الجرائم الالكترونيةالقانون الجنائيالقانون المصريالملكية الفكريةجرائم الانترنت

جريمة استنساخ المواقع الإخبارية الرسمية

جريمة استنساخ المواقع الإخبارية الرسمية

مخاطر استنساخ المواقع الإخبارية الرسمية وكيفية مواجهتها قانونيًا وتقنيًا

تعد ظاهرة استنساخ المواقع الإخبارية الرسمية من أخطر الجرائم الإلكترونية التي تهدد أمن المعلومات ومصداقية الأخبار في العصر الرقمي. تستهدف هذه الجريمة الاحتيالية انتحال صفة المواقع الأصلية لنشر معلومات مضللة أو القيام بأنشطة غير قانونية، مما يتسبب في أضرار جسيمة للجمهور وللمؤسسات الإخبارية على حد سواء. يتناول هذا المقال ماهية هذه الجريمة، أركانها، آثارها، وأهم الطرق القانونية والعملية لمكافحتها في إطار القانون المصري.

ماهية جريمة استنساخ المواقع الإخبارية

التعريف القانوني

تشير جريمة استنساخ المواقع الإخبارية الرسمية إلى إنشاء نسخة طبق الأصل، أو شبيهة للغاية، لموقع إخباري شرعي بهدف تضليل المستخدمين وإيهامهم بأنهم يتعاملون مع المصدر الأصلي. يشمل ذلك تقليد التصميم، الشعار، المحتوى، وحتى عناوين النطاقات (الدومينات) بطرق خادعة. يندرج هذا الفعل ضمن جرائم الاحتيال الإلكتروني وانتحال الشخصية الرقمية، لما له من تداعيات خطيرة على الأمن السيبراني والمجتمع.

يستغل الجناة الثقة الممنوحة للمواقع الإخبارية الرسمية لنشر معلومات كاذبة، أو شائعات، أو حتى تنفيذ حملات تصيد احتيالي لسرقة البيانات الشخصية والمالية. يهدف التقليد إلى إرباك المستخدمين، وبالتالي تحقيق أغراض إجرامية متنوعة تتراوح بين النصب والاعتداء على الملكية الفكرية وصولًا إلى التخريب والتشهير بالمؤسسات الإعلامية المستهدفة.

الدوافع والأهداف

تتعدد الدوافع وراء استنساخ المواقع الإخبارية، فقد يكون الهدف نشر أخبار كاذبة أو شائعات تؤثر على الرأي العام أو تخدم أجندات معينة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية. كما يمكن أن تستغل هذه المواقع في عمليات التصيد الاحتيالي (Phishing) لسرقة بيانات المستخدمين الشخصية، مثل كلمات المرور والمعلومات المالية، عن طريق خداعهم لإدخالها في صفحات مزيفة تبدو مطابقة للأصلية.

قد يكون الدافع أيضًا تحقيق مكاسب مادية غير مشروعة من خلال الإعلانات المزيفة التي تظهر على الموقع المستنسخ، أو بيع منتجات مقلدة، أو حتى جمع تبرعات وهمية. في بعض الحالات، يمكن أن تُستخدم المواقع المستنسخة كمنصة لشن هجمات إلكترونية على الأجهزة المتصلة بها، عبر نشر برمجيات خبيثة أو فيروسات تهدف إلى إلحاق الضرر بالنظم المعلوماتية للمستخدمين.

الأركان القانونية لجريمة استنساخ المواقع

الركن المادي

يتمثل الركن المادي لجريمة استنساخ المواقع في الفعل المادي الذي يقوم به الجاني، وهو إنشاء موقع إلكتروني يحاكي موقعًا إخباريًا رسميًا بشكل يسمح بالتضليل. يتضمن ذلك نسخ تصميم الموقع الأصلي، المحتوى المنشور، استخدام أسماء نطاقات متشابهة (مثل تغيير حرف واحد أو إضافة لاحقة)، أو أي ممارسات تقنية تهدف إلى خداع المستخدمين وتوهمهم بأنهم يتعاملون مع الموقع الشرعي.

يشترط القانون أن يكون هذا الفعل قد أُحدث أثرًا ضارًا، كوقوع الجمهور في الغلط والتفاعل مع الموقع المزيف، أو فقدان الموقع الأصلي لمصداقيته وسمعته. لا يشترط بالضرورة أن يكون الضرر قد وقع بالفعل، بل يكفي أن يكون الفعل المادي قادرًا بطبيعته على إحداث هذا الضرر. كما يندرج تحت هذا الركن كل وسيلة تم استخدامها لتسهيل عملية الاستنساخ أو الترويج للموقع المزور.

الركن المعنوي

يتجسد الركن المعنوي في القصد الجنائي لدى الجاني، أي علمه بأن الفعل الذي يقوم به (استنساخ الموقع) غير قانوني، واتجاه إرادته إلى ارتكاب هذا الفعل بقصد إحداث ضرر أو تضليل. يشمل ذلك نية الاحتيال على المستخدمين، أو نشر أخبار كاذبة، أو سرقة البيانات، أو أي غرض إجرامي آخر يهدف إلى تحقيق مكاسب غير مشروعة أو إلحاق الضرر بالغير. القصد الجنائي هنا هو جوهر الجريمة.

يكفي توافر القصد العام وهو العلم والإرادة بالتقليد بقصد التضليل، دون الحاجة لإثبات قصد خاص محدد مثل سرقة أموال بعينها. مجرد نية خداع الجمهور وجعلهم يظنون أنهم يتعاملون مع الموقع الأصلي تكفي لتوافر الركن المعنوي. يقع عبء إثبات هذا القصد على سلطات التحقيق والمحاكمة من خلال القرائن والأدلة التي تدل على نية الجاني من فعله.

الآثار والتبعات القانونية والاجتماعية

الأضرار على المواقع الأصلية والجمهور

تلحق جريمة استنساخ المواقع أضرارًا بالغة بالمواقع الإخبارية الأصلية، حيث تؤثر سلبًا على مصداقيتها وثقة الجمهور بها، مما قد يؤدي إلى فقدان شريحة واسعة من المتابعين. قد تتسبب هذه الجريمة في خسائر مادية فادحة نتيجة تراجع عدد الزيارات، وبالتالي انخفاض الإيرادات من الإعلانات والشراكات التجارية. كما قد تُجبر المواقع الأصلية على تكبد نفقات إضافية في حملات توعية عامة وإجراءات أمنية معقدة لاستعادة ثقة جمهورها.

أما على صعيد الجمهور، فيمكن أن يتعرضوا لعمليات احتيال وسرقة بيانات شخصية ومالية، مما يعرضهم لخسائر مادية ومعنوية. قد يتلقى المستخدمون معلومات مغلوطة أو مضللة تؤثر على قراراتهم اليومية أو تشكل خطرًا على أمنهم الشخصي والمالي أو حتى على استقرار المجتمع. تؤدي هذه الجريمة أيضًا إلى تشويه الحقائق ونشر الفوضى المعلوماتية، مما يقوض قدرة الأفراد على التمييز بين الأخبار الصحيحة والمزيفة.

التداعيات الأمنية والاقتصادية

تتجاوز آثار استنساخ المواقع الضرر الفردي لتشمل تداعيات أمنية واقتصادية واسعة النطاق. فمن الناحية الأمنية، يمكن أن تستخدم هذه المواقع في شن حملات تجسس إلكتروني، أو اختراق أنظمة حكومية وخاصة، أو نشر برمجيات خبيثة وفيروسات تضر بالبنية التحتية المعلوماتية للبلاد. تمثل هذه الأنشطة خطرًا مباشرًا على الأمن القومي، خصوصًا إذا استهدفت جهات حيوية أو بنوك معلومات حساسة.

اقتصاديًا، تؤثر هذه الجرائم سلبًا على سوق الإعلانات الرقمية وعلى سمعة الشركات والمؤسسات التي قد تُربط بالمواقع المزيفة بشكل غير مباشر. يمكن أن تؤدي هذه الأفعال إلى زعزعة الاستقرار في المجتمع من خلال بث الفتنة ونشر الأكاذيب والتأثير على المعنويات العامة. يضع ذلك عبئًا إضافيًا على جهود الدول في مكافحة الجريمة السيبرانية ويتطلب تخصيص موارد ضخمة لمواجهة هذه التحديات المتزايدة.

طرق مكافحة جريمة استنساخ المواقع الإخبارية

الإجراءات الوقائية للمواقع الأصلية

لحماية المواقع الإخبارية الرسمية من الاستنساخ، يجب اتخاذ عدة إجراءات وقائية وتقنية وقانونية. أولًا، يجب تسجيل جميع العلامات التجارية وحقوق الملكية الفكرية الخاصة بالموقع (الاسم، الشعار، التصميم، المحتوى المميز) لدى الجهات المختصة لحماية هذه الأصول رقميًا وقانونيًا. ثانيًا، استخدام شهادات SSL/TLS (HTTPS) لضمان تشفير البيانات وتوفير اتصال آمن، وتوعية المستخدمين بضرورة التأكد من وجود هذه الشهادة في شريط العنوان قبل التصفح أو إدخال أي معلومات.

ثالثًا، ينبغي على أصحاب المواقع المراقبة المستمرة للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لاكتشاف أي مواقع مشابهة أو نطاقات مشبوهة تحاكي موقعهم، وذلك باستخدام أدوات رصد متخصصة. رابعًا، يجب نشر إرشادات واضحة للجمهور حول كيفية التحقق من أصالة الموقع، مثل التحقق من عنوان URL الدقيق، والبحث عن أي أخطاء إملائية في العناوين أو المحتوى، وتجنب النقر على الروابط المشبوهة القادمة من مصادر غير موثوقة.

دور الجمهور في الإبلاغ والحماية

يلعب الجمهور دورًا محوريًا في مكافحة هذه الجريمة والحد من انتشارها. يجب على المستخدمين أن يكونوا على درجة عالية من الحذر والوعي الرقمي. عند تصفح المواقع، يجب عليهم دائمًا التحقق بعناية من عنوان URL للموقع في شريط المتصفح، والبحث عن أي أخطاء إملائية بسيطة أو اختلاف لا يذكر في العنوان مقارنة بالاسم الرسمي للموقع. يجب الانتباه إلى أي تفاصيل غير مألوفة في التصميم أو المحتوى قد تشير إلى أنه موقع مزيف.

عند الشك في أصالة أي موقع، يجب على المستخدمين الامتناع عن إدخال أي معلومات شخصية أو مالية، مثل كلمات المرور، أرقام البطاقات الائتمانية، أو معلومات الحسابات المصرفية. من الضروري الإبلاغ عن أي موقع مشبوه للسلطات المختصة فور اكتشافه، مثل إدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات في الشرطة، أو لمزودي خدمة الإنترنت، أو للموقع الأصلي المستنسخ منه (إذا كان لديهم قنوات للإبلاغ)، وذلك لتمكين اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في أسرع وقت ممكن.

الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها

عند اكتشاف موقع مستنسخ أو التعرض لعملية احتيال من خلاله، يجب على الموقع الأصلي أو أي متضرر اتخاذ إجراءات قانونية فورية وحاسمة. أولًا، يجب جمع الأدلة الرقمية بشكل منهجي ودقيق، مثل لقطات الشاشة للموقع المزيف، وعناوين URL المشبوهة، ورسائل البريد الإلكتروني أو الروابط التي تم استخدامها للترويج للموقع. هذه الأدلة ضرورية لدعم البلاغ القانوني.

ثانيًا، تقديم بلاغ رسمي للنيابة العامة أو لإدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات بوزارة الداخلية، مشفوعًا بالأدلة المتوفرة. يجب أن يتضمن البلاغ تفاصيل دقيقة عن الجريمة والموقع المستنسخ والأضرار التي لحقت به. ثالثًا، يمكن اللجوء إلى القضاء المستعجل لإصدار قرار بحجب الموقع المستنسخ وإزالته من شبكة الإنترنت بأسرع وقت ممكن لوقف الضرر المستمر. رابعًا، المطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية الناتجة عن هذه الجريمة، والتي قد تشمل خسارة الإيرادات، وتشويه السمعة، وتكاليف استعادة الثقة.

العقوبات المقررة في القانون المصري

العقوبات في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

يعالج القانون المصري رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات جريمة استنساخ المواقع بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال مواد متعددة. تندرج هذه الجريمة تحت طائلة عدة مواد، منها تلك المتعلقة بالاعتداء على البرامج والبيانات الإلكترونية، وانتحال الصفة، والاحتيال الإلكتروني. فالمادة 18 من القانون تعاقب على انتحال صفة الغير في استخدام شبكات المعلومات، والمادة 23 على استخدام برامج أو وسائل إلكترونية بقصد ارتكاب جريمة معلوماتية.

قد تصل العقوبات على هذه الجرائم إلى الحبس لفترات طويلة والغرامة المالية الكبيرة، وتتضاعف هذه العقوبات في حالة الإضرار بمصلحة عامة أو وطنية، أو إذا كانت الجريمة قد ارتكبت من قبل جماعة منظمة. يهدف هذا القانون إلى توفير إطار قانوني صارم لمواجهة التحديات الجديدة التي تفرضها الجرائم السيبرانية، وحماية الأفراد والمؤسسات من الاستغلال والاحتيال الرقمي بكافة أشكاله.

أحكام ذات صلة في قوانين أخرى

بالإضافة إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، يمكن تطبيق أحكام من قوانين أخرى ذات صلة لتعزيز العقوبة أو لتغطية جوانب مختلفة من الجريمة. على سبيل المثال، قانون العقوبات العام رقم 58 لسنة 1937 قد ينطبق على أفعال الاحتيال (المادتين 336 و 337)، حيث يعاقب على كل من توصل إلى الاستيلاء على مال الغير بطريق الاحتيال. هذا يوفر غطاء قانونيًا في حال كانت الجريمة تهدف بشكل أساسي إلى الكسب المادي غير المشروع من خلال تضليل الضحايا.

كما يمكن تطبيق أحكام قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 إذا كان الاستنساخ يمس حقوق النشر والتأليف الخاصة بالمحتوى الأصلي للموقع، أو العلامات التجارية المسجلة للمؤسسة الإخبارية. تهدف هذه القوانين مجتمعة إلى توفير غطاء قانوني شامل لمواجهة كافة أبعاد جريمة استنساخ المواقع، من الجوانب التقنية إلى جوانب الاحتيال والملكية الفكرية، مما يضمن حماية متكاملة للأطراف المتضررة.

نصائح عملية لتجنب الوقوع ضحية الاستنساخ

التحقق من المصدر

لتجنب الوقوع ضحية استنساخ المواقع، يجب دائمًا التحقق الدقيق من مصدر المعلومات والموقع الذي تزوره. انظر بعناية فائقة إلى عنوان URL في شريط المتصفح، وتأكد من أنه العنوان الصحيح تمامًا للموقع الرسمي (على سبيل المثال، .com بدلاً من .co أو .net غير المعتاد، أو وجود حرف إضافي أو ناقص). ابحث عن علامة القفل الأخضر بجانب العنوان التي تشير إلى شهادة SSL صالحة وتأكد من أنها لموقع معروف. لا تنقر على الروابط المشبوهة في رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل الفورية غير المتوقعة، وتفضل دائمًا كتابة العنوان يدويًا في المتصفح أو الوصول للموقع من مصادره الرسمية الموثوقة.

استخدام أدوات الحماية

استخدام أدوات الحماية الأمنية أمر بالغ الأهمية لحماية جهازك وبياناتك من المواقع المستنسخة والهجمات الاحتيالية. تأكد من أن جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذكي مزود ببرنامج مكافحة فيروسات موثوق به ومحدّث باستمرار، حيث يمكن لهذه البرامج اكتشاف المواقع الخبيثة. استخدم جدار حماية (Firewall) نشطًا لمنع الوصول غير المصرح به إلى شبكتك. فكر في استخدام متصفحات ويب ذات ميزات أمان مدمجة تحذر من المواقع المشبوهة أو الضارة. تجنب الاتصال بشبكات Wi-Fi عامة غير آمنة عند تصفح مواقع تتطلب معلومات حساسة أو عند إجراء معاملات مالية، أو استخدم شبكة افتراضية خاصة (VPN) لزيادة طبقة الأمان وتشفير بياناتك.

الإبلاغ الفوري

إذا اكتشفت موقعًا مستنسخًا أو تعرضت لمحاولة احتيال إلكتروني، فإن الإبلاغ الفوري هو خطوتك الأولى والأكثر أهمية لمكافحة هذه الجريمة وحماية الآخرين. قم بالإبلاغ عن الموقع المشبوه للسلطات المختصة في بلدك، مثل الشرطة المتخصصة في الجرائم الإلكترونية أو الجهات الحكومية المعنية بالأمن السيبراني. يمكنك أيضًا الإبلاغ عن الروابط الاحتيالية لمزودي خدمات الإنترنت أو لمزودي خدمات استضافة الويب الذين يستضيفون هذه المواقع، لمساعدتهم في إزالة المحتوى الضار. سرعة الإبلاغ تساعد في حماية الآخرين من الوقوع ضحية لنفس الاحتيال، وتقلل من الأضرار المحتملة على نطاق أوسع.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock