الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريمحكمة الجنايات

الدفع بتناقض تقرير الطب الشرعي مع أقوال الشهود

الدفع بتناقض تقرير الطب الشرعي مع أقوال الشهود

فهم طبيعة التناقض وأهميته القانونية

في صميم العدالة الجنائية، يمثل الإثبات ركنًا أساسيًا تبنى عليه الأحكام، حيث تتضافر الأدلة لتشكيل قناعة المحكمة.
من أبرز هذه الأدلة تقارير الطب الشرعي التي تقدم رؤى علمية متخصصة حول الجرائم وأسبابها، وأقوال الشهود التي تروي الوقائع من منظور مباشر.
لكن قد تنشأ أحيانًا حالة دقيقة ومعقدة حيث تتناقض هذه الأدلة الجوهرية، مما يضع المحكمة أمام تحدي كبير في تقدير الحقيقة.
هذا التناقض قد يشكك في صحة أحد الأدلة أو كليهما، ويفتح الباب أمام الدفاع القانوني لتقديم دفوع قوية تؤثر على سير القضية ونتائجها.
يهدف هذا المقال إلى استعراض الطرق القانونية والعملية لكيفية الدفع بتناقض تقرير الطب الشرعي مع أقوال الشهود، وتقديم حلول شاملة لهذا التحدي القضائي.

الإطار القانوني للدفع بالتناقض

حجية تقارير الطب الشرعي في الإثبات الجنائي

الدفع بتناقض تقرير الطب الشرعي مع أقوال الشهود
تعتبر تقارير الطب الشرعي من الأدلة الفنية الهامة في القضايا الجنائية، حيث تقدم المحكمة معلومات علمية وتقنية لا يمكن للخبير القضائي العادي الإلمام بها.
تكتسب هذه التقارير حجية قوية نظرًا لطبيعتها العلمية ومصداقية الجهة الصادرة عنها، وهي عادة ما تكون جهات رسمية متخصصة.
غالبًا ما تستند المحكمة إلى هذه التقارير لتحديد سبب الوفاة، طبيعة الإصابات، أداة الجريمة، أو غير ذلك من الجوانب الفنية.
إلا أن حجيتها ليست مطلقة، فالمحكمة غير ملزمة بها إذا وجدت ما يدحضها أو يثير الشك حول صحتها، وهو ما يمهد الطريق للدفع بالتناقض.
تظل هذه التقارير خاضعة لتقدير المحكمة ومناقشتها في إطار الأدلة الأخرى المطروحة أمامها، الأمر الذي يمنح الدفاع فرصة حقيقية للطعن فيها.

قيمة أقوال الشهود ودورها في بناء قناعة المحكمة

تُعد أقوال الشهود أحد أهم مصادر الإثبات في الدعاوى الجنائية، فهي تمثل رؤية مباشرة أو غير مباشرة للواقعة من قبل أشخاص حضروا الجريمة أو على صلة بها.
تساهم هذه الأقوال في رسم صورة متكاملة للأحداث، وتفصيل الملابسات، وتحديد الفاعلين، وتعتمد المحكمة عليها بشكل كبير في بناء قناعتها.
تتأثر قيمة أقوال الشهود بمدى مصداقيتهم، ذاكرتهم، قدرتهم على الإدراك، ومدى حيادهم أو وجود أي دوافع للتأثير على شهادتهم.
تُخضع المحكمة هذه الأقوال للاستجواب والمناقشة لتقييم مدى صحتها وتوافقها مع باقي الأدلة.
تتيح قوانين الإجراءات الجنائية للدفاع إمكانية الطعن في أقوال الشهود وتفنيدها، خاصة إذا كانت متناقضة مع أدلة علمية مثل تقارير الطب الشرعي، مما يضع عبئًا على المحكمة لترجيح إحدى الروايتين.

مبدأ حرية المحكمة في تقدير الأدلة

يُعتبر مبدأ حرية المحكمة في تقدير الأدلة حجر الزاوية في النظام القضائي، فهو يمنح القاضي سلطة واسعة في وزن الأدلة المقدمة أمامه.
بموجب هذا المبدأ، لا يوجد دليل له قوة إثباتية مطلقة تلزم المحكمة، بل يتم تقدير كل دليل بناءً على مدى قوته، مصداقيته، وتوافقه مع بقية الأدلة.
عندما يبرز تناقض بين تقرير الطب الشرعي وأقوال الشهود، تتدخل هذه السلطة التقديرية للمحكمة لترجيح ما تقتنع به بعد دراسة مستفيضة.
يُمكن للمحكمة أن تأخذ بتقرير الطب الشرعي، أو بأقوال الشهود، أو أن تُطرح كليهما جانبًا إذا وجدت فيهما شكوكًا لا تُزال، أو أن تطلب المزيد من الأدلة.
هذا المبدأ يمنح الدفاع فرصة كبيرة لإقناع المحكمة بوجود التناقض، وتوجيهها نحو ترجيح الدفع المقدم، أو طلب إجراءات تكميلية للوصول إلى الحقيقة.

طرق الدفع بالتناقض أمام المحكمة

التحقق الأولي من وجود التناقض

الخطوة الأولى والأكثر أهمية في الدفع بتناقض تقرير الطب الشرعي مع أقوال الشهود هي التحقق الدقيق والعميق من وجود هذا التناقض بالفعل.
يتطلب ذلك مقارنة تفصيلية بين وقائع التقرير الطبي الشرعي، مثل نوع الإصابات، مكانها، سببها، توقيت حدوثها، وبين ما جاء في شهادات الشهود بخصوص هذه النقاط.
يجب البحث عن نقاط الاختلاف الجوهرية والمحددة، فمثلاً قد يذكر الشاهد أن الوفاة حدثت بطعنة في الصدر، بينما يقرر تقرير الطب الشرعي أن الوفاة كانت نتيجة خنق.
يجب جمع كافة الأدلة المتعلقة بالتقرير وأقوال الشهود، وتحليلها بدقة لتحديد المواضع التي لا تتفق فيها الروايتان.
يُعد التحديد الواضح لمواطن التناقض هو الأساس الذي سيبنى عليه الدفاع، لذا يجب أن يكون هذا التحقق شاملًا وموثقًا.

الدفع ببطلان أو قصور تقرير الطب الشرعي

يمكن للدفاع أن يطعن في تقرير الطب الشرعي ذاته إذا رأى فيه قصورًا أو عيوبًا تجعله غير صالح للاعتماد عليه، خاصة إذا كان ذلك القصور يؤدي إلى تناقضه مع أقوال الشهود أو الأدلة الأخرى.
يتضمن هذا الدفع إثبات أن التقرير لم يتم إعداده وفقًا للمعايير العلمية أو القانونية المطلوبة، أو أنه أغفل جوانب مهمة كان يجب تناولها.
قد يكون القصور في عدم إجراء كافة الفحوصات اللازمة، أو عدم دقة النتائج، أو حتى وجود خطأ في الاستنتاجات الطبية.
يُعتبر هذا الدفع أداة فعالة لإضعاف حجية التقرير، مما يفتح المجال لترجيح أقوال الشهود إذا كانت منطقية ومدعومة بأدلة أخرى، أو لطلب إجراءات تكميلية.
يجب أن يستند هذا الدفع إلى أسس قوية ومبررات علمية أو إجرائية واضحة ليكون له أثره في إقناع المحكمة.

طلب إعادة فحص أو ندب لجنة ثلاثية

عند وجود تناقض واضح ومؤثر بين تقرير الطب الشرعي وأقوال الشهود، يمكن للدفاع أن يطلب من المحكمة إعادة فحص الموضوع من قبل خبير آخر أو ندب لجنة ثلاثية من الخبراء.
يهدف هذا الإجراء إلى الحصول على رأي فني إضافي ومحايد، قد يكشف عن عيوب في التقرير الأول أو يؤكد صحة الدفع بالتناقض.
يجب أن يقدم الطلب بصورة واضحة ومبررة، مع بيان نقاط التناقض التي تستوجب هذا الإجراء، ويوضح الكيفية التي يمكن للخبراء الجدد أن يسهموا بها في كشف الحقيقة.
تستجيب المحكمة لمثل هذه الطلبات إذا رأت فيها ضرورة للوصول إلى الحقيقة، وكان التناقض جوهريًا ومؤثرًا في الدعوى.
هذا الحل يُعد طريقة عملية للحصول على حلول متعددة من خلال آراء خبراء متنوعين، وبالتالي تعزيز موقف الدفاع أو إزالة أي شكوك قائمة.

الطعن في مؤهلات الخبير أو حياده

في بعض الحالات، قد لا يكون التناقض ناتجًا عن قصور في الفحص نفسه، بل قد يكون له علاقة بشخصية الخبير الذي أعد التقرير.
يمكن للدفاع الطعن في تقرير الطب الشرعي بالدفع بعدم كفاءة الخبير، أو عدم توافر المؤهلات العلمية اللازمة لإجراء الفحص، أو الخبرة الكافية.
كما يمكن الدفع بعدم حياد الخبير إذا كانت هناك دلائل تشير إلى وجود مصلحة له في نتائج التقرير، أو قرابة أو عداوة مع أحد الأطراف، أو أي ظروف أخرى تؤثر على حياده المهني.
يجب أن يتم هذا الدفع بناءً على أدلة وبراهين واضحة تثبت عدم أهلية الخبير أو تحيزه، ولا يجوز أن يكون مجرد ادعاء مرسل.
إذا اقتنعت المحكمة بصحة هذا الدفع، يمكنها استبعاد التقرير أو إعادة الأمر إلى خبير آخر، مما يخدم مصلحة الدفاع في إظهار التناقض.

إثبات عدم مطابقة التقرير لوقائع الدعوى

يمكن للدفاع إثبات أن تقرير الطب الشرعي لا يطابق وقائع الدعوى الثابتة بأدلة أخرى قاطعة، مما يثير الشك حول صحته.
على سبيل المثال، إذا كان التقرير يشير إلى أن الوفاة حدثت في توقيت معين، بينما تثبت أدلة أخرى (مثل تسجيلات كاميرات المراقبة أو شهود آخرين) أن المتهم لم يكن في مكان الحادث في ذلك التوقيت.
يمكن أيضًا تقديم صور فوتوغرافية لمسرح الجريمة، أو تقارير فنية أخرى (غير طبية)، أو وثائق تثبت خلاف ما جاء في التقرير الطبي.
يجب أن تكون الأدلة المقدمة قوية ومقنعة بما يكفي لدحض ما جاء في التقرير الطبي الشرعي، أو على الأقل إثارة الشكوك الجدية حوله.
هذه الطريقة تعتمد على مقارنة شاملة بين جميع الأدلة المتاحة، وتقديم الأدلة الأقوى التي تدعم الدفع بعدم المطابقة بين التقرير والواقع.

الدفع بضعف أو عدم مصداقية أقوال الشهود

إذا كان تقرير الطب الشرعي قوياً وغير قابل للطعن بشكل مباشر، يمكن للدفاع أن يركز على إضعاف أقوال الشهود أو إثبات عدم مصداقيتها عندما تتناقض مع التقرير.
يعتمد هذا الدفع على إبراز أوجه الضعف في شهادات الشهود، مثل التناقضات الداخلية في أقوال الشاهد نفسه، أو تناقض شهادته مع شهادات شهود آخرين، أو مع المنطق العام للواقعة.
يمكن للدفاع أن يوضح أن الشاهد كان تحت تأثير معين (مثل الخوف أو الارتباك)، أو أنه لم يرى الواقعة بوضوح، أو أن ذاكرته خانته.
الهدف هو إقناع المحكمة بأن أقوال الشهود لا ترقى إلى مستوى اليقين، أو أنها لا يمكن أن تبنى عليها قناعة المحكمة في مواجهة الأدلة العلمية.
يتطلب هذا الدفع مهارة عالية في الاستجواب والمرافعة لتقديم الحلول المنطقية التي تبرز ضعف هذه الأقوال.

الاستجواب المضاد للشهود

يُعد الاستجواب المضاد للشهود أداة فعالة للدفاع لإبراز التناقضات في أقوال الشهود أو إضعاف مصداقيتهم، خاصة عندما تتعارض شهاداتهم مع تقرير الطب الشرعي.
يهدف الاستجواب المضاد إلى الكشف عن الثغرات في ذاكرة الشاهد، أو تناقضاته، أو دوافعه المحتملة للشهادة الكاذبة أو المتحيزة.
يجب أن يركز المحامي على النقاط الجوهرية التي تختلف فيها أقوال الشاهد عن نتائج تقرير الطب الشرعي، مع طرح أسئلة دقيقة وموجهة.
يمكن أن تشمل الأسئلة تفاصيل الوقت والمكان، زاوية الرؤية، الظروف المحيطة بالواقعة، أو حتى مدى قدرة الشاهد على الإدراك الحسي.
من خلال الاستجواب الفعال، يمكن للمحامي أن يزرع الشك في ذهن المحكمة حول صحة شهادة الشاهد، مما يدعم الدفع بتناقضها مع التقرير العلمي.

تقديم أدلة مناقضة لأقوال الشهود

بالإضافة إلى الاستجواب المضاد، يمكن للدفاع أن يقدم أدلة مادية أو وثائقية أو شهادات أخرى تناقض بشكل مباشر أقوال الشهود.
إذا ذكر الشاهد أن المتهم كان يرتدي ملابس معينة، وقدم الدفاع صورًا تثبت أن المتهم كان يرتدي ملابس مختلفة في نفس التوقيت، فهذا دليل مباشر على التناقض.
يمكن أيضًا تقديم شهادات شهود آخرين ينفون ما جاء في أقوال الشاهد الأول، أو يقدمون رواية مختلفة للواقعة، مما يضعف مصداقية الشاهد الأول.
الوثائق الرسمية، التقارير الفنية الأخرى، تسجيلات الكاميرات، أو أي دليل مادي آخر يمكن أن يستخدم لدحض شهادة الشاهد.
تهدف هذه الطريقة إلى بناء ملف دفاعي قوي يوضح للمحكمة أن هناك أدلة دامغة تتعارض مع أقوال الشهود، مما يعزز الدفع بتناقضها مع تقرير الطب الشرعي.

إثبات وجود دافع للشهادة الكاذبة أو التحيز

في بعض الحالات، يمكن للدفاع أن يتجاوز مجرد إظهار التناقضات الشكلية في أقوال الشهود ليذهب أبعد من ذلك ويثبت وجود دافع خفي للشهادة الكاذبة أو التحيز.
يمكن أن يشمل ذلك إثبات وجود عداوة سابقة بين الشاهد والمتهم، أو وجود مصلحة للشاهد في إدانة المتهم (مالية، اجتماعية، شخصية).
كما يمكن إظهار أن الشاهد قد تعرض لتهديد أو إغراء لتقديم شهادة معينة، أو أنه شريك في الجريمة ويحاول إبعاد الشبهة عن نفسه.
يتطلب هذا الدفع جمع معلومات دقيقة وموثقة حول العلاقة بين الشاهد والأطراف، أو أي ظروف قد تؤثر على حياده.
إذا نجح الدفاع في إثبات وجود دافع قوي للشهادة الكاذبة أو التحيز، فإن ذلك يضعف بشكل كبير من قيمة أقوال الشاهد في نظر المحكمة، ويرجح كفة تقرير الطب الشرعي إذا كان قويًا.

استراتيجيات الدفاع المتقدمة

الجمع بين الدفوع: تقرير الطب الشرعي وأقوال الشهود

لتحقيق أقصى قدر من التأثير، يجب على الدفاع ألا يقتصر على الطعن في جانب واحد فقط، بل يجب عليه دمج الدفوع المتعلقة بتقرير الطب الشرعي مع الدفوع الخاصة بأقوال الشهود في استراتيجية دفاعية متكاملة.
يمكن للمحامي أن يبرز كيف أن التناقض ليس مجرد نقطة خلاف عابرة، بل هو مؤشر على خلل في أحد الأدلة أو كليهما، مما يخلق شكًا معقولًا حول مجمل الرواية المقدمة.
يقوم الدفاع ببناء سرد متماسك يوضح كيف أن نقاط الضعف في تقرير الطب الشرعي تتكامل مع أوجه القصور في شهادة الشهود لتشكل حالة من الغموض والتناقض تستوجب عدم الأخذ بأي منهما بشكل مطلق.
هذا الجمع يعزز موقف الدفاع ويقدم للمحكمة صورة أكثر تعقيدًا تتطلب منها تمحيصًا أعمق، مما يؤدي إلى حلول متعددة من خلال تحليل شامل لكافة الجوانب.
يهدف هذا النهج إلى إقناع المحكمة بأن الأدلة المقدمة غير كافية لبناء حكم إدانة قاطع.

الاستعانة بخبراء استشاريين

في القضايا التي تتسم بتعقيدات فنية أو طبية، يمكن للدفاع تعزيز موقفه بالاستعانة بخبراء استشاريين من القطاع الخاص أو خبراء مستقلين.
هؤلاء الخبراء يمكنهم مراجعة تقرير الطب الشرعي الصادر في الدعوى، وتقديم رأي استشاري حول مدى صحته، دقته، واكتماله، أو إبراز أي أوجه قصور فيه.
قد يقدم الخبير الاستشاري تقريرًا مضادًا أو رأيًا ثانيًا يدعم دفوع الدفاع ويقدم رؤية علمية مختلفة عن تلك الواردة في التقرير الرسمي.
على الرغم من أن رأي الخبير الاستشاري لا يحمل نفس الحجية القانونية للتقرير الرسمي، إلا أنه يمكن أن يستخدم كدليل تكميلي لإثارة الشكوك في ذهن المحكمة.
هذه الاستعانة توفر حلولًا منطقية مبنية على أسس علمية قوية، وتساعد المحكمة على الإلمام بكافة الجوانب الفنية للموضوع من خلال آراء متعددة.

التركيز على الشك والقرائن القضائية

حتى في حالة عدم القدرة على دحض تقرير الطب الشرعي أو أقوال الشهود بشكل قاطع، يمكن للدفاع أن يركز على إثارة الشك المعقول في ذهن المحكمة.
مبدأ “الشك يفسر لصالح المتهم” هو أساسي في القانون الجنائي، حيث يتطلب الحكم بالإدانة اليقين والجزم بأن المتهم ارتكب الجريمة.
إذا تمكن الدفاع من إبراز التناقضات بين الأدلة المختلفة (الطب الشرعي والشهود)، وتقديمها بطريقة تثير الشك حول صحة الرواية المطروحة، فإنه قد ينجح في تفادي الإدانة.
يمكن أيضًا التركيز على القرائن القضائية التي قد تدعم رواية الدفاع أو تتناقض مع رواية الاتهام، حتى لو لم تكن أدلة مباشرة.
الهدف هنا هو خلق حالة من عدم اليقين في ذهن القاضي، بحيث لا يستطيع الجزم بصحة أدلة الإدانة، مما يدفعه إلى إصدار حكم البراءة أو على الأقل تخفيف العقوبة.

المرافعة الختامية وتجسيد التناقضات

تُعد المرافعة الختامية الفرصة الأخيرة للدفاع لتلخيص دفوعه وتقديمها للمحكمة بصورة واضحة ومقنعة.
يجب على المحامي في هذه المرحلة أن يبرز بوضوح التناقضات الجوهرية بين تقرير الطب الشرعي وأقوال الشهود، وكيف أن هذه التناقضات تمنع المحكمة من تكوين قناعة جازمة بالإدانة.
يجب تجسيد هذه التناقضات بلغة واضحة ومباشرة، مع التركيز على النقاط الأكثر تأثيرًا والتي تثير الشك حول مصداقية أحد الأدلة أو كليهما.
يمكن استخدام الأمثلة الواقعية والمقارنات المنطقية لتوضيح الفجوات في رواية الاتهام.
تهدف المرافعة إلى إظهار أن الأدلة لا تتفق، وأن المحكمة إذا أخذت بأحدها فإنها تتجاهل الآخر، مما يؤثر على عدالة الحكم.
إن المرافعة البارعة التي توضح هذه التناقضات تعد حلًا حاسمًا في مسار القضية، حيث تضع المحكمة أمام مسؤولية التقدير الدقيق والشامل.

نصائح إضافية لتعزيز الدفع

التوثيق الدقيق لجميع الأدلة

يُعد التوثيق الدقيق والشامل لجميع الأدلة، سواء كانت تقارير الطب الشرعي، أقوال الشهود، أو أي أدلة أخرى، أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز أي دفع قانوني.
يجب على المحامي التأكد من الحصول على نسخ رسمية ومعتمدة لجميع الوثائق، وتنظيمها بطريقة تسهل الرجوع إليها ومقارنتها.
يشمل ذلك تسجيل جميع الملاحظات الخاصة بالتحقيق، الاستجوابات، الفحوصات، وتوثيق أي نقاط تناقض تظهر في هذه الأدلة.
التوثيق الجيد يساعد في بناء ملف دفاعي متين، ويُمكن المحامي من تقديم دفوعه بثقة ووضوح أمام المحكمة.
كما أنه يضمن أن تكون جميع الجوانب المتعلقة بالموضوع مغطاة، ويمنع أي إغفال قد يؤثر سلبًا على القضية.

دراسة السوابق القضائية المشابهة

لتعزيز الدفع بالتناقض، يُفضل دراسة السوابق القضائية المشابهة التي تم فيها الطعن في تقارير الطب الشرعي أو أقوال الشهود نتيجة التناقض.
تحليل الأحكام السابقة يساعد المحامي على فهم الكيفية التي تعاملت بها المحاكم مع مثل هذه الحالات، وما هي الدفوع التي كانت فعالة، وما هي الاستراتيجيات التي نجحت.
يمكن أن توفر السوابق القضائية إرشادات قيمة حول الطرق الأفضل لصياغة الدفوع، والأساليب المثلى لتقديم الأدلة، وكيفية إقناع المحكمة بوجود التناقض وأهميته.
الاطلاع على هذه السوابق يضيف بُعدًا إضافيًا من الخبرة والمعرفة، ويسهل الوصول إلى حلول متعددة مبنية على تجارب قضائية سابقة.
كما أنه يمكن أن يوفر للمحامي حججًا قانونية قوية يستند إليها في مرافعاته.

التشاور المستمر مع فريق الدفاع

في القضايا المعقدة التي تتضمن تناقضات بين الأدلة الفنية وأقوال الشهود، يُعد التشاور المستمر والفعال مع فريق الدفاع أمرًا حيويًا.
يشمل فريق الدفاع المحامين المشاركين، الخبراء الاستشاريين، وأي مساعدين قانونيين.
المناقشات الجماعية تساهم في تبادل الأفكار، تحليل الأدلة من زوايا مختلفة، وتطوير استراتيجيات دفاعية متكاملة.
كل عضو في الفريق قد يكتشف نقطة تناقض أو حجة لم ينتبه إليها الآخرون، مما يعزز قوة الدفع.
التشاور يضمن أن يتم تناول الموضوع من كافة الجوانب، ويساعد في تقديم حلول منطقية وبسيطة، كما أنه يضمن أن جميع الأعضاء على دراية كاملة بجميع تفاصيل القضية.

التركيز على وضوح الدفع وبساطته

مهما كانت القضية معقدة، يجب على المحامي أن يسعى دائمًا لتقديم دفوعه بطريقة واضحة ومبسطة للمحكمة.
التعقيد المفرط في عرض التناقضات قد يجعل القاضي يغفل النقاط الجوهرية أو يجد صعوبة في فهم الحجة الأساسية للدفاع.
يجب تحديد النقاط الرئيسية للتناقض وتقديمها بوضوح، مع دعمها بالأدلة اللازمة دون إغراق المحكمة في تفاصيل غير ضرورية.
يمكن استخدام الرسوم البيانية البسيطة أو الجداول المقارنة لتوضيح الفروقات بين تقرير الطب الشرعي وأقوال الشهود.
الوضوح والبساطة في العرض يساعدان المحكمة على استيعاب الدفع بشكل أفضل، ويزيدان من فرص اقتناعها بالدفاع المقدم.
الوصول إلى حلول متعددة يبدأ بتقديم المشكلة بطريقة سهلة الفهم والتحليل.

الخلاصة

إن الدفع بتناقض تقرير الطب الشرعي مع أقوال الشهود يمثل تحديًا قانونيًا كبيرًا يتطلب إعدادًا دقيقًا، تحليلًا عميقًا، ومهارات دفاعية عالية.
من خلال فهم الإطار القانوني لهذه الأدلة، واتباع الخطوات العملية في التحقق من التناقض، يمكن للدفاع أن يقدم حلولًا متعددة ومقنعة للمحكمة.
سواء كان ذلك بالطعن في التقرير الطبي نفسه، أو إضعاف مصداقية الشهود، أو الجمع بين الاستراتيجيتين، فإن الهدف الأسمى يبقى إثارة الشك المعقول في ذهن المحكمة.
إن الاستعانة بالخبراء، ودراسة السوابق القضائية، والتوثيق الدقيق، والمرافعة الواضحة، كلها عناصر تساهم في تعزيز قوة هذا الدفع.
في نهاية المطاف، تعتمد عدالة القضية على قدرة المحكمة على تقدير الأدلة المتضاربة بدقة، والوصول إلى حقيقة لا يشوبها أي شك، مما يؤكد على أهمية الدور المحوري للمحامي في توضيح هذه التناقضات وتقديم الحلول الممكنة.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock