الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى المدنيةالقانون المدنيالقانون المصري

مسؤولية حارس البناء عن الأضرار

مسؤولية حارس البناء عن الأضرار

فهم المسؤولية القانونية وتطبيقها

تعد مسؤولية حارس البناء عن الأضرار من أهم الموضوعات في القانون المدني المصري، إذ تبرز أهميتها في حماية الأفراد من المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن الأبنية، سواء كانت سكنية أو تجارية أو صناعية. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل شامل لهذه المسؤولية، بدءًا من تعريف حارس البناء، مرورًا بأسس قيام هذه المسؤولية وشروطها، وصولاً إلى كيفية إثباتها ورفع الدعاوى القضائية المتعلقة بها، مع استعراض الحلول العملية والجوانب الوقائية.

مفهوم حارس البناء والأسس القانونية للمسؤولية

تعريف حارس البناء

مسؤولية حارس البناء عن الأضراريُعرف حارس البناء بأنه الشخص الذي له السيطرة الفعلية والمادية على البناء، سواء كان مالكًا أو مستأجرًا أو حائزًا أو حتى مقاولًا يقوم بأعمال الصيانة أو الهدم. لا يشترط أن يكون الحارس هو المالك القانوني، بل العبرة بالسيطرة الفعلية التي تمكنه من منع وقوع الضرر أو تلافيه. هذه السيطرة تشمل القدرة على إدارة البناء ومراقبته واتخاذ القرارات المتعلقة به.

تستند مسؤولية حارس البناء إلى افتراض الخطأ، وهو ما يعرف بالمسؤولية الشيئية أو مسؤولية حارس الشيء. يعني ذلك أن القانون يفترض خطأ الحارس بمجرد وقوع الضرر الناجم عن البناء، دون الحاجة لإثبات تقصير مباشر منه. هذا التأسيس القانوني يهدف إلى توفير حماية أكبر للمضرورين وتبسيط إجراءات المطالبة بالتعويض.

أساس المسؤولية القانونية في القانون المدني المصري

تجد مسؤولية حارس البناء أساسها القانوني في المادة 177 من القانون المدني المصري، والتي تنص على أن “كل من كان حارساً لبناء، ولو لم يكن مالكاً له، مسؤول عما يحدثه هذا البناء من ضرر بانهياره كلياً أو جزئياً، أو بسقوط شيء منه، ما لم يثبت أن الضرر يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه”. هذه المادة تقيم مسؤولية مفترضة على عاتق الحارس.

يهدف هذا النص إلى تحقيق التوازن بين حق المالك في الانتفاع بملكه وحق الغير في السلامة. كما يفرض على الحارس واجب العناية والصيانة الدورية لضمان سلامة البناء وتجنب أي مخاطر قد تهدد حياة أو ممتلكات الآخرين. المسؤولية هنا ليست شخصية بالمعنى التقليدي، بل هي مسؤولية ناتجة عن حراسة شيء خطير بطبيعته.

شروط تحقق مسؤولية حارس البناء

وجود بناء

يعد وجود بناء شرطاً أساسياً لقيام مسؤولية الحارس. يشمل مصطلح “البناء” أي إنشاء ثابت ومتصل بالأرض بصورة دائمة، مثل المباني السكنية، المصانع، الجسور، الأسوار، والمنشآت الأخرى التي يمكن أن تسبب ضرراً بانهيارها أو سقوط أجزاء منها. لا تقتصر المسؤولية على المباني المأهولة فقط، بل تشمل أي بناء قائم.

يجب أن يكون البناء قائماً وقت وقوع الضرر، وأن يكون هو المصدر المباشر للضرر. إذا كان الضرر ناجماً عن شيء غير ثابت أو غير متصل بالبناء، فإن هذه المسؤولية لا تنطبق. على سبيل المثال، سقوط وعاء زرع من شرفة لا يعتبر انهياراً للبناء أو سقوط شيء منه بالمعنى المقصود في هذه المادة.

وجود حارس للبناء

الشرط الثاني هو وجود حارس للبناء. كما ذكرنا سابقًا، الحارس هو من له السيطرة الفعلية والمادية على البناء، سواء كان مالكاً أو مستأجراً أو مقاولاً مكلفاً بالصيانة. يجب أن تكون هذه السيطرة كافية لتمكينه من مراقبة البناء واتخاذ التدابير اللازمة لمنع الأضرار. إذا تعدد الحراس، فإن المسؤولية تكون تضامنية بينهم.

تنتقل الحراسة بانتقال السيطرة الفعلية. فإذا باع المالك البناء، تنتقل الحراسة إلى المشتري فور استلامه، حتى لو لم يتم تسجيل البيع بعد. كذلك، إذا قام المالك بتأجير البناء، تنتقل الحراسة إلى المستأجر في حدود سيطرته على الأجزاء المؤجرة، بينما تبقى للمالك الحراسة على الأجزاء المشتركة أو التي لا تزال تحت سيطرته.

وقوع ضرر ناشئ عن البناء

يجب أن يكون هناك ضرر قد وقع للغير، وأن يكون هذا الضرر ناجماً عن البناء. يمكن أن يكون الضرر مادياً كإصابة جسدية أو تلف للممتلكات، أو معنوياً كالألم النفسي والمعاناة. يشمل الضرر الذي يسببه البناء الانهيار الكلي أو الجزئي، أو سقوط أجزاء منه مثل الشرفات، الجدران، أو الأحجار، أو حتى بسبب عيوب إنشائية أدت إلى تسربات أو حوادث أخرى.

لا يقتصر الضرر على انهيار البناء فقط، بل يمتد ليشمل أي ضرر ينشأ بشكل مباشر من حالة البناء أو عيوبه. هذا يتطلب فحصاً دقيقاً لتحديد ما إذا كان الضرر وقع بسبب البناء أم لا. على سبيل المثال، إذا تسببت تشققات في الحائط بسقوط أجزاء منه على سيارة، فهذا ضرر ناشئ عن البناء.

علاقة السببية بين البناء والضرر

لتحقق المسؤولية، يجب أن تكون هناك علاقة سببية مباشرة بين حالة البناء أو الانهيار أو سقوط الأجزاء منه وبين الضرر الذي لحق بالمضرور. بعبارة أخرى، يجب أن يكون الضرر قد وقع كنتيجة مباشرة لعيوب البناء أو لسقوط أجزاء منه، وليس لسبب آخر لا يرجع للبناء نفسه. هذه العلاقة هي جوهر قيام المسؤولية.

إثبات علاقة السببية يقع عادة على عاتق المضرور. ومع ذلك، فإن الطبيعة المفترضة للمسؤولية هنا تخفف من عبء الإثبات على المضرور، حيث يكفيه إثبات أن الضرر حدث بسبب البناء. يمكن للحارس أن يدفع هذه المسؤولية بإثبات أن الضرر يرجع إلى سبب أجنبي، وهو ما سنتناوله لاحقاً.

طرق إثبات المسؤولية ورفع الدعوى القضائية

جمع الأدلة والوثائق

لإثبات مسؤولية حارس البناء، يجب على المضرور جمع كافة الأدلة والوثائق التي تثبت وقوع الضرر وعلاقته بالبناء. تشمل هذه الأدلة صوراً فوتوغرافية لمكان الحادث والأضرار، تقارير الشرطة أو الدفاع المدني (في حال وجودها)، شهادات الشهود، تقارير طبية تثبت الإصابات الجسدية، وفواتير إصلاح الممتلكات المتضررة. كل هذه المستندات تعزز موقف المضرور.

يُفضل توثيق موقع الحادث فور وقوعه قبل أي تغييرات. كما يجب الاحتفاظ بأي مراسلات أو إخطارات سابقة بخصوص عيوب البناء، إن وجدت. تجميع الأدلة بشكل منظم ودقيق يسهل عملية إثبات الواقعة أمام المحكمة ويقوي حجة المضرور في الحصول على التعويض المناسب. لا تتردد في طلب المساعدة من محام متخصص في هذه المرحلة.

إجراءات رفع الدعوى المدنية

بعد جمع الأدلة، يمكن للمضرور رفع دعوى تعويض أمام المحكمة المدنية المختصة. تبدأ الإجراءات بتقديم صحيفة الدعوى التي تتضمن بيانات المدعي والمدعى عليه (حارس البناء)، ووصفاً للضرر الذي لحق بالمدعي، وبيان علاقة السببية بين الضرر والبناء، والمبلغ المطلوب كتعويض. يجب أن تكون صحيفة الدعوى واضحة ومحددة.

يتم إعلان صحيفة الدعوى للحارس، ثم تبدأ جلسات المحكمة التي يتم فيها تقديم الأدلة وسماع الشهود. قد تلجأ المحكمة إلى ندب خبير هندسي لبيان سبب الضرر وتقدير قيمته. يجب على المضرور أو محاميه متابعة سير الدعوى بعناية وتقديم كافة المستندات والردود المطلوبة في المواعيد المحددة لضمان سير القضية بسلاسة.

دور الخبير الهندسي والقضائي

يلعب الخبير الهندسي دوراً محورياً في قضايا مسؤولية حارس البناء. يتم ندبه من قبل المحكمة أو بطلب من أحد الأطراف لفحص البناء المتضرر وتحديد سبب الانهيار أو سقوط الأجزاء، وتقدير حجم الأضرار. يعتمد القاضي بشكل كبير على تقرير الخبير الفني في تحديد مسؤولية الحارس وتقدير قيمة التعويضات المستحقة. لذا، يجب أن يكون التقرير شاملاً ودقيقاً.

يقوم الخبير الهندسي بمعاينة الموقع، وتحليل الأسباب الفنية للضرر، مثل عيوب التصميم، سوء التنفيذ، الإهمال في الصيانة، أو العوامل الطبيعية. كما يقوم بتقدير تكلفة الإصلاح أو قيمة الأضرار المادية والمعنوية. تقرير الخبير يعد دليلاً فنياً قوياً يساعد المحكمة في تكوين قناعتها واتخاذ قرار عادل. يجب على الأطراف التعاون مع الخبير وتقديم كافة المعلومات المطلوبة له.

حالات انتفاء أو تخفيف مسؤولية حارس البناء

القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ

يمكن لحارس البناء أن يدفع المسؤولية المفترضة عنه بإثبات أن الضرر قد وقع نتيجة لسبب أجنبي لا يد له فيه. من هذه الأسباب القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ، مثل الزلازل، الفيضانات العنيفة غير المتوقعة، أو الصواعق التي تؤدي إلى انهيار البناء دون أي تقصير من الحارس. يجب أن يكون السبب خارجاً عن إرادة الحارس ولا يمكن توقعه أو دفعه.

القوة القاهرة يجب أن تكون مستحيلة الدفع، وغير متوقعة الحدوث بالقدر الذي يمنع الحارس من اتخاذ أي إجراءات وقائية. إذا كان بالإمكان توقع الحدث أو اتخاذ تدابير لتجنب الضرر، فلا يعتبر قوة قاهرة. يقع عبء إثبات القوة القاهرة على عاتق حارس البناء، الذي يجب أن يقدم الأدلة على أن الحدث كان خارجاً عن سيطرته تماماً.

خطأ المضرور

إذا كان الضرر قد وقع بسبب خطأ المضرور نفسه، فإن مسؤولية حارس البناء تنتفي كلياً أو تخفف بحسب درجة خطأ المضرور. مثال على ذلك أن يقوم المضرور بأعمال هدم غير مصرح بها في البناء، أو أن يتجاهل التحذيرات الموضوعة حول منطقة خطرة. في هذه الحالة، يكون المضرور قد ساهم في وقوع الضرر بخطئه.

يجب على حارس البناء إثبات أن خطأ المضرور هو السبب الرئيسي أو أحد الأسباب الرئيسية في وقوع الضرر. إذا كان خطأ المضرور هو السبب الوحيد للضرر، تنتفي مسؤولية الحارس تماماً. أما إذا كان خطأ المضرور قد ساهم في وقوع الضرر، ولكن ليس السبب الوحيد، فإن التعويض المستحق للمضرور قد يخفض بما يتناسب مع درجة خطئه.

خطأ الغير

يمكن أيضاً أن تنتفي مسؤولية حارس البناء أو تخفف إذا ثبت أن الضرر قد نجم عن خطأ شخص ثالث (الغير). مثال على ذلك أن يقوم شخص آخر بأعمال تخريب في البناء تؤدي إلى انهياره، أو أن يقوم مقاول آخر غير مسؤول عن البناء بأعمال حفر جواره تتسبب في إضعاف أساساته وانهياره. يجب أن يكون خطأ الغير هو السبب المباشر للضرر.

في هذه الحالة، يتحول الالتزام بالتعويض إلى الشخص الثالث الذي تسبب بخطئه في الضرر. يقع عبء إثبات خطأ الغير على عاتق حارس البناء، الذي يجب أن يبرهن أن فعل الغير هو الذي أدى بشكل مباشر إلى وقوع الضرر. هذا يساعد الحارس على دفع المسؤولية عنه أو إثبات عدم مسؤوليته عن الجزء الذي تسبب فيه الغير.

نصائح عملية للوقاية والتعامل مع الأضرار

الصيانة الدورية والتفتيش

للوقاية من حوادث انهيار البناء والأضرار الناتجة عنه، ينبغي على حارس البناء الالتزام بالصيانة الدورية والتفتيش المنتظم على جميع أجزاء البناء. يشمل ذلك فحص الجدران، الأسقف، الأساسات، الأنظمة الكهربائية والمائية، والتأكد من عدم وجود أي تشققات أو تصدعات قد تشير إلى ضعف في البنية الإنشائية. الصيانة الوقائية تقلل بشكل كبير من مخاطر وقوع الحوادث.

ينصح بالاستعانة بمهندسين متخصصين لإجراء فحص دوري شامل للبناء، وتقديم تقارير فنية حول حالته. يجب معالجة أي عيوب أو ملاحظات يتم اكتشافها فوراً قبل تفاقمها. هذه الإجراءات لا تحمي الأرواح والممتلكات فحسب، بل تحمي حارس البناء أيضاً من التعرض للمساءلة القانونية والمطالبات بالتعويضات الباهظة في حال وقوع ضرر.

التأمين ضد المسؤولية المدنية

يعد التأمين ضد المسؤولية المدنية حلاً فعالاً لحماية حارس البناء من الآثار المالية للأضرار التي قد يسببها البناء للغير. توفر وثائق التأمين هذه تغطية للمبالغ التي قد يُلزم الحارس بدفعها كتعويضات للمضرورين، بما في ذلك تكاليف التقاضي وأتعاب المحاماة. هذا النوع من التأمين يوفر شبكة أمان مالية للحارس في مواجهة المطالبات.

ينصح بالتعاقد مع شركات تأمين ذات سمعة جيدة والتأكد من شمول الوثيقة لجميع أنواع الأضرار المحتملة التي قد تنجم عن البناء. الاستثمار في بوليصة تأمين مناسبة يعتبر استثماراً حكيماً يقي الحارس من تحمل أعباء مالية غير متوقعة قد تؤثر سلباً على وضعه المادي أو أعماله. يجب مراجعة شروط الوثيقة بعناية وفهم حدود التغطية.

الاستعانة بالمختصين القانونيين

في حال وقوع ضرر أو عند مواجهة دعوى قضائية تتعلق بمسؤولية حارس البناء، من الضروري جداً الاستعانة بمحامٍ متخصص في القانون المدني وقضايا المسؤولية المدنية. يمتلك المحامي الخبرة اللازمة لتقديم الاستشارة القانونية الصحيحة، وتمثيل الحارس أمام المحاكم، وتقديم الدفوع القانونية المناسبة لإثبات عدم المسؤولية أو تخفيفها.

المحامي المتخصص يمكنه المساعدة في تحليل موقف الحارس القانوني، وتقدير حجم المخاطر، وتحديد أفضل استراتيجية للدفاع. كما يمكنه المساعدة في التفاوض مع المضرورين للوصول إلى تسوية ودية قبل اللجوء إلى القضاء، مما قد يوفر الوقت والجهد والتكاليف. الاستشارة القانونية المبكرة قد تمنع تفاقم المشكلة وتحمي حقوق الحارس بشكل فعال.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock