الإجراءات القانونيةالاستشارات القانونيةالقانون الإداريالقانون المصريقانون الشركات

قانون تنظيم الجمعيات الأهلية الجديد: تحديات العمل المدني

قانون تنظيم الجمعيات الأهلية الجديد: تحديات العمل المدني

فهم التحديات وتقديم حلول عملية لتعزيز دور المجتمع المدني

يُعد قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي الجديد رقم 149 لسنة 2019 في مصر، خطوة تنظيمية هامة تهدف إلى حوكمة عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية وضمان شفافية أنشطتها ومصادر تمويلها. ومع ذلك، فقد أثار هذا القانون العديد من التساؤلات والتحديات أمام منظمات المجتمع المدني، ما استدعى الحاجة إلى فهم عميق لمتطلباته وكيفية التكيف معها بفعالية للحفاظ على استمرارية وفاعلية العمل المدني. يهدف هذا المقال إلى تحليل أبرز هذه التحديات وتقديم مجموعة من الحلول العملية والمتعددة الجوانب التي تمكن الجمعيات الأهلية من تجاوزها، وتعزيز دورها المحوري في التنمية المجتمعية، مع الحفاظ على استقلاليتها وقدرتها على تحقيق أهدافها السامية.

التحديات الرئيسية التي تواجه الجمعيات الأهلية بموجب القانون الجديد

تحدي الإجراءات البيروقراطية وتعقيدات التسجيل

قانون تنظيم الجمعيات الأهلية الجديد: تحديات العمل المدني
يفرض القانون الجديد مجموعة من الإجراءات والضوابط الصارمة للتأسيس والتسجيل، ما يمثل عبئًا إداريًا كبيرًا على الجمعيات، خاصة الصغيرة منها أو تلك حديثة النشأة. يتطلب الأمر تقديم مستندات متعددة، واستيفاء شروط قد تبدو معقدة، بالإضافة إلى فترات انتظار طويلة للحصول على الموافقات. هذه التعقيدات قد تثني بعض المبادرات عن الانطلاق أو تستنزف موارد الجمعيات في الجوانب الإدارية بدلاً من التركيز على الأنشطة التنموية الأساسية التي أنشئت من أجلها.

قيود التمويل الشفاف ومتطلبات الإفصاح

يفرض القانون قيودًا صارمة على تلقي التمويل الأجنبي والمحلي، ويتطلب مستويات عالية من الشفافية والإفصاح عن مصادر الأموال وكيفية إنفاقها. ورغم أن هذا يهدف إلى مكافحة غسل الأموال ودعم الإرهاب، إلا أنه قد يعرقل تدفق التمويل اللازم للجمعيات، ويجعل عملية الحصول على الموافقات المالية أكثر صعوبة واستغراقًا للوقت. كما يتطلب إعداد تقارير مالية دورية مفصلة، مما يزيد من العبء الإداري.

تأثير المراقبة الحكومية على استقلالية العمل المدني

يمنح القانون الجهات الحكومية صلاحيات واسعة في الإشراف والمتابعة لأنشطة الجمعيات، بما في ذلك حق التدخل في قراراتها أو حلها في حالات معينة. هذا المستوى من المراقبة قد يؤثر سلبًا على استقلالية العمل المدني، ويحد من قدرة الجمعيات على اختيار أولوياتها أو التعبير عن آرائها بحرية. يشعر بعض الفاعلين في المجتمع المدني بالقلق من أن هذه الرقابة قد تستخدم للحد من الحريات أو تضييق الخناق على بعض الأنشطة.

نطاق الأنشطة والتعامل مع القضايا الحساسة

قد يجد بعض الجمعيات صعوبة في تحديد نطاق الأنشطة المسموح بها بموجب القانون الجديد، خاصة تلك التي تعمل في مجالات حقوق الإنسان، الحريات العامة، أو القضايا الاجتماعية الحساسة. قد تتطلب هذه الأنشطة حساسية خاصة في التعامل والتواصل، وقد يُنظر إليها على أنها تتجاوز الأهداف التنموية التقليدية. يشكل هذا تحديًا في كيفية صياغة أهداف الجمعية وبرامجها بما يتوافق مع القانون دون المساس بجوهر رسالتها.

حلول عملية لتعزيز قدرة الجمعيات الأهلية على التكيف والنجاح

تبسيط الإجراءات: استراتيجيات التعامل مع المتطلبات الإدارية

للتعامل مع تعقيدات الإجراءات، يجب على الجمعيات تبني استراتيجيات فعالة. أولاً، ينبغي تخصيص موظف أو فريق مسؤول عن الشؤون القانونية والإدارية، مع تدريبه بشكل مكثف على متطلبات القانون الجديد. ثانياً، يمكن للجمعيات الصغيرة الاستفادة من خدمات المكاتب القانونية المتخصصة في شؤون المنظمات غير الحكومية لضمان الامتثال التام. ثالثاً، ينبغي إنشاء دليل إجرائي داخلي مفصل يوضح خطوات التسجيل والإبلاغ لضمان السلاسة وتجنب الأخطاء.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجمعيات البحث عن منصات رقمية أو تطبيقات تساعد في إدارة الوثائق ومتابعة المواعيد النهائية للإبلاغ. يجب أن تكون جميع السجلات والوثائق منظمة ومحدثة باستمرار. يعتبر التواصل المبكر والمستمر مع الجهات الإدارية المختصة والاستفسار عن أي غموض في المتطلبات حلاً فعالاً لتجنب التأخيرات غير المتوقعة وضمان الفهم الصحيح للإجراءات المطلوبة.

تنويع مصادر التمويل وتأكيد الشفافية

للتغلب على قيود التمويل، يجب على الجمعيات تنويع مصادر دخلها بدلاً من الاعتماد على مصدر واحد. يمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير برامج لجمع التبرعات المحلية من الأفراد والشركات، وتنظيم فعاليات مجتمعية لزيادة الوعي وجمع الدعم. كما يمكن البحث عن منح من المؤسسات الدولية التي تتوافق متطلباتها مع لوائح القانون المصري، مع التأكيد على الشفافية التامة في الإفصاح عن هذه المنح.

يجب على الجمعيات أيضاً تبني أفضل الممارسات في الحوكمة المالية، بما في ذلك إعداد ميزانيات تفصيلية، وتطبيق أنظمة محاسبية دقيقة، ومراجعة مالية مستقلة بانتظام. يساعد ذلك في بناء الثقة مع الممولين والجهات الحكومية، ويضمن الامتثال لمتطلبات الإفصاح. من الضروري إعداد تقارير مالية واضحة ومبسطة يمكن للجميع فهمها، ونشرها بشكل دوري لتعزيز الشفافية أمام الجمهور والجهات المعنية.

تعزيز الحوار والشراكة مع الجهات الحكومية

للتخفيف من تأثير المراقبة الحكومية، ينبغي للجمعيات أن تسعى إلى بناء علاقات إيجابية وقائمة على الاحترام المتبادل مع الجهات الحكومية المعنية. يمكن ذلك من خلال المبادرة بالتواصل، وتقديم تقارير دورية عن الأنشطة والإنجازات بشكل استباقي وشفاف. يجب التأكيد على أن الجمعيات تعمل كشريك مكمل لجهود الدولة في تحقيق التنمية المستدامة، وليس ككيان منافس أو معارض.

المشاركة في ورش العمل والاجتماعات التي تنظمها الجهات الحكومية يمكن أن تفتح قنوات للحوار وتبادل وجهات النظر، وتساعد على فهم أفضل لتطلعات الحكومة. كما يمكن للجمعيات اقتراح مبادرات مشتركة أو برامج تعاونية تعود بالنفع على المجتمع، مما يعزز الثقة ويوضح الدور البناء للمجتمع المدني. من المهم إظهار الالتزام بالقوانين واللوائح مع الحفاظ على روح المبادرة والاستقلالية في العمل.

توسيع نطاق العمل وتطوير آليات الدفاع عن الحقوق

لمواجهة التحديات المتعلقة بنطاق الأنشطة، يمكن للجمعيات تبني نهج متعدد الأوجه. أولاً، يجب عليها مراجعة نظامها الأساسي وأهدافها للتأكد من توافقها التام مع نصوص القانون الجديد، وتعديلها إذا لزم الأمر بصيغ واضحة وغير قابلة للتأويل. ثانياً، يمكن للجمعيات العاملة في قضايا حساسة التركيز على بناء القدرات المجتمعية وتقديم الدعم القانوني والاستشاري للأفراد، وذلك ضمن إطار يركز على الحقوق الأساسية المكفولة بالدستور والقانون.

يمكن أيضاً للجمعيات تطوير برامج توعية وتثقيف حول حقوق المواطنين وواجباتهم، وتقديم أمثلة عملية لكيفية المطالبة بالحقوق عبر القنوات القانونية المتاحة. يجب على الجمعيات أن تتقن فن صياغة مشاريعها وبرامجها بحيث تتناسب مع الإطار القانوني، مع القدرة على إظهار التأثير الإيجابي لهذه الأنشطة على التنمية الشاملة للمجتمع. التشاور مع الخبراء القانونيين أصبح ضرورة لا غنى عنها في هذا المجال.

عناصر إضافية لدعم استدامة وفاعلية العمل الأهلي

بناء القدرات الداخلية وتدريب الكوادر

يعد الاستثمار في بناء القدرات الداخلية للجمعيات أمرًا حيويًا لضمان استدامتها. يشمل ذلك تدريب الأعضاء والموظفين والمتطوعين على الجوانب القانونية والإدارية والمالية للقانون الجديد. يجب أن تركز البرامج التدريبية على كيفية إعداد التقارير، والتعامل مع التمويل، وإدارة المشاريع بفاعلية. كما ينبغي تنمية المهارات اللينة مثل التواصل، التفاوض، وحل المشكلات لتعزيز قدرة الجمعية على التفاعل الإيجابي مع كل الأطراف.

أهمية التشبيك والتحالفات بين الجمعيات

التشبيك بين الجمعيات الأهلية يعزز من قوتها ويزيد من فعاليتها في مواجهة التحديات. يمكن للتحالفات تبادل الخبرات والمعرفة، وتوحيد الجهود في الضغط الإيجابي على صانعي القرار لتعديل بعض البنود أو لتوضيحها. كما يمكن للجمعيات الكبرى أن تقدم الدعم والاستشارة للجمعيات الأصغر، مما يخلق بيئة تعاونية قوية. يؤدي التشبيك إلى تجميع الموارد وتحقيق أثر أكبر في المجتمع.

دور التكنولوجيا في تعزيز الشفافية والوصول

يمكن للجمعيات استغلال التكنولوجيا الحديثة لتعزيز شفافيتها وكفاءتها. يشمل ذلك إنشاء مواقع إلكترونية تفاعلية لنشر التقارير المالية والإدارية، وتوثيق الأنشطة بالصور والفيديوهات. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتوعية بقضاياها وجذب المتطوعين والداعمين. كما يمكن الاستفادة من أنظمة إدارة قواعد البيانات لتنظيم معلومات المستفيدين والمتبرعين والاحتفاظ بسجلات دقيقة وسهلة الوصول، مما يدعم متطلبات الإفصاح.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock