الإجراءات القانونيةالجرائم الالكترونيةالدعاوى القضائيةالقانون المصريجرائم الانترنت

جرائم التشهير الإلكتروني: أبعادها القانونية

جرائم التشهير الإلكتروني: أبعادها القانونية

الحماية القانونية وخطوات مواجهة التشهير عبر الإنترنت

مع التوسع الهائل في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، برزت ظاهرة التشهير الإلكتروني كواحدة من أخطر التحديات التي تواجه الأفراد والمؤسسات على حد سواء. يمكن أن يؤدي هذا النوع من الجرائم إلى أضرار جسيمة بسمعة الأشخاص ومكانتهم الاجتماعية والمهنية. تتناول هذه المقالة الأبعاد القانونية لجرائم التشهير الإلكتروني في القانون المصري، وتقدم حلولاً عملية وخطوات دقيقة لمواجهة هذه الظاهرة وحماية الحقوق.

مفهوم التشهير الإلكتروني وأركانه القانونية

جرائم التشهير الإلكتروني: أبعادها القانونيةيتطلب فهم جرائم التشهير الإلكتروني إدراكاً عميقاً لماهيتها والأركان الأساسية التي يقوم عليها القانون لتحديد المسؤولية الجنائية والمدنية. إن التشهير الإلكتروني ليس مجرد إساءة لفظية، بل هو فعل له أبعاده القانونية التي تستوجب التعامل معه بجدية.

تعريف التشهير الإلكتروني

يعرف التشهير الإلكتروني بأنه كل قول أو فعل يهدف إلى المساس بسمعة شخص أو مؤسسة أو مكانتهما في المجتمع، وذلك بنشر معلومات أو بيانات أو صور أو فيديوهات كاذبة أو مضللة عبر شبكة الإنترنت أو أي وسيلة تقنية أخرى. يشمل ذلك النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، المنتديات، المدونات، أو عبر البريد الإلكتروني، بهدف إلحاق الضرر بالضحية.

يتميز التشهير الإلكتروني بانتشاره السريع ووصوله إلى جمهور واسع في وقت قصير، مما يزيد من حجم الضرر المحتمل. هذا الانتشار يجعل من الصعب أحياناً السيطرة على المحتوى المسيء أو إزالته بالكامل بعد نشره.

الأركان المادية والمعنوية للجريمة

تستند جريمة التشهير الإلكتروني في القانون المصري إلى ركنين أساسيين: الركن المادي والركن المعنوي. يجب توفر هذين الركنين لإثبات الجريمة والمطالبة بالعقوبة والتعويض.

يتمثل الركن المادي في الفعل الجرمي نفسه، وهو النشر الفعلي للمحتوى المسيء عبر وسائل الاتصال الإلكترونية. يجب أن يكون هذا المحتوى علنياً ويصل إلى علم الغير، وأن يكون من شأنه الإساءة إلى سمعة المجني عليه أو اعتباره. أما الركن المعنوي فيتمثل في القصد الجنائي، أي أن يكون الجاني قد تعمد نشر المحتوى مع علمه بأنه مسيء ويهدف إلى إلحاق الضرر بالمجني عليه.

لا يشترط في الركن المادي أن يكون المحتوى كاذباً بالضرورة، فقد يكون صحيحاً ولكن نشره في سياق معين أو بقصد التشهير يجعله جريمة. الأهم هو قصد الإضرار والمساس بالسمعة، وتوفر الأدلة على ذلك.

الفرق بين التشهير الإلكتروني والسب والقذف

على الرغم من أن التشهير الإلكتروني يتداخل مع مفهومي السب والقذف، إلا أن هناك فروقاً دقيقة بينها. السب هو كل ما يخدش الشرف أو الاعتبار بغير أن يتضمن إسناد واقعة معينة، بينما القذف هو إسناد واقعة معينة لشخص لو صحت لأوجبت احتقاره أو عقابه.

التشهير الإلكتروني قد يجمع بين السب والقذف، لكنه يضيف بُعداً تقنياً يتمثل في استخدام الوسائل الإلكترونية للنشر، مما يمنحه طبيعة خاصة وأحكاماً قانونية محددة في قوانين مكافحة جرائم تقنية المعلومات. كما أن التشهير قد يتضمن حملة ممنهجة لنشر معلومات متعددة، بغض النظر عن كونها سباً أو قذفاً مباشراً، بهدف تدمير السمعة.

الآثار القانونية لجرائم التشهير الإلكتروني

تترتب على جرائم التشهير الإلكتروني آثار قانونية وخيمة على الجاني، تشمل عقوبات جنائية وتعويضات مدنية. يهدف القانون إلى ردع هذه الجرائم وحماية الأفراد من تداعياتها السلبية.

العقوبات المقررة في القانون المصري

نص القانون المصري، وبخاصة قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، على عقوبات مشددة لجرائم التشهير الإلكتروني. تشمل هذه العقوبات الحبس والغرامة المالية التي تتناسب مع حجم الجريمة ونتائجها.

تختلف العقوبة باختلاف طبيعة الفعل وخطورته، وما إذا كان الفعل قد ارتكب بقصد التشهير أو القذف أو السب. قد تصل العقوبات إلى الحبس لمدة سنتين والغرامة التي تبدأ من مبالغ معينة وتتصاعد. يجب على الضحية الاستعانة بمحامٍ متخصص لتحديد التكييف القانوني الصحيح للجريمة والمواد القانونية الواجب تطبيقها.

التعويض المدني عن الأضرار

بالإضافة إلى العقوبة الجنائية، يحق للمجني عليه المطالبة بتعويض مدني عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به نتيجة التشهير. يمكن أن تشمل الأضرار المادية خسارة فرص عمل، تدهور أعمال تجارية، أو تكاليف معالجة الضرر. أما الأضرار المعنوية فتشمل الألم النفسي، فقدان السمعة، والضغط الاجتماعي.

يتم تقدير التعويض المدني من قبل المحكمة بناءً على حجم الضرر الذي تعرض له المجني عليه، والأدلة المقدمة التي تثبت هذا الضرر. قد ترفع دعوى مدنية مستقلة أو يطالب بالتعويض ضمن الدعوى الجنائية. من المهم جمع كافة المستندات التي تثبت الأضرار المترتبة على فعل التشهير.

صلاحيات الجهات القضائية والرقابية

تمتلك النيابة العامة والمحاكم المصرية صلاحيات واسعة للتعامل مع جرائم التشهير الإلكتروني. يمكن للنيابة العامة إصدار أوامر بضبط وإحضار المتهمين، والتحقيق في الوقائع، وجمع الأدلة الرقمية. كما يمكن للمحاكم إصدار أحكام بالإدانة والعقوبة، وكذلك أحكام بالتعويض المدني.

تتعاون الجهات القضائية مع هيئات ومؤسسات رقابية متخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية، مثل الإدارة العامة لمكافحة جرائم الحاسبات وشبكات المعلومات بوزارة الداخلية، لتعقب الجناة وجمع الأدلة التقنية اللازمة لإثبات الجريمة. هذا التعاون يسهل عملية التحقيق ويزيد من فرص الوصول إلى الجناة.

خطوات عملية لمواجهة التشهير الإلكتروني

عند التعرض لواقعة تشهير إلكتروني، يجب اتخاذ خطوات عملية ومنظمة لمواجهة الموقف والحد من الأضرار. تضمن هذه الخطوات الحفاظ على حقوق المجني عليه وتمكينه من اللجوء للقضاء بفعالية.

جمع الأدلة الرقمية وحفظها

تعتبر الأدلة الرقمية حاسمة في قضايا التشهير الإلكتروني. يجب على الفور جمع وحفظ جميع الأدلة المتعلقة بالواقعة. يشمل ذلك لقطات شاشة (Screenshots) للمحتوى المسيء، روابط الصفحات التي تم النشر عليها، أسماء المستخدمين (Usernames)، تواريخ وأوقات النشر، وأي معلومات أخرى ذات صلة.

يجب التأكد من أن الأدلة محفوظة بطريقة لا يمكن التلاعب بها، ويفضل توثيقها رسمياً لدى خبير حاسبات معتمد أو محضر قضائي إن أمكن. ينبغي الاحتفاظ بنسخ احتياطية من جميع الأدلة. كلما كانت الأدلة أكثر دقة وتفصيلاً، زادت قوة الموقف القانوني للمجني عليه.

تقديم البلاغ للجهات المختصة

بعد جمع الأدلة، الخطوة التالية هي تقديم بلاغ رسمي للجهات المختصة. يمكن تقديم البلاغ للنيابة العامة، أو لقطاع مباحث الإنترنت في وزارة الداخلية. يجب أن يتضمن البلاغ تفاصيل الواقعة، الأدلة التي تم جمعها، وأي معلومات متوفرة عن هوية الجاني إن وجدت.

يجب أن يكون البلاغ واضحاً ومفصلاً، ويشرح الأضرار التي لحقت بالمجني عليه. ستقوم الجهات المختصة بفتح تحقيق في الواقعة، ومحاولة تعقب الجاني، وجمع المزيد من الأدلة التقنية لاستكمال التحقيقات تمهيداً لإحالة القضية للقضاء.

سبل التسوية الودية والقضائية

في بعض الحالات، قد تكون هناك فرصة للتسوية الودية قبل اللجوء إلى القضاء. يمكن للمحامي محاولة التواصل مع الطرف الآخر وطلب إزالة المحتوى المسيء وتقديم اعتذار أو تعويض مناسب. قد تكون هذه الطريقة أسرع وأقل تكلفة من المسار القضائي.

إذا فشلت سبل التسوية الودية، فلا بد من اللجوء إلى القضاء. يقوم المحامي برفع الدعوى الجنائية للمطالبة بتوقيع العقوبة على الجاني، ورفع دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار. يجب متابعة سير القضية بانتظام وتقديم كل ما يلزم من مستندات وأدلة.

اللجوء للمحكمة الجنائية والمدنية

تتولى المحاكم الجنائية النظر في القضايا المتعلقة بجرائم التشهير الإلكتروني، وتصدر الأحكام بالعقوبة المقررة قانوناً. في الوقت نفسه، يمكن للمجني عليه أن يرفع دعوى مدنية أمام المحكمة المدنية للمطالبة بالتعويضات المناسبة عن الأضرار التي لحقت به.

من الممكن الجمع بين الدعويين في دعوى واحدة أمام المحكمة الجنائية فيما يسمى “الادعاء بالحق المدني” لتبسيط الإجراءات. يجب الاستعانة بمحامٍ خبير في القانون الجنائي والقانون المدني لضمان تقديم جميع الطلبات القانونية بشكل صحيح والحصول على أفضل النتائج الممكنة.

الوقاية من التشهير الإلكتروني وحماية السمعة

لا يقتصر التعامل مع التشهير الإلكتروني على اتخاذ الإجراءات القانونية بعد وقوع الضرر، بل يمتد ليشمل استراتيجيات الوقاية وحماية السمعة الرقمية بشكل استباقي. هذه الإجراءات تقلل من خطر التعرض للتشهير وتساعد في الحفاظ على صورة إيجابية.

التوعية القانونية والرقمية

تعد التوعية القانونية والرقمية خط الدفاع الأول ضد التشهير الإلكتروني. يجب على الأفراد والمؤسسات فهم القوانين المتعلقة بالتشهير والجرائم الإلكترونية، ومعرفة حقوقهم وواجباتهم على الإنترنت. كما يجب التوعية بأخلاقيات استخدام الإنترنت ومخاطر مشاركة المعلومات الشخصية.

يمكن تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية حول الاستخدام الآمن للإنترنت، وكيفية التعرف على المحتوى المسيء، وسبل الإبلاغ عنه. يجب نشر الوعي بأن كل ما ينشر على الإنترنت قد يكون له تبعات قانونية، وأن حرية التعبير ليست مطلقة وتحدها حقوق الآخرين وكرامتهم.

استخدام إعدادات الخصوصية والأمان

تلعب إعدادات الخصوصية والأمان على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية دوراً حيوياً في حماية الأفراد من التشهير. يجب مراجعة هذه الإعدادات بانتظام وتعديلها بحيث لا يظهر المحتوى الشخصي إلا للأشخاص الموثوق بهم.

ينصح بعدم قبول طلبات الصداقة أو المتابعة من أشخاص غير معروفين، والحذر عند مشاركة المعلومات الحساسة أو الصور الشخصية. استخدام كلمات مرور قوية وتفعيل خاصية التحقق بخطوتين يعزز من أمان الحسابات ويصعب اختراقها من قبل المتطفلين.

إدارة السمعة الرقمية

تعد إدارة السمعة الرقمية عملية مستمرة تتضمن مراقبة ما ينشر عنك أو عن مؤسستك على الإنترنت، والتعامل بفعالية مع أي محتوى سلبي. يمكن استخدام أدوات البحث ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي لتتبع الإشارات والتعليقات.

عند ظهور محتوى سلبي، يجب التعامل معه بحكمة. قد يتطلب الأمر الرد بشكل مهني وتوضيحي، أو طلب إزالة المحتوى من المنصة. في حالات التشهير الخطيرة، يجب اللجوء إلى الإجراءات القانونية فوراً. بناء سمعة رقمية قوية وإيجابية يقلل من تأثير أي محتوى سلبي قد يظهر.

أحكام قانونية إضافية وقضايا ذات صلة

تتعدد الجوانب القانونية المتعلقة بجرائم التشهير الإلكتروني، وتشمل مسائل تتعلق بمسؤولية مزودي الخدمات، وأنواع أخرى من الجرائم المرتبطة بالإنترنت، وكذلك أهمية دور المحاماة المتخصصة في هذا المجال.

مسؤولية مزودي الخدمات الإلكترونية

تطرح قضايا التشهير الإلكتروني مسألة مسؤولية مزودي الخدمات الإلكترونية (مثل شركات التواصل الاجتماعي ومقدمي خدمات الإنترنت) عن المحتوى الذي ينشر عبر منصاتهم. عادة ما ينص القانون على أن مزود الخدمة لا يكون مسؤولاً عن المحتوى الذي ينشره المستخدمون ما لم يكن على علم به ولم يتخذ الإجراءات اللازمة لإزالته بعد إخطاره رسمياً.

يمكن للمتضرر أن يطالب مزود الخدمة بإزالة المحتوى المسيء، وفي حالة الامتناع، قد يترتب على مزود الخدمة مسؤولية قانونية. هذه النقطة مهمة لأنها توفر سبيلاً إضافياً لإزالة المحتوى المسيء عند تعذر الوصول إلى الجاني الأصلي، أو في انتظار الإجراءات القضائية.

جرائم أخرى مرتبطة بالإنترنت

لا يقتصر الضرر الذي يلحق بالأفراد على التشهير فقط، بل هناك العديد من الجرائم الإلكترونية الأخرى التي قد تترافق معه أو تكون سبباً فيه. تشمل هذه الجرائم الابتزاز الإلكتروني، سرقة الهوية، اختراق الحسابات، النصب والاحتيال عبر الإنترنت، تهديد البيانات الشخصية، ونشر الشائعات.

غالباً ما تتداخل هذه الجرائم، فمثلاً قد يبدأ الابتزاز الإلكتروني بتهديد بنشر محتوى تشهيري، أو قد يؤدي اختراق الحسابات إلى نشر محتوى مسيء. تتطلب مواجهة هذه الجرائم فهماً شاملاً لقوانين مكافحة جرائم تقنية المعلومات والإجراءات الواجب اتباعها لكل نوع من هذه الجرائم.

دور المحاماة المتخصصة

تعتبر قضايا التشهير الإلكتروني معقدة وتتطلب خبرة قانونية متخصصة في مجال القانون الجنائي وقانون تقنية المعلومات. لذلك، فإن الاستعانة بمحامٍ متخصص في الجرائم الإلكترونية أمر بالغ الأهمية لضمان التعامل الفعال مع القضية.

يقوم المحامي بتقديم المشورة القانونية، وجمع الأدلة بشكل قانوني، وصياغة البلاغات والعرائض، وتمثيل المجني عليه أمام جهات التحقيق والمحاكم. كما يساعد في تحديد أفضل الاستراتيجيات القانونية للحصول على العدالة والتعويض المناسب. الخبرة في هذا المجال تضمن فهم جميع الجوانب التقنية والقانونية التي قد تؤثر على مسار القضية.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock