الإجراءات القانونيةالقانون المدنيالقانون المصريقانون الأحوال الشخصية

قضايا الميراث في حالة وجود ديون على المتوفى في القانون المصري

قضايا الميراث في حالة وجود ديون على المتوفى في القانون المصري

كيفية التعامل مع تركة المدين وحماية حقوق الورثة والدائنين

تعد قضايا الميراث في القانون المصري من المسائل المعقدة، وتزداد هذه التعقيدات بشكل كبير عند وجود ديون على المتوفى. يواجه الورثة في هذه الحالة تحديات قانونية وإجرائية لضمان تصفية التركة بشكل عادل يحمي حقوق الدائنين والورثة على حد سواء. يهدف هذا المقال إلى تقديم حلول عملية وخطوات واضحة للتعامل مع هذه القضايا الحساسة وفقًا لأحكام القانون المصري، مع التركيز على الإجراءات الصحيحة والخيارات المتاحة لكل من الورثة والدائنين لضمان سير العملية بسلاسة وفعالية.

مفهوم الدين والتركة في القانون المصري

قضايا الميراث في حالة وجود ديون على المتوفى في القانون المصريتُعرف التركة بأنها مجموع ما يتركه المتوفى من أموال وحقوق وما عليه من التزامات وديون. في القانون المصري، تنتقل هذه التركة بجميع مكوناتها إلى الورثة فور الوفاة. ومع ذلك، يسبق تقسيم التركة بين الورثة خطوة أساسية تتمثل في سداد كافة الديون المستحقة على المتوفى. هذا المبدأ القانوني يضمن أولوية حقوق الدائنين قبل استفادة الورثة من أي جزء من التركة.

تعريف التركة وأنواع الديون

تشمل التركة كل ما يملكه المتوفى من عقارات ومنقولات وحسابات بنكية وأسهم وسندات، بالإضافة إلى الحقوق المالية الأخرى. في المقابل، تشمل الديون المستحقة عليه القروض البنكية، الديون الشخصية، فواتير الخدمات غير المدفوعة، والالتزامات المالية الأخرى. قد تكون هذه الديون موثقة رسميًا أو غير موثقة، مما يستدعي إجراءات دقيقة لحصرها والتحقق منها. الفهم الواضح لهذه المفاهيم هو الخطوة الأولى لإدارة تركة المدين بشكل سليم.

تتنوع الديون من حيث طبيعتها وآثارها القانونية. فمنها الديون العادية التي لا تتمتع بضمانات خاصة، ومنها الديون الممتازة التي يمنحها القانون أولوية في السداد، مثل ديون النفقة أو بعض المستحقات الحكومية. معرفة هذه الأنواع تساهم في تحديد كيفية التعامل مع كل دين وأولويته في السداد من التركة، وهو ما ينعكس على حقوق كل من الدائنين والورثة. يجب على الورثة جمع كافة الوثائق المتعلقة بالديون لتقييم الوضع المالي للتركة بدقة.

أولوية سداد الديون قبل تقسيم الميراث

يؤكد القانون المصري على أن ديون المتوفى تعتبر من الحقوق المتعلقة بالتركة، ويجب الوفاء بها قبل البدء في توزيع الإرث على الورثة. هذا يعني أن التركة لا تنتقل خالصة إلى الورثة إلا بعد تصفية جميع الالتزامات المالية. في حال عدم كفاية أموال التركة لتغطية الديون، فلا يُطلب من الورثة سداد الفارق من أموالهم الخاصة، ما لم يكونوا قد قبلوا الميراث بصورة مطلقة دون تحفظ أو جرد.

تتضمن عملية أولوية السداد ترتيباً محدداً، حيث تُسدد مصاريف الجنازة والتجهيز، ثم الديون المستحقة للدولة، ثم ديون الرهن أو الامتياز، وأخيراً الديون العادية. هذا الترتيب يضمن العدالة في توزيع ما تبقى من التركة. الفشل في اتباع هذه الأولوية قد يعرض الورثة للمسؤولية القانونية أو الطعن في تقسيم التركة لاحقاً من قبل الدائنين. لذلك، فإن الالتزام بهذا الترتيب يعد حجر الزاوية في حل هذه القضايا.

الإجراءات الأولية عند اكتشاف الديون على المتوفى

عند وفاة شخص ووجود شكوك حول وجود ديون مستحقة عليه، يجب على الورثة اتخاذ مجموعة من الإجراءات القانونية السليمة لحصر هذه الديون وتحديد حجم التركة. هذه الخطوات الأولية ضرورية لضمان الشفافية وحماية حقوق جميع الأطراف المعنية، سواء كانوا ورثة أو دائنين. البدء بإجراءات دقيقة يقلل من النزاعات المستقبلية ويسهل عملية تصفية التركة وفقاً للقانون.

حصر أموال المتوفى وديونه

الخطوة الأولى تتمثل في جرد شامل لأموال المتوفى وديونه. يشمل ذلك البحث عن أي مستندات أو سجلات مالية قد تركها المتوفى، مثل عقود القروض، كشوف الحسابات البنكية، وثائق الملكية للعقارات والمنقولات، وفواتير الخدمات. يجب على الورثة التعاون في هذه العملية للكشف عن جميع الأصول والالتزامات. من المهم أيضًا البحث في السجلات الرسمية عن أي رهون أو ضمانات مسجلة على ممتلكات المتوفى.

يمكن للورثة طلب كشف حسابات بنكية من البنوك التي كان يتعامل معها المتوفى، وكذلك الاستعلام عن ممتلكاته المسجلة في الشهر العقاري أو السجل التجاري إن كان يمتلك أعمالاً. هذه العملية تساعد في تكوين صورة واضحة عن الوضع المالي للتركة. قد يكون من الضروري الاستعانة بخبير مالي أو محامٍ متخصص للمساعدة في هذه المرحلة المعقدة، لضمان عدم إغفال أي تفاصيل قد تكون حاسمة.

إشهار الوفاة وفتح ملف التركة

بعد حصر الأموال والديون بشكل مبدئي، يجب إشهار الوفاة رسميًا واستخراج شهادة الوفاة. هذه الخطوة أساسية لفتح ملف للتركة في المحكمة المختصة، وهي غالبًا محكمة الأسرة أو المحكمة المدنية حسب طبيعة النزاع. يُقدم طلب إلى المحكمة لإثبات الوفاة وتحديد الورثة الشرعيين والحصول على إعلام الوراثة. إعلام الوراثة هو وثيقة رسمية تحدد أسماء الورثة وأنصبتهم الشرعية.

يتيح فتح ملف التركة للدائنين الإبلاغ عن ديونهم والمطالبة بها أمام الجهة القضائية المختصة. كما يمنح الورثة الإطار القانوني لتصفية التركة. يجب أن يتم هذا الإجراء في أقرب وقت ممكن بعد الوفاة لتجنب تراكم الالتزامات أو ظهور مشاكل في إدارة الأصول. الشفافية في هذه المرحلة تحمي حقوق الجميع وتمنع أي محاولات للتصرف في التركة قبل تسوية الديون.

تقديم طلب جرد التركة

في حالة وجود ديون كبيرة أو عدم وضوح الوضع المالي للمتوفى، يمكن للورثة أن يطلبوا من المحكمة إجراء جرد رسمي للتركة. يُعرف هذا الإجراء بـ “القبول بشرط الجرد” أو “القبول مع التحفظ”. يهدف هذا الطلب إلى حماية الورثة من مسؤولية ديون تتجاوز قيمة التركة. يقوم المحكمة بتعيين خبير أو مأمور جرد لتحديد كل ما على التركة وما لها.

يساعد جرد التركة الرسمي في تحديد حجم الديون المستحقة بشكل دقيق، وتحديد أصول التركة القابلة للتسييل لسداد هذه الديون. هذا الإجراء يحمي الورثة من المطالبة بسداد الديون من أموالهم الخاصة، ويضمن أن مسؤوليتهم تقتصر على قيمة ما ورثوه. تقديم هذا الطلب في الوقت المناسب يجنب الورثة الكثير من المشاكل المستقبلية ويحدد مسؤوليتهم بوضوح.

طرق سداد ديون المتوفى من التركة

بعد حصر الديون وتحديد حجم التركة، تأتي مرحلة سداد هذه الديون. يقدم القانون المصري عدة طرق للتعامل مع ديون المتوفى، تتراوح بين الحلول الودية والتصالحية وصولاً إلى الإجراءات القضائية في حال تعذر التوصل إلى اتفاق. اختيار الطريقة الأنسب يعتمد على طبيعة الديون وحجم التركة واستجابة الدائنين للحلول المقترحة.

السداد الودي من أموال التركة

تُعد هذه الطريقة هي الأسهل والأسرع، حيث يقوم الورثة بسداد الديون المستحقة من الأموال النقدية المتوفرة ضمن التركة. يتم ذلك بالاتفاق مع الدائنين وتقديم إثباتات السداد. يجب على الورثة الحصول على مخالصات رسمية من جميع الدائنين تفيد استلامهم لمستحقاتهم، وذلك لحفظ حقوقهم وتجنب أي مطالبات مستقبلية. هذه المخالصات تعد وثائقاً مهمة في إثبات تصفية الديون.

يجب أن يكون السداد الودي شفافًا ومعلنًا لجميع الورثة والدائنين، لضمان عدم وجود أي شبهات أو نزاعات حول كيفية التصرف في أموال التركة. في حال عدم وجود سيولة كافية، يمكن الاتفاق على بيع بعض الأصول غير النقدية من التركة (مثل منقولات أو عقارات بسيطة) لسداد الديون. يُفضل توثيق هذه الاتفاقيات كتابيًا لضمان حقوق جميع الأطراف.

التصالح مع الدائنين

في بعض الحالات، قد تكون التركة غير كافية لتغطية جميع الديون، أو قد يرغب الورثة في تسريع عملية تصفية التركة. هنا يأتي دور التصالح مع الدائنين. يمكن للورثة التفاوض مع الدائنين على تخفيض جزء من الدين، أو جدولة السداد على فترات زمنية محددة. يتطلب هذا الحل مرونة من الطرفين ورغبة في الوصول إلى تسوية مقبولة للجميع. يتم توثيق اتفاقيات التصالح كتابيًا لضمان تنفيذها.

يمكن أن يتم التصالح تحت إشراف محامٍ أو جهة قضائية لضمان شرعية الاتفاق وحماية حقوق الطرفين. هذا الحل يوفر الوقت والجهد والتكاليف التي قد تنجم عن اللجوء إلى التقاضي. نجاح التصالح يعتمد على حسن نية الأطراف ورغبتهم في إنهاء النزاع بطريقة ودية. يجب أن تكون شروط التصالح واضحة ومحددة لتجنب أي تفسيرات خاطئة مستقبلاً.

البيع القضائي لأصول التركة

إذا لم يتوفر المال الكافي لسداد الديون وديًا أو لم يتم التوصل إلى اتفاق تصالحي مع الدائنين، قد يُلجأ إلى البيع القضائي لأصول التركة. يقوم الدائنون، أو الورثة في بعض الأحيان، برفع دعوى قضائية للمحكمة المختصة لطلب بيع أصول المتوفى بالمزاد العلني. يتم بيع هذه الأصول تحت إشراف المحكمة، وتُسدد الديون من حصيلة البيع. يتم تطبيق ترتيب الأولوية في سداد الديون في هذه الحالة.

يضمن البيع القضائي الشفافية والعدالة في عملية البيع، ويقلل من فرص النزاع حول تقييم الأصول. ومع ذلك، قد يستغرق هذا الإجراء وقتًا طويلاً وقد تنخفض قيمة الأصول المباعة مقارنة بقيمتها السوقية الفعلية في بعض الأحيان. يجب على الورثة والدائنين الاستعداد لهذه الإجراءات الطويلة والمعقدة والتشاور مع محامٍ متخصص في مثل هذه الحالات.

حماية الورثة من مسؤولية ديون المتوفى

يشعر العديد من الورثة بالقلق بشأن مسؤوليتهم عن ديون المتوفى، خاصة إذا كانت هذه الديون كبيرة. لحسن الحظ، يوفر القانون المصري آليات لحماية الورثة من هذه المسؤولية، بحيث لا تتجاوز مسؤوليتهم قيمة ما ورثوه من التركة. فهم هذه الآليات واتخاذ الإجراءات الصحيحة هو مفتاح حماية أموالهم الخاصة من الديون المستحقة على المورث.

قبول الميراث مع التحفظ (القبول بشرط الجرد)

يسمح القانون للورثة بقبول الميراث بشرط الجرد، وهو ما يعني أن مسؤوليتهم عن ديون المتوفى تقتصر على حدود قيمة الأصول الموجودة في التركة. لكي يتم هذا الإجراء، يجب على الورثة التقدم بطلب للمحكمة لإجراء جرد رسمي للتركة فور علمهم بالوفاة أو بالديون. بعد الجرد، يتم سداد الديون من أموال التركة، وما يتبقى يوزع على الورثة. وإذا لم تكفِ التركة، فلا يُسأل الورثة عن سداد الفارق من أموالهم الخاصة.

هذا النوع من القبول يحمي الورثة من مفاجآت الديون غير المعلومة أو المبالغ فيها. هو إجراء وقائي يضمن عدم تحميل الورثة أعباء مالية لم يكن لديهم علم بها. يجب على الورثة عدم التصرف في أي من أصول التركة قبل اكتمال الجرد، لأن أي تصرف قد يعتبر قبولًا ضمنيًا للميراث بالكامل وبالتالي تحمل مسؤولية الديون كاملة. هذا يتطلب استشارة قانونية متخصصة لتوجيه الورثة نحو الإجراءات الصحيحة.

التنازل عن الميراث

في بعض الحالات، قد تكون ديون المتوفى تفوق قيمة التركة بشكل كبير، أو تكون التركة معقدة وتتطلب الكثير من الإجراءات والتكاليف. في هذه الحالة، يمكن للورثة التنازل عن الميراث بشكل كامل. التنازل عن الميراث يعني التخلي عن جميع الحقوق في التركة، وفي المقابل، لا يتحمل المتنازلون أي مسؤولية عن ديون المتوفى. يجب أن يكون التنازل صريحًا وموثقًا رسميًا.

لا يمكن للورثة التنازل عن جزء من الميراث أو قبول جزء والتنازل عن آخر. التنازل يجب أن يكون كاملاً وشاملاً. غالبًا ما يكون هذا الخيار هو الحل الأفضل عندما تكون التركة مثقلة بالديون لدرجة أنها لا تغطي تكاليف إدارتها وتصفيتها. التنازل يحمي الورثة من دخول في نزاعات قانونية طويلة ومكلفة مع الدائنين، ويمنحهم راحة البال من الأعباء المالية المحتملة.

مسؤولية الورثة المحدودة في القانون المصري

بموجب القانون المصري، الأصل العام هو أن مسؤولية الورثة عن ديون المتوفى تكون محدودة بقيمة ما آل إليهم من التركة. هذا يعني أن أموال الورثة الخاصة لا يمكن للدائنين المطالبة بها لسداد ديون المورث، ما لم يكن هناك استثناء قانوني صريح أو قام الورثة بالتصرف في التركة بشكل غير قانوني قبل تصفية الديون. هذا المبدأ يمثل حماية قوية للورثة.

ومع ذلك، إذا قام الوريث بالتصرف في جزء من التركة أو قام بإخفاء أصول منها بقصد الإضرار بالدائنين، فإنه قد يصبح مسؤولاً عن ديون المتوفى بشكل شخصي. لذا، يجب على الورثة التعامل بمنتهى الشفافية والنزاهة مع التركة وديونها. الالتزام بالإجراءات القانونية الصحيحة يضمن استمرارية هذه الحماية القانونية للورثة. الاستشارة مع محامٍ متخصص أمر لا غنى عنه في مثل هذه الحالات المعقدة.

دور الدائنين في استيفاء حقوقهم من التركة

لا يقتصر الأمر على الورثة فقط، فالدائنون لهم حقوق يجب حمايتها عند وفاة المدين. يمنح القانون المصري للدائنين آليات محددة للمطالبة بديونهم من تركة المتوفى، ويحدد أولويات معينة لضمان حصولهم على مستحقاتهم. فهم الدائنين لهذه الآليات يساعدهم في استيفاء حقوقهم بفعالية وبشكل قانوني سليم، دون الإضرار بحقوق الورثة.

إجراءات المطالبة بالدين

يجب على الدائنين تقديم مطالباتهم بالدين إلى الورثة أو إلى المحكمة المختصة التي تنظر في ملف التركة في أقرب وقت ممكن بعد علمهم بالوفاة. يفضل أن تكون المطالبة مكتوبة وموثقة، مع إرفاق كافة المستندات التي تثبت صحة الدين وقيمته. يمكن للدائنين إخطار الورثة رسميًا بالديون المستحقة عليهم وإمهالهم فترة زمنية لسدادها قبل اللجوء إلى الإجراءات القضائية.

في حالة عدم استجابة الورثة أو عدم كفاية التركة، يحق للدائنين رفع دعوى قضائية أمام المحكمة للمطالبة بالدين. يجب أن تتضمن الدعوى كافة الأدلة التي تثبت الدين وتاريخ استحقاقه وقيمته. المحكمة ستقوم بالنظر في هذه المطالبات وتقييمها ضمن إطار تصفية التركة، مع مراعاة حقوق سائر الدائنين والورثة. التوثيق الجيد للدين هو مفتاح نجاح هذه المطالبة.

الأولوية بين الدائنين

في حال عدم كفاية التركة لتغطية جميع الديون، يحدد القانون المصري ترتيبًا للأولوية بين الدائنين. تُسدد الديون الممتازة أولاً، مثل الديون المضمونة برهن رسمي أو حقوق الامتياز الخاصة، وديون النفقة المستحقة، وبعض الضرائب والرسوم الحكومية. تأتي بعد ذلك الديون العادية غير المضمونة، والتي يتم توزيع ما يتبقى من التركة عليها بالتناسب إن لم تكفِ لتغطيتها كاملة. هذا الترتيب يضمن العدالة في توزيع الموارد المحدودة.

يجب على الدائنين معرفة وضع دينهم ضمن هذا الترتيب لتحديد فرصهم في استيفاء حقوقهم كاملة. قد يؤثر هذا الترتيب على قرار الدائنين بمدى جدوى متابعة الدعاوى القضائية في حال كانت قيمة التركة قليلة للغاية والديون الممتازة كثيرة. الفهم الصحيح للأولوية يساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة ويقلل من النزاعات حول توزيع أموال التركة.

اللجوء إلى القضاء

إذا تعذر التوصل إلى حلول ودية أو تصالحية، أو إذا رأى الدائنون أن حقوقهم مهددة، فإن اللجوء إلى القضاء يصبح ضروريًا. يمكن للدائنين رفع دعوى قضائية للمطالبة بديونهم وإجبار الورثة على تصفية التركة لسدادها. تتدخل المحكمة في هذه الحالة لإصدار الأحكام اللازمة، والتي قد تشمل بيع أصول المتوفى بالمزاد العلني أو تعيين حارس قضائي لإدارة التركة حتى يتم سداد الديون.

التقاضي قد يكون مكلفًا ويستغرق وقتًا طويلاً، لذا يجب على الدائنين تقييم جدواه بعناية قبل اتخاذ هذه الخطوة. ومع ذلك، فهو يضمن تنفيذ أحكام القانون ويحمي حقوق الدائنين بشكل فعال. يجب على الدائنين تجميع كافة الأدلة والمستندات التي تدعم مطالباتهم وتقديمها للمحكمة. الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا الميراث والديون أمر حيوي لضمان سير الإجراءات القضائية بشكل سليم.

حلول إضافية ونصائح عملية للتعامل مع ديون التركة

بالإضافة إلى الإجراءات القانونية الأساسية، هناك العديد من الحلول الإضافية والنصائح العملية التي يمكن أن تساعد الورثة والدائنين على حد سواء في التعامل مع قضايا الميراث التي تتضمن ديونًا على المتوفى. هذه النصائح تهدف إلى تبسيط الإجراءات، تقليل النزاعات، وتوفير حلول منطقية وفعالة لجميع الأطراف المعنية.

الاستعانة بمحامٍ متخصص

تعتبر قضايا الميراث التي تتضمن ديونًا من القضايا المعقدة التي تتطلب معرفة عميقة بالقانون المصري. لذلك، فإن الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا الميراث وتصفية التركات أمر بالغ الأهمية. يمكن للمحامي تقديم المشورة القانونية اللازمة للورثة حول حقوقهم وواجباتهم، ومساعدتهم في إجراءات حصر التركة والديون، والتفاوض مع الدائنين، وتمثيلهم أمام المحاكم في حال اللجوء إلى القضاء. كما يمكنه مساعدة الدائنين في صياغة مطالباتهم القانونية.

يساعد المحامي في تجنب الأخطاء الشائعة التي قد تؤدي إلى تحميل الورثة مسؤولية شخصية عن الديون، أو ضياع حقوق الدائنين. خبرة المحامي تضمن أن جميع الإجراءات تتم وفقًا للقانون، مما يوفر الوقت والجهد ويقلل من احتمالية النزاعات المستقبلية. اختيار المحامي المناسب ذو الخبرة في هذا المجال يعد استثمارًا حكيمًا لحماية مصالح الجميع.

التوثيق الدقيق لجميع الإجراءات

يعد التوثيق الدقيق لجميع الخطوات والإجراءات المتعلقة بالتركة والديون أمرًا حيويًا. يجب على الورثة الاحتفاظ بنسخ من جميع المستندات، مثل شهادة الوفاة، إعلام الوراثة، كشوف الحسابات، عقود القروض، ومخالصات السداد. كما يجب توثيق أي اتفاقيات يتم التوصل إليها مع الدائنين كتابيًا. هذا التوثيق يوفر دليلاً قويًا في حال نشوب أي نزاعات مستقبلية ويحمي جميع الأطراف.

يجب أن يشمل التوثيق أيضًا سجلات الاتصالات والاجتماعات مع الدائنين أو المحامين أو الجهات القضائية. كل وثيقة أو سجل يمكن أن يكون له دور حاسم في إثبات سير الإجراءات بشكل صحيح. الشفافية والتوثيق الدقيق يساهمان في بناء الثقة بين الأطراف ويقللان من فرص سوء الفهم أو الادعاءات الكاذبة، مما يسهل عملية تصفية التركة بسلاسة وفعالية.

أهمية الشفافية بين الورثة والدائنين

تلعب الشفافية دورًا محوريًا في حل قضايا الميراث التي تتضمن ديونًا. يجب على الورثة الكشف عن جميع المعلومات المتعلقة بالتركة والديون للدائنين والورثة الآخرين، وتجنب إخفاء أي معلومات قد تؤثر على حقوق أي طرف. كما يجب على الدائنين تقديم معلومات دقيقة وصريحة حول ديونهم ومستندات الإثبات.

الشفافية تقلل من الشكوك وسوء الظن، وتفتح الباب أمام التفاوض والتوصل إلى حلول ودية. عندما يشعر الجميع بأنهم على دراية كاملة بالوضع، يصبح من الأسهل بناء الثقة والعمل معًا نحو حل عادل. التعتيم على المعلومات أو محاولة إخفاء بعض الأصول أو الديون يؤدي حتماً إلى نزاعات قانونية طويلة ومعقدة تضر بجميع الأطراف المعنية. الشفافية هي أساس التعامل القانوني والأخلاقي السليم.

الوساطة والتسوية

في بعض الأحيان، قد يكون من المفيد اللجوء إلى الوساطة أو التسوية كبديل للتقاضي. يمكن لطرف ثالث محايد (وسيط) مساعدة الورثة والدائنين على التفاوض والتوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين. يتمتع الوسيط بالقدرة على تقريب وجهات النظر وتقديم حلول مبتكرة قد لا يفكر فيها الأطراف بأنفسهم. هذا الخيار يوفر الوقت والمال ويحافظ على العلاقات بين الأطراف، خاصة إذا كانوا أقارب.

التسوية الودية، إن أمكن تحقيقها، دائمًا ما تكون أفضل من النزاعات القضائية الطويلة والمرهقة. يجب أن يتم توثيق أي اتفاق تسوية بشكل رسمي لضمان التزامه من قبل جميع الأطراف. تشجع المحاكم المصرية على التسوية في العديد من القضايا، لا سيما تلك المتعلقة بالنزاعات المالية والأسرية. البحث عن حلول بديلة للنزاعات يمكن أن يكون له أثر إيجابي كبير على الجميع.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock