الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصري

الدفع بعدم معقولية شهادة الشاهد

الدفع بعدم معقولية شهادة الشاهد

أسس قانونية وخطوات عملية لدحض الشهادات غير المنطقية

تعتبر شهادة الشاهد من أهم الأدلة التي تُقدم أمام المحاكم، وغالبًا ما تشكل حجر الزاوية في بناء الأحكام القضائية. ومع ذلك، قد لا تكون كل شهادة حقيقية أو منطقية، بل قد يشوبها التناقض أو عدم المعقولية، مما يستدعي من الدفاع التدخل لدحضها. يهدف هذا المقال إلى استعراض مفهوم الدفع بعدم معقولية شهادة الشاهد في القانون المصري، وتقديم إرشادات عملية وخطوات واضحة لكيفية إثبات ذلك أمام القضاء، لضمان سير العدالة وتقديم حلول فعالة للمشاكل المتعلقة بتقدير الأدلة.

مفهوم الدفع بعدم معقولية شهادة الشاهد وأسسه القانونية

تعريف الدفع وأهميته

الدفع بعدم معقولية شهادة الشاهد
يعتبر الدفع بعدم معقولية شهادة الشاهد إجراءً قانونيًا يهدف إلى الطعن في مصداقية أو منطقية الأقوال التي يدلي بها الشاهد أمام المحكمة. هذا الدفع لا ينصب على نفي الواقعة في حد ذاتها، بل على التشكيك في قدرة الشاهد على إدراكها أو نقلها بشكل صحيح. تبرز أهميته في حماية المتهم من الشهادات الزائفة أو المشوهة التي قد تؤثر سلبًا على سير العدالة، وتضمن أن تقوم الأحكام على أدلة قوية وموثوقة.

السند القانوني للدفع

يستند هذا الدفع إلى مبادئ عامة في تقدير الأدلة وحرية القاضي في تكوين قناعته، بالإضافة إلى النصوص القانونية التي تتيح للخصوم الدفاع عن أنفسهم بكافة الطرق. فالمادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية، على سبيل المثال، تمنح القاضي حرية تقدير الأدلة، بما فيها شهادات الشهود، ويجب أن يكون حكمه مبنيًا على أدلة جازمة لا تدع مجالًا للشك. كما أن مقتضيات العدالة توجب على المحكمة استبعاد أي شهادة تتسم بعدم المعقولية وتخالف المنطق.

طرق إثبات عدم معقولية شهادة الشاهد

التناقضات الداخلية والخارجية في الشهادة

يمكن إثبات عدم معقولية الشهادة من خلال رصد التناقضات الواضحة داخل أقوال الشاهد نفسه، حيث يذكر وقائع متضاربة أو يتراجع عن أقوال سابقة في نفس الجلسة أو في مراحل تحقيق مختلفة. كذلك، يمكن التركيز على التناقضات الخارجية التي تظهر عند مقارنة شهادته بأدلة أخرى ثابتة في الدعوى، كالمستندات الرسمية، تقارير الخبراء، أو أقوال شهود آخرين متفقين على وقائع مختلفة تمامًا، مما يشكك في مصداقيته.

عدم تماشي الشهادة مع المنطق السليم أو الخبرة العامة

يُعد هذا الجانب أساسيًا في دحض الشهادة، حيث تُقاس أقوال الشاهد بمدى توافقها مع القواعد المنطقية والمألوف من الأمور في الحياة اليومية. فإذا كانت الشهادة تتضمن وقائع يستحيل حدوثها عقلاً أو تخالف قوانين الطبيعة، أو تتنافى مع الخبرة العامة المتعارف عليها في المجتمع، فإنها تُعد غير معقولة بالمرة. يجب على الدفاع هنا إبراز هذه النقاط بشكل تفصيلي ومنطقي ومقنع أمام هيئة المحكمة.

الشك في دوافع الشاهد أو قدرته على الإدراك

قد يكون عدم المعقولية نابعًا من شكوك قوية حول دوافع الشاهد للإدلاء بشهادته، كوجود عداوة سابقة مع المتهم أو مصلحة شخصية له في الإدلاء بشهادة معينة تدينه. كما يمكن التركيز على ضعف قدرة الشاهد على الإدراك بسبب حالته الصحية، أو ضعف بصره أو سمعه، أو تأثير عوامل خارجية مثل الظلام الدامس أو البعد الكبير عن مسرح الواقعة، مما يجعله غير قادر على رؤية أو سماع الوقائع بوضوح ودقة كافية.

خطوات عملية لتقديم الدفع أمام المحكمة

تحليل الشهادة بدقة واستخراج نقاط الضعف

أولى الخطوات وأهمها تتمثل في قراءة شهادة الشاهد كلمة بكلمة، وتحليلها بشكل منهجي وعميق. يجب استخراج جميع التناقضات، المبالغات، التفاصيل غير المنطقية، أو أي جزء لا يتفق مع باقي الأدلة المادية أو المعنوية أو مع المنطق العام. يمكن استخدام جدول للمقارنة بين أقوال الشاهد الحالية مع غيرها من الأدلة المتاحة أو مع أقواله في مراحل سابقة من التحقيق، لتسليط الضوء على نقاط التضارب.

إعداد مذكرة دفاع مفصلة

يجب صياغة مذكرة دفاع متكاملة ودقيقة تتضمن الدفع بعدم معقولية شهادة الشاهد بشكل واضح ومبرر. يجب أن توضح المذكرة الأسس القانونية للدفع، مع الإشارة إلى المواد القانونية ذات الصلة، ثم تنتقل إلى عرض نقاط الضعف في الشهادة بأسلوب منطقي ومدعم بالأدلة الأخرى المتاحة، مع التركيز على الأمثلة الواضحة للتناقض أو عدم المنطقية، وطلب استبعاد هذه الشهادة.

استجواب الشاهد بفاعلية وتقديم الأدلة المعاكسة

أثناء جلسة المحاكمة، يجب على المحامي استجواب الشاهد بفاعلية وذكاء، وطرح الأسئلة التي تبرز التناقضات في أقواله أو تكشف عن عدم منطقيتها بشكل مباشر أو غير مباشر. يمكن تقديم أدلة معاكسة، مثل تقارير فنية، مستندات رسمية، أو شهادات لشهود نفي، تثبت عدم صحة ما أدلى به الشاهد أو تتناقض معه بشكل قاطع، لإضعاف حجية شهادته.

تعزيز موقف الدفاع بحلول إضافية

طلب إجراء معاينة أو خبرة فنية

في بعض الحالات، يمكن أن يكون طلب معاينة لموقع الحادث أو طلب خبرة فنية متخصصة (مثل تقرير فني عن الرؤية في ظروف معينة أو مسافة محددة) حلاً فعالاً لدحض شهادة غير معقولة. فالمعاينة قد تكشف عن استحالة رؤية الشاهد للواقعة كما ذكر بالتفصيل، والخبرة الفنية قد تثبت عدم صحة ادعاءاته من الناحية العلمية أو التقنية، مما يعزز الدفع بشكل كبير.

الاستعانة بشهود النفي أو شهود الإثبات المعاكس

إذا كان هناك شهود آخرون يمكنهم نفي أقوال الشاهد الأصلي أو تقديم رواية مختلفة تمامًا للواقعة تتسم بالمعقولية وتدعم موقف الدفاع، فيجب الاستعانة بهم وتقديمهم للمحكمة. شهود النفي يقدمون منظورًا بديلًا يساعد المحكمة على إعادة تقييم الأدلة المتاحة بإنصاف، مما يعزز الدفع بعدم معقولية الشهادة الأولية، ويضعف من قيمتها الإثباتية أمام القضاء.

الدفع بالاستحالة العقلية أو المنطقية

هو حل بسيط وفعال يعتمد على إظهار أن ما قاله الشاهد لا يمكن أن يحدث في الواقع أو يتناقض مع أبسط قواعد العقل والمنطق السليمين. على سبيل المثال، إذا ادعى الشاهد رؤية شخص من مسافة بعيدة جدًا في ظلام دامس والتعرف عليه بوضوح ودقة، يمكن الدفع بأن هذا مستحيل عقليًا ومنطقيًا في تلك الظروف، مما يلغي تمامًا أي وزن لشهادته.

إن الدفع بعدم معقولية شهادة الشاهد هو أداة قانونية بالغة الأهمية في ترسانة الدفاع، تتطلب دقة في التحليل ومهارة في العرض أمام المحكمة. من خلال تطبيق الخطوات العملية واستخدام الحلول المتعددة المذكورة، يمكن للمحامي تعزيز موقف موكله وحماية حقوقه، وضمان أن تكون الأحكام القضائية مبنية على أدلة دامغة ومعقولة. فالعدالة الحقيقية لا تقوم إلا على اليقين والمنطق السليم، بعيدًا عن أي شكوك.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock