الإجراءات القانونيةالاستشارات القانونيةالدعاوى المدنيةالقانون المدنيالقانون المصري

الخطأ في الشخص المتعاقد وأثره

الخطأ في الشخص المتعاقد وأثره

دليل شامل لفهم حالات بطلان العقد وخطوات التصحيح القانوني

يعتبر الرضا ركنًا أساسيًا في تكوين أي عقد قانوني صحيح. ولكن قد يشوب هذا الرضا بعض العيوب التي تؤثر على صحة العقد وقوته الملزمة، ومن أبرز هذه العيوب هو الغلط. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على نوع محدد من الغلط وهو الخطأ في شخص المتعاقد، وبيان أثره القانوني، مع تقديم خطوات عملية دقيقة للتعامل مع هذا الموقف وفقًا لأحكام القانون المصري، وتوفير حلول منطقية وواضحة لكل من يواجه هذه المشكلة.

مفهوم الخطأ في شخص المتعاقد في القانون المصري

ما هو الغلط الجوهري؟

الخطأ في الشخص المتعاقد وأثره
لا يعتد القانون بأي غلط يقع فيه المتعاقد، بل يشترط أن يكون الغلط جوهريًا. الغلط الجوهري هو الذي يصل إلى حد من الجسامة بحيث يثبت أن المتعاقد ما كان ليبرم العقد لو لم يقع في هذا الغلط. بمعنى آخر، يجب أن تكون شخصية المتعاقد أو صفة من صفاته هي الدافع الرئيسي والأساسي للتعاقد. فإذا كانت شخصيته مجرد عنصر ثانوي، فإن الخطأ فيها لا يؤثر على صحة العقد ولا يمنح الحق في طلب إبطاله.

متى تكون شخصية المتعاقد محل اعتبار؟

تكون شخصية المتعاقد محل اعتبار جوهري في العقود التي تقوم على الاعتبار الشخصي. من أبرز الأمثلة على ذلك عقود العمل التي يتم فيها اختيار عامل لمهاراته وخبراته المحددة، أو التعاقد مع فنان مشهور لرسم لوحة فنية، أو التعاقد مع طبيب معين لإجراء عملية جراحية. في هذه الحالات، تكون هوية المتعاقد وصفاته الشخصية أو المهنية هي السبب المباشر لإبرام العقد، وأي خطأ في هذه الهوية يعتبر غلطًا جوهريًا يفتح الباب لطلب الإبطال.

على النقيض، في عقود المعاوضات البسيطة مثل عقد البيع العادي، لا تكون لشخصية المشتري أو البائع أهمية في الغالب. فمن يشتري سلعة من متجر لا يهتم عادة بهوية البائع طالما أنه سيحصل على السلعة مقابل الثمن. في مثل هذه العقود، لا يعتبر الخطأ في شخص المتعاقد غلطًا جوهريًا ما لم يتم إثبات عكس ذلك بوجود ظروف خاصة جعلت شخصية المتعاقد دافعًا أساسيًا لإتمام الصفقة.

الآثار القانونية المترتبة على الخطأ في الشخص

قابلية العقد للإبطال

الأثر القانوني المباشر لوقوع المتعاقد في غلط جوهري يتعلق بشخص المتعاقد الآخر هو أن العقد يصبح قابلًا للإبطال. من المهم فهم الفرق بين العقد “القابل للإبطال” والعقد “الباطل”. العقد الباطل يعتبر كأن لم يكن منذ البداية، أما العقد القابل للإبطال فهو عقد صحيح ومنتج لآثاره القانونية إلى أن يتمسك من له الحق في الإبطال بحقه ويصدر حكم قضائي بذلك.

من له الحق في طلب إبطال العقد؟

الحق في طلب إبطال العقد بسبب الخطأ في شخص المتعاقد هو حق مقرر فقط لمن وقع في الغلط. فلا يجوز للطرف الآخر الذي تسبب في الغلط أو كان على علم به أن يطلب إبطال العقد. الهدف من هذه القاعدة هو حماية إرادة المتعاقد الذي شابها عيب، وليس معاقبة الطرف الآخر أو منحه وسيلة للتهرب من التزاماته التعاقدية.

خطوات عملية للتعامل مع الخطأ في شخص المتعاقد

الخطوة الأولى: إثبات الغلط الجوهري

عبء إثبات أن الخطأ في شخص المتعاقد كان جوهريًا يقع على عاتق من يدعيه. يمكن إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات المتاحة قانونًا. تشمل الأدلة المراسلات السابقة على التعاقد مثل رسائل البريد الإلكتروني، والخطابات التي توضح أهمية صفات معينة في المتعاقد. كما يمكن الاعتماد على شهادة الشهود، وطبيعة العقد نفسه، والمفاوضات التي سبقت إبرامه، وكل ما يدل على أن التعاقد ما كان ليتم لولا هذه الشخصية أو الصفات المحددة.

الخطوة الثانية: رفع دعوى إبطال العقد

إذا فشلت الحلول الودية، تكون الخطوة التالية هي اللجوء إلى القضاء. يتم ذلك عن طريق رفع دعوى قضائية أمام المحكمة المدنية المختصة لطلب الحكم بإبطال العقد. يجب أن يتم ذلك من خلال محامٍ يقوم بإعداد صحيفة الدعوى بشكل سليم، وتضمينها كافة المستندات والأدلة التي تثبت وقوع المدعي في غلط جوهري، مع شرح وافٍ للوقائع والأسانيد القانونية التي تدعم الطلب.

الخطوة الثالثة: مدة تقادم دعوى الإبطال

من الضروري الانتباه إلى مواعيد التقادم التي حددها القانون. فالحق في إبطال العقد يسقط بمضي ثلاث سنوات. تبدأ هذه المدة في حالة الغلط من اليوم الذي ينكشف فيه هذا الغلط للمتعاقد. إذا انقضت هذه المدة دون رفع الدعوى، يفقد المتعاقد حقه في طلب الإبطال ويصبح العقد نهائيًا وملزمًا بالرغم من العيب الذي شابه عند تكوينه.

حلول وبدائل إضافية

إجازة العقد

لمن وقع في الغلط وله الحق في طلب الإبطال خيار آخر وهو “إجازة العقد”. الإجازة تعني قبول العقد وتصحيحه رغم العيب الموجود به. قد تكون الإجازة صريحة، كأن يعلن المتعاقد كتابةً أو شفاهةً عن تنازله عن حقه في الإبطال. وقد تكون ضمنية، كأن يقوم المتعاقد بتنفيذ العقد طواعية بعد اكتشافه للغلط، مما يدل على قبوله الاستمرار فيه. وبمجرد إجازة العقد، يصبح صحيحًا ونهائيًا ولا يمكن طلب إبطاله لاحقًا.

المطالبة بالتعويض

في بعض الحالات، قد لا يكون إبطال العقد كافيًا لجبر الضرر الذي لحق بالمتعاقد. إذا كان وقوع الغلط مصحوبًا بخطأ أو تدليس من الطرف الآخر، كأن يقدم معلومات مضللة عن هويته أو صفاته عن عمد، فيمكن للمتعاقد المضرور أن يطالب بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به نتيجة هذا الغلط، وذلك بجانب حقه في طلب إبطال العقد أو كبديل عنه إذا اختار إبقاء العقد قائمًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock