الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصريالمحكمة المدنية

الدفع ببطلان الحكم لعدم النطق به في جلسة علنية

الدفع ببطلان الحكم لعدم النطق به في جلسة علنية

حلول عملية وإجراءات قانونية لتجنب ومعالجة بطلان الأحكام القضائية

تعتبر علانية الجلسات والنطق بالأحكام مبدأً دستورياً وقانونياً جوهرياً، يهدف إلى ضمان الشفافية والرقابة الشعبية على القضاء. قد يؤدي الإخلال بهذا المبدأ إلى بطلان الحكم القضائي، مما يفتح الباب أمام الطعون والدفوع القانونية. تتناول هذه المقالة بالتفصيل كيفية الدفع ببطلان الحكم لعدم النطق به في جلسة علنية، وتقدم حلولاً عملية للمشكل، مع استعراض كافة الجوانب المتعلقة بهذا الدفع الحاسم في سير العدالة.

مفهوم علانية الجلسات وأهميتها

تعريف العلن في النطق بالحكم

الدفع ببطلان الحكم لعدم النطق به في جلسة علنيةيشير مفهوم العلانية في النطق بالحكم إلى ضرورة أن يتم تلاوة منطوق الحكم القضائي في جلسة مفتوحة للجمهور، بحيث يمكن لأي شخص الحضور والاستماع إليه. هذا لا يعني بالضرورة حضور أطراف النزاع فقط، بل يشمل عامة الناس. الهدف الأساسي هو تحقيق الرقابة المجتمعية على عملية إصدار الأحكام وضمان نزاهة القضاء وشفافيته. يجب أن يكون المكان متاحاً للعموم، ولا يجوز إغلاق أبواب قاعة المحكمة أو منع أي شخص من الدخول.

الحكمة من مبدأ العلانية

تتجلى الحكمة من مبدأ علانية النطق بالأحكام في عدة نقاط جوهرية. أولاً، يعزز هذا المبدأ الثقة في القضاء، حيث يطمئن المتقاضون والجمهور إلى أن الأحكام لا تصدر خفية أو بمعزل عن الرقابة. ثانياً، يضمن الشفافية ويمنع أي محاولات للتأثير غير المشروع على سير العدالة. ثالثاً، يساهم في إقرار العدالة ويحمي حقوق الأفراد من خلال تمكينهم من التأكد بأن الحكم الصادر بحقهم قد تم إعلانه وفق الأصول القانونية.

الأساس القانوني لعلانية النطق بالأحكام

المواد القانونية ذات الصلة في القانون المصري

تستند علانية النطق بالأحكام في القانون المصري إلى نصوص دستورية وقانونية واضحة. ينص الدستور المصري على أن الجلسات علنية إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة للنظام العام أو الآداب. كما تتناول قوانين الإجراءات، مثل قانون المرافعات المدنية والتجارية، وقانون الإجراءات الجنائية، هذه المسألة بوضوح. مثلاً، تشترط هذه القوانين أن يتم النطق بالحكم علناً في جلسة تُعقد لهذا الغرض، وتعتبر أي مخالفة لهذا الشرط سبباً للبطلان.

المبادئ الدستورية وحقوق الإنسان

يتجاوز مبدأ العلانية كونه مجرد إجراء شكلي ليصبح مبدأً دستورياً أساسياً وحقاً من حقوق الإنسان المكفولة. فهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمبدأ سيادة القانون وضمان المحاكمة العادلة. إن حق الجمهور في معرفة كيفية إصدار الأحكام يمثل ركيزة أساسية للديمقراطية وسيادة القانون، ويؤكد على أن العدالة يجب ألا تكون غامضة أو محاطة بالسرية، بل يجب أن تكون مرئية ومتاحة للجميع.

شروط صحة النطق بالحكم

وجوب حضور الهيئة التي أصدرت الحكم

من الشروط الأساسية لصحة النطق بالحكم أن تتم تلاوة منطوقه بواسطة الهيئة القضائية التي أصدرته فعلياً. هذا يعني أن القضاة الذين قاموا بمداولة القضية واتخاذ القرار يجب أن يكونوا هم أنفسهم من ينطقون بالحكم أو على الأقل أن يتم النطق في حضورهم. لا يكفي مجرد تسجيل الحكم في محضر الجلسة دون النطق به بشكل علني ومباشر من قبل القضاة المعنيين، لأن غيابهم يفقد الإجراء جوهره.

إثبات النطق في المحضر وتاريخه

يجب أن يثبت النطق بالحكم في محضر الجلسة بشكل واضح وصريح، مع تحديد تاريخ النطق بدقة. يعتبر محضر الجلسة هو الدليل الرسمي على سير الإجراءات القضائية، وبدون إثبات النطق العلني فيه، يمكن الطعن في صحة الإجراء. كما أن تحديد التاريخ بدقة أمر حيوي، لأنه يفتح باب مواعيد الطعن ويبدأ سريانها. أي إغفال لهذا الإثبات أو تضارب فيه قد يكون سبباً قوياً للدفع بالبطلان.

إجراءات الدفع ببطلان الحكم

طريقة تقديم الدفع وتوقيته

يُمكن تقديم الدفع ببطلان الحكم لعدم النطق به علنًا في مراحل مختلفة من التقاضي. يمكن للمحكوم عليه أن يتمسك بهذا الدفع أمام ذات المحكمة التي أصدرت الحكم، أو أمام المحكمة الأعلى درجة عند استئناف الحكم أو النقض فيه. عادة ما يتم تقديم هذا الدفع كجزء من أسباب الطعن على الحكم. يجب أن يتمسك به الطاعن في أول إجراء يتخذه بعد علمه بالحكم، وإلا سقط حقه في الدفع إذا كان الحضور في الجلسة قد تضمن إمكانية النطق العلني.

إثبات عدم العلانية

يقع عبء إثبات عدم علانية النطق بالحكم على عاتق من يدفع بالبطلان. يمكن ذلك بشتى طرق الإثبات، منها شهادة الشهود الذين كانوا حاضرين في المحكمة ولم يسمعوا النطق بالحكم، أو عدم وجود ذكر صريح للعلانية في محضر الجلسة، أو التقارير الرسمية التي تثبت أن الجلسة لم تكن مفتوحة للجمهور. ينبغي جمع هذه الأدلة بعناية وتقديمها بشكل مقنع للمحكمة لإثبات المخالفة الإجرائية.

مواعيد الدفع والطعن

يتوجب على من يرغب في الدفع ببطلان الحكم أن يلتزم بالمواعيد القانونية المحددة للطعن. فإذا انقضت هذه المواعيد دون تقديم الدفع، فقد يسقط حقه في التمسك به. على سبيل المثال، في القضايا المدنية، يجب تقديم الدفع ضمن مواعيد الاستئناف أو النقض. التزام المواعيد أمر حيوي لضمان قبول الدفع والنظر فيه، وأي تأخير قد يؤدي إلى تحصين الحكم رغم عيبه الإجرائي.

آثار قبول الدفع ببطلان الحكم

بطلان الحكم الأصلي وإعادة المحاكمة

إذا قبلت المحكمة الدفع ببطلان الحكم لعدم النطق به علانية، فإن الأثر المترتب على ذلك هو بطلان الحكم الأصلي الصادر. هذا يعني أن الحكم يصبح كأن لم يكن، ويُعاد الحال إلى ما كان عليه قبل صدوره. في كثير من الأحيان، يتطلب الأمر إعادة نظر القضية من جديد أمام المحكمة المختصة، وقد يشمل ذلك إعادة المرافعات وإصدار حكم جديد بشكل صحيح، مع الالتزام بكافة الإجراءات القانونية، بما في ذلك النطق العلني.

الآثار على الإجراءات اللاحقة والتنفيذ

يمتد أثر بطلان الحكم ليشمل كافة الإجراءات اللاحقة التي بنيت عليه، بما في ذلك إجراءات التنفيذ. فإذا كان الحكم قد بدأ تنفيذه، فإن قبول الدفع بالبطلان يوقف التنفيذ ويزيل آثاره. تصبح جميع الإجراءات المتخذة بناءً على هذا الحكم الباطل لاغية، ويجب على الجهات المعنية استعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل البدء في تنفيذ الحكم. هذا يؤكد على أهمية هذا الدفع في حماية حقوق المتقاضين وضمان سلامة الإجراءات القضائية.

طرق تجنب بطلان الحكم

التدقيق في محاضر الجلسات

لتجنب بطلان الحكم، يجب على المحامين والقضاة على حد سواء إيلاء اهتمام خاص لتدوين محاضر الجلسات. ينبغي التأكد من أن المحضر يتضمن إشارة واضحة وصريحة إلى أن الحكم قد تم النطق به علانية وفي حضور الهيئة القضائية. أي إغفال في التسجيل أو غموض في الصياغة قد يؤدي إلى ثغرة قانونية يمكن استغلالها للدفع بالبطلان. الدقة في التوثيق هي خط الدفاع الأول ضد هذه الثغرات.

دور المحامي في المراقبة والتوثيق

يضطلع المحامي بدور حيوي في مراقبة إجراءات النطق بالحكم. يجب عليه الحضور شخصياً أو التأكد من حضور من ينوب عنه في جلسة النطق بالحكم، والتحقق من أن الإجراءات تتم وفق الأصول القانونية، بما في ذلك علانية الجلسة. في حال ملاحظة أي مخالفة، يجب على المحامي إثبات ذلك فوراً، سواء بطلب إثبات في المحضر أو عن طريق شهود. توثيق هذه الملاحظات يعتبر خطوة استباقية مهمة لتجنب البطلان أو للدفع به لاحقاً.

أهمية الوعي القانوني للقضاة وأعوان القضاء

إن رفع مستوى الوعي القانوني لدى القضاة وأعوان القضاء (مثل كتبة الجلسات) حول أهمية مبدأ علانية النطق بالأحكام هو أمر بالغ الأهمية. يجب التأكيد على أن هذا المبدأ ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو ضمانة دستورية لعدالة المحاكمة. التدريب المستمر والتذكير بالتعليمات القضائية يساهم في ضمان الالتزام الصارم بهذا المبدأ، وبالتالي تقليل حالات البطلان التي قد تنشأ عن الإهمال أو عدم المعرفة الكافية.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock