الإجراءات القانونيةالجرائم الالكترونيةالقانون الجنائيالقانون المصريجرائم الانترنت

الدفع بانعدام ركن النشر في جريمة الإساءة عبر الإنترنت

الدفع بانعدام ركن النشر في جريمة الإساءة عبر الإنترنت

استراتيجيات قانونية فعالة لإثبات غياب عنصر العلانية

تعد جرائم الإساءة عبر الإنترنت من أكثر التحديات القانونية تعقيدًا في العصر الرقمي، حيث تتشابك حرية التعبير مع حماية الأفراد من التشهير والضرر. أحد أهم الأركان التي تقوم عليها هذه الجرائم هو “ركن النشر” أو العلانية. يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل شامل حول كيفية الدفع بانعدام هذا الركن، موضحًا الخطوات العملية والاستراتيجيات القانونية المتاحة لتوفير حلول فعالة للمتهمين في مثل هذه القضايا، مع التركيز على القانون المصري. سنستعرض تفاصيل ركن النشر، وكيفية إثبات عدم تحققه، مع تقديم نصائح عملية لتجنب الوقوع في مثل هذه التهم.

مفهوم جريمة الإساءة عبر الإنترنت وأركانها

التعريف القانوني للإساءة الإلكترونية

الدفع بانعدام ركن النشر في جريمة الإساءة عبر الإنترنتتعرف جريمة الإساءة عبر الإنترنت بأنها كل فعل أو قول يرتكب عبر وسائل الاتصال الحديثة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو المنتديات، وينطوي على قذف أو سب أو تشهير أو إزعاج أو تهديد، ويسبب ضررًا معنويًا أو ماديًا للضحية. يستوجب القانون المصري معاقبة هذه الأفعال في إطار قوانين مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون العقوبات. تتطلب هذه الجرائم توافر أركان معينة لإثبات وقوعها.

الأركان العامة للجريمة الإلكترونية

تتكون أي جريمة إلكترونية من ثلاثة أركان أساسية: الركن المادي، الركن المعنوي، والركن الشرعي. الركن المادي يتمثل في الفعل الإجرامي ذاته مثل النشر أو الإرسال. الركن المعنوي يتعلق بالقصد الجنائي لدى الفاعل، أي إرادته ارتكاب الفعل والوصول إلى النتيجة الضارة. أما الركن الشرعي فيعني وجود نص قانوني يجرم الفعل ويعاقب عليه. هذه الأركان يجب أن تتوافر مجتمعة لإدانة المتهم.

ركن النشر (العلانية) في جرائم الإساءة الإلكترونية

أهمية ركن النشر كعنصر جوهري

يعد ركن النشر، أو العلانية، عنصرًا جوهريًا لا تقوم بدونه جريمة الإساءة أو القذف والسب عبر الإنترنت في معظم التشريعات. يعني النشر أن المحتوى المسيء قد وصل إلى علم عدد غير محدد من الأشخاص، أو على الأقل أمكن لعدد كبير من الأشخاص الاطلاع عليه. فإذا لم يتحقق هذا الركن، بأن كان المحتوى موجهًا لشخص واحد فقط أو لم يتمكن أحد من الاطلاع عليه، فإن الجريمة لا تكتمل بهذا الوصف.

صور تحقق العلانية في الفضاء الرقمي

تتحقق العلانية في الفضاء الرقمي بعدة صور، منها النشر على صفحات عامة في مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك أو تويتر، أو في مجموعات مفتوحة، أو إرسال رسالة بريد إلكتروني لعدد كبير من المستلمين. كما يمكن أن تتحقق بنشر المحتوى على مدونات عامة أو مواقع إخبارية يمكن لأي شخص الوصول إليها. يجب على النيابة إثبات أن النشر قد حدث على نطاق واسع أو كان متاحًا للعامة بشكل فعلي أو افتراضي.

استراتيجيات الدفع بانعدام ركن النشر

الدفع بعدم وصول المحتوى للجمهور

إحدى أبرز طرق الدفع بانعدام ركن النشر هي إثبات أن المحتوى المتهم به لم يصل إلى علم جمهور واسع. يمكن للمحامي تقديم أدلة تثبت أن النشر كان مقتصرًا على مجموعة مغلقة وصغيرة جدًا، أو أن المحتوى كان موجهًا لشخص واحد فقط في محادثة خاصة. يتطلب هذا الدفع تحليلًا دقيقًا لإعدادات الخصوصية للمنصة المستخدمة، وعدد المتابعين أو الأعضاء في المجموعة، وطبيعة العلاقة بين المتهم والمستقبلين الأصليين للمحتوى.

الدفع بخصوصية النشر

يمكن الدفع بأن النشر كان ضمن نطاق خاص جدًا لا يرقى إلى مستوى العلانية المطلوبة لتجريم الفعل. على سبيل المثال، إذا كان المحتوى قد تم إرساله في محادثة فردية على تطبيق خاص مثل واتساب أو ماسنجر، ولم يتم إعادة نشره بشكل واسع. هنا، يتم التركيز على أن المشرع يهدف إلى حماية المجتمع من الأضرار العامة للتشهير، وليس التدخل في المحادثات الخاصة بين الأفراد. يتطلب هذا الدفع إبراز دليل قاطع على خصوصية الاتصال.

الدفع بإزالة المحتوى قبل الاطلاع العام

إذا قام المتهم بإزالة المحتوى المسيء بسرعة فائقة بعد نشره وقبل أن يتمكن عدد كبير من الأشخاص من الاطلاع عليه، يمكن الدفع بانعدام ركن النشر. هذا الدفع يعتمد على أن النشر لم يحقق أثره الجماهيري المرجو للجريمة. يجب تقديم أدلة تثبت توقيت النشر ووقت الإزالة، وأن الفترة الزمنية كانت قصيرة جدًا بحيث لا تسمح بالانتشار. يمكن للتقارير الفنية للمنصات الرقمية أن تكون دليلًا قويًا في هذا الصدد.

الدفع بعدم تحقق القصد الجنائي للنشر

بالإضافة إلى الجانب المادي، يمكن الدفع بأن المتهم لم يكن لديه القصد الجنائي في جعل المحتوى علنيًا. قد يكون النشر قد حدث عن طريق الخطأ، أو أن المتهم لم يكن على دراية بأن إعدادات حسابه كانت عامة. في هذه الحالة، يجب إثبات أن المتهم لم يكن يقصد إيصال المحتوى إلى جمهور واسع، وأن نيته كانت تقتصر على عدد محدود من الأفراد أو لنفسه فقط، وأن النشر العلني كان نتيجة لخطأ تقني أو بشري غير مقصود. يتطلب هذا إظهار حسن النية.

الخطوات العملية لإثبات انعدام ركن النشر

جمع الأدلة الرقمية

تبدأ العملية بجمع كافة الأدلة الرقمية المتعلقة بالنشر المزعوم. يشمل ذلك لقطات شاشة للمحتوى، إعدادات الخصوصية للحساب أو المجموعة التي تم فيها النشر، سجلات المحادثات، تواريخ وأوقات النشر والإزالة (إن وجدت). يجب أن تكون هذه الأدلة موثقة بشكل احترافي ولا تقبل الشك، وأن يتم جمعها بطريقة قانونية لضمان قبولها في المحكمة. يمكن الاستعانة بالمتخصصين لضمان صحة جمع هذه الأدلة.

الاستعانة بالخبراء الفنيين

في قضايا جرائم الإنترنت، يلعب الخبراء الفنيون دورًا حاسمًا. يمكن للخبراء تحليل البيانات الرقمية، وتحديد نطاق وصول المحتوى، وتأكيد إعدادات الخصوصية، وتتبع مسار النشر. تقاريرهم الفنية المدعومة بالبراهين العلمية يمكن أن تكون أدلة قوية تدعم الدفع بانعدام ركن النشر، خاصة في إثبات أن المحتوى لم يتم نشره بشكل علني أو أن وصوله كان محدودًا للغاية. يجب اختيار الخبير المعتمد وذي الخبرة.

تحليل سياق النشر

ينبغي على الدفاع تحليل سياق النشر بشكل كامل. هل كان المحتوى جزءًا من محادثة خاصة؟ هل كان ردًا على منشور خاص آخر؟ هل كان مجرد تبادل آراء بين أصدقاء مقربين؟ فهم السياق يساعد على إظهار أن النشر لم يكن مقصودًا ليكون علنيًا أو أن طبيعته كانت شخصية بحتة لا تستوفي شروط العلانية. يمكن أن يكشف هذا التحليل عن غياب القصد الجنائي للتشهير أو الإساءة العلنية.

شهادة الشهود والمعنيين

يمكن أن تكون شهادات الأشخاص الذين اطلعوا على المحتوى أو كانوا جزءًا من المجموعة التي تم النشر فيها ذات أهمية. إذا أكد الشهود أن المحتوى لم يكن علنيًا أو أنهم لم يتمكنوا من رؤيته إلا في سياق خاص ومحدود، فإن ذلك يعزز موقف الدفاع. يجب على المحامي إعداد الشهود جيدًا وتقديم أسئلة محددة تخدم هدف إثبات انعدام ركن النشر بشكل قاطع أمام هيئة المحكمة. هذه الشهادات تدعم الجانب الواقعي للدفع.

حلول إضافية ونصائح وقائية

التصرف السريع في حال الاتهام

في حال توجيه اتهام بجريمة إساءة عبر الإنترنت، يجب التصرف بسرعة. هذا يتضمن استشارة محامٍ متخصص في جرائم الإنترنت فورًا. عدم التصرف قد يؤدي إلى تفاقم الموقف وتضييع فرص الدفاع. يجب عدم حذف أي دليل قد يكون مفيدًا للدفاع، بل يجب الاحتفاظ به وتوثيقه. السرعة في جمع الأدلة وتوكيل المحامي تساعد على بناء استراتيجية دفاع قوية وفعالة قبل فوات الأوان.

التدابير الوقائية قبل النشر

لتجنب الوقوع في تهم جرائم الإساءة عبر الإنترنت، يجب اتخاذ تدابير وقائية. تحقق دائمًا من إعدادات الخصوصية لحساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي، وتأكد من أنك تنشر المحتوى للجمهور المقصود فقط. تجنب نشر أي محتوى قد يعتبر مسيئًا أو تشهيريًا، حتى في المحادثات الخاصة، حيث يمكن أن يتم تسريبه. التفكير قبل النشر هو المفتاح لتجنب المشاكل القانونية المحتملة في الفضاء الرقمي.

التعامل مع البلاغات الكيدية

في بعض الأحيان، قد تكون البلاغات كيدية أو تهدف إلى الإضرار بسمعة الأفراد. في هذه الحالات، يجب على الدفاع إثبات كيدية البلاغ وعدم صحة الادعاءات. يمكن ذلك من خلال تحليل دوافع الشاكي، وتقديم أدلة تثبت عدم وقوع النشر، أو أن المحتوى لم يكن مسيئًا بالقدر الذي يدعيه البلاغ. يجب على المحامي التركيز على إظهار أن البلاغ يفتقر إلى السند القانوني أو الوقائعي. يمكن للمحكمة رفض الدعوى لعدم كفاية الأدلة.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock