الإجراءات القانونيةالجرائم الالكترونيةالقانون الجنائيالقانون المصريجرائم الانترنت

العقوبات المقررة لجريمة نشر محتوى إرهابي عبر الإنترنت

العقوبات المقررة لجريمة نشر محتوى إرهابي عبر الإنترنت

كيف تتصدى القوانين المصرية لجرائم الإرهاب الإلكتروني وتكافح انتشارها

تُعدّ ظاهرة الإرهاب الإلكتروني ونشر المحتوى المتطرف عبر الإنترنت من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، لما لها من قدرة على التحريض وتجنيد الأفراد ونشر الأفكار الهدامة بسرعة هائلة. تدرك الدول، وعلى رأسها مصر، خطورة هذا التهديد، لذلك سنت تشريعات صارمة لمكافحته. يهدف هذا المقال إلى استعراض أبرز هذه العقوبات والإجراءات القانونية المتبعة في التشريع المصري لمواجهة جريمة نشر المحتوى الإرهابي عبر الشبكة العنكبوتية، وتقديم فهم شامل لكيفية تطبيق القانون في هذا المجال الحيوي.

تعريف جريمة نشر المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت وأركانها

ماهية المحتوى الإرهابي في القانون المصري

العقوبات المقررة لجريمة نشر محتوى إرهابي عبر الإنترنتالمحتوى الإرهابي لا يقتصر على الدعوة المباشرة للعنف، بل يشمل كل ما يروج للأفكار الإرهابية، يحرض على ارتكاب أعمال إرهابية، يسهل الاتصال بين الجماعات الإرهابية، أو يدعمها بأي شكل. يشمل ذلك النصوص، الصور، مقاطع الفيديو، التسجيلات الصوتية التي تهدف إلى تحقيق غرض إرهابي، كتخويف الناس، تهديد الأمن القومي، أو الإضرار بالوحدة الوطنية. يتم تحديد ذلك وفقًا للقوانين المصرية المعنية بمكافحة الإرهاب، التي تضع تعريفات دقيقة للمواد المحظورة.

صور النشر الإلكتروني وأساليبه

النشر الإلكتروني يتخذ أشكالًا متعددة عبر الإنترنت، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، المدونات، المنتديات الإلكترونية، تطبيقات التراسل الفوري، والمواقع الإلكترونية المخصصة. يمكن أن يكون النشر عبر رفع ملفات، مشاركة روابط، كتابة تعليقات، أو إنشاء صفحات وحسابات بهدف نشر هذا المحتوى. هذه الوسائل توفر للجناة مدى واسعًا للوصول إلى جمهور عريض، مما يزيد من خطورة الجريمة وتحديات مكافحتها، ويتطلب يقظة قانونية وتقنية مستمرة للرصد والتصدي.

الأطر القانونية المصرية لمواجهة الإرهاب الإلكتروني

قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015

يُعد هذا القانون الركيزة الأساسية في مواجهة الإرهاب بمصر، ويتضمن نصوصًا واضحة تجرم نشر المحتوى الإرهابي. ينص القانون على عقوبات مشددة لكل من يروج أو يحرض على ارتكاب جرائم إرهابية بأي وسيلة كانت، بما في ذلك الوسائل الإلكترونية. ويشمل ذلك إنشاء أو استخدام مواقع على الإنترنت أو حسابات شخصية لهذا الغرض. يهدف القانون إلى تجفيف منابع الدعم اللوجستي والإعلامي للجماعات الإرهابية، وتوفير أدوات قانونية فعالة لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة.

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018

هذا القانون جاء ليكمل الإطار التشريعي، حيث يتعامل مع الجرائم التي تُرتكب باستخدام تقنيات المعلومات والاتصالات. يتضمن القانون مواد تجرم استخدام شبكة الإنترنت أو أي وسيلة لتقنية المعلومات لارتكاب أو التحريض على ارتكاب جرائم تهدد الأمن القومي أو النظام العام، والتي يمكن أن تتداخل مع جرائم الإرهاب. يشدد على أهمية التتبع الرقمي وجمع الأدلة الإلكترونية، ويوفر آليات قانونية للتعامل مع التحديات التقنية التي تفرضها الجرائم السيبرانية.

العقوبات المقررة لجريمة نشر المحتوى الإرهابي

العقوبات السالبة للحرية والغرامات المالية

تتراوح العقوبات المقررة لهذه الجرائم بين السجن المشدد والمؤبد، وقد تصل إلى الإعدام في بعض الحالات التي يترتب عليها نتائج خطيرة، مثل القتل أو إحداث أضرار جسيمة. تُفرض أيضًا غرامات مالية ضخمة تهدف إلى تجريد الجناة من أي مكاسب مادية محتملة وتكبيدهم خسائر فادحة. تختلف شدة العقوبة بناءً على مدى خطورة المحتوى، الغرض منه، والنتائج المترتبة عليه، مما يعكس جدية الدولة في التعامل مع هذه الجرائم.

التدابير التكميلية والإجراءات الاحترازية

بالإضافة إلى العقوبات الأصلية، تفرض المحاكم تدابير تكميلية، مثل مصادرة الأجهزة والأدوات المستخدمة في الجريمة، وإغلاق المواقع أو الصفحات التي نُشر عليها المحتوى الإرهابي. قد تشمل أيضًا وضع الجاني تحت المراقبة الشرطية بعد الإفراج عنه، أو حظر استخدامه لوسائل تقنية المعلومات لفترة محددة. هذه التدابير تهدف إلى منع تكرار الجريمة وحماية المجتمع من خلال إزالة الأدوات والمنصات التي تُستخدم لنشر الأفكار المتطرفة.

إجراءات التحقيق والمحاكمة في جرائم الإرهاب الإلكتروني

دور النيابة العامة وجمع الأدلة الرقمية

تلعب النيابة العامة دورًا محوريًا في التحقيق بجرائم الإرهاب الإلكتروني، حيث تقوم بجمع الأدلة الرقمية من خلال الاستعانة بالخبراء الفنيين والمتخصصين في مجال تقنية المعلومات. يشمل ذلك تتبع عناوين IP، استخراج البيانات من الأجهزة الإلكترونية، مراقبة الاتصالات، وتحليل المحتوى المنشور. يتم كل ذلك وفقًا لإجراءات قانونية صارمة لضمان صحة الأدلة ومقبوليتها قضائيًا، مع مراعاة حقوق المتهمين وسلامة الإجراءات.

سلطات الضبط القضائي ومواجهة التحديات التقنية

تتمتع سلطات الضبط القضائي، مثل الشرطة ومباحث الاتصالات، بصلاحيات واسعة في ضبط مرتكبي هذه الجرائم. يواجهون تحديات كبيرة تتمثل في سرعة انتشار المحتوى، وإمكانية إخفاء الهوية (Anonymity)، وتجاوز الحدود الجغرافية. لمواجهة ذلك، يتم تدريب كوادر متخصصة وتزويدهم بأحدث التقنيات لمكافحة الجريمة السيبرانية وتتبع الجناة في الفضاء الرقمي المعقد، مما يتطلب تحديثًا مستمرًا للأساليب والأدوات.

التحديات والحلول لمكافحة الإرهاب الإلكتروني بفعالية

التحديات القانونية والتقنية في تتبع الجناة

تتضمن التحديات القانونية صعوبة تطبيق التشريعات الوطنية على جرائم عابرة للحدود، والحاجة إلى تعاون دولي فعال لملاحقة الجناة الذين قد يعملون من دول أخرى. أما التحديات التقنية، فتشمل التشفير المعقد، استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، وتغير عناوين IP، مما يجعل تتبع الجناة أمرًا معقدًا ويستغرق وقتًا وجهدًا كبيرًا. تتطلب هذه التحديات تحديثًا مستمرًا للتشريعات وتطويرًا للقدرات الفنية لضمان فعالية المكافحة.

الحلول المقترحة والتعاون الدولي لمكافحة الظاهرة

لمواجهة هذه التحديات، تُقترح حلول متعددة منها: تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات بين الدول لملاحقة مرتكبي الجرائم عبر الحدود، تطوير التشريعات الوطنية لتواكب التطورات التكنولوجية المتسارعة، تدريب الكوادر الأمنية والقضائية على أحدث أساليب التحقيق الرقمي، وزيادة الوعي المجتمعي بمخاطر المحتوى الإرهابي وكيفية الإبلاغ عنه. كما أن الشراكة مع شركات التكنولوجيا الكبرى ضرورية لإزالة المحتوى الضار بسرعة وفعالية، وتطوير أدوات الرصد والتحليل.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock