الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المصريقانون الأحوال الشخصيةمحكمة الأسرة

إجراءات رفع دعوى إثبات نسب

إجراءات رفع دعوى إثبات نسب

دليلك الشامل لخطوات إثبات نسب الطفل أمام المحاكم المصرية

تعد دعوى إثبات النسب من أهم الدعاوى في قانون الأحوال الشخصية، فهي تمس كيان الطفل ومستقبله وحقوقه الأساسية التي كفلها له القانون والدستور. تهدف هذه الدعوى إلى إلحاق الصغير بأبيه الشرعي في الحالات التي يتم فيها إنكار النسب، مما يترتب عليه كافة الآثار القانونية من نفقة وميراث ورعاية. هذا المقال يقدم لك خريطة طريق واضحة وخطوات عملية دقيقة لرفع هذه الدعوى بنجاح أمام القضاء المصري، مع توضيح كافة الجوانب المتعلقة بها لضمان حصولك على حقوقك الكاملة.

ما هي دعوى إثبات النسب وشروط قبولها؟

تعريف دعوى إثبات النسب

إجراءات رفع دعوى إثبات نسبدعوى إثبات النسب هي إجراء قانوني يلجأ إليه أحد الوالدين أو الحاضن للطفل لإثبات العلاقة الأبوية بين الطفل وأبيه، خاصة عندما لا يكون هناك عقد زواج رسمي وموثق، أو في حالة إنكار الأب لنسب الطفل إليه. يترتب على الحكم الصادر في هذه الدعوى إلحاق نسب الصغير لأبيه بشكل رسمي في كافة السجلات الحكومية، ومنحه جميع الحقوق المترتبة على هذه البنوة، لتصبح العلاقة بينهما علاقة أب وابن كاملة الأركان من الناحية القانونية والشرعية.

الشروط الأساسية لرفع الدعوى

لقبول دعوى إثبات النسب أمام المحكمة، يجب توافر مجموعة من الشروط الجوهرية. الشرط الأول هو أن يكون الطفل مجهول النسب بالنسبة للأب، بمعنى ألا يكون مسجلاً باسمه في شهادة الميلاد. الشرط الثاني هو وجود علاقة بين المدعية (الأم غالبًا) والمدعى عليه (الأب) يثبت من خلالها أن الحمل حدث نتيجة لهذه العلاقة. كما يشترط أن يتم رفع الدعوى خلال فترة زمنية معقولة، وأن يكون هناك مصلحة مباشرة للمدعي في إثبات هذا النسب، وهي مصلحة الطفل في المقام الأول.

الأوراق والمستندات المطلوبة مبدئيًا

قبل الشروع في رفع الدعوى، يجب تجهيز ملف مستندات قوي يدعم موقفك. تشمل هذه المستندات بشكل أساسي صورة من شهادة ميلاد الصغير المراد إثبات نسبه، وصورة من بطاقة الرقم القومي للمدعية والمدعى عليه إن وجدت. بالإضافة إلى ذلك، يجب تقديم أي دليل مادي يثبت وجود علاقة بين الطرفين، مثل صور فوتوغرافية تجمعهما، أو رسائل نصية أو إلكترونية، أو شهادة شهود يمكنهم تأكيد وجود هذه العلاقة. تجهيز هذه الأوراق يوفر أساسًا متينًا تبنى عليه عريضة الدعوى.

الخطوات العملية لرفع دعوى إثبات النسب

الخطوة الأولى: توكيل محامٍ متخصص

الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا الأحوال الشخصية. المحامي الخبير يمتلك المعرفة اللازمة بالقوانين والإجراءات المتبعة في محاكم الأسرة، ويعرف كيفية صياغة عريضة الدعوى بشكل قانوني سليم، وكيفية تقديم الأدلة والطلبات أمام القاضي. سيقوم المحامي بتوجيهك خلال كل مرحلة من مراحل التقاضي، بدءًا من تجهيز المستندات وحتى متابعة تنفيذ الحكم، مما يزيد بشكل كبير من فرص نجاح الدعوى وحصول الطفل على حقوقه.

الخطوة الثانية: تحرير عريضة الدعوى

يقوم المحامي بصياغة صحيفة الدعوى، وهي الوثيقة الرسمية التي تبدأ بها الخصومة القضائية. يجب أن تتضمن العريضة بيانات المدعية والمدعى عليه بشكل دقيق، وموضوع الدعوى وهو “إثبات نسب الصغير”. كما يجب أن تشتمل على سرد مفصل لوقائع العلاقة التي نشأت بين الطرفين وأسفرت عن ميلاد الصغير، مع الإشارة إلى الأدلة المتاحة. تختتم العريضة بالطلبات، وأهمها هو طلب إثبات نسب الصغير للمدعى عليه، وإلزامه بإجراء تحليل البصمة الوراثية (DNA)، وإلزامه بالمصروفات وأتعاب المحاماة.

الخطوة الثالثة: تقديم الدعوى لمكتب تسوية المنازعات الأسرية

قبل قيد الدعوى مباشرة أمام المحكمة، أوجب القانون عرضها أولًا على مكتب تسوية المنازعات الأسرية التابع للمحكمة المختصة. هذه الخطوة إلزامية وتهدف إلى محاولة حل النزاع وديًا قبل اللجوء إلى التقاضي. يقوم المكتب بتحديد جلسة يحضرها الطرفان أو وكلاؤهما لمحاولة الوصول إلى تسوية. في معظم حالات إنكار النسب، غالبًا ما تفشل هذه المحاولة، وبعدها يمنح المكتب شهادة للمدعي تفيد بلجوئه للمكتب، مما يسمح له بالمضي قدمًا في الإجراءات القضائية ورفع الدعوى أمام المحكمة.

الخطوة الرابعة: قيد الدعوى أمام محكمة الأسرة

بعد الحصول على شهادة من مكتب التسوية، يقوم المحامي بتقديم أصل صحيفة الدعوى ومرفقاتها إلى قلم كتاب محكمة الأسرة المختصة لقيدها في سجلات المحكمة. يتم تحديد رقم للدعوى وتاريخ لأول جلسة لنظرها، ويتم بعد ذلك إعلان المدعى عليه بصحيفة الدعوى وموعد الجلسة عن طريق المحضرين. من هذه اللحظة، تبدأ إجراءات التقاضي الفعلية أمام القاضي، حيث يتم تبادل المذكرات وتقديم المستندات وسماع الشهود وصولًا إلى الفصل في الدعوى.

وسائل الإثبات في دعاوى النسب

الإثبات بشهادة الشهود

تعتبر شهادة الشهود من وسائل الإثبات الهامة في دعاوى النسب. يمكن للمدعية أن تستعين بشهود رأوا أو علموا بوجود علاقة بينها وبين المدعى عليه، كالجيران أو الأصدقاء أو الأقارب. يجب أن تكون الشهادة واضحة ومباشرة وتؤكد على طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين الطرفين. تستمع المحكمة لأقوال الشهود وتناقشهم لتقييم مدى مصداقية شهادتهم، وتعتبر هذه الشهادة قرينة قوية يمكن أن تدعم بقية الأدلة المقدمة في الدعوى، وتساعد في تكوين عقيدة المحكمة وإقناعها بطلبات المدعية.

تحليل البصمة الوراثية (DNA)

يعد تحليل البصمة الوراثية أو ما يعرف بـ (DNA) هو الوسيلة العلمية القاطعة والحاسمة في دعاوى إثبات النسب. للمحكمة سلطة تقديرية في إلزام المدعى عليه بإجراء هذا التحليل. وفي حالة رفضه إجراء التحليل دون مبرر قوي، فإن المحكمة تعتبر هذا الرفض قرينة قوية ضده ودليلًا على صحة ادعاء المدعية. نتائج التحليل إذا جاءت إيجابية تكون دليلًا شبه مطلق على صحة النسب، وتبني المحكمة حكمها عليه في معظم الأحيان، فهو يقطع الشك باليقين وينهي النزاع بشكل علمي.

القرائن والأدلة المادية الأخرى

إلى جانب شهادة الشهود وتحليل DNA، يمكن الاعتماد على مجموعة من القرائن والأدلة المادية الأخرى لتدعيم موقف المدعية. يمكن تقديم الرسائل النصية، أو محادثات تطبيقات التواصل الاجتماعي، أو رسائل البريد الإلكتروني التي تحمل اعترافًا ضمنيًا أو صريحًا بالعلاقة أو بالطفل. كذلك الصور الفوتوغرافية التي تجمع الطرفين في مناسبات مختلفة، أو وجود تحويلات بنكية، أو أي مستندات أخرى تشير إلى وجود علاقة زوجية أو معاشرة بين الطرفين. كل هذه الأدلة تشكل معًا صورة متكاملة أمام القاضي.

ما بعد صدور الحكم بإثبات النسب

استخراج شهادة ميلاد جديدة للطفل

بمجرد صدور حكم نهائي وبات بإثبات نسب الصغير إلى أبيه، تصبح الخطوة التالية هي تنفيذ هذا الحكم. تقوم المدعية أو وكيلها بالحصول على الصيغة التنفيذية للحكم والتوجه بها إلى مصلحة الأحوال المدنية. بناءً على هذا الحكم القضائي، يتم تعديل بيانات الصغير في السجلات الرسمية، ويتم استخراج شهادة ميلاد جديدة للطفل يُذكر فيها اسم الأب الذي صدر الحكم بإثبات نسبه إليه، وبذلك يكتسب الطفل هويته الكاملة بشكل رسمي وقانوني.

الحقوق المترتبة على ثبوت النسب

يترتب على ثبوت النسب مجموعة هامة من الحقوق للطفل. أول هذه الحقوق هو الحق في حمل اسم أبيه والحصول على هوية كاملة. ثانيًا، يلتزم الأب بالإنفاق على الصغير وتوفير كافة احتياجاته من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وعلاج، ويمكن للأم رفع دعوى نفقة مستقلة بناءً على حكم النسب. ثالثًا، يثبت حق الصغير في الميراث من أبيه. بالإضافة إلى ذلك، تثبت كافة حقوق البنوة الأخرى من رعاية وولاية تعليمية وغيرها من الحقوق التي كفلها القانون.

هل يمكن الطعن على الحكم؟

نعم، الحكم الصادر من محكمة أول درجة في دعوى إثبات النسب ليس نهائيًا، ويحق للطرف الذي خسر الدعوى، سواء المدعية أو المدعى عليه، أن يطعن عليه بالاستئناف أمام المحكمة الأعلى درجة (محكمة الاستئناف العالي لشؤون الأسرة). يتم ذلك خلال المواعيد القانونية المحددة للطعن. تنظر محكمة الاستئناف الدعوى من جديد، وقد تؤيد الحكم الأول أو تلغيه أو تعدله. الحكم الصادر من محكمة الاستئناف يكون في الغالب حكمًا نهائيًا ويجب تنفيذه.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock