يدعم موقفك في الدعوى القضائية.

استخدام التطبيقات الموثوقة

تفضل المحاكم الرسائل التي يتم تبادلها عبر تطبيقات المراسلة الموثوقة والتي توفر مستوى عالٍ من التشفير والأمان، مثل تطبيقات التراسل المعروفة. هذه التطبيقات غالباً ما تحتفظ بسجلات زمنية وبيانات وصفية أكثر دقة، مما يسهل على الخبراء التحقق من صحة الرسائل. على النقيض، قد تواجه الرسائل المرسلة عبر تطبيقات غير معروفة أو غير آمنة صعوبة أكبر في إثبات حجيتها نظراً لسهولة التلاعب بها أو عدم توفر بيانات كافية للتحقق منها. لذلك، يُفضل استخدام القنوات الرسمية والمعتمدة قدر الإمكان في المعاملات الهامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock