الإجراءات القانونيةالقانون الجنائيالقانون المصريالمحاكم الاقتصاديةالنيابة العامة

قضايا غسل الأموال

قضايا غسل الأموال: حلول قانونية وعملية لمواجهة الجريمة المالية

فهم آليات الجريمة وأساليب المكافحة الفعالة

تعتبر قضايا غسل الأموال من أخطر الجرائم الاقتصادية التي تهدد استقرار الأنظمة المالية والاقتصادية للدول، وتُعد تحديًا كبيرًا للسلطات القضائية والرقابية. تتطلب مواجهة هذه الظاهرة فهمًا عميقًا لآلياتها المعقدة وتبني استراتيجيات قانونية وعملية صارمة ومتطورة. يهدف هذا المقال إلى تقديم حلول شاملة وخطوات عملية للتعامل مع قضايا غسل الأموال، بدءًا من تعريفها ومراحلها الأساسية وصولًا إلى الإجراءات الوقائية والعقوبات القانونية في القانون المصري.
سنتناول دور الأفراد والمؤسسات في مكافحة هذه الجرائم، وكيفية كشف الأنشطة المشبوهة، مع التركيز على تقديم خطوات دقيقة تمكن القارئ من الإلمام بكافة الجوانب المتعلقة بهذا النوع من الجرائم المالية. نسعى لتوفير معلومات قيمة تساعد على تعزيز الوعي القانوني وتأهيل المعنيين للتعامل بفعالية مع قضايا غسل الأموال.

ماهية غسل الأموال ومراحله الأساسية

تعريف غسل الأموال وأبعاده

قضايا غسل الأموالغسل الأموال هو عملية إخفاء المصدر غير المشروع للأموال الناتجة عن أنشطة إجرامية كالاتجار بالمخدرات، الإرهاب، الرشوة، أو الاحتيال، وجعلها تبدو وكأنها أموال مشروعة. تهدف هذه العملية إلى إضفاء الشرعية على العوائد غير القانونية، مما يسمح للمجرمين بالتمتع بها دون الكشف عن مصدرها الحقيقي. تشمل أبعادها جوانب اقتصادية، اجتماعية، وأمنية، حيث تؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني وتساهم في انتشار الجريمة المنظمة.

تتطلب مواجهة غسل الأموال فهمًا عميقًا للمصطلحات القانونية والاقتصادية المرتبطة بها، بالإضافة إلى الوعي بالأساليب المتجددة التي يتبعها المجرمون. يسهم تعريف هذه الجريمة بدقة في تحديد الإطار القانوني لمكافحتها وتحديد المسؤوليات على كافة الأطراف المعنية سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات مالية أو جهات رقابية. الوقاية تبدأ من الفهم الواضح للجريمة.

المراحل الثلاث لعملية غسل الأموال

تمر عملية غسل الأموال عادة بثلاث مراحل رئيسية ومتسلسلة لضمان إخفاء أثر الأموال غير المشروعة. أولًا، مرحلة التوظيف (Placement)، وفيها يتم إدخال الأموال النقدية المتولدة عن الجريمة إلى النظام المالي المشروع. غالبًا ما تتم هذه المرحلة عبر إيداعات صغيرة متعددة أو شراء أصول ذات قيمة نقدية عالية يصعب تتبعها، وذلك بهدف تجنب لفت الانتباه وتجاوز الحدود القصوى للمعاملات النقدية.

ثانيًا، مرحلة التستير أو الطبقات (Layering)، حيث تُجرى سلسلة معقدة من المعاملات المالية لإبعاد الأموال عن مصدرها الأصلي وتشتيت أي أثر يمكن أن يقود إلى الجريمة. تتضمن هذه المرحلة تحويل الأموال بين حسابات مختلفة، عبر الحدود، أو استثمارها في أدوات مالية متنوعة، بهدف جعل تتبعها أمرًا في غاية الصعوبة. يتم ذلك غالبًا من خلال شركات وهمية أو معاملات دولية معقدة ومتشابكة.

ثالثًا، مرحلة الإدماج (Integration)، وفيها تُعاد الأموال إلى النظام الاقتصادي بصورة تبدو مشروعة تمامًا، بعد أن تكون قد اكتسبت غطاءً قانونيًا عبر المراحل السابقة. يمكن أن يتم ذلك من خلال شراء العقارات الفاخرة، الاستثمار في الشركات الشرعية، أو إقامة مشاريع تجارية، مما يتيح للمجرمين الاستفادة من هذه الأموال بحرية دون لفت الانتباه. تحقيق هذه المراحل يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتنفيذًا محكمًا.

الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال في مصر

القانون رقم 80 لسنة 2002 وتعديلاته

يُعد القانون رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال، وتعديلاته اللاحقة، حجر الزاوية في المنظومة القانونية المصرية لمواجهة هذه الجريمة. يهدف هذا القانون إلى تجريم الأفعال المرتبطة بغسل الأموال وتحديد العقوبات المقررة لها، إضافة إلى وضع آليات للكشف عن هذه الجرائم والتحقيق فيها ومصادرة الأموال المتحصلة منها. يتضمن القانون تعريفات واضحة لغسل الأموال والأنشطة الإجرامية الأصلية التي تتولد عنها الأموال غير المشروعة.

شملت التعديلات الأخيرة على القانون توسيع نطاق الجرائم الأصلية التي تقع عليها جريمة غسل الأموال، وتعزيز صلاحيات الجهات الرقابية، وتشديد العقوبات المقررة. كما استحدث القانون إنشاء وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي هيئة مستقلة تتمتع بصلاحيات واسعة في تلقي البلاغات وتحليل المعلومات المشبوهة، وتقديمها إلى الجهات القضائية المختصة. هذه التعديلات تعكس التزام مصر بالمعايير الدولية في هذا المجال.

دور النيابة العامة والمحاكم الاقتصادية

تضطلع النيابة العامة بدور محوري في تحريك الدعوى الجنائية والتحقيق في قضايا غسل الأموال. تبدأ النيابة تحقيقاتها بناءً على بلاغات من وحدة مكافحة غسل الأموال أو من خلال جهات الضبط القضائي الأخرى. تتميز قضايا غسل الأموال بكونها تتطلب خبرات متخصصة في الجانب المالي والقانوني، لذا يتم إسناد هذه القضايا لوكلاء نيابة متخصصين قادرين على فك شفرات المعاملات المالية المعقدة وكشف الصلات بينها وبين الجرائم الأصلية.

بعد انتهاء تحقيقات النيابة، تحال القضايا إلى المحاكم الاقتصادية، التي تتمتع باختصاص نوعي في نظر الجرائم الاقتصادية، بما فيها قضايا غسل الأموال. تمتاز هذه المحاكم بقضاتها المتخصصين الذين يمتلكون دراية واسعة بالقوانين المالية والتجارية، مما يضمن محاكمات عادلة وفعالة. كما تُسهم المحاكم الاقتصادية في تطبيق العقوبات المقررة واتخاذ قرارات المصادرة للأموال والأصول المتحصلة من الجريمة، مما يعزز جهود الدولة في استرداد الأموال المهربة.

الالتزامات الدولية والاتفاقيات

تلتزم مصر بالعديد من الاتفاقيات والصكوك الدولية الهادفة إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. من أبرز هذه الالتزامات الانضمام إلى مجموعة العمل المالي (FATF)، التي تضع المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. يتطلب هذا الانضمام من الدول الأعضاء تطبيق توصيات معينة في قوانينها وإجراءاتها لضمان الفاعلية في المواجهة وتبادل الخبرات والمعلومات لمكافحة الجرائم العابرة للحدود.

تشمل هذه الالتزامات أيضًا تبادل المعلومات والتعاون القضائي الدولي مع الدول الأخرى في تتبع الأموال غير المشروعة واستردادها. هذا التعاون يشمل المساعدة القانونية المتبادلة، تسليم المجرمين، وتبادل البيانات المالية والاستخباراتية. يعكس التزام مصر بالمعايير الدولية إدراكها لطبيعة هذه الجرائم العابرة للحدود، وضرورة التنسيق العالمي لمكافحتها بفعالية. هذه الاتفاقيات تعزز قدرة الدولة على مطاردة الأموال والحد من انتشار الجريمة.

طرق كشف غسل الأموال والإبلاغ عنها

المؤشرات الحمراء للأنشطة المشبوهة

لكشف غسل الأموال، يجب على المؤسسات المالية والجهات الرقابية الانتباه إلى مجموعة من “المؤشرات الحمراء” التي قد تدل على وجود نشاط مشبوه. تشمل هذه المؤشرات الإيداعات النقدية الكبيرة وغير المبررة، أو السحب النقدي المتكرر بكميات كبيرة، خاصة من قبل عملاء لا يتناسب نشاطهم الطبيعي مع هذه الحركات. كما تثير الشكوك التحويلات المالية الكبيرة والمتعددة إلى جهات خارجية غير معروفة أو إلى حسابات متعددة دون مبرر واضح.

من العلامات الأخرى عمليات تبديل العملات الأجنبية بشكل متكرر بكميات كبيرة، أو استخدام شركات وهمية أو واجهة لإجراء معاملات مالية معقدة. كذلك، تُعد المعاملات التي لا تظهر لها أغراض تجارية أو اقتصادية واضحة، أو التي يبدو أنها تهدف فقط إلى تشتيت مصدر الأموال، مؤشرًا قويًا على غسل الأموال. يجب تدريب الموظفين على التعرف على هذه المؤشرات والإبلاغ عنها فوريًا للجهات المختصة، فالفحص المستمر ضروري للوقاية الفعالة.

إجراءات العناية الواجبة (KYC) للمؤسسات المالية

تُعد إجراءات “اعرف عميلك” (Know Your Customer – KYC) من أهم الأدوات الوقائية التي تتبناها المؤسسات المالية لمكافحة غسل الأموال. تتضمن هذه الإجراءات التحقق الدقيق من هوية العملاء، سواء كانوا أفرادًا أو شركات، وفهم طبيعة أنشطتهم ومصادر أموالهم. يجب على البنوك والمؤسسات المالية جمع معلومات كافية عن عملائها للتأكد من شرعية تعاملاتهم ومنع استخدام قنواتها لأغراض غير مشروعة.

تشمل إجراءات KYC أيضًا مراقبة معاملات العملاء بشكل مستمر للكشف عن أي أنشطة غير اعتيادية أو مشبوهة لا تتوافق مع الملف الشخصي للعميل أو طبيعة أعماله. في حالة اكتشاف أي سلوكيات غير طبيعية، يجب على المؤسسة اتخاذ الإجراءات اللازمة، والتي قد تتضمن تجميد الحسابات أو الإبلاغ عن الشكوك للجهات المختصة. تحديث بيانات العملاء بانتظام جزء أساسي من هذه العملية لضمان فعاليتها المستمرة في الحد من المخاطر.

قنوات الإبلاغ عن الشكوك والجهات المختصة

في مصر، توجد قنوات محددة للإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة المتعلقة بغسل الأموال. الجهة الرئيسية المسؤولة عن تلقي هذه البلاغات هي وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التابعة للبنك المركزي المصري. يتوجب على المؤسسات المالية، بموجب القانون، الإبلاغ عن أي معاملات أو أنشطة يشتبه في أنها مرتبطة بغسل الأموال. يتم تقديم هذه البلاغات بشكل سري لضمان حماية المبلغين وتشجيعهم على التعاون.

يمكن للأفراد أيضًا الإبلاغ عن أي معلومات لديهم حول أنشطة غسل الأموال من خلال النيابة العامة أو جهاز الكسب غير المشروع. تلعب هذه الجهات دورًا حيويًا في تلقي البلاغات الأولية والتحقق منها، قبل إحالتها إلى الجهات القضائية المختصة للتحقيق والملاحقة. تشجع الدولة على الإبلاغ عن هذه الجرائم لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، مع ضمان توفير الحماية القانونية للمبلغين عن حسن نية. التعاون المجتمعي حجر الزاوية في المكافحة الفعالة.

الوقاية من غسل الأموال: استراتيجيات وحلول عملية

تعزيز الشفافية والرقابة الداخلية

تُعد الشفافية والرقابة الداخلية الفعالة من أهم استراتيجيات الوقاية من غسل الأموال داخل المؤسسات. يجب على الشركات والمؤسسات المالية وضع سياسات وإجراءات واضحة تضمن الشفافية في جميع المعاملات المالية، مع تحديد المسؤوليات بوضوح. يتضمن ذلك وجود نظام فعال للتدقيق الداخلي يراجع بانتظام جميع العمليات لضمان الامتثال للقوانين واللوائح المنظمة لمكافحة غسل الأموال.

يتعين على المؤسسات كذلك إنشاء لجان للامتثال تتولى متابعة تطبيق سياسات مكافحة غسل الأموال والتأكد من تحديثها باستمرار لتواكب التطورات في أساليب الجريمة. يجب أن يكون هناك خط إبلاغ سري للموظفين لتمكينهم من الإبلاغ عن أي شكوك دون خوف من الانتقام. الشفافية لا تقتصر على المعاملات المالية، بل تمتد لتشمل الإفصاح عن الملكية المستفيدة الحقيقية للشركات، وهو ما يعوق عمليات غسل الأموال عبر الشركات الوهمية أو الواجهة. بناء الثقة يبدأ بالشفافية والوضوح.

التدريب والتوعية للعاملين بالمؤسسات

لا يمكن تحقيق وقاية فعالة من غسل الأموال دون تدريب وتوعية مستمرين للعاملين في المؤسسات المالية وغير المالية المعرضة للمخاطر. يجب أن تشمل برامج التدريب جميع الموظفين، وخاصة أولئك الذين يتعاملون مباشرة مع العملاء أو المعاملات المالية. يهدف التدريب إلى تعريف الموظفين بمفهوم غسل الأموال، مراحله، والمؤشرات الدالة عليه، إضافة إلى الإطار القانوني لمكافحته والمتطلبات الرقابية.

يجب أن تتضمن برامج التوعية أيضًا شرحًا لإجراءات العناية الواجبة (KYC) وأهميتها، وكيفية الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة، والتأكيد على السرية والحماية الممنوحة للمبلغين. كما يجب تحديث هذه البرامج بانتظام لتعكس أحدث التطورات في تقنيات غسل الأموال والمتطلبات القانونية الدولية والمحلية. الاستثمار في وعي الموظفين هو خط الدفاع الأول ضد الجرائم المالية ويقلل من المخاطر التشغيلية والقانونية بشكل كبير. التعليم المستمر هو مفتاح النجاح في هذا المجال.

استخدام التكنولوجيا في تتبع المعاملات

تلعب التكنولوجيا دورًا حاسمًا في مكافحة غسل الأموال، حيث توفر أدوات متطورة لتتبع وتحليل كميات هائلة من البيانات المالية. يمكن للمؤسسات الاستفادة من أنظمة المراقبة الآلية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للكشف عن الأنماط المشبوهة أو المعاملات غير الاعتيادية التي قد تشير إلى غسل الأموال. هذه الأنظمة قادرة على معالجة البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة من الطرق اليدوية التقليدية.

تساعد التكنولوجيا أيضًا في تطبيق سياسات العناية الواجبة بشكل أكثر فعالية، من خلال أدوات التحقق من الهوية الرقمية وتحليل المخاطر. كما يمكن استخدام سلاسل الكتل (Blockchain) في بعض القطاعات لزيادة الشفافية وتتبع حركة الأصول بشكل غير قابل للتلاعب، مما يصعب على المجرمين إخفاء أثر أموالهم. إن الاستثمار في الحلول التقنية المتطورة يعزز قدرة المؤسسات على رصد وتحليل المعاملات المعقدة، وبالتالي يساهم في تحديد ومكافحة جرائم غسل الأموال بفعالية أكبر وتقليل الثغرات الأمنية. الابتكار التقني يدعم الأمن المالي بشكل مستمر.

عقوبات غسل الأموال في القانون المصري

العقوبات الجنائية المقررة للأفراد

يفرض القانون المصري عقوبات صارمة على الأفراد المتورطين في جرائم غسل الأموال. تتراوح هذه العقوبات بين السجن المشدد لفترات طويلة والغرامات المالية الباهظة. يتم تحديد مدة السجن وقيمة الغرامة بناءً على حجم الأموال المغسولة، ومدى تورط الشخص في العملية، وما إذا كانت الجريمة قد ارتكبت كجزء من عصابة إجرامية منظمة. يهدف القانون إلى تحقيق الردع العام والخاص، والحفاظ على نزاهة النظام المالي.

بالإضافة إلى عقوبة السجن والغرامة، ينص القانون على مصادرة الأموال والأصول المتحصلة من جريمة غسل الأموال، أو ما يعادل قيمتها، لصالح الدولة. يشمل ذلك الأموال المنقولة وغير المنقولة، والأوراق المالية، والمشروعات التجارية التي استُخدمت في الجريمة. هذه الإجراءات تهدف إلى تجريد المجرمين من عوائد جرائمهم، وبالتالي إضعاف قدرتهم على الاستمرار في أنشطتهم غير المشروعة وتوجيه رسالة واضحة بأن الجريمة لا تفيد. تطبيق القانون بحزم يضمن العدالة.

المسؤولية الجنائية للكيانات الاعتبارية

لا تقتصر المسؤولية الجنائية في قضايا غسل الأموال على الأفراد فقط، بل تمتد لتشمل الكيانات الاعتبارية مثل الشركات والمؤسسات. ينص القانون على معاقبة الشخص الاعتباري بالغرامة المالية التي قد تصل إلى ملايين الجنيهات، إذا ارتكبت جريمة غسل الأموال باسمه أو لحسابه أو لمصلحته، أو عن طريق أحد أجهزته أو مديريه أو ممثليه. هذه المسؤولية تهدف إلى حث الشركات على تطبيق معايير رقابية صارمة ومنع استغلالها في أنشطة غير مشروعة.

إضافة إلى الغرامة، قد يتعرض الكيان الاعتباري لتدابير أخرى مثل إيقاف النشاط مؤقتًا أو إلغاء الترخيص، أو المنع من مزاولة نشاط معين لفترة محددة. تهدف هذه العقوبات إلى ردع الشركات عن التغاضي عن أنشطة غسل الأموال أو المشاركة فيها، وتشجيعها على تعزيز نظم الامتثال ومكافحة الجرائم المالية داخلها. يُشدد القانون على أهمية الدور الوقائي للشركات في حماية النظام المالي من التلاعب. الامتثال القانوني يعزز سمعة الشركات ويحمي استقرارها.

إجراءات التحفظ والمصادرة للأموال

يمنح القانون المصري السلطات القضائية صلاحيات واسعة لاتخاذ إجراءات تحفظية ومصادرة للأموال والأصول المشتبه في أنها متحصلة من جرائم غسل الأموال. يمكن للنيابة العامة، بأمر من المحكمة المختصة، التحفظ على الأموال والأصول والممتلكات الخاصة بالمتهمين أو المرتبطة بالجريمة، سواء كانت هذه الأموال داخل مصر أو خارجها بالتعاون الدولي. الهدف هو منع التصرف فيها قبل صدور حكم نهائي، مما يحمي الحقوق العامة والخاصة.

بعد صدور حكم قضائي نهائي بالإدانة، يتم تنفيذ حكم المصادرة، وتصبح هذه الأموال والأصول ملكًا للدولة. تشمل إجراءات المصادرة تجميد الحسابات المصرفية، التحفظ على العقارات، والأسهم والسندات، وأي أصول أخرى ذات قيمة اقتصادية. تساهم هذه الإجراءات في تجفيف منابع تمويل الجريمة المنظمة والإرهاب، واسترداد الأموال غير المشروعة لتعزيز الاقتصاد الوطني ودعم المشاريع التنموية. هذه الآلية ضرورية لتطبيق العدالة واستعادة الأموال المنهوبة لصالح المجتمع.

نصائح عملية للتعامل مع اتهامات غسل الأموال

أهمية الاستشارة القانونية المتخصصة

في حال مواجهة اتهامات بغسل الأموال، تُعد الاستشارة القانونية المتخصصة خطوة حاسمة وضرورية. يجب البحث عن محامٍ ذي خبرة واسعة في قضايا الجرائم المالية والقانون الجنائي، حيث يمتلك هذا المحامي الفهم العميق للتشريعات المعقدة والإجراءات القضائية المتعلقة بهذه القضايا. سيقوم المحامي بتقديم النصح القانوني السليم، وشرح طبيعة الاتهامات، والآثار المحتملة، ووضع استراتيجية دفاع فعالة بناءً على الحقائق المتاحة.

يساعد المحامي المتخصص في حماية حقوق المتهم خلال مراحل التحقيق والاستجواب، ويضمن الالتزام بالإجراءات القانونية الصحيحة. كما يمكنه تمثيل المتهم أمام النيابة العامة والمحاكم، وتقديم الدفوع القانونية المناسبة، وطلب الإفراج المؤقت، والتعامل مع طلبات التحفظ على الأموال. عدم الاستعانة بمحامٍ متخصص قد يؤدي إلى تفاقم الموقف وتداعيات سلبية خطيرة قد يصعب تداركها. الحصول على مساعدة قانونية مبكرة هو مفتاح التعامل السليم مع هذه الاتهامات.

جمع الأدلة وتقديم الدفاع القانوني

يتطلب التعامل مع اتهامات غسل الأموال جمعًا دقيقًا وشاملًا للأدلة التي تدعم براءة المتهم أو تقلل من مدى تورطه. يجب على المتهم، بالتعاون مع محاميه، العمل على تجميع كافة الوثائق المالية والمصرفية والتجارية التي تثبت شرعية مصادر أمواله ومعاملاته. تشمل هذه الأدلة عقود البيع والشراء، فواتير المعاملات، كشوفات الحسابات البنكية، والمستندات الضريبية، وغيرها من الوثائق ذات الصلة التي توضح طبيعة المعاملات.

يهدف الدفاع القانوني إلى دحض ادعاءات النيابة العامة وتقديم تفسيرات منطقية وشرعية للأنشطة المالية المشبوهة. قد يتضمن ذلك إثبات أن الأموال جاءت من مصادر مشروعة، أو أن المعاملات تمت بحسن نية ودون علم بأنها جزء من عملية غسل أموال. يمكن أيضًا تقديم شهود أو خبراء ماليين لتعزيز موقف الدفاع وإلقاء الضوء على الجوانب الفنية. تكمن قوة الدفاع في مدى دقة وشمولية الأدلة المقدمة وقدرة المحامي على عرضها بشكل مقنع أمام القضاء. الشفافية في عرض المستندات تدعم الموقف القانوني بقوة.

التعاون مع الجهات القضائية المختصة

رغم أهمية الدفاع عن النفس، فإن التعاون مع الجهات القضائية المختصة يمكن أن يكون له أثر إيجابي في قضايا غسل الأموال. يُنصح بالتعاون مع النيابة العامة والمحكمة بتقديم المعلومات المطلوبة بشفافية وصدق، ما لم يتعارض ذلك مع حق المتهم في عدم تجريم نفسه. يمكن أن يساهم هذا التعاون في توضيح الحقائق وتخفيف حدة الاتهامات الموجهة، إذا تم بشكل استراتيجي ومدروس.

يجب أن يتم هذا التعاون بتوجيه من المحامي المتخصص لضمان عدم تقديم أي معلومات قد تضر بموقف المتهم أو تتسبب في إدانته. في بعض الحالات، قد يؤدي التعاون إلى الحصول على معاملة مخففة، خاصة إذا قدم المتهم معلومات قيمة تساعد في كشف أطراف أخرى متورطة أو استعادة أموال. يهدف هذا النهج إلى إظهار حسن النية والرغبة في كشف الحقيقة، مما يعكس صورة إيجابية أمام القضاء. التوازن بين الدفاع والتعاون أمر بالغ الأهمية لتحقيق أفضل النتائج الممكنة.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock