الاستشارات القانونيةالجرائم الالكترونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصري

جريمة نشر شائعات مغرضة عبر الإنترنت

“`html


جريمة نشر الشائعات المغرضة عبر الإنترنت: دليل شامل لمواجهة الخطر

فهم الآثار القانونية والخطوات العملية لمكافحة الأخبار الكاذبة

تعد الشائعات المغرضة عبر الإنترنت إحدى أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الرقمية في عصرنا الحالي. فمع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، أصبحت عملية نشر الأخبار الكاذبة والمضللة أكثر سهولة وسرعة، مما يؤدي إلى آثار سلبية واسعة النطاق على الأفراد والمؤسسات وحتى على استقرار الدول. هذه الشائعات لا تقتصر على مجرد معلومات خاطئة، بل غالبًا ما تكون موجهة بهدف الإضرار بالسمعة أو التلاعب بالرأي العام أو إثارة الفتن.
تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على جريمة نشر الشائعات المغرضة من منظور القانون المصري، وتقديم حلول عملية وخطوات دقيقة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. سنستعرض الجوانب القانونية المتعلقة بهذه الجريمة، ونقدم إرشادات واضحة حول كيفية التعامل معها، بدءًا من التعرف عليها ووصولاً إلى الإجراءات القانونية المتاحة للضحايا. نسعى لتوفير فهم شامل للمشكلة وطرق متعددة للحل.

الإطار القانوني لجريمة نشر الشائعات في مصر

تعريف الشائعة المغرضة قانونياً

يُعرف القانون المصري الشائعة المغرضة بأنها أي معلومات أو أخبار كاذبة يتم ترويجها بقصد الإضرار بالمصلحة العامة أو الخاصة، أو إثارة الفتنة، أو التحريض على الكراهية، أو الإساءة إلى سمعة الأفراد أو الكيانات. لا يقتصر التجريم على مجرد النشر، بل يمتد ليشمل الترويج وإعادة النشر والمشاركة في تداول هذه المعلومات، طالما كان ذلك عن علم بأنها كاذبة ومغرضة. يتم التركيز على عنصر القصد الجنائي، وهو نية إحداث الضرر.

القانون يرى أن هذه الأفعال تُهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي والنفسي للأفراد. سواء كانت الشائعة تتعلق بأخبار اقتصادية مزيفة تؤثر على البورصة، أو معلومات صحية مضللة تضر بالصحة العامة، أو اتهامات باطلة تستهدف أفراداً بعينهم، فإن جميعها تندرج تحت مفهوم الشائعة المغرضة إذا توافر فيها عنصرا الكذب والقصد السيء. تحديد هذا التعريف القانوني هو الخطوة الأولى لمواجهة هذه الظاهرة.

النصوص القانونية المجرمة

تتصدى عدة قوانين في مصر لجريمة نشر الشائعات المغرضة عبر الإنترنت. يأتي في مقدمتها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018. هذا القانون يهدف إلى حماية المجتمع من مخاطر الاستخدام غير المشروع للتكنولوجيا، وقد نص على عقوبات صارمة لكل من ينشر أخبارًا كاذبة أو معلومات مضللة بقصد الإضرار. تتضمن مواد هذا القانون نصوصًا واضحة تجرم الأفعال المرتبطة بالشائعات.

بالإضافة إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، هناك مواد في قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 التي يمكن تطبيقها على هذه الجرائم، خاصة تلك المتعلقة بالبلاغ الكاذب، السب والقذف، وإذاعة الأخبار الكاذبة التي من شأنها تكدير الأمن العام أو الإضرار بالمصالح العامة. هذه القوانين تعمل بالتكامل لتوفير حماية قانونية شاملة ضد مخاطر الشائعات الإلكترونية، وتؤكد على جدية الدولة في مواجهة هذه الظاهرة. قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018 يساهم أيضًا في تنظيم المحتوى الإعلامي.

العقوبات المقررة قانوناً

تختلف العقوبات المقررة لجريمة نشر الشائعات المغرضة في القانون المصري بناءً على طبيعة الشائعة، جسامة الضرر الناتج عنها، والقصد الجنائي. فمثلاً، طبقًا للمادة 26 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعمد استخدام برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مخالف للحقيقة.

إذا كان الغرض من الشائعة هو الإضرار بالأمن القومي أو الاقتصاد الوطني، قد تصل العقوبة إلى السجن المشدد مع غرامات مالية كبيرة. كما يمكن أن يُضاف إلى العقوبات الأصلية عقوبة مدنية تتمثل في التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالضحية نتيجة لهذه الشائعات. تشدد هذه العقوبات على خطورة الجريمة وتأثيرها المدمر على الأفراد والمجتمع بأكمله، وتوفر رادعًا قانونيًا قويًا. القانون يوفر آليات لمواجهة مرتكبي هذه الجرائم.

طرق التعرف على الشائعات وكشفها

علامات التحذير من الشائعات

يتطلب التعرف على الشائعات المغرضة يقظة ومهارة في التفكير النقدي. إحدى أبرز علامات التحذير هي العناوين المثيرة أو الصادمة التي تهدف إلى جذب الانتباه دون تقديم دليل أو مصدر موثوق. غالبًا ما تفتقر الشائعات إلى مصادر واضحة أو تستند إلى مصادر مجهولة أو غير معروفة. يجب الحذر من الرسائل التي تحرض على مشاعر معينة كالخوف أو الغضب أو الكراهية، فهذه قد تكون مؤشرات على محتوى مضلل يسعى للتلاعب بالمشاعر. كذلك، انتبه للتفاصيل الغامضة أو المعلومات التي تبدو غير منطقية أو خارجة عن السياق الطبيعي للأحداث. التشابه في الصياغة عبر منصات متعددة دون اختلاف في المصدر قد يشير إلى حملة نشر منظمة. التفكير النقدي هو خط دفاعك الأول.

عدم وجود تفاصيل كافية حول “متى” أو “أين” أو “كيف” حدث الأمر، أو الاعتماد على شهادات فردية غير موثقة، جميعها علامات تدل على احتمالية أن يكون الخبر شائعة. كذلك، يجب الانتباه إلى سرعة انتشار المعلومة بشكل غير طبيعي، خاصة إذا كانت مصحوبة بطلب إعادة نشرها أو مشاركتها بشكل عاجل. الشائعات غالبًا ما تتجنب ذكر الحقائق القابلة للتحقق وتفضل الاعتماد على العواطف أو المغالطات المنطقية. تذكر دائمًا أن المعلومة الحقيقية عادة ما تكون مدعومة بأدلة وشهادات موثوقة ومصادر شفافة وقابلة للتدقيق. التدقيق في هذه العلامات يساعد بشكل كبير في فلترة المعلومات وتجنب الوقوع في فخ الأخبار الكاذبة. هذا هو أساس المواجهة الفعالة.

أدوات ومصادر للتحقق من المعلومات

لمواجهة الشائعات بفعالية، من الضروري استخدام أدوات ومصادر موثوقة للتحقق من المعلومات. أولاً، ابدأ بالبحث عن نفس المعلومة في وسائل إعلام موثوقة ومعروفة بسمعتها في الدقيق والتحقق. المواقع الإخبارية الكبرى والمعترف بها عادة ما تلتزم بمعايير مهنية عالية. ثانيًا، استخدم محركات البحث المتقدمة للتحقق من صحة الصور والفيديوهات، فخدمات مثل “بحث الصور العكسي” من جوجل تتيح لك معرفة متى وأين تم نشر الصورة لأول مرة، مما يكشف عن استخدامها في سياقات مختلفة أو قديمة. هذا يساعد على كشف الصور المضللة.

ثالثًا، اعتمد على منصات وكيانات متخصصة في التحقق من الحقائق (Fact-checking websites)، والتي تعمل على مدار الساعة لكشف الشائعات والأخبار الكاذبة. أمثلة على هذه المنصات تشمل “مسبار” و”تأكد” في المنطقة العربية، والعديد من المنظمات الدولية. رابعًا، تحقق من المصدر الأصلي للمعلومة. هل هو حساب رسمي؟ هل هو موقع حكومي؟ هل هو خبير في المجال؟ خامسًا، لا تتردد في طلب معلومات إضافية من مصدر المعلومة إذا بدا غامضًا. استخدام هذه الأدوات والمصادر المتعددة يضمن لك الوصول إلى الحقيقة وتقليل فرص وقوعك ضحية للشائعات المغرضة. هذه الخطوات توفر لك درعًا ضد المعلومات المضللة.

الخطوات العملية لمواجهة جريمة نشر الشائعات

الإبلاغ عن المحتوى المسيء

تعتبر عملية الإبلاغ عن المحتوى المسيء هي الخطوة الأولى والأساسية لمواجهة الشائعات المغرضة عبر الإنترنت. تتوفر هذه الآلية بعدة طرق لضمان وصول الشكوى إلى الجهات المعنية ووقف انتشار الشائعة في أسرع وقت ممكن. الإبلاغ الفوري يساهم في الحد من الأضرار المحتملة ويجعل عملية تعقب الناشر أسهل للجهات المختصة. تذكر أن كل بلاغ موثق يساهم في بناء قضية قوية ضد مرتكبي هذه الجرائم. لا تستهين بقوة بلاغك.

خطوة 1: جمع الأدلة

قبل الشروع في أي إجراء، يجب عليك جمع كل الأدلة الممكنة المتعلقة بالشائعة. هذا يتضمن التقاط لقطات شاشة (Screenshots) للصفحات أو المنشورات التي تحتوي على الشائعة، مع التأكد من ظهور اسم المستخدم أو الحساب الذي قام بالنشر، وتاريخ ووقت النشر. سجل عناوين الروابط (URLs) للمنشورات والصفحات التي تحتوي على المحتوى المسيء. إذا كانت الشائعة في مقطع فيديو، قم بتسجيل الفيديو وحفظ رابطه. كل هذه الأدلة يجب أن تكون موثقة قدر الإمكان، حيث ستكون حاسمة في أي إجراء قانوني لاحق. جمع الأدلة الدقيقة هو أساس أي قضية قوية، وهو ما يضمن لك فرصة أفضل في تحقيق العدالة.

خطوة 2: الإبلاغ عبر المنصات

معظم منصات التواصل الاجتماعي (مثل فيسبوك، تويتر، انستجرام، يوتيوب) توفر آليات داخلية للإبلاغ عن المحتوى المخالف لسياساتها، بما في ذلك الأخبار الكاذبة أو الشائعات. ابحث عن خيار “الإبلاغ عن منشور” أو “الإبلاغ عن مستخدم” داخل المنصة نفسها. اتبع الخطوات المحددة واختر السبب المناسب للإبلاغ (مثل: معلومات مضللة، أخبار كاذبة، تحريض على الكراهية، مضايقة). هذا الإجراء قد يؤدي إلى إزالة المحتوى أو حتى إغلاق الحساب المخالف. هذه الطريقة سريعة وفعالة في الحد من انتشار المحتوى الضار، لكنها لا تغني عن الإجراءات القانونية إذا كان الضرر كبيرًا.

خطوة 3: الإبلاغ للجهات الرسمية

إذا كانت الشائعة ذات تأثير كبير أو تتضمن جريمة يعاقب عليها القانون، يجب عليك الإبلاغ عنها للجهات الرسمية. في مصر، يمكنك التوجه إلى النيابة العامة أو مباحث الإنترنت. تقديم بلاغ رسمي يضع الحادثة تحت طائلة القانون ويسمح للجهات القضائية بالتحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة. احرص على تقديم كل الأدلة التي قمت بجمعها، وكن مستعدًا للإدلاء بشهادتك. هذه الخطوة ضرورية لضمان محاسبة المتورطين وتقديمهم للعدالة، وتجاوز مجرد إزالة المحتوى من المنصات. تعاونك مع الجهات الرسمية يعزز من فرص تحقيق العدالة وتطبيق القانون.

تقديم بلاغ للنيابة العامة أو مباحث الإنترنت

يُعد تقديم البلاغ الرسمي إلى الجهات المختصة خطوة محورية لملاحقة جريمة نشر الشائعات المغرضة. يتيح القانون المصري للضحايا أو لمن لديهم علم بهذه الجرائم، تقديم بلاغات مباشرة لتفعيل دور القانون وحماية المجتمع. هناك أكثر من طريقة لتقديم هذا البلاغ، مما يوفر مرونة للضحايا لاختيار الأنسب لهم، ويضمن أن العدالة في متناول الجميع. هذه الطرق مصممة لتسهيل الإجراءات القانونية.

طريقة 1: التوجه المباشر

يمكنك التوجه مباشرة إلى أقرب قسم شرطة أو إدارة مباحث الإنترنت التابعة لوزارة الداخلية. قم بتقديم بلاغ رسمي بالواقعة موضحًا كافة التفاصيل المتعلقة بالشائعة، وتأثيرها، والأضرار التي لحقت بك أو بالآخرين. يجب أن تكون مستعدًا لتقديم كافة الأدلة التي جمعتها (لقطات الشاشة، الروابط، أي وثائق داعمة). سيتم تدوين بلاغك واتخاذ الإجراءات الأولية للتحقيق. هذه الطريقة تضمن التواصل المباشر مع الجهات الأمنية وشرح القضية بشكل مفصل، مما يساعد في فهم جوانبها المعقدة. هذا المسار التقليدي لا يزال فعالاً للغاية ويوفر فرصة للتفاعل المباشر.

طريقة 2: البلاغ الإلكتروني (إن وجد أو إرشادات عامة)

في بعض الأحيان، توفر الجهات الأمنية والقضائية آليات لتقديم البلاغات إلكترونيًا عبر مواقعها الرسمية أو تطبيقاتها، تسهيلاً على المواطنين. تحقق مما إذا كانت هناك بوابة إلكترونية لتقديم البلاغات لمباحث الإنترنت أو النيابة العامة في مصر. في حال توفرها، اتبع التعليمات لملء النموذج الإلكتروني، وإرفاق الأدلة الرقمية. إذا لم تكن هناك بوابة إلكترونية مخصصة، يمكنك البحث عن بريد إلكتروني رسمي أو رقم فاكس لإرسال البلاغ والأدلة. هذه الطريقة توفر الوقت والجهد، خاصة لمن يصعب عليهم التوجه المباشر، وتضمن توثيق البلاغ إلكترونياً. حتى لو لم يكن هناك نظام إلكتروني كامل، فإن التواصل عبر الوسائل الرسمية المتاحة إلكترونياً يُعد خيارًا.

المستندات المطلوبة

عند تقديم البلاغ، ستحتاج إلى توفير مجموعة من المستندات لدعم قضيتك. تشمل هذه المستندات نسخة من بطاقة الرقم القومي أو جواز السفر للمبلغ. الأهم هو تقديم الأدلة الرقمية التي قمت بجمعها، مثل: لقطات شاشة (Screenshots) للمحتوى المسيء، روابط (URLs) المنشورات أو الصفحات، تسجيلات للشاشات أو مقاطع فيديو إذا كان المحتوى بصريًا، وأي رسائل نصية أو بريد إلكتروني يتعلق بالشائعة. يفضل أيضًا تقديم بيان مكتوب يلخص الواقعة وترتيب الأحداث والأضرار التي لحقت بك. كلما كانت المستندات والأدلة شاملة وموثقة، كلما كان البلاغ أقوى وأسرع في المعالجة. تجهيز هذه المستندات مسبقًا يسهل عملية تقديم البلاغ بشكل كبير ويختصر الوقت.

رفع دعوى قضائية (جنائية ومدنية)

بعد تقديم البلاغ الأولي، يمكن للضحية اتخاذ خطوات قانونية أوسع نطاقًا من خلال رفع دعوى قضائية. يتيح القانون المصري مسارين رئيسيين لملاحقة المتورطين في جريمة نشر الشائعات المغرضة: المسار الجنائي الذي يهدف إلى معاقبة الجاني، والمسار المدني الذي يهدف إلى جبر الضرر الذي لحق بالضحية. يمكن الجمع بين المسارين أو السير في أحدهما حسب طبيعة الضرر والأهداف المرجوة من الإجراء القانوني. هذه الإجراءات تتطلب استشارة محامٍ متخصص لضمان سير العملية بشكل صحيح وفعال، وتحقيق أفضل النتائج الممكنة.

الدعوى الجنائية: متابعة البلاغ، دور المحامي

بعد تقديم البلاغ للنيابة العامة أو مباحث الإنترنت، تبدأ النيابة العامة التحقيق في الواقعة. في هذه المرحلة، يمكن للضحية أن يتقدم بطلب “ادعاء مدني بالحق المدني” أمام النيابة العامة أو المحكمة الجنائية، ليصبح طرفًا في الدعوى الجنائية. دور المحامي هنا حيوي؛ فهو يتولى متابعة سير التحقيقات، وتقديم المستندات والأدلة الإضافية، وحضور جلسات التحقيق والمحاكمة، وتقديم الدفوع القانونية. يضمن المحامي تمثيل الضحية بشكل فعال والدفاع عن حقوقه في مواجهة الجاني. الهدف من الدعوى الجنائية هو إثبات الجريمة وتوقيع العقوبة الجنائية على المتهم وفقًا للقانون. المحامي هو بوابتك لتحقيق العدالة الجنائية.

الدعوى المدنية: طلب التعويض عن الأضرار (المادية والمعنوية)

إلى جانب المسار الجنائي، يحق للضحية رفع دعوى مدنية مستقلة أو ضمن الدعوى الجنائية (عن طريق الادعاء المدني) لطلب التعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة نشر الشائعات المغرضة. تشمل هذه الأضرار الأضرار المادية (مثل خسارة العمل، تكاليف العلاج النفسي، خسائر مالية نتيجة تراجع السمعة التجارية) والأضرار المعنوية (مثل الضرر النفسي، الإضرار بالسمعة الشخصية، الألم والمعاناة). يتم تقدير التعويض بناءً على حجم الضرر ومدى تأثير الشائعة على حياة الضحية وسمعته. الهدف هو جبر الضرر الذي لحق بالضحية وإعادته إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر بقدر الإمكان. هذه الدعوى توفر آلية لتعويض الضحايا عن معاناتهم.

إجراءات رفع الدعوى المدنية

تتمثل إجراءات رفع الدعوى المدنية في تقديم صحيفة دعوى إلى المحكمة المختصة (المحكمة الابتدائية أو الجزئية حسب قيمة التعويض المطالب به). يجب أن تتضمن صحيفة الدعوى بيانات المدعي والمدعى عليه، وقائع الدعوى بالتفصيل، الأدلة التي تدعم طلب التعويض، والمبلغ المطالب به كتعويض. يتولى المحامي إعداد صحيفة الدعوى وتقديمها للمحكمة، ومتابعة جميع إجراءات التقاضي، من حضور الجلسات وتقديم المذكرات القانونية والدفوع، وحتى صدور الحكم. في بعض الحالات، قد يتم اللجوء إلى الوساطة أو الصلح قبل الوصول إلى المحكمة، لكن في معظم الحالات، تكون الدعوى القضائية هي السبيل الوحيد للحصول على التعويض العادل. هذه الإجراءات تضمن حق الضحية في جبر الضرر الذي لحق به.

الوقاية من الوقوع ضحية للشائعات ومكافحة انتشارها

تعزيز الوعي الرقمي

تُعد الوقاية خير من العلاج، وفي سياق الشائعات المغرضة، يمثل تعزيز الوعي الرقمي خط الدفاع الأول. يتضمن ذلك تثقيف الأفراد حول كيفية عمل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وفهم آليات انتشار المعلومات. يجب تعليم الجميع، وخاصة الشباب، مهارات التفكير النقدي للتعامل مع المحتوى الرقمي. هذا يعني عدم تصديق كل ما يُنشر، والتشكك في المصادر غير الموثوقة، والبحث عن الحقائق قبل اتخاذ أي موقف أو تصرف. الحملات التوعوية المستمرة ضرورية لزيادة الوعي بمخاطر الشائعات وتأثيرها على الأفراد والمجتمع. كلما زاد الوعي، قل تأثير الشائعات، وزادت قدرة المجتمع على الصمود أمامها. الوعي هو حجر الزاوية في بناء مجتمع رقمي آمن.

عدم المشاركة أو إعادة النشر

أحد أبسط وأكثر الطرق فعالية لمكافحة انتشار الشائعات هو الامتناع عن المشاركة أو إعادة نشر أي محتوى يثير الشك. عندما تتلقى معلومة تبدو مثيرة للجدل أو غير قابلة للتصديق، توقف لحظة قبل أن تضغط على زر المشاركة. اسأل نفسك: هل هذا الخبر موثوق؟ هل المصدر معلوم؟ هل يمكنني التحقق منه؟ إذا كانت الإجابة لا، فمن الأفضل عدم نشره على الإطلاق. كل مشاركة أو إعادة نشر تساهم في مضاعفة انتشار الشائعة وتصل بها إلى عدد أكبر من الجمهور. مسؤوليتك الفردية في عدم ترويج المحتوى غير المتحقق منه هي ركيزة أساسية في بناء بيئة رقمية أكثر موثوقية. أنت جزء من الحل، لا جزء من المشكلة.

دور المجتمع والجهات الرسمية

لمكافحة الشائعات بشكل فعال، يتوجب تضافر جهود المجتمع والجهات الرسمية. على المستوى المجتمعي، يجب تشجيع ثقافة التسامح والتحقق من الحقائق. يمكن للمنظمات غير الحكومية والمؤسسات التعليمية تنظيم ورش عمل وحملات توعية حول مخاطر الشائعات وكيفية التصدي لها. أما على صعيد الجهات الرسمية، فيجب أن تكون هناك استجابة سريعة وشفافة للشائعات المنتشرة، من خلال إصدار بيانات رسمية توضح الحقائق وتفنّد الأكاذيب. ينبغي على هذه الجهات تفعيل دورها في الرصد والملاحقة القانونية لناشري الشائعات، وتحديث القوانين لتتناسب مع التطورات السريعة في الفضاء الرقمي. التعاون بين جميع الأطراف يضمن بناء جبهة قوية ضد هذا الخطر الرقمي. هذه الشراكة ضرورية لحماية النسيج المجتمعي.

الخاتمة

في الختام، يمثل انتشار الشائعات المغرضة عبر الإنترنت تحديًا حقيقيًا يتطلب فهمًا عميقًا للقانون، وجهدًا جماعيًا لمواجهته. لقد استعرضنا في هذه المقالة الإطار القانوني لجريمة نشر الشائعات في القانون المصري، وقدمنا دليلًا شاملًا للخطوات العملية التي يمكن اتخاذها للتعامل معها، بدءًا من التعرف على الشائعات وجمع الأدلة، وصولًا إلى تقديم البلاغات ورفع الدعاوى القضائية الجنائية والمدنية. إن الحق في سمعة طيبة والحق في الحصول على معلومات دقيقة هما أساسيات لا يمكن التهاون فيهما.
إن مكافحة الشائعات ليست مسؤولية قانونية فحسب، بل هي واجب اجتماعي وأخلاقي يقع على عاتق كل فرد. من خلال تعزيز الوعي الرقمي، والتحقق الدقيق من المعلومات قبل نشرها أو إعادة مشاركتها، ودعم الجهود الرسمية في تطبيق القانون، يمكننا جميعًا أن نساهم في بناء بيئة رقمية أكثر أمانًا وموثوقية. تذكر دائمًا أن المعلومة قوة، والمعلومة الصحيحة هي الأساس لبناء مجتمع مستنير ومحصن ضد كل ما يهدد استقراره وسلامة أفراده.

“`

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock