الإجراءات القانونيةالجرائم الالكترونيةالدعاوى القضائيةالقانون المصريجرائم الانترنت

إجراءات حماية الأدلة الرقمية في قضايا الإنترنت

إجراءات حماية الأدلة الرقمية في قضايا الإنترنت

دليلك الشامل لجمع وحفظ الأدلة الإلكترونية في الجرائم السيبرانية

في عصر التحول الرقمي المتسارع، أصبحت قضايا الإنترنت وجرائم الفضاء السيبراني ظاهرة متنامية تتطلب استجابات قانونية وتقنية متقدمة. تشكل الأدلة الرقمية جوهر هذه القضايا، فهي المفتاح لكشف الحقائق وتحديد المسؤوليات. ومع ذلك، فإن الطبيعة المتغيرة لهذه الأدلة وسهولة التلاعب بها يطرح تحديات كبيرة أمام الجهات القضائية والتحقيقية.
يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل شامل وعملي حول الإجراءات الصحيحة لحماية الأدلة الرقمية في قضايا الإنترنت. سنتناول فيه المبادئ الأساسية، الخطوات العملية لجمع وحفظ وتحليل الأدلة، بالإضافة إلى تقديم حلول إضافية لضمان فعاليتها في سير العدالة. الالتزام بهذه الإجراءات يضمن سلامة الدليل وقبوله أمام المحاكم.

أهمية الأدلة الرقمية في التحقيقات القضائية

إجراءات حماية الأدلة الرقمية في قضايا الإنترنتتزايد الاعتماد على التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة اليومية، من المعاملات التجارية إلى التواصل الشخصي، أدى إلى أن تصبح أغلب الجرائم الحديثة تحمل بصمة رقمية. سواء كانت سرقات إلكترونية، احتيال عبر الإنترنت، اختراقات أمنية، أو حتى جرائم التشهير والابتزاز، فإن الأدلة الرقمية هي العنصر الحاسم لإثبات الواقعة وتحديد الجاني. بدونها، قد يصعب على القضاء الوصول إلى حكم عادل.

الأدلة الرقمية لا تقتصر على البيانات المخزنة على الأجهزة، بل تشمل أيضًا سجلات الاتصال، سجلات التصفح، رسائل البريد الإلكتروني، المحادثات النصية، ملفات الفيديو والصوت، وبيانات تحديد المواقع الجغرافية. هذه الأدلة غالبًا ما تكون غير مرئية للعين المجردة وتتطلب أدوات وتقنيات متخصصة لاستخراجها وتحليلها بشكل صحيح وقانوني.

الطبيعة المتغيرة للأدلة الرقمية

تتميز الأدلة الرقمية بكونها سريعة الزوال وسهلة التغيير أو الحذف. يمكن لمستخدم قليل الخبرة أن يقوم بحذف ملفات مهمة بضغطة زر، أو يمكن أن تتغير البيانات بشكل تلقائي نتيجة لعمليات النظام أو التحديثات. هذا يجعل عملية جمع الأدلة الرقمية تتطلب سرعة ودقة متناهية لمنع فقدانها أو تلوثها، مما يؤثر على مصداقيتها أمام المحكمة.

كما أن الأدلة الرقمية غالبًا ما تكون موزعة عبر أنظمة وشبكات متعددة، قد تكون بعضها خارج نطاق الولاية القضائية المحلية. هذا التوزيع الجغرافي والتقني يزيد من تعقيد عملية الجمع ويتطلب تعاونًا دوليًا وفي كثير من الأحيان مذكرات قضائية للحصول على البيانات من مزودي الخدمة أو شركات التكنولوجيا الأجنبية.

التحديات القانونية والتقنية

تواجه حماية الأدلة الرقمية تحديات قانونية وتقنية كبيرة. من الناحية القانونية، يجب أن تتوافق إجراءات جمع وحفظ الأدلة مع القوانين المحلية والدولية لضمان قبولها في المحكمة. أي خرق لهذه الإجراءات قد يؤدي إلى استبعاد الدليل واعتباره غير مقبول، مما يعرض القضية للخطر ويضر بمصداقية التحقيق.

من الناحية التقنية، يتطلب التعامل مع الأدلة الرقمية خبراء متخصصين يمتلكون المعرفة والمهارات اللازمة لاستخراج البيانات دون إتلافها أو تغييرها. استخدام أدوات غير مناسبة أو اتباع إجراءات خاطئة يمكن أن يؤدي إلى تلوث الدليل أو جعله غير قابل للاستخدام في التحقيقات، مما يعيق الوصول إلى العدالة.

المبادئ الأساسية لحماية الأدلة الرقمية

تعتمد فعالية الأدلة الرقمية في المحكمة على مدى الالتزام بمجموعة من المبادئ الأساسية التي تضمن سلامتها وأصالتها. هذه المبادئ هي حجر الزاوية في أي تحقيق رقمي ناجح، وتطبيقها يقلل من فرص الطعن في الدليل أو استبعاده. فهم هذه المبادئ أمر ضروري لكل من يعمل في مجال التحقيق الجنائي الرقمي.

تتضمن هذه المبادئ التأكد من أن الدليل لم يتم التلاعب به، وأن مصدره يمكن تتبعه بشكل واضح، وأنه تم التعامل معه بحيادية تامة. الالتزام بهذه الأسس يضمن بناء قضية قوية تستند إلى أدلة موثوقة وغير قابلة للتشكيك، مما يزيد من فرص تحقيق العدالة في قضايا الإنترنت المعقدة.

مبدأ الأصالة وسلامة الدليل

يعد مبدأ الأصالة هو الأهم، ويعني أن الدليل الرقمي المقدم هو نسخة مطابقة تمامًا للأصل ولم يتم تعديله أو العبث به بأي شكل من الأشكال منذ لحظة اكتشافه. لضمان ذلك، يتم استخدام تقنيات التجزئة (Hashing)، حيث يتم إنشاء قيمة تجزئة فريدة (Hash Value) للدليل الأصلي ونسخته. أي تغيير طفيف في البيانات سيؤدي إلى تغيير قيمة التجزئة، مما يدل على العبث بالدليل.

سلامة الدليل تعني أنه يجب حمايته من أي تلف أو فقدان للبيانات. يتضمن ذلك استخدام أساليب آمنة لنسخ البيانات، مثل استخدام أدوات حظر الكتابة (Write Blockers) عند جمع الأدلة من وسائط التخزين، لضمان عدم كتابة أي بيانات على الدليل الأصلي أثناء عملية النسخ أو الفحص. هذا يضمن أن الدليل يبقى كما هو دون أي تدخل.

مبدأ سلسلة الحضانة (Chain of Custody)

سلسلة الحضانة هي سجل موثق يوضح من قام بالتعامل مع الدليل، ومتى، وأين، ولماذا، منذ لحظة اكتشافه وحتى تقديمه في المحكمة. الهدف منها هو تتبع مسار الدليل والتأكد من عدم وجود فجوات زمنية أو أشخاص غير مصرح لهم بالتعامل معه. أي انقطاع في سلسلة الحضانة يمكن أن يثير الشكوك حول سلامة الدليل ويجعله عرضة للطعن.

يجب توثيق كل خطوة في سلسلة الحضانة بدقة، بما في ذلك أسماء الأشخاص، تواريخ وأوقات الاستلام والتسليم، وصف الدليل، وسبب التعامل معه. يجب أن تكون هذه السجلات متاحة للمراجعة في أي وقت. هذا المبدأ ضروري لإثبات أن الدليل لم يتعرض لأي تلاعب أو استبدال طوال فترة التحقيق والإجراءات القضائية.

مبدأ الحياد وعدم التعديل

يتطلب هذا المبدأ أن يتم جمع وتحليل الأدلة الرقمية بطريقة موضوعية ومحايدة، دون أي تحيز أو محاولة لتوجيه النتائج. يجب على المحققين الرقميين التركيز على استخراج الحقائق كما هي، حتى لو كانت تتعارض مع الافتراضات الأولية. الحياد يضمن أن النتائج تعكس الواقع بدقة، مما يعزز مصداقية التحقيق.

عدم التعديل يعني الامتناع عن إجراء أي تغييرات على الدليل الأصلي. يجب دائمًا العمل على نسخ طبق الأصل من الدليل، مع الحفاظ على الأصل في بيئة آمنة وغير قابلة للمس. في حال الضرورة القصوى للوصول إلى الأصل (وهو أمر نادر)، يجب توثيق كل خطوة بدقة متناهية وشرح الأسباب المقنعة لذلك. هذا يضمن حماية الدليل من أي تشويه.

خطوات عملية لجمع الأدلة الرقمية

تتطلب عملية جمع الأدلة الرقمية اتباع منهجية دقيقة ومنظمة لضمان فعاليتها وقبولها قانونيًا. الخطوات الآتية توضح الإجراءات العملية التي يجب اتخاذها بدءًا من تحديد المصادر وصولًا إلى جمع البيانات من البيئات المعقدة مثل السحابة. كل خطوة مصممة لتقليل مخاطر التلوث والحفاظ على سلامة الدليل.

يجب على المحققين والعاملين في هذا المجال التدريب المستمر على هذه الإجراءات، حيث أن التكنولوجيا تتطور باستمرار، وتتغير معها طرق جمع الأدلة. الالتزام بالبروتوكولات القياسية والاستفادة من أحدث الأدوات هو مفتاح النجاح في هذا المجال الذي يتطلب دقة وحرفية عالية لضمان العدالة.

المرحلة الأولى: تحديد وتوثيق المصادر

تبدأ عملية جمع الأدلة بتحديد جميع المصادر المحتملة التي قد تحتوي على بيانات ذات صلة بالقضية. يشمل ذلك أجهزة الكمبيوتر، الهواتف الذكية، الأقراص الصلبة الخارجية، الخوادم، أجهزة التوجيه (Routers)، وأي جهاز متصل بالإنترنت. يجب على الفور تأمين هذه الأجهزة ومنع أي شخص من الوصول إليها أو استخدامها.

بعد تحديد المصادر، يجب توثيق حالتها الراهنة بدقة. يتضمن ذلك التقاط صور فوتوغرافية أو تسجيل فيديو للموقع العام والأجهزة المحددة، مع التركيز على حالة الشاشة إذا كانت الأجهزة قيد التشغيل. يجب توثيق جميع الكابلات والوصلات والتأكد من عدم فصلها. هذا التوثيق الأولي يساعد في إثبات أن الوضع لم يتغير عند وصول فريق التحقيق.

المرحلة الثانية: الحصول على نسخة طبق الأصل (Forensic Image)

للحفاظ على الدليل الأصلي وعدم العبث به، يجب إنشاء نسخة طبق الأصل دقيقة (Forensic Image) من وسائط التخزين. هذه النسخة هي استنساخ مثالي لكل بت من البيانات، بما في ذلك المساحات غير المستخدمة والبيانات المحذوفة. تستخدم أدوات جنائية متخصصة مثل FTK Imager أو EnCase لهذه الغاية، مع استخدام أجهزة حظر الكتابة (Write Blockers).

بعد إنشاء النسخة، يجب حساب قيمة التجزئة (Hash Value) لكل من الأصل والنسخة للتأكد من تطابقهما التام. يتم تخزين هذه النسخة في وسائط تخزين آمنة وخارج الموقع، ويجب التعامل معها فقط لإجراء التحاليل. يجب وضع الدليل الأصلي في بيئة آمنة ومختومة لمنع أي وصول غير مصرح به أو تعديل.

المرحلة الثالثة: جمع الأدلة من المصادر المتقلبة (Volatile Data)

البيانات المتقلبة هي تلك التي تختفي عند إيقاف تشغيل الجهاز أو انقطاع التيار الكهربائي، مثل محتويات ذاكرة الوصول العشوائي (RAM)، سجلات الاتصال بالشبكة، العمليات قيد التشغيل، والمستخدمين النشطين. يجب جمع هذه البيانات أولًا لأنها الأكثر عرضة للفقدان. يتم ذلك باستخدام أدوات متخصصة لجمع بيانات الذاكرة وسجل الشبكة قبل إيقاف تشغيل الجهاز.

يجب اتباع ترتيب معين لجمع البيانات المتقلبة (Order of Volatility)، بدءًا من الأكثر تقلبًا إلى الأقل. على سبيل المثال، يتم جمع محتويات ذاكرة RAM قبل سجلات العمليات، وقبل بيانات التخزين الثابتة. توثيق هذه العملية بدقة أمر بالغ الأهمية، حيث أنها حساسة للغاية وقد تؤثر على باقي الأدلة.

المرحلة الرابعة: جمع الأدلة من الخدمات السحابية وشبكات التواصل

أصبحت الكثير من الأدلة مخزنة في الخدمات السحابية (مثل Google Drive, Dropbox) ومنصات التواصل الاجتماعي (مثل Facebook, Twitter). يتطلب جمع هذه الأدلة إجراءات قانونية خاصة، حيث لا يمكن الوصول إليها مباشرة. يجب الحصول على أوامر قضائية أو مذكرات استدعاء لطلب البيانات من مزودي الخدمة.

يجب فهم سياسات الاحتفاظ بالبيانات لدى كل مزود خدمة، حيث تختلف هذه السياسات وقد يتم حذف البيانات بعد فترة معينة. التعاون مع الجهات القضائية الدولية ضروري إذا كان مزود الخدمة يقع في دولة أخرى. يجب توثيق جميع المراسلات والأوامر القضائية التي تم استخدامها للحصول على هذه الأدلة لضمان شرعيتها.

حفظ وتخزين الأدلة الرقمية بشكل آمن

بمجرد جمع الأدلة الرقمية، يصبح حفظها وتخزينها بشكل آمن أمرًا حيويًا لضمان سلامتها وقبولها في المحكمة. أي إهمال في هذه المرحلة يمكن أن يعرض الدليل للتلف أو التلاعب، مما يقوض جهود التحقيق بأكملها. تتطلب عملية الحفظ والتخزين التزامًا بمعايير أمنية صارمة وإجراءات توثيق دقيقة.

يجب أن تكون بيئات التخزين مصممة خصيصًا لحماية الأدلة الرقمية من الوصول غير المصرح به، التلف المادي، أو التغييرات غير المقصودة. كما يجب أن تكون هناك خطط جاهزة للتعامل مع أي طارئ قد يؤثر على سلامة الأدلة. هذه الإجراءات ليست مجرد ممارسات جيدة، بل هي متطلبات قانونية لضمان العدالة.

بيئات التخزين الآمنة

يجب تخزين الأدلة الرقمية في بيئات آمنة ومحمية من العوامل الخارجية والوصول غير المصرح به. يشمل ذلك غرفًا مؤمنة، خزائن مقاومة للحريق والماء، وأنظمة تحكم في درجة الحرارة والرطوبة لحماية الوسائط المادية. يجب أن تكون هذه الأماكن مزودة بأنظمة مراقبة بالكاميرات وأنظمة تحكم في الدخول لضمان عدم دخول أي شخص غير مخول.

بالنسبة للنسخ الرقمية المخزنة على خوادم، يجب أن تكون هذه الخوادم مشفرة ومؤمنة بجدران حماية قوية وأنظمة كشف التسلل. يجب أيضًا تطبيق سياسات وصول صارمة، بحيث لا يتمكن من الوصول إلى الأدلة إلا عدد محدود من الأشخاص المصرح لهم، مع تسجيل جميع محاولات الوصول الناجحة وغير الناجحة في سجلات التدقيق.

التوثيق المستمر لسلسلة الحضانة

يجب أن تستمر عملية توثيق سلسلة الحضانة طوال فترة حفظ الدليل. كل مرة يتم فيها نقل الدليل، أو الوصول إليه لأغراض التحليل، أو حتى مجرد فحصه، يجب تسجيل هذه الأنشطة بدقة. يتضمن ذلك تسجيل التاريخ والوقت، اسم الشخص الذي قام بالنشاط، الغرض من النشاط، وأي تغييرات طرأت (إذا كانت على نسخة العمل وليست الأصل).

هذه السجلات يجب أن تكون مفصلة وقابلة للتدقيق. استخدام نماذج موحدة لسلسلة الحضانة يساعد في ضمان جمع جميع المعلومات الضرورية. الهدف هو بناء سجل تاريخي لا يمكن دحضه يثبت أن الدليل ظل سليمًا ولم يتعرض لأي تلاعب منذ لحظة اكتشافه وحتى تقديمه في المحكمة.

النسخ الاحتياطي والتعافي من الكوارث

على الرغم من التخزين الآمن، لا تزال هناك مخاطر محتملة مثل الكوارث الطبيعية أو الأعطال التقنية التي قد تؤدي إلى فقدان الأدلة. لذلك، يجب إنشاء نسخ احتياطية متعددة من الأدلة الرقمية وتخزينها في مواقع جغرافية مختلفة ومؤمنة. يجب أن تكون هذه النسخ الاحتياطية مشفرة ومحمية لضمان سريتها وسلامتها.

يجب وضع خطة للتعافي من الكوارث تحدد الإجراءات الواجب اتباعها في حال فقدان الأدلة الأصلية. يجب اختبار هذه الخطة بانتظام للتأكد من فعاليتها وقدرتها على استعادة الأدلة بسرعة وأمان. هذا يضمن استمرارية التحقيق وعدم تأثره بأي أحداث غير متوقعة قد تؤدي إلى فقدان الدليل الحاسم للقضية.

تحليل وتقديم الأدلة الرقمية في المحكمة

بعد جمع وحفظ الأدلة الرقمية، تأتي مرحلة التحليل التي تهدف إلى استخراج المعلومات ذات الصلة بالقضية، تليها مرحلة التقديم في المحكمة. تتطلب هاتان المرحلتان خبرة عالية وأدوات متخصصة لضمان أن النتائج تكون دقيقة وقابلة للفهم من قبل غير المتخصصين، ويتم قبولها كدليل قطعي في الإجراءات القانونية.

التحليل الدقيق وتقديم الدليل بشكل واضح ومقنع هو ما يميز التحقيق الرقمي الناجح. يجب أن يكون الخبير قادرًا على شرح المصطلحات التقنية المعقدة بأسلوب مبسط للقاضي والمحلفين، مع الحفاظ على الدقة العلمية والقانونية. هذا يضمن فهمًا شاملًا للقضية ويساهم في تحقيق العدالة.

أدوات وتقنيات التحليل الجنائي الرقمي

تعتمد عملية التحليل الجنائي الرقمي على مجموعة واسعة من الأدوات والتقنيات المتخصصة. تشمل هذه الأدوات برامج مثل Autopsy، X-Ways Forensics، وMagnet AXIOM التي تساعد في استعادة البيانات المحذوفة، تحليل سجلات النظام، فك تشفير الملفات، وتحديد الأنشطة المشبوهة. يجب أن يكون المحللون مدربين جيدًا على استخدام هذه الأدوات بفعالية.

تشمل التقنيات المستخدمة تحليل الذاكرة، تحليل الشبكة، استعادة البيانات، تحليل سجلات الأحداث (Log Analysis)، والبحث عن البصمات الرقمية. الهدف هو بناء تسلسل زمني للأحداث، تحديد المستخدمين المسؤولين، واستخراج أي معلومات تدعم القضية. يجب توثيق كل خطوة من خطوات التحليل بدقة لضمان الشفافية وقابلية التدقيق.

إعداد التقرير الفني القانوني

بعد اكتمال التحليل، يجب إعداد تقرير فني قانوني مفصل يوثق جميع النتائج بطريقة منظمة ومفهومة. يجب أن يتضمن التقرير ملخصًا تنفيذيًا، وصفًا للمنهجية المستخدمة، قائمة بالأدوات، النتائج التي تم التوصل إليها، والاستنتاجات النهائية. يجب أن تكون اللغة المستخدمة واضحة ومباشرة، مع تجنب المصطلحات التقنية المعقدة قدر الإمكان.

يجب أن يكون التقرير قادرًا على الإجابة على الأسئلة الرئيسية للقضية وتقديم الأدلة بشكل يدعم المطالبات القانونية. يجب أن يتضمن أي مرفقات ضرورية مثل لقطات الشاشة أو مقتطفات من سجلات النظام. مراجعة التقرير من قبل خبراء آخرين يمكن أن تزيد من دقته وتضمن عدم وجود أي أخطاء أو سهو.

شهادة الخبير الرقمي

في كثير من الحالات، يتطلب تقديم الأدلة الرقمية شهادة خبير رقمي في المحكمة. يقوم الخبير بشرح المنهجية التي اتبعها، الأدوات التي استخدمها، والنتائج التي توصل إليها. يجب أن يكون الخبير قادرًا على الإجابة على أسئلة القاضي والمحامين من كلا الجانبين بوضوح وثقة، والدفاع عن سلامة وصحة الدليل.

يجب أن يتمتع الخبير بمؤهلات علمية ومهنية معترف بها في مجال التحقيق الجنائي الرقمي. تتطلب الشهادة في المحكمة مهارات تواصل ممتازة والقدرة على تبسيط المفاهيم التقنية المعقدة لجمهور غير متخصص. مصداقية الخبير وأمانته تلعب دورًا حاسمًا في قبول الدليل الرقمي والاعتماد عليه في إصدار الحكم.

حلول إضافية لتحديات الأدلة الرقمية

مع التطور المستمر للتكنولوجيا، تزداد تحديات حماية الأدلة الرقمية تعقيدًا. لذلك، من الضروري تبني حلول إضافية ومتكاملة لا تقتصر فقط على الجوانب التقنية والقانونية، بل تشمل أيضًا بناء القدرات، تعزيز التعاون، والتكيف مع المستجدات التشريعية. هذه الحلول تضمن جاهزية النظام القضائي لمواجهة الجرائم الإلكترونية بفعالية.

الاستثمار في هذه الحلول هو استثمار في مستقبل العدالة الرقمية. إنها تساهم في سد الفجوات بين التطور التكنولوجي والإطار القانوني، مما يمكّن الجهات المعنية من التعامل بكفاءة مع التعقيدات التي تطرحها الأدلة الرقمية. من خلال هذه الجهود، يمكننا بناء نظام أكثر قوة ومرونة في مواجهة التهديدات السيبرانية.

التوعية والتدريب القانوني والتقني

العديد من التحديات المتعلقة بالأدلة الرقمية تنبع من نقص الوعي والتدريب لدى الجهات المختلفة. يجب توفير برامج تدريب متخصصة للقضاة، وكلاء النيابة، المحامين، وضباط الشرطة حول أساسيات التحقيق الجنائي الرقمي وكيفية التعامل مع الأدلة الرقمية. هذا التدريب يساعدهم على فهم أهمية الدليل الرقمي وكيفية تقديمه وقبوله قانونيًا.

يجب أيضًا تدريب المحققين الرقميين على أحدث التقنيات والأدوات المستخدمة في جمع وتحليل الأدلة، والتأكد من حصولهم على الشهادات المهنية اللازمة. التوعية العامة بأهمية حماية البيانات الشخصية والسلوك الآمن عبر الإنترنت يمكن أن يقلل من عدد الجرائم الإلكترونية ويسهل عملية جمع الأدلة عند وقوعها.

التعاون الدولي في القضايا العابرة للحدود

نظرًا للطبيعة العالمية للإنترنت، غالبًا ما تتجاوز قضايا الجرائم الإلكترونية الحدود الوطنية. يتطلب ذلك تعزيز التعاون الدولي بين الدول في مجال تبادل المعلومات، طلب المساعدة القضائية، وتسليم المجرمين. الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية بودابست بشأن الجريمة الإلكترونية تلعب دورًا حيويًا في تسهيل هذا التعاون.

يجب على الدول تعزيز قنوات الاتصال المباشر بين أجهزتها القضائية والأمنية مع نظيراتها في الدول الأخرى. هذا يسرع من عملية الحصول على الأدلة من الخوادم أو مزودي الخدمة الموجودين خارج الولاية القضائية المحلية، ويضمن عدم تعطيل التحقيقات بسبب الإجراءات البيروقراطية الطويلة أو اختلاف القوانين.

التحديث المستمر للتشريعات

تتطور التكنولوجيا أسرع من القوانين، مما يخلق فجوات تشريعية يمكن أن تستغلها الجرائم الإلكترونية. يجب على الدول مراجعة وتحديث قوانينها المتعلقة بالجريمة الإلكترونية والأدلة الرقمية بانتظام لمواكبة هذه التطورات. يجب أن تتضمن هذه التشريعات أحكامًا واضحة حول صلاحيات جمع الأدلة، حمايتها، وتقديمها في المحاكم.

يجب أن تركز التحديثات التشريعية على معالجة قضايا مثل حماية الخصوصية، البيانات المشفرة، والمسؤولية القانونية لمزودي الخدمات. التشريعات الحديثة والمرنة تساهم في تمكين الجهات القضائية من التعامل بفعالية مع الأنواع الجديدة من الجرائم الإلكترونية وضمان تطبيق العدالة بشكل شامل وعادل في الفضاء الرقمي المتغير.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock