الجرائم الالكترونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريجرائم الانترنت

متى تعتبر مشاركة الصور جريمة نشر غير مشروع؟

متى تعتبر مشاركة الصور جريمة نشر غير مشروع؟

فهم الأبعاد القانونية لنشر الصور عبر الإنترنت في مصر

في عصر الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت مشاركة الصور جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ومع ذلك، فإن هذه السهولة في النشر تحمل في طياتها مسؤوليات قانونية جسيمة. يتناول هذا المقال متى يمكن أن تتحول مشاركة صورة بريئة إلى جريمة نشر غير مشروع وفقًا للقانون المصري، موضحًا الخطوات العملية للتعامل مع هذه الحالات.

الأساس القانوني لجريمة النشر غير المشروع للصور

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018

متى تعتبر مشاركة الصور جريمة نشر غير مشروع؟
يُعد هذا القانون الأساس التشريعي الرئيسي في التعامل مع الجرائم الإلكترونية في مصر. ينص القانون صراحة على تجريم نشر أو إرسال صور أو مقاطع فيديو تنتهك حرمة الحياة الخاصة للأفراد دون رضاهم. تشمل هذه الانتهاكات النشر الذي من شأنه الإساءة إلى سمعة الشخص أو التشهير به أو ابتزازه.

تتم المعاقبة على هذه الجرائم بالحبس والغرامة، وتشدد العقوبات في حال كان النشر يستهدف ابتزاز الضحية أو تهديده. يعد القصد الجنائي عاملاً حاسمًا في تحديد مسؤولية المتهم، حيث يجب أن يكون النشر قد تم بنية الإضرار أو التشهير أو الاستغلال غير المشروع.

قانون العقوبات المصري والقوانين الأخرى ذات الصلة

بالإضافة إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، تُطبق بعض نصوص قانون العقوبات المصري في حالات نشر الصور غير المشروع، خاصة تلك المتعلقة بجرائم السب والقذف والتشهير. كما يمكن أن تتدخل قوانين أخرى مثل قانون حماية البيانات الشخصية، وإن كان تركيزه الأكبر على معالجة البيانات وليس النشر المباشر.

تتيح هذه القوانين المتكاملة إطارًا قانونيًا واسعًا للتعامل مع كافة أشكال النشر غير المشروع للصور، سواء كانت تتعلق بانتهاك الخصوصية، أو الإساءة إلى السمعة، أو استغلال الصور بطرق غير أخلاقية. من المهم فهم التداخل بين هذه القوانين لتحقيق أفضل حماية قانونية.

أنواع مشاركات الصور التي تُعد جريمة نشر غير مشروع

نشر صور تنتهك الخصوصية

تعتبر مشاركة صور تخص الأفراد في أماكن خاصة أو صور شخصية جدًا دون الحصول على موافقتهم الصريحة جريمة. يشمل ذلك صورًا داخل المنازل، أو في تجمعات خاصة، أو صور تظهر تفاصيل حياتهم الشخصية التي لا يرغبون في إطلاع العامة عليها.

القانون يحمي حق الأفراد في الحفاظ على خصوصية حياتهم. حتى لو تم الحصول على الصورة بطريقة مشروعة، فإن نشرها دون إذن يوقع الناشر تحت طائلة القانون، خاصة إذا ترتب على النشر ضرر نفسي أو اجتماعي أو مادي للضحية.

نشر صور بهدف التشهير أو الإساءة

عندما يكون الغرض من نشر الصور هو التشهير بشخص معين، أو الإساءة إلى سمعته، أو تشويه صورته أمام الرأي العام، فإن ذلك يُعد جريمة. يمكن أن تكون هذه الصور حقيقية ولكن تم نشرها بسوء نية، أو صورًا مفبركة بالكامل.

تتضمن هذه الجرائم غالبًا استخدام برامج التعديل على الصور لتشويه الحقائق أو تركيب صور في سياقات غير لائقة بهدف الإضرار بالضحية. العقوبات هنا غالبًا ما تكون مشددة نظرًا لما تسببه من أضرار بالغة بسمعة الأفراد ومكانتهم الاجتماعية.

نشر صور ذات محتوى غير لائق أو إباحي

يُجرم القانون المصري نشر أي صور ذات محتوى إباحي أو غير لائق تخالف الآداب العامة، حتى لو كانت هذه الصور تخص صاحبها. تزداد الجريمة خطورة إذا كانت الصور لأطفال أو تم استخدامها في أعمال الابتزاز أو الاستغلال.

تشمل هذه الجرائم التهديد بنشر صور شخصية حساسة بهدف الحصول على مكاسب مادية أو غير مادية. هذه الأفعال تُصنف ضمن الجرائم الجنائية الخطيرة وتُفرض عليها عقوبات مشددة تصل إلى السجن لفترات طويلة.

خطوات عملية للتعامل مع جريمة النشر غير المشروع للصور

الخطوة الأولى: جمع الأدلة

يجب على الضحية فور اكتشاف جريمة النشر جمع كافة الأدلة المتاحة. يشمل ذلك لقطات شاشة (Screenshots) للصفحات أو المنشورات التي تحتوي على الصور المنشورة، مع توثيق تاريخ ووقت النشر، واسم المستخدم أو الصفحة الناشرة.

من المهم أيضًا حفظ روابط الصفحات أو المنشورات (URLs) التي تحتوي على الصور، بالإضافة إلى أي محادثات أو رسائل تتعلق بالواقعة، حيث ستكون هذه الأدلة أساسًا قويًا للتحقيق والإثبات أمام الجهات القضائية.

الخطوة الثانية: تقديم بلاغ رسمي للجهات المختصة

هناك عدة جهات يمكن تقديم البلاغ إليها في مصر:

– الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات (مباحث الإنترنت)

تُعد الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات التابعة لوزارة الداخلية هي الجهة الأسرع والأكثر تخصصًا في التعامل مع جرائم الإنترنت. يمكن التوجه مباشرة إلى مقر الإدارة لتقديم بلاغ رسمي، أو الاتصال بالخط الساخن المخصص.

يجب تقديم جميع الأدلة التي تم جمعها، وتقديم تفاصيل دقيقة عن الواقعة، مع ضرورة إحضار بطاقة الرقم القومي للمبلغ. ستقوم الإدارة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق في البلاغ وتتبع مرتكب الجريمة.

– النيابة العامة

يمكن التوجه مباشرة إلى النيابة العامة في دائرة الاختصاص لتقديم عريضة دعوى أو بلاغ. ستقوم النيابة بالتحقيق في الواقعة وجمع الأدلة وإصدار أوامر الضبط والإحضار اللازمة، ثم إحالة القضية إلى المحكمة المختصة.

تُعد النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل في تحريك الدعوى الجنائية، وبالتالي فإن تقديم البلاغ لها يضمن سير الإجراءات القانونية بشكل مباشر وفعال نحو المحاكمة.

– قسم الشرطة

يمكن تقديم بلاغ في أقرب قسم شرطة، والذي سيقوم بدوره بإحالة البلاغ إلى الإدارة المتخصصة في جرائم الإنترنت أو النيابة العامة لاتخاذ اللازم. هذه الطريقة قد تكون أبطأ قليلًا من التوجه مباشرة إلى الجهات المتخصصة.

على الرغم من أن قسم الشرطة ليس هو الجهة الأكثر تخصصًا في هذا النوع من الجرائم، إلا أنه يبقى خيارًا متاحًا لتقديم البلاغ الأولي، خاصة إذا كان الضحية لا يستطيع الوصول بسهولة إلى الإدارة المتخصصة أو النيابة.

الخطوة الثالثة: الإجراءات القانونية بعد تقديم البلاغ

بعد تقديم البلاغ، تبدأ مرحلة التحقيقات التي تشمل استدعاء الأطراف، وفحص الأدلة، وتتبع المصادر الإلكترونية. في حال ثبوت الجريمة، يتم إحالة المتهم إلى المحكمة المختصة (غالبًا محكمة الجنح أو الجنايات).

يُمكن للضحية في هذه المرحلة اتخاذ صفة المدعي بالحق المدني للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به جراء النشر غير المشروع. يجب على الضحية متابعة سير القضية وتقديم أي مستندات أو شهادات إضافية يطلبها القضاء.

حلول إضافية ووقائية

التواصل مع مزودي الخدمة ومواقع التواصل الاجتماعي

بالإضافة إلى الإجراءات القانونية، يمكن للضحية التواصل مباشرة مع إدارة المنصة (فيسبوك، تويتر، إنستغرام، إلخ) التي نُشرت عليها الصور. توفر معظم هذه المنصات آليات للإبلاغ عن المحتوى المخالف لسياسات الخصوصية والتشهير.

غالبًا ما تقوم إدارات المنصات بإزالة المحتوى المخالف بسرعة إذا ثبت انتهاكه للسياسات، حتى قبل صدور حكم قضائي. هذه الخطوة تساعد في الحد من انتشار الضرر بشكل فوري وتُعد إجراءً وقائيًا مكملاً للإجراءات القانونية.

الاستعانة بمحامٍ متخصص

لضمان سير الإجراءات القانونية بشكل صحيح وفعال، يُفضل الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا الجرائم الإلكترونية والقانون الجنائي. يمكن للمحامي تقديم المشورة القانونية، وصياغة البلاغات والعرائض، وتمثيل الضحية أمام الجهات القضائية.

خبرة المحامي ستساعد في تجميع الأدلة بشكل سليم، وتحديد المواد القانونية المنطبقة، والمطالبة بالتعويضات المناسبة، مما يزيد من فرص نجاح القضية وتحقيق العدالة للضحية.

توعية الأفراد بأهمية الخصوصية الرقمية

تُعد التوعية بأهمية الخصوصية الرقمية وكيفية حماية الصور والمعلومات الشخصية على الإنترنت حلاً وقائيًا على المدى الطويل. يجب على الأفراد توخي الحذر عند مشاركة الصور، وتعديل إعدادات الخصوصية في حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

عدم مشاركة الصور الحساسة مع الغرباء، والتأكد من موثوقية التطبيقات والمواقع قبل تحميل الصور عليها، واستخدام كلمات مرور قوية، كلها خطوات أساسية للوقاية من الوقوع ضحية لجرائم النشر غير المشروع.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock