حيازة المقذوفات: أركان الجريمة وعقوبتها
محتوى المقال
حيازة المقذوفات: أركان الجريمة وعقوبتها
دليل شامل لفهم الأبعاد القانونية لحيازة المقذوفات وفقًا للقانون المصري
تعتبر جرائم حيازة أو إحراز الأسلحة والذخائر والمقذوفات من الجرائم الخطيرة التي يوليها المشرع المصري اهتمامًا كبيرًا نظرًا لارتباطها الوثيق بأمن المجتمع وسلامة أفراده. ويقع الكثيرون في خطأ الاعتقاد بأن الحيازة تقتصر على السلاح الناري فقط، بينما تمتد لتشمل الذخائر والمقذوفات بشكل مستقل. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل قانوني وعملي لجريمة حيازة المقذوفات، موضحًا أركانها التي يجب توافرها لإدانة المتهم، والعقوبات التي نص عليها القانون، مع تقديم حلول وإرشادات عملية للتعامل مع هذا الموقف القانوني الدقيق.
مفهوم المقذوفات في ضوء قانون الأسلحة والذخائر
التعريف القانوني للمقذوفات
لم يترك القانون المصري تعريف المقذوفات للأهواء، بل حدده بشكل واضح في قانون الأسلحة والذخائر رقم 394 لسنة 1954 وتعديلاته. تُعرف المقذوفات بأنها الأجزاء المعدة للاستخدام في الأسلحة النارية لإطلاقها، وتشمل بشكل أساسي طلقات الرصاص بأنواعها وأعيرتها المختلفة، والخرطوش، وأي ذخائر أخرى تستخدم في الأسلحة المدرجة في جداول القانون. لا يشترط القانون أن تكون المقذوفات بحوزة شخص يمتلك سلاحًا من نفس العيار، فمجرد حيازة المقذوف في حد ذاتها تشكل جريمة مستقلة ومعاقب عليها قانونًا، لأنها تفترض وجود نية لاستخدامها أو تسهيل استخدامها في وقت لاحق.
التمييز بين الحيازة والإحراز
يفرق الفقه والقضاء بين مصطلحي الحيازة والإحراز. الإحراز هو السيطرة المادية المباشرة على الشيء، كمن يحمل المقذوفات في جيبه أو سيارته. أما الحيازة فهي أوسع نطاقًا، وتعني بسط سلطان الشخص على الشيء ولو لم يكن في حوزته المادية المباشرة، كمن يخبئها في مكان يعلمه وله القدرة على الوصول إليه. القانون يعاقب على كلتا الحالتين، فالعبرة هي بوجود سيطرة فعلية وإرادية للمتهم على المقذوفات المضبوطة، بغض النظر عما إذا كانت هذه السيطرة مباشرة أو غير مباشرة، مؤقتة أو دائمة.
الأركان الأساسية لقيام جريمة حيازة المقذوفات
الركن المادي: فعل السيطرة والحيازة
لكي تكتمل الجريمة، يجب إثبات قيام المتهم بفعل مادي يتمثل في حيازته أو إحرازه للمقذوفات. هذا الركن يتحقق بوجود المقذوفات تحت سيطرة المتهم الفعلية، سواء كانت هذه السيطرة في منزله، سيارته، مكتبه، أو حتى لدى شخص آخر يعمل لحسابه. وتقع مسؤولية إثبات هذا الركن على عاتق سلطة الاتهام، وهي النيابة العامة، التي يجب أن تقدم الدليل القاطع على صلة المتهم بالمضبوطات، مثل اعتراف المتهم، أو شهادة الشهود، أو محضر الضبط الذي يثبت العثور عليها في حوزته المباشرة.
الركن المعنوي: القصد الجنائي وعلم المتهم
لا يكفي توافر الركن المادي وحده للإدانة، بل يجب أن يقترن به الركن المعنوي، وهو القصد الجنائي. يتمثل القصد الجنائي في هذه الجريمة في علم المتهم بأن ما يحوزه هو مقذوفات يعاقب القانون على حيازتها دون ترخيص، واتجاه إرادته إلى حيازتها والاحتفاظ بها. لا يشترط القانون وجود نية خاصة لاستخدام هذه المقذوفات في ارتكاب جريمة أخرى، بل يكفي مجرد العلم والإرادة لحيازتها. وعبء إثبات هذا القصد يقع أيضًا على النيابة العامة، وإن كان القضاء يستخلصه غالبًا من ظروف وملابسات الواقعة.
العقوبات المقررة قانونًا والظروف المحيطة بها
العقوبة الأصلية لجريمة حيازة المقذوفات
نصت المادة 26 من قانون الأسلحة والذخائر على عقوبات صارمة لهذه الجريمة. يعاقب بالسجن وبغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من حاز أو أحرز بالذات أو بالواسطة ذخائر مما تستعمل في الأسلحة النارية المنصوص عليها في الجدولين 2 و3 من القانون. وفي حال كانت الذخائر متعلقة بأسلحة منصوص عليها في القسم الأول من الجدول رقم 3 (مثل المدافع والمدافع الرشاشة)، تكون العقوبة هي السجن المشدد. هذه العقوبات تعكس خطورة الجريمة في نظر المشرع المصري.
الظروف المشددة التي تغلظ العقوبة
هناك حالات معينة إذا ارتبطت بالجريمة، فإنها تؤدي إلى تشديد العقوبة وتغليظها. من هذه الظروف أن تكون حيازة المقذوفات بقصد الاتجار فيها أو تهريبها، أو أن تكون الحيازة في أماكن التجمعات والمواصلات العامة أو دور العبادة. كما يعتبر ارتكاب الجريمة في زمن الحرب أو في إحدى المناطق الحدودية ظرفًا مشددًا. كذلك، إذا كان الجاني من الأشخاص المكلفين بتنفيذ أحكام قانون الأسلحة أو من المشتغلين بصنعها أو إصلاحها، فإن العقوبة تشدد نظرًا لصفته الوظيفية.
حلول وخطوات عملية للتعامل مع الاتهام
الدفاع القانوني في قضايا حيازة المقذوفات
يعتمد الدفاع في مثل هذه القضايا على عدة محاور رئيسية. أولها هو الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش إذا تمت دون إذن من النيابة العامة أو في غير حالات التلبس المنصوص عليها قانونًا. ثانيًا، يمكن الدفع بانتفاء صلة المتهم بالمضبوطات، كإثبات أن المكان الذي عثر فيه عليها مشترك بين عدة أشخاص. ثالثًا، الدفع بانتفاء القصد الجنائي، من خلال إثبات أن المتهم لم يكن يعلم بوجود هذه المقذوفات أو بطبيعتها، وهو ما يعرف بـ “الدفع بانتفاء ركن العلم”.
أهمية الاستعانة بمحامٍ متخصص
قضايا حيازة الأسلحة والذخائر هي قضايا جنائية معقدة تتطلب خبرة ودراية واسعة بالقانون والإجراءات الجنائية وأحكام محكمة النقض. لذلك، فإن أول وأهم خطوة يجب على المتهم أو ذويه اتخاذها هي التوكيل الفوري لمحامٍ متخصص في القضايا الجنائية. المحامي المختص يستطيع تقييم الموقف القانوني بدقة، وتحديد نقاط الضعف في أدلة الاتهام، وتقديم الدفوع القانونية المناسبة أمام النيابة العامة والمحكمة، مما يزيد من فرص الحصول على حكم بالبراءة أو تخفيف العقوبة قدر الإمكان.