الإجراءات القانونيةالجرائم الالكترونيةالقانون الجنائيالقانون المصريجرائم الانترنت

المسؤولية القانونية عن التنصت على المحادثات الإلكترونية

المسؤولية القانونية عن التنصت على المحادثات الإلكترونية

حماية الخصوصية الرقمية وعقوبات التنصت غير المشروع

تعد المحادثات الإلكترونية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث نتبادل عبرها المعلومات الشخصية والمهنية. ومع هذا التوسع الرقمي، يبرز خطر التنصت غير المشروع، الذي يهدد خصوصيتنا وأمن بياناتنا. يطرح هذا الوضع تساؤلات جدية حول المسؤولية القانونية المترتبة على مرتكبي هذه الأفعال في ظل التشريعات المصرية، وكيف يمكن للأفراد حماية أنفسهم ومواجهة هذه التجاوزات.

المسؤولية القانونية عن التنصت على المحادثات الإلكترونيةيتناول هذا المقال آليات التصدي للتنصت الإلكتروني من منظور قانوني وعملي، مسلطًا الضوء على الإطار التشريعي المصري الذي يجرم هذه الأفعال، ومقدمًا حلولًا متعددة لحماية البيانات الشخصية. سنستعرض تفصيليًا الأركان القانونية لجريمة التنصت والعقوبات المقررة لها، بالإضافة إلى الإجراءات الواجب اتباعها عند التعرض لمثل هذه الجرائم.

ماهية التنصت الإلكتروني وأنواعه

تعريف التنصت الإلكتروني

يشير التنصت الإلكتروني إلى عملية اعتراض أو تسجيل أو رصد للمحادثات أو البيانات التي تتم عبر وسائل الاتصال الإلكترونية دون علم أو موافقة الأطراف المعنية. يمكن أن يشمل ذلك المكالمات الهاتفية، الرسائل النصية، رسائل البريد الإلكتروني، المحادثات عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، أو حتى البيانات المخزنة على الأجهزة الإلكترونية. يتم هذا الفعل غالبًا باستخدام برامج وأجهزة متخصصة مصممة لاختراق الأنظمة الرقمية.

تكمن خطورة التنصت في انتهاكه الصريح للخصوصية الشخصية والمهنية، مما قد يؤدي إلى الكشف عن معلومات حساسة، أو استغلالها في أغراض غير مشروعة. القانون المصري، شأنه شأن العديد من التشريعات الدولية، يتصدى لهذه الممارسات غير القانونية لما لها من تأثير سلبي على أمن المجتمع وحرية الأفراد.

صور التنصت الشائعة

تتعدد صور التنصت الإلكتروني في العصر الحديث لتشمل تقنيات مختلفة. من أبرز هذه الصور، اعتراض بيانات الشبكة (Packet Sniffing) حيث يتم جمع وتحليل حزم البيانات أثناء مرورها عبر الشبكات. وهناك أيضًا برامج التجسس (Spyware) التي تُثبت على الأجهزة لتسجيل النشاط، بما في ذلك ضغطات المفاتيح، والوصول إلى الكاميرا والميكروفون.

تشمل الصور الأخرى اختراق حسابات البريد الإلكتروني أو تطبيقات التواصل الاجتماعي للوصول إلى المحادثات الخاصة، أو استخدام أجهزة تنصت مادية متطورة يتم إخفاؤها في أماكن معينة. كما يمكن أن يحدث التنصت من خلال الثغرات الأمنية في الشبكات اللاسلكية (Wi-Fi) غير المؤمنة، مما يتيح للمتطفلين اعتراض البيانات بسهولة. فهم هذه الصور يساعد في اتخاذ تدابير وقائية مناسبة.

الأساس القانوني لتجريم التنصت في القانون المصري

الدستور المصري وحماية الخصوصية

يضع الدستور المصري الصادر عام 2014 إطارًا دستوريًا صلبًا لحماية خصوصية الأفراد. تنص المادة (57) من الدستور صراحة على أن “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. والمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال، مصونة، وسريتها مكفولة. ولا يجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون.” هذا النص الدستوري هو الركيزة الأساسية لتجريم التنصت غير المشروع.

يعكس هذا النص التزام الدولة المصرية بحماية الحقوق والحريات الشخصية، ويؤكد على أن أي مساس بهذه الخصوصية يجب أن يكون استثناءً مقيدًا بضوابط صارمة تضمن عدم التعسف. كما يشدد على ضرورة الحصول على إذن قضائي مسبق ومسبب كشرط أساسي لأي إجراء يتطلب التدخل في وسائل الاتصال، مما يحمي الأفراد من أي انتهاكات تعسفية لحقهم في الخصوصية.

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (رقم 175 لسنة 2018)

يعد القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات هو التشريع الأهم الذي يتصدى لجرائم التنصت الإلكتروني في مصر. فقد جاء هذا القانون ليواكب التطورات التكنولوجية المتسارعة، وليوفر حماية قانونية للمعلومات والبيانات الشخصية. ينص القانون صراحة على تجريم الدخول غير المشروع إلى الأنظمة المعلوماتية والشبكات، واعتراض البيانات والمحادثات الإلكترونية.

تحدد مواد هذا القانون الأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لها، والتي تشمل الحبس والغرامة، حسب طبيعة الجريمة وخطورتها. كما يمنح القانون جهات التحقيق والنيابة العامة صلاحيات معينة للتعامل مع هذه الجرائم، مع الالتزام بالضوابط الدستورية والقانونية التي تضمن حقوق المتهمين. يعتبر هذا القانون أداة رئيسية في يد الأجهزة الأمنية والقضائية لمكافحة التنصت والجرائم الإلكترونية الأخرى.

قانون الإجراءات الجنائية

يلعب قانون الإجراءات الجنائية دورًا محوريًا في تنظيم إجراءات التنصت والمراقبة المشروعة. فبموجب هذا القانون، لا يمكن لجهات التحقيق أو الضبط القضائي القيام بأي عملية تنصت على المحادثات أو المراسلات الإلكترونية إلا بناءً على إذن صادر من قاضي التحقيق المختص. يجب أن يكون هذا الإذن مسببًا، أي أن يتضمن مبررات قوية تستند إلى وجود دلائل جدية على ارتكاب جريمة معينة.

يحدد القانون أيضًا المدة الزمنية المسموح بها للتنصت، والتي عادة ما تكون قصيرة وقابلة للتجديد بناءً على أسباب جديدة. هذه الضوابط تهدف إلى تحقيق التوازن بين مصلحة المجتمع في مكافحة الجريمة وحماية حقوق وحريات الأفراد. أي تنصت يتم خارج هذه الأطر القانونية يعتبر جريمة ويعرض مرتكبه للمساءلة القانونية، كما أن الأدلة المستمدة منه قد تُعد باطلة.

الأركان القانونية لجريمة التنصت وعقوباتها

الركن المادي والمعنوي

لكي تقوم جريمة التنصت الإلكتروني، يجب توافر ركنين أساسيين: الركن المادي والركن المعنوي. يتمثل الركن المادي في الفعل الإجرامي ذاته، وهو اعتراض أو تسجيل أو رصد المحادثات أو البيانات الإلكترونية بأي وسيلة كانت، دون تصريح قانوني أو موافقة أصحاب الشأن. يشمل ذلك استخدام الأجهزة أو البرامج المخصصة للتجسس أو الدخول غير المشروع إلى الأنظمة المعلوماتية.

أما الركن المعنوي، فيتمثل في القصد الجنائي لدى الجاني، أي علمه بأن فعله غير مشروع وانتهاكه للخصوصية، ومع ذلك يقوم به بإرادة حرة واختيار. لا يشترط في القصد الجنائي أن يكون هدف الجاني الإضرار بالضحية، بل يكفي علمه بأن فعله ينتهك خصوصيته. غياب أحد هذين الركنين قد يؤثر على وصف الجريمة أو على تطبيق العقوبة المقررة لها.

عقوبات التنصت غير المشروع

تختلف عقوبات التنصت غير المشروع في القانون المصري حسب تفاصيل الجريمة وظروفها. بصفة عامة، ينص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على عقوبات بالحبس والغرامة. فالمادة (18) من القانون ذاته تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للغير بالتقاط أو تسجيل أو نقل أو بث مكالمة هاتفية أو محادثة أجريت في مكان خاص أو عن طريق شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية أخرى.

تتضاعف العقوبة في بعض الحالات، مثل إذا كان التنصت بغرض الابتزاز أو التشهير، أو إذا ارتكبها موظف عام مستغلًا سلطته. كما يمكن أن تشمل العقوبات المصادرة للأجهزة والأدوات المستخدمة في الجريمة. هذه العقوبات تهدف إلى ردع المخالفين وحماية الخصوصية الرقمية للمواطنين.

الظروف المشددة والمخففة

تؤثر بعض الظروف على طبيعة العقوبة المقررة لجريمة التنصت، سواء بتشديدها أو تخفيفها. من الظروف المشددة، إذا كان مرتكب الجريمة موظفًا عامًا واستغل وظيفته أو سلطته للقيام بالتنصت، أو إذا كان الهدف من التنصت هو الابتزاز أو التشهير أو الإضرار بسمعة الضحية. كذلك، إذا ترتب على التنصت كشف أسرار دولة أو معلومات ذات حساسية أمنية.

على الجانب الآخر، قد تُخفف العقوبة في بعض الحالات، مثل إذا قام الجاني بالإبلاغ عن الجريمة قبل اكتشافها، أو إذا قدم معلومات تساعد في القبض على مرتكبين آخرين. كما يمكن أن يُنظر في الظروف الشخصية للجاني عند تحديد العقوبة. تعطي هذه الظروف مرونة للقاضي في تطبيق القانون بما يتناسب مع كل حالة على حدة، مع الحفاظ على مبدأ العدالة.

الإجراءات القانونية لمواجهة التنصت الإلكتروني

تقديم بلاغ للنيابة العامة

أول خطوة عملية لمواجهة جريمة التنصت الإلكتروني هي تقديم بلاغ رسمي إلى النيابة العامة. يجب أن يتضمن البلاغ تفاصيل واضحة حول الواقعة، مثل تاريخ حدوثها، الأطراف المشتبه بهم إن وجدوا، ونوع المحادثات أو البيانات التي تم التنصت عليها. من الضروري جمع أي أدلة أولية متوفرة لدعم البلاغ، مثل لقطات شاشة، رسائل مشبوهة، أو أي مؤشرات تدل على حدوث الاختراق. يمكن تقديم البلاغات في أقرب قسم شرطة، أو مباشرة إلى النيابة المتخصصة بجرائم تقنية المعلومات.

التبليغ المبكر يساهم بشكل كبير في سرعة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، والحد من انتشار الضرر. ستقوم النيابة العامة بعد ذلك بفتح تحقيق في الواقعة، وطلب جمع الاستدلالات اللازمة من الجهات الأمنية المتخصصة. يعتبر هذا الإجراء ضروريًا لتفعيل الآليات القانونية وتطبيق العقوبات على مرتكبي جريمة التنصت.

جمع الأدلة الرقمية

تعتبر الأدلة الرقمية حجر الزاوية في قضايا التنصت الإلكتروني. يجب على الضحية، أو من ينوب عنه قانونيًا، السعي لجمع وحفظ أي دليل يثبت وقوع الجريمة. يشمل ذلك تسجيلات المكالمات، رسائل البريد الإلكتروني، سجلات المحادثات، بيانات الوصول غير المصرح به إلى الحسابات، أو أي إشعارات أمنية تلقاها الضحية. من المهم توثيق هذه الأدلة بشكل احترافي، لضمان صحتها وقبولها أمام الجهات القضائية.

قد يتطلب جمع هذه الأدلة الاستعانة بخبراء في الأمن السيبراني أو التحاليل الجنائية الرقمية، لضمان استخلاصها بطريقة لا تعرضها للتلاعب أو الشك. يجب الاحتفاظ بنسخ احتياطية من جميع الأدلة الأصلية. تقديم أدلة قوية وموثقة يعزز من موقف الضحية ويساعد النيابة والقضاء على فهم طبيعة الجريمة وتحديد المسؤولين عنها، مما يسهل الوصول إلى العدالة.

دور المحامي في قضايا التنصت

يعد دور المحامي المختص في قضايا جرائم تقنية المعلومات أمرًا بالغ الأهمية عند مواجهة التنصت الإلكتروني. فالمحامي يقدم الاستشارة القانونية اللازمة للضحية، ويوضح له حقوقه وواجباته. كما يقوم بصياغة البلاغ وتقديمه للجهات المختصة، ومتابعته خلال مراحل التحقيق المختلفة، ويضمن أن يتم جمع الأدلة وتقديمها بشكل صحيح وفقًا للقانون.

يمثل المحامي الضحية أمام النيابة والمحاكم، ويدافع عن حقوقه، ويطالب بالتعويضات المناسبة عن الأضرار التي لحقت به. معرفته بالقوانين والإجراءات المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، وخبرته في التعامل مع الأدلة الرقمية، تجعله شريكًا أساسيًا لضمان سير الإجراءات القضائية بكفاءة وفعالية، وتحقيق أفضل النتائج الممكنة للضحية.

الدعاوى المدنية للمطالبة بالتعويض

بالإضافة إلى الإجراءات الجنائية، يحق للضحية رفع دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به نتيجة التنصت الإلكتروني. يمكن أن تشمل هذه الأضرار خسائر مالية مباشرة، أو تشويه السمعة، أو الضرر النفسي والعاطفي. تُرفع هذه الدعوى غالبًا بالتزامن مع الدعوى الجنائية أو بعدها، بعد صدور حكم إدانة ضد الجاني.

يجب على الضحية إثبات حجم الضرر الذي لحق به، وتقديم ما يدعم طلبه بالتعويض. يمكن للمحكمة أن تحكم بمبالغ تعويضية مناسبة تتناسب مع جسامة الضرر ونتائجه. تهدف الدعاوى المدنية إلى جبر الضرر الذي لحق بالضحية، وتعويضه عن الأذى الذي سببه له التنصت غير المشروع، مما يضيف بعدًا آخر للمسؤولية القانونية لمرتكبي هذه الجرائم.

حلول عملية لحماية خصوصيتك الرقمية

استخدام التشفير القوي

يعتبر التشفير من أقوى الأدوات لحماية المحادثات والبيانات الإلكترونية من التنصت. يقوم التشفير بتحويل المعلومات إلى شفرة لا يمكن فهمها إلا من قبل الأطراف الذين يملكون مفتاح فك التشفير. يجب استخدام تطبيقات المراسلة التي توفر التشفير من طرف إلى طرف (End-to-End Encryption)، مثل واتساب أو سيجنال، والتي تضمن أن رسائلك لا يمكن قراءتها حتى من قبل مقدم الخدمة.

كما ينبغي تشفير أقراص التخزين الصلبة على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، واستخدام كلمات مرور قوية ومعقدة لجميع الحسابات والخدمات. تحديث برامج التشفير بانتظام يضمن الاستفادة من أحدث التقنيات الأمنية. تفعيل خاصية المصادقة الثنائية (Two-Factor Authentication) يضيف طبقة حماية إضافية، حتى لو تم اختراق كلمة المرور.

تحديث البرامج الأمنية بانتظام

تعتبر البرامج الأمنية، مثل مضادات الفيروسات وجدران الحماية، خط الدفاع الأول ضد محاولات التنصت والاختراق. من الضروري تحديث هذه البرامج بانتظام لضمان حمايتك من أحدث التهديدات والثغرات الأمنية. فالمخترقون يكتشفون ثغرات جديدة باستمرار، وتقوم شركات البرمجيات بإصدار تحديثات لسد هذه الثغرات. إهمال التحديثات يجعل جهازك عرضة للهجمات.

لا يقتصر التحديث على برامج الأمان فقط، بل يشمل أيضًا نظام التشغيل (Windows, macOS, Android, iOS) وجميع التطبيقات المثبتة على جهازك. فكثير من الهجمات تستغل نقاط الضعف في البرامج القديمة. تفعيل التحديثات التلقائية هو أفضل طريقة لضمان بقاء أنظمتك مؤمنة ومحمية ضد أي محاولات تنصت.

الحذر من الروابط والملفات المشبوهة

تعتبر هجمات التصيد الاحتيالي (Phishing) والبرمجيات الخبيثة من الوسائل الشائعة التي يستخدمها المتنصتون لاختراق الأجهزة. لذلك، يجب توخي أقصى درجات الحذر عند التعامل مع رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية التي تحتوي على روابط أو ملفات مرفقة من مصادر غير معروفة أو مشبوهة. لا تنقر أبدًا على روابط غير موثوقة ولا تفتح ملفات مشبوهة.

تأكد دائمًا من مصدر الرسالة قبل التفاعل معها، وتحقق من عنوان URL للروابط قبل النقر عليها. يمكن أن تؤدي هذه الروابط والملفات إلى تثبيت برامج تجسس على جهازك دون علمك. التثقيف الأمني الشخصي والوعي بمخاطر هذه الهجمات يقلل بشكل كبير من فرص الوقوع ضحية للتنصت الإلكتروني.

مراجعة إعدادات الخصوصية للتطبيقات

كثير من التطبيقات التي نستخدمها يوميًا تطلب أذونات للوصول إلى الميكروفون، الكاميرا، جهات الاتصال، أو سجل المكالمات. من الضروري مراجعة إعدادات الخصوصية لهذه التطبيقات بانتظام، والتأكد من أنك تمنحها فقط الأذونات الضرورية لعملها. على سبيل المثال، تطبيق لتحرير الصور لا يحتاج بالضرورة إلى الوصول إلى الميكروفون الخاص بك.

يمكنك العثور على هذه الإعدادات في إعدادات نظام التشغيل الخاص بهاتفك أو جهاز الكمبيوتر. تعطيل الأذونات غير الضرورية يقلل من احتمالية أن يتم استخدام هذه التطبيقات كبوابة للتنصت عليك. كن دائمًا على دراية بما تشاركه ومع من تشاركه، لتضمن أقصى درجات الحماية لخصوصيتك الرقمية.

متى يكون التنصت مشروعًا؟ (استثناءات)

إذن قضائي مسبق

على الرغم من التجريم الصارم للتنصت الإلكتروني، إلا أن هناك حالات استثنائية يسمح فيها القانون المصري بهذا الإجراء، ولكن بضوابط صارمة. الشرط الأساسي والأهم هو الحصول على إذن قضائي مسبق ومسبب من النيابة العامة أو قاضي التحقيق المختص. يجب أن يصدر هذا الإذن بناءً على دلائل جدية تشير إلى ارتكاب جريمة معينة تستوجب هذا الإجراء، وأن يكون محددًا بمدة زمنية معينة.

يهدف هذا الإذن إلى تحقيق التوازن بين حق الفرد في الخصوصية ومصلحة المجتمع في الكشف عن الجرائم الخطيرة. بدون هذا الإذن، يعتبر أي تنصت غير مشروع وتبطل الأدلة المستقاة منه. هذه الآلية تضمن عدم التعسف في استخدام سلطة التنصت وتحمي حقوق وحريات المواطنين.

حالة الضرورة القصوى أو الجرائم الخطيرة

قد يسمح القانون بالتنصت في حالات الضرورة القصوى أو عند التحقيق في جرائم بالغة الخطورة، مثل الجرائم الإرهابية، جرائم أمن الدولة، أو الجرائم المنظمة. في هذه الحالات، قد يكون التنصت الوسيلة الوحيدة للكشف عن المخططات الإجرامية ودرء الخطر الوشيك. ومع ذلك، لا يعفي هذا الاستثناء من ضرورة الحصول على إذن قضائي، ولكن قد تكون الإجراءات أسرع نظرًا لطبيعة الجريمة.

يجب أن تكون هذه الحالات محددة بدقة في القانون، وأن تخضع لرقابة قضائية مشددة لضمان عدم إساءة استخدام هذه الصلاحيات. الهدف هو حماية الأمن القومي والمجتمع، مع التأكيد على أن المساس بالخصوصية يجب أن يكون الملاذ الأخير وفي أضيق الحدود، وبتصريح قانوني لا لبس فيه.

موافقة الطرفين

حالة أخرى يمكن أن يكون فيها تسجيل المحادثات مشروعًا هي بموافقة جميع الأطراف المشاركة في المحادثة. إذا وافق جميع الأطراف الصراحة على تسجيل أو رصد المحادثة، فلا يعتبر ذلك تنصتًا غير مشروع. يمكن أن يحدث هذا في سياقات معينة، مثل تسجيل الاجتماعات الرسمية أو المقابلات البحثية، حيث يتم إبلاغ جميع المشاركين والحصول على موافقتهم.

ومع ذلك، حتى في هذه الحالة، يجب التأكد من أن الموافقة حرة وصريحة وغير مشروطة، وألا يتم استخدام التسجيل لأغراض تضر بالأطراف أو تنتهك حقوقهم. خارج هذه الاستثناءات المحدودة والمنظمة قانونًا، يظل التنصت على المحادثات الإلكترونية جريمة يعاقب عليها القانون.

التحديات المستقبلية في مواجهة جرائم التنصت

التطور التكنولوجي المستمر

يشكل التطور التكنولوجي المتسارع أحد أكبر التحديات في مواجهة جرائم التنصت الإلكتروني. فمع كل ابتكار تقني جديد، تظهر أساليب جديدة وأكثر تعقيدًا للتنصت والاختراق. يصبح من الصعب على الجهات الأمنية والقضائية مواكبة هذه التطورات، خاصة مع انتشار تقنيات التشفير المتقدمة التي يستخدمها الجناة لإخفاء هوياتهم وأنشطتهم.

هذا يتطلب استثمارًا مستمرًا في تطوير القدرات البشرية والتقنية، وتدريب الخبراء المتخصصين في التحقيق الجنائي الرقمي. كما يحتم ضرورة التعاون بين القطاعين العام والخاص، والجامعات، لمواجهة هذه التحديات المتجددة بفعالية، ووضع استراتيجيات أمنية وتقنية متقدمة تسبق أساليب الجريمة.

الحاجة لتحديث التشريعات

بالتوازي مع التطور التكنولوجي، تبرز الحاجة الملحة لتحديث التشريعات القانونية بشكل مستمر لتتواكب مع هذه المستجدات. فالقوانين الحالية، على الرغم من فعاليتها، قد لا تكون كافية للتعامل مع جميع أشكال الجرائم الإلكترونية الحديثة أو لفرض عقوبات مناسبة على مرتكبيها. يجب أن تكون التشريعات مرنة بما يكفي لتغطية أشكال التنصت الجديدة التي قد تظهر في المستقبل.

يتطلب تحديث التشريعات مراجعة دورية للقوانين القائمة، وإضافة نصوص جديدة تعالج الثغرات المحتملة. كما يجب أن تتضمن هذه التعديلات آليات لتبادل المعلومات بين الدول لمكافحة الجرائم العابرة للحدود. إن تطوير إطار قانوني شامل وفعال هو أساس ضمان بيئة رقمية آمنة ومحمية من التجاوزات.

التعاون الدولي

نظرًا للطبيعة العابرة للحدود لجرائم التنصت الإلكتروني، يصبح التعاون الدولي أمرًا حتميًا لمواجهتها بفعالية. فكثيرًا ما يتم تنفيذ هذه الجرائم من دول مختلفة، مما يتطلب تنسيق الجهود بين الدول لتبادل المعلومات، وتعقب الجناة، وتنفيذ الأحكام القضائية. الاتفاقيات الدولية والمعاهدات الثنائية تلعب دورًا حيويًا في تسهيل هذا التعاون.

يجب على الدول تعزيز آليات التعاون القضائي والأمني، وتوحيد المعايير القانونية والإجرائية قدر الإمكان. تبادل الخبرات والمعلومات بين الأجهزة المتخصصة في مختلف الدول يسهم في بناء جبهة موحدة ضد الجريمة الإلكترونية، ويضمن أن الجناة لا يمكنهم الإفلات من العقاب بمجرد عبورهم للحدود، مما يعزز العدالة على المستوى العالمي.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock