الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصري

الإقرار القضائي: سيد الأدلة في بعض الحالات والإجراءات

الإقرار القضائي: سيد الأدلة في بعض الحالات والإجراءات

فهم الإقرار القضائي كأداة حاسمة في تحقيق العدالة

يعتبر الإقرار القضائي من أهم وسائل الإثبات في العديد من الدعاوى، حيث يحمل في طياته قوة قانونية استثنائية تجعله سيد الأدلة في سياقات معينة. تهدف هذه المقالة إلى استكشاف مفهوم الإقرار القضائي وأنواعه، وتقديم خطوات عملية حول كيفية التعامل معه إجرائيًا، سواء كنت مدعيًا أو مدعى عليه، مع التركيز على الاستفادة القصوى من هذه الأداة القانونية الحيوية أو الدفاع ضدها بفعالية.

مفهوم الإقرار القضائي وأنواعه

تعريف الإقرار القضائي

الإقرار القضائي: سيد الأدلة في بعض الحالات والإجراءاتالإقرار القضائي هو اعتراف خصم بواقعة قانونية مدعى بها عليه، وذلك أمام القضاء أثناء سير الخصومة، ويترتب على هذا الاعتراف اعتبار الواقعة محل الإقرار ثابتة لا تحتاج إلى دليل إثبات آخر. يتميز الإقرار القضائي بقوته الثبوتية المطلقة، مما يجعله أحد أقوى الأدلة التي يعتد بها في الحكم القضائي.

يجب أن يكون الإقرار صريحًا وواضحًا في دلالته على الواقعة المعترف بها، أو ضمنيًا يستفاد من سلوك المقر أو أقواله التي لا تدع مجالًا للشك حول قصده بالإقرار. هذه القوة تفرض على كل طرف في الدعوى فهم عميق لطبيعة الإقرار وتأثيره المحتمل على مصيره القانوني.

أنواع الإقرار القضائي

الإقرار الصريح والضمني

الإقرار الصريح هو الذي يصدر بلفظ واضح أو كتابة جلية تدل على الاعتراف بالواقعة المدعى بها، مثل أن يقول الخصم “أنا أقر بالدين المدعى به”. أما الإقرار الضمني فيُستنتج من تصرفات الخصم أو أقواله التي لا تدع مجالاً للشك في اعترافه، كسكوت المدعى عليه عن الإجابة على واقعة صريحة وجهت إليه في جلسة المحاكمة وكان بإمكانه الرد عليها.

يعد التمييز بينهما مهمًا، فالإقرار الصريح لا يحتاج إلى تأويل، بينما الإقرار الضمني قد يكون محلاً للاجتهاد القضائي لاستخلاص دلالته، مع الحرص على أن يكون هذا الاستخلاص قائمًا على قرائن قوية وواضحة لا لبس فيها. القاضي هو من يملك سلطة تقدير الإقرار الضمني واستخلاص نتيجته.

الإقرار البسيط والمركب

الإقرار البسيط هو الذي يقر فيه الخصم بالواقعة المدعى بها دون أن يضيف إليها أي تعديل أو وصف يغير من طبيعتها، كالإقرار بوجود الدين. أما الإقرار المركب فهو الذي يقر فيه الخصم بالواقعة ولكنه يضيف إليها واقعة أخرى تغير من أثرها أو تفسرها، مثل الإقرار بالدين مع ادعاء الوفاء به أو المقاصة.

يُقسم الإقرار المركب إلى قسمين: مركب غير قابل للتجزئة (مثل الإقرار بالدين وسبب الدين) ومركب قابل للتجزئة (مثل الإقرار بالدين وادعاء الوفاء). فهم هذا التقسيم ضروري لتحديد مدى قوة الإقرار وإمكانية الأخذ بجزء منه دون الآخر، وهو ما يتطلب خبرة قانونية للتعامل معه بفاعلية.

الإقرار الكلي والجزئي

الإقرار الكلي هو الذي يتناول جميع الوقائع المدعى بها على المقر دون استثناء. بينما الإقرار الجزئي ينصرف إلى الإقرار ببعض الوقائع المدعى بها دون البعض الآخر، أو الإقرار بجزء من المبلغ المطالب به وليس كله. يختلف تأثير كل نوع على مجرى الدعوى.

يؤثر الإقرار الكلي بشكل حاسم على الدعوى، حيث قد ينهيها لصالح الطرف الآخر في بعض الحالات. أما الإقرار الجزئي، فيترك جزءًا من النزاع قائمًا يتطلب إثباتًا آخر، وهذا يبرز أهمية تحديد نطاق الإقرار بدقة عند تقديمه أو مواجهته في المحكمة لضمان عدم الإقرار بما هو ليس مطلوبًا أو بغير قصد.

القوة الثبوتية للإقرار القضائي وشروط صحته

لماذا يعتبر الإقرار سيد الأدلة؟

يُعد الإقرار القضائي سيد الأدلة في بعض الحالات لأنه يمثل اعترافًا صادرًا عن الخصم نفسه بواقعة ضده، مما يجعلها ثابتة دون الحاجة إلى أدلة أخرى لإثباتها. هذه القوة تنبع من افتراض أن الشخص لا يعترف بشيء يضر بمصلحته إلا إذا كان حقيقة، وهذا يضفي عليه مصداقية عالية أمام القضاء. وبالتالي، فهو يختصر مسار الإثبات ويوفر الوقت والجهد في الدعوى.

القانون يمنح الإقرار هذه المكانة تقديرًا لحقيقته المتأصلة، فهو يعكس إرادة الخصم الحرة في الاعتراف. هذه الخاصية تجعل المحاكم تولي الإقرار أهمية قصوى عند الفصل في القضايا، بشرط أن تتوافر فيه جميع الشروط القانونية التي تضمن صحته ونفاذه. فهم هذه القوة يساعد الأطراف على تقدير مدى خطورة أو فائدة الإقرار.

شروط صحة الإقرار القضائي

صدوره عن ذي أهلية

يشترط لصحة الإقرار أن يصدر عن شخص له أهلية الإقرار، أي أن يكون بالغًا عاقلاً غير محجور عليه، ومتمتعًا بكامل قواه العقلية والإدراكية. إذا صدر الإقرار عن شخص غير أهل، كصغير أو مجنون أو معتوه، فإنه يعتبر باطلاً ولا يعتد به كدليل إثبات. هذه الأهلية تضمن أن يكون الإقرار نابعًا عن إرادة حرة وواعية.

يجب على المحكمة التأكد من أهلية المقر قبل الأخذ بإقراره، وهذا يمثل حماية قانونية للمتقاضين. في حال كان المقر ممثلاً بشخص آخر، مثل ولي أو وصي أو وكيل، فيجب أن يكون لهذا الممثل صلاحية قانونية تخوله الإقرار بالواقعة محل النزاع، وأن يكون الإقرار ضمن حدود الصلاحيات الممنوحة له.

وروده في خصومة قائمة

يجب أن يتم الإقرار أمام القضاء أثناء سير خصومة قضائية فعلية، أي أن يكون النزاع مطروحًا بالفعل أمام المحكمة. الإقرار الذي يتم خارج إطار الخصومة القضائية، مثل الاعترافات الشفهية أو الكتابية في غير المحكمة، يعتبر إقرارًا غير قضائي وتخضع قوته الثبوتية لقواعد الإثبات العامة التي قد تتطلب أدلة أخرى لتعزيزه.

وجود الإقرار ضمن إطار الخصومة يضفي عليه الطابع الرسمي والإجرائي الذي يجعله ملزمًا وقاطعًا. وهذا الشرط يهدف إلى التأكد من أن الإقرار قد تم في سياق يتيح للمحكمة الإشراف عليه وتوثيقه بشكل سليم، ويسمح للطرف الآخر بالرد عليه أو الطعن فيه إذا لزم الأمر.

أن يكون صريحًا أو ضمنيًا لا لبس فيه

لصحة الإقرار، يجب أن يكون صريحًا وواضحًا في دلالته على الواقعة محل الإقرار، أو ضمنيًا لكن لا يدع مجالاً لأي شك أو تأويل في نية المقر بالاعتراف. يجب ألا يكون الإقرار غامضًا أو محتملاً لأكثر من معنى، بل يجب أن يكون محددًا وقاطعًا في دلالته على الواقعة المراد إثباتها. الغموض يفقد الإقرار قيمته كدليل حاسم.

يتعين على القاضي التأكد من وضوح الإقرار واستخلاص النتيجة منه دون أي شك. في حال الإقرار الضمني، يجب أن تكون القرائن التي استخلص منها القاضي الإقرار قوية ومتماسكة بشكل لا يدع مجالاً للشك بأن المقر قصد فعلاً الاعتراف بالواقعة. هذا الوضوح يضمن عدم تفسير السلوكيات بطريقة خاطئة.

أن يكون متعلقًا بواقعة قانونية

يجب أن ينصب الإقرار على واقعة قانونية محددة ومؤثرة في الدعوى، وليست مجرد آراء أو استنتاجات. يجب أن تكون الواقعة التي أُقر بها متعلقة بموضوع النزاع ومن شأنها أن تؤثر في الحكم القضائي. الإقرار بالرأي أو التخمين لا يعتبر إقرارًا قضائيًا له قوته الثبوتية المطلقة.

هذا الشرط يضمن أن يكون الإقرار ذا صلة مباشرة بالحقوق والالتزامات المتنازع عليها، ويحد من نطاق الإقرار ليشمل فقط ما هو جوهري للدعوى. على سبيل المثال، الإقرار بوجود عقد إيجار هو واقعة قانونية، بينما الإقرار بأن العقد عادل أو غير عادل هو مجرد رأي لا يصلح كإقرار قضائي.

الإجراءات العملية للاستفادة من الإقرار القضائي

خطوات المدعي لانتزاع الإقرار

صياغة الأسئلة الموجهة بدقة

لانتزاع الإقرار من المدعى عليه، يجب على المدعي أو وكيله القانوني صياغة الأسئلة التي توجه إليه بدقة ووضوح. يجب أن تكون هذه الأسئلة مباشرة ومحددة وتركز على الوقائع التي يراد الإقرار بها، بحيث لا تترك مجالاً للتهرب أو التملص. الأسئلة الغامضة أو المركبة قد لا تؤدي إلى إقرار فعال.

ينصح بتقديم الأسئلة في مذكرة مكتوبة إلى المحكمة، مع طلب توجيهها إلى المدعى عليه والإلزام بالإجابة عليها في الجلسة. يجب أن تكون الأسئلة محكمة الصياغة لتدفع المدعى عليه إما للاعتراف الصريح أو الإنكار الواضح الذي قد يترتب عليه توجيه اليمين الحاسمة في بعض الحالات.

طلب توجيه اليمين الحاسمة

إذا تهرب المدعى عليه من الإجابة الصريحة أو كانت إجابته غير واضحة، يمكن للمدعي أن يطلب من المحكمة توجيه اليمين الحاسمة إليه. اليمين الحاسمة هي وسيلة إثبات قوية يلجأ إليها الطرف الذي ليس لديه دليل آخر لإثبات دعواه، ويحلف بها الخصم على صحة واقعة أو عدم صحتها.

يجب أن تكون الوقائع التي يُطلب توجيه اليمين عليها محددة وذات صلة بالنزاع وممكنة الحلف عليها. إذا حلف المدعى عليه، فإنه يحسم النزاع لصالحه. أما إذا امتنع عن الحلف أو نكل عنه، فيعتبر ذلك إقرارًا ضمنيًا بالواقعة التي حُلِف عليها، ويتم الحكم بناءً على ذلك.

توثيق الإقرار في المحضر

بمجرد صدور الإقرار من الخصم، سواء كان صريحًا أو ضمنيًا، يجب على المدعي التأكد من توثيق هذا الإقرار بدقة في محضر الجلسة. هذا التوثيق هو الذي يمنح الإقرار صفته الرسمية والقانونية ويجعله حجة على المقر. يجب مراجعة محضر الجلسة للتأكد من أن صياغة الإقرار قد تم تدوينها بشكل صحيح ودقيق.

يمكن للمدعي طلب نسخة من محضر الجلسة الذي يتضمن الإقرار للاحتفاظ بها كوثيقة رسمية. هذا الإجراء حيوي لضمان عدم إمكانية التراجع عن الإقرار أو إنكاره لاحقًا، حيث يصبح جزءًا لا يتجزأ من ملف الدعوى ويعول عليه في إصدار الحكم النهائي.

خطوات المدعى عليه عند الإقرار بواقعة

تحليل تبعات الإقرار

قبل الإقرار بأي واقعة، يجب على المدعى عليه أو وكيله القانوني تحليل التبعات القانونية المحتملة لهذا الإقرار. الإقرار قد يحسم الدعوى ضده، لذا يجب التفكير مليًا في الأثر المترتب على الاعتراف بالواقعة. هل هذا الإقرار ضروري؟ هل هناك دفاع آخر ممكن؟ هل الإقرار سينقذ جزءًا من الدعوى بينما يخسر الجزء الأهم؟

هذا التحليل يتطلب فهمًا عميقًا للقانون ولظروف الدعوى، ويجب أن يتم بمشورة قانونية متخصصة. قد يكون الإقرار ببعض الوقائع مفيدًا لتبسيط الدعوى أو لكسب ثقة المحكمة في بعض الجوانب، لكن يجب أن يكون قرار الإقرار مدروسًا وواعيًا لتجنب النتائج غير المرغوبة.

إمكانية تقييد الإقرار

في بعض الحالات، قد لا يكون الإقرار بالواقعة المدعى بها كليًا أو مطلقًا. يمكن للمدعى عليه أن يقر بالواقعة مع تقييدها ببعض الشروط أو الإضافات التي تغير من أثرها. هذا ما يعرف بالإقرار المركب. مثلاً، الإقرار بوجود الدين مع الإقرار بالوفاء به أو وجود مقاصة تسقط الدين جزئيًا أو كليًا.

يتعين على المدعى عليه توضيح هذه القيود والإضافات بوضوح في إقراره أمام المحكمة. هذا الإجراء يتطلب دقة في الصياغة لضمان أن تفهم المحكمة مراد المقر وأن تأخذ بالاعتبارات الإضافية التي قدمها، مما قد يخفف من قوة الإقرار أو يقلل من نطاقه ضده.

الإقرار الجزئي وتأثيره

إذا كانت الدعوى تتضمن عدة وقائع أو مبالغ، يمكن للمدعى عليه أن يقر ببعضها دون البعض الآخر. هذا الإقرار الجزئي يحسم النزاع في الجزء المقر به فقط، ويبقى الجزء غير المقر به محل نزاع يتطلب إثباتًا من المدعي. يساعد هذا الإجراء في تضييق نطاق النزاع وتبسيط إجراءات المحاكمة.

يجب على المدعى عليه تحديد الوقائع التي يقر بها بدقة والوقائع التي ينكرها، مع تقديم أسباب الإنكار إن وجدت. الإقرار الجزئي يمكن أن يكون استراتيجية فعالة لتوفير الوقت والجهد القضائي، والتركيز على الدفاع في الجوانب الأكثر أهمية والتي تتطلب إثباتًا أقوى من الطرف الآخر.

كيفية الدفاع ضد الإقرار القضائي أو الطعن فيه

الحالات التي يمكن فيها الطعن في الإقرار

الإكراه أو الغلط أو التدليس

يمكن الطعن في الإقرار القضائي إذا أُثبت أنه صدر نتيجة لإكراه مادي أو معنوي، أو نتيجة لغلط جوهري في الواقعة التي أُقر بها، أو بسبب تدليس مارسه الطرف الآخر للحصول على الإقرار. هذه العيوب التي تشوب الإرادة تجعل الإقرار باطلاً، حيث يشترط في الإقرار أن يكون صادرًا عن إرادة حرة واعية.

يقع عبء إثبات هذه العيوب على عاتق من يدعيها. ويجب تقديم أدلة قوية ومقنعة للمحكمة تثبت وجود الإكراه أو الغلط أو التدليس. هذه الأدلة قد تشمل شهادة الشهود، أو مستندات، أو أية قرائن أخرى تدعم دعوى الطعن في الإقرار وتفقد الإقرار قيمته الثبوتية.

انتفاء أهلية المقر

كما ذكرنا سابقًا، يشترط لصحة الإقرار أن يكون صادرًا عن شخص ذي أهلية كاملة. إذا أُثبت أن المقر كان فاقدًا للأهلية وقت صدور الإقرار، كأن يكون صغيرًا غير مميز، أو مصابًا بمرض عقلي يؤثر على إدراكه، فإن الإقرار يعتبر باطلاً ولا ينتج أي أثر قانوني. هذا يمثل دفاعًا جوهريًا ضد الإقرار.

يمكن إثبات انتفاء الأهلية بتقديم مستندات رسمية تثبت حالة المقر، أو بتقرير طبي شرعي، أو بشهادة شهود. يجب أن يتمسك بهذا الدفع في أقرب فرصة أمام المحكمة، لأن إثبات انتفاء الأهلية يلغي الإقرار برمته ويجعله كأن لم يكن، ويعيد الدعوى إلى نقطة البداية بالنسبة للواقعة محل الإقرار.

عدم صلاحية الإقرار لإثبات الواقعة

في بعض الحالات، قد يكون الإقرار غير صالح لإثبات الواقعة المدعى بها قانونًا، حتى لو كان صحيحًا من حيث صدوره. هذا يحدث عندما يتطلب القانون طريقة إثبات معينة لا يمكن استبدالها بالإقرار. على سبيل المثال، في بعض التصرفات العقارية التي تتطلب الكتابة الرسمية كشرط للانعقاد، قد لا يكفي الإقرار وحده لإثباتها.

يتوجب على الخصم المدفوع ضده بالإقرار أن يدفع بعدم صلاحية الإقرار لإثبات الواقعة، مستندًا في ذلك إلى نصوص قانونية محددة. هذه النقطة تبرز أن الإقرار، على قوته، ليس بديلاً عن جميع الشروط الشكلية التي قد يفرضها القانون لبعض التصرفات القانونية، ويجب الانتباه إلى هذه التفاصيل الدقيقة.

إجراءات الطعن في الإقرار

تقديم الدفوع الشكلية والموضوعية

للطعن في الإقرار، يجب على الخصم أن يقدم دفوعه أمام المحكمة في مواعيدها القانونية. الدفوع الشكلية قد تتعلق بإجراءات الإقرار، مثل عدم توثيقه بشكل سليم. أما الدفوع الموضوعية فتتعلق بصلب الإقرار نفسه، مثل دعوى الإكراه أو الغلط أو انتفاء الأهلية. يجب أن تكون هذه الدفوع مدعمة بالأسانيد القانونية والواقعية.

يجب على المدافع توضيح الأساس القانوني لكل دفع وربطه بالوقائع المحددة. تقديم الدفوع بشكل منظم ومقنع يزيد من فرص المحكمة في الأخذ بها. يجب ألا يتوانى الخصم عن تقديم كل ما لديه من دفوع وأسانيد قانونية لتفنيد الإقرار أو التقليل من قوته الثبوتية.

إثبات عيوب الإرادة

إذا كان الطعن في الإقرار مبنيًا على عيوب الإرادة (إكراه، غلط، تدليس)، فيقع عبء إثبات هذه العيوب على عاتق من يدعيها. يتطلب ذلك تقديم أدلة قوية ومباشرة للمحكمة تثبت أن الإرادة لم تكن حرة وقت صدور الإقرار. يمكن الاستعانة بالشهود الذين حضروا الواقعة، أو بتقديم مستندات تدعم هذا الادعاء.

كذلك يمكن طلب إجراء تحقيق قضائي أو انتداب خبير لتقديم تقرير حول الظروف التي صدر فيها الإقرار، أو طلب الاستماع إلى أقوال الأطراف. يجب أن تكون الأدلة المقدمة كافية لإقناع المحكمة بأن الإقرار لم يكن تعبيرًا حقيقيًا عن إرادة المقر، وبالتالي لا يمكن الاعتداد به.

طلب سماع الشهود أو تقديم مستندات

في إطار الطعن على الإقرار، يحق للخصم أن يطلب من المحكمة سماع شهود قد يكون لديهم معلومات حول الظروف التي صدر فيها الإقرار، أو حول حالة المقر وقت صدوره. كما يمكن تقديم مستندات جديدة لم تكن موجودة في ملف الدعوى، إذا كانت هذه المستندات تدعم الطعن في الإقرار أو تبين عدم صحته.

يجب تقديم طلب سماع الشهود أو تقديم المستندات في الإطار الإجرائي الصحيح، مع تحديد الوقائع التي يراد إثباتها بالشهادة أو بالمستندات. المحكمة ستقوم بتقدير أهمية هذه الأدلة وتأثيرها على الإقرار، وقد تأمر بإجرائها إذا رأت ضرورة لذلك للفصل في الدعوى.

نصائح إضافية للتعامل مع الإقرار القضائي بفعالية

الأهمية القصوى للاستشارة القانونية

نظرًا للقوة الكبيرة للإقرار القضائي وتأثيره الحاسم على مجرى الدعوى، فإن الحصول على استشارة قانونية متخصصة أمر لا غنى عنه. المحامي المتخصص يمكنه تقديم النصح حول كيفية صياغة الإقرار، أو كيفية انتزاعه من الخصم، أو كيفية الطعن فيه والدفاع ضده. هذا التوجيه يضمن التعامل الأمثل مع هذه الأداة القانونية.

المشورة القانونية قبل الإدلاء بأي إفادة أمام المحكمة يمكن أن تحمي مصالحك وتجنبك الوقوع في أخطاء قد تكلفك الكثير. المحامي سيقوم بتحليل وضعك القانوني، وتحديد أفضل استراتيجية للتعامل مع الإقرار القضائي، سواء كنت مدعيًا أو مدعى عليه، مما يعزز موقفك في الدعوى.

التحضير المسبق لجميع السيناريوهات

يجب على الأطراف، خاصة المدعى عليه، التحضير المسبق لجميع السيناريوهات المحتملة المتعلقة بالإقرار القضائي. يجب التفكير فيما إذا كان سيتم الإقرار بوقائع معينة، أو إنكارها، أو تقييدها. هذا التحضير يشمل جمع الأدلة التي تدعم أي إنكار أو طعن، وتجهيز الدفوع القانونية اللازمة.

التحضير الجيد يقلل من احتمالية المفاجآت في المحكمة ويساعد على اتخاذ القرارات الصائبة تحت الضغط. ينصح بإجراء محاكاة لجلسات الاستجواب مع المحامي لتوقع الأسئلة المحتملة وتجهيز الإجابات المناسبة، مما يضمن تقديم دفاع قوي وفعال في مواجهة أي طلب للإقرار.

فهم الفروق بين الإقرار القضائي وغير القضائي

من الضروري فهم الفرق الجوهري بين الإقرار القضائي والإقرار غير القضائي. الإقرار القضائي له قوة ثبوتية مطلقة ويحسم النزاع في الواقعة التي أُقر بها. أما الإقرار غير القضائي، فهو ما يصدر خارج إطار المحكمة، وقوته الثبوتية تقديرية للقاضي وقد يحتاج إلى أدلة أخرى لتعزيزه.

هذا الفهم يساعد الأطراف على تقدير وزن كل نوع من الإقرار وتأثيره على الدعوى. لا يجب الخلط بينهما، لأن التعامل مع كل منهما يختلف إجرائيًا وقانونيًا. التركيز على الإقرار القضائي واستغلال قوته أو الدفاع ضده بفعالية هو مفتاح النجاح في الدعاوى التي يظهر فيها كدليل.

التعامل بحذر مع الإقرار الضمني

على الرغم من أن الإقرار الضمني له قوة الإثبات في بعض الحالات، إلا أنه يتطلب تعاملاً حذرًا. يجب على الأطراف، خاصة المدعى عليه، الانتباه إلى سلوكياتهم وأقوالهم أمام المحكمة، لأن بعض التصرفات قد تُفسر كإقرار ضمني بالوقائع المدعى بها. الصمت في مواجهة سؤال مباشر يمكن أن يكون له دلالة الإقرار في بعض السياقات.

لذا، ينصح دائمًا بالإجابة على الأسئلة بوضوح ودون ترك مجال للتأويل، وفي حال عدم الرغبة في الإقرار بواقعة، يجب إنكارها صراحةً. هذا الحذر يجنبك الوقوع في فخ الإقرار الضمني الذي قد يحسم الدعوى ضدك دون أن تكون قد قصدت ذلك صراحةً.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock