الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالدعاوى المدنيةالقانون المصري

الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية

الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية

فهم شامل وتطبيق عملي لدفع جوهري في الإجراءات القضائية

تُعد الإجراءات القضائية أساس العدالة وضمان الحقوق، ومن بين أهم الدفوع التي قد يثيرها الخصوم لضمان سلامة هذه الإجراءات هو الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية. يهدف هذا الدفع إلى التأكد من أن من يتقدم بالدعوى يملك الصفة القانونية الصحيحة والمخولة له لتمثيل الحق المدعى به. إنه دفع جوهري يحمي حقوق الخصوم ويصون مبادئ التقاضي السليم والنزيه. سيستعرض هذا المقال الطرق والخطوات العملية لتقديم هذا الدفع وكيفية التعامل معه من مختلف الجوانب القانونية.

ماهية الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية

التعريف والأسانيد القانونية

الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولايةيعرف الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية بأنه وسيلة إجرائية يتقدم بها المدعى عليه أمام المحكمة. وذلك بهدف الطعن في أهلية المدعي لرفع الدعوى أو في صفته القانونية التي تسمح له بتمثيل الحق المطالب به قضائياً. هذا الدفع لا يمس أصل الحق موضوع النزاع بل يتناول شرطاً شكلياً أساسياً لقبول الدعوى نفسها.

تستند أهمية هذا الدفع إلى مبادئ العدالة الإجرائية التي تقتضي أن تُرفع الدعاوى من أصحاب الحقوق أو من ينوبون عنهم نيابة قانونية صحيحة. الأسانيد القانونية لهذا الدفع تتجلى في نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري التي تنظم شروط صحة الدعوى وإجراءات التقاضي. تفرض هذه المواد ضرورة توافر الصفة والمصلحة والأهلية في رافع الدعوى.

التمييز بينه وبين الدفوع الأخرى

من المهم التمييز بين الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية وبين دفوع أخرى قد تبدو مشابهة ولكنها تختلف في جوهرها وآثارها القانونية. على سبيل المثال، يختلف هذا الدفع عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة.

فالدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة يعني أن المدعي يفتقر إلى الصفة القانونية اللازمة لتمثيل نفسه أو غيره في الدعوى. بينما الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية يتجاوز ذلك ليشمل حالات يكون فيها المدعي لديه صفة ما لكن هذه الصفة لا تخوله قانوناً برفع هذه الدعوى تحديداً أو المطالبة بهذا الحق بعينه.

كما يختلف عن الدفع بعدم المصلحة الذي يركز على عدم وجود مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة للمدعي في إقامة الدعوى. الدفع بعدم الولاية ينصب على صلاحية الشخص نفسه لرفع الدعوى وليس على مصلحته فيها. هذا التمييز الدقيق ضروري للمحامي والمتقاضي لتحديد الدفع الصحيح ومبرراته.

حالات ومواضع إثارة الدفع

متى يمكن إبداء هذا الدفع؟

يمكن إبداء الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية في أي مرحلة من مراحل الدعوى وقبل الفصل في موضوعها. إلا أنه يفضل تقديمه في بداية الدعوى عند أول جلسة أو في مذكرة الدفاع الأولى للمدعى عليه. تقديم هذا الدفع مبكراً يوفر الوقت والجهد على الأطراف والمحكمة.

يعد هذا الدفع من الدفوع الشكلية المتعلقة بالنظام العام في بعض حالاته الجوهرية. وهذا يعني أن المحكمة تستطيع أن تقضي به من تلقاء نفسها حتى لو لم يثيره أحد الخصوم. وهذا التأصيل يعكس أهمية توافر الولاية كشرط أساسي لصحة الإجراءات القضائية منذ بدايتها.

أمثلة عملية لمن “غير ذي ولاية”

القاصر والمحجور عليه

إذا قام قاصر أو محجور عليه برفع دعوى قضائية بصفته الشخصية دون أن يمثله وليه الشرعي أو وصيه القانوني أو القيم عليه. في هذه الحالة، يكون المدعي غير ذي ولاية قانونية لرفع الدعوى. الولاية هنا تكون للولي أو الوصي أو القيم بحسب الأحوال، وهم من يملكون حق تمثيل القاصر أمام القضاء.

يتوجب على المدعى عليه في هذه الحالة إثارة الدفع بوضوح وتقديم المستندات التي تثبت أن المدعي قاصر أو محجور عليه. ويجب التأكيد على أن لا أحد يمثله قانوناً. هذا الدفع يحمي مصالح القاصر أو المحجور عليه من أي تصرفات قانونية غير صحيحة قد تضر بمصالحه.

الوكيل الذي تجاوز حدود وكالته

إذا قام وكيل برفع دعوى نيابة عن موكله، وتجاوز في رفع هذه الدعوى الصلاحيات الممنوحة له بموجب عقد الوكالة، فإنه يعتبر أيضاً غير ذي ولاية. فمثلاً، إذا كانت الوكالة لا تخوله رفع دعاوى معينة أو التصرف في نوع معين من الحقوق. يجب أن تكون حدود الوكالة واضحة ومحددة لضمان صحة الإجراءات.

يمكن للمدعى عليه في هذه الحالة تقديم عقد الوكالة للمحكمة لإثبات أن الوكيل قد تجاوز حدود صلاحياته. المحكمة هنا تتحقق من مدى مطابقة تصرف الوكيل لنص الوكالة. إذا ثبت تجاوز الوكيل، تقضي المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية.

عدم وجود صفة أصلاً (غير مالك، غير وارث)

من الأمثلة الواضحة على الدفع بعدم الولاية هو أن يقوم شخص برفع دعوى يطالب فيها بحق لا يملكه أصلاً أو لا يرثه. فمثلاً، إذا رفع شخص دعوى مطالبة بملكية عقار وهو ليس المالك الحقيقي له، أو رفع دعوى يطالب فيها بحقوق ورثة وهو ليس منهم. هنا لا يملك المدعي الصفة القانونية الأصلية للمطالبة بهذا الحق.

هذه الحالات تختلف عن انتفاء الصفة بمفهومها الضيق، حيث هنا المدعي يفتقر تماماً إلى أي صلة قانونية بالحق المدعى به. يجب على المدعى عليه تقديم ما يثبت أن المدعي لا يملك أي حق أو صفة في موضوع الدعوى. وهذا ما يؤدي إلى قبول الدفع بعدم الولاية وبالتالي عدم قبول الدعوى.

الخطوات العملية لإبداء الدفع

صياغة مذكرة الدفع وأركانها

لإبداء الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية، يجب على المدعى عليه أو محاميه صياغة مذكرة دفاع متكاملة تتضمن هذا الدفع بوضوح. يجب أن تبدأ المذكرة ببيان المحكمة وأطراف الدعوى ورقمها. ثم يتم تخصيص جزء رئيسي في المذكرة للدفع، معنوناً بشكل واضح “الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية”.

يجب أن تتضمن المذكرة شرحاً مفصلاً لسبب إثارة الدفع. وذلك ببيان من هو المدعي، وما هي صفته المزعومة، ولماذا يعتبر غير ذي ولاية في هذه الدعوى تحديداً. يجب الإشارة إلى النصوص القانونية التي تدعم هذا الدفع، سواء من قانون المرافعات أو القوانين الخاصة الأخرى ذات الصلة. كما يجب أن تكون المذكرة مختصرة وواضحة ومباشرة.

المستندات الداعمة للدفع

يجب تدعيم مذكرة الدفع بالمستندات الرسمية التي تثبت صحة ما يدعيه المدعى عليه. فمثلاً، في حالة القاصر، يتم تقديم شهادة الميلاد التي تثبت سنه، أو قرار الوصاية أو القوامة. وفي حالة الوكيل، يتم تقديم صورة من عقد الوكالة وبيان تجاوز حدودها. أما في حالة عدم وجود صفة، فيتم تقديم المستندات التي تثبت الملكية أو الميراث للشخص الصحيح.

تقديم المستندات اللازمة هو مفتاح قبول الدفع. بدون إثباتات قوية، قد ترفض المحكمة الدفع لعدم كفاية الأدلة. لذا، يجب على المحامي التأكد من جمع كافة المستندات الأصلية أو الصور الرسمية المعتمدة التي تدعم دفعه بشكل قاطع لا يدع مجالاً للشك.

التوقيت القانوني لإبداء الدفع

على الرغم من أن الدفع بعدم الولاية يمكن إثارته في أي مرحلة من مراحل الدعوى قبل قفل باب المرافعة، إلا أن التوقيت الأمثل هو تقديمه في أول جلسة للدعوى أو في أول مذكرة دفاع يقدمها المدعى عليه. هذا التوقيت يمنع إهدار وقت المحكمة وجهد الخصوم في إجراءات قد يتبين لاحقاً أنها باطلة.

التأخر في إبداء الدفع قد لا يسقط الحق في إثارته، خاصة إذا كان الدفع يتعلق بالنظام العام. لكن تقديمه في وقت مبكر يعكس جدية المدعى عليه واهتمامه بسلامة الإجراءات. كما أنه يجنب المحكمة الخوض في موضوع النزاع دون استيفاء الشروط الأساسية لقبول الدعوى.

آثار قبول الدفع ورفضه

في حالة قبول الدفع

إذا قبلت المحكمة الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية، فإن الحكم الصادر يكون بعدم قبول الدعوى. هذا يعني أن المحكمة لا تنظر في موضوع الدعوى ولا تفصل في أصل الحق المتنازع عليه. ببساطة، تتوقف الإجراءات عند هذا الحد لعدم صحة رفع الدعوى من الأساس.

يترتب على هذا الحكم أن المدعي يستطيع أن يصحح الوضع الإجرائي، كأن يقوم الولي أو الوصي برفع الدعوى بدلاً من القاصر، أو أن يقوم الموكل برفع الدعوى بنفسه أو بوكيل آخر بصلاحيات صحيحة. هذا الحكم لا يمس الحق الأصلي، وإنما ينصب على الإجراءات فقط. ولا يمنع المدعي الصحيح من رفع دعوى جديدة بشكل صحيح.

في حالة رفض الدفع

إذا رفضت المحكمة الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية، فإنها تستمر في نظر موضوع الدعوى. هذا الرفض يعني أن المحكمة وجدت أن المدعي يملك الولاية القانونية الصحيحة لرفع الدعوى. أو أن أسباب الدفع التي قدمها المدعى عليه غير كافية أو غير مدعمة بالمستندات اللازمة.

في هذه الحالة، ينتقل نظر الدعوى إلى مرحلة المرافعة في الموضوع وتقديم الأدلة والدفوع الجوهرية الأخرى. رفض الدفع لا يعني بالضرورة أن المدعي سيكسب الدعوى، بل يعني فقط أن الدعوى قد استوفت الشروط الشكلية الأساسية للمضي قدماً في نظرها والفصل فيها بموضوعها.

نصائح إضافية للمحامين والمتقاضين

أهمية التدقيق في صفة الخصوم

يجب على المحامين والمتقاضين إيلاء اهتمام كبير للتدقيق في صفة الخصوم وأهليتهم وولاتهم القانونية قبل رفع أي دعوى أو عند الرد عليها. فالتأكد من أن المدعي يملك الولاية الصحيحة لرفع الدعوى يوفر الكثير من الوقت والجهد والنفقات التي قد تضيع في إجراءات دعوى باطلة شكلاً.

قبل رفع الدعوى، ينبغي على المحامي جمع كافة المستندات المتعلقة بالطرف الآخر، والتحقق من شخصيته وصلاحياته. وعند استلام صحيفة دعوى، يجب مراجعتها بدقة للتحقق من أن المدعي مذكور بصفته الصحيحة وأن له الولاية القانونية لرفع الدعوى. هذا التدقيق الاستباقي يقي من العديد من المشاكل الإجرائية.

كيفية التعامل مع هذا الدفع إذا أثير ضدك

إذا أثير الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي ولاية ضدك كمدعٍ، فلا داعي للذعر. يجب عليك أولاً مراجعة السبب الذي استند إليه المدعى عليه في دفعه. ثم قم بتقديم مذكرة للرد على الدفع، مع توضيح الصفة القانونية والولاية التي تملكها لرفع الدعوى. قدم المستندات التي تثبت صحة ولايتك، مثل التوكيل، أو إثبات الوصاية، أو مستندات الملكية.

إذا كان هناك خطأ إجرائي بسيط يمكن تصحيحه، مثل نقص في مستندات إثبات الصفة، فاعمل على تدارك هذا النقص وتقديمه للمحكمة. وإذا تبين لك أنك بالفعل لا تملك الولاية، فقد يكون من الأفضل تصحيح الإجراءات القانونية فوراً، كأن تطلب من صاحب الولاية الحقيقية أن يحل محلك أو ينضم إليك في الدعوى.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock