الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالجرائم الالكترونيةالدعاوى القضائيةالقانون المصري

إثبات الجريمة الإلكترونية من “لقطات الشاشة”

إثبات الجريمة الإلكترونية من “لقطات الشاشة”

التحديات والحلول القانونية لتوثيق الأدلة الرقمية

في عصر يتزايد فيه الاعتماد على الفضاء الرقمي، تتصاعد كذلك وتيرة الجرائم الإلكترونية، مما يطرح تحديات جمة أمام جهات إنفاذ القانون والمتضررين على حد سواء. تعتبر الأدلة الرقمية حجر الزاوية في إدانة مرتكبي هذه الجرائم، لكن طبيعتها المتغيرة وسهولة التلاعب بها تجعل عملية جمعها وتوثيقها أمرًا معقدًا. من بين هذه الأدلة، تبرز “لقطات الشاشة” كأحد المصادر الأكثر شيوعًا، ورغم انتشارها، إلا أن قيمتها القانونية في الإثبات تظل محاطة بالكثير من التساؤلات والتحديات، خاصة في ظل القوانين المصرية التي تتطلب دلائل قوية وموثوقة.

التحديات القانونية لإثبات الجرائم الإلكترونية بلقطات الشاشة

1. صعوبة التحقق من صحة لقطات الشاشة

إثبات الجريمة الإلكترونية من تعد لقطات الشاشة عرضة للتلاعب والتزييف بسهولة بالغة باستخدام برامج تحرير الصور، مما يجعل من الصعب على الجهات القضائية التحقق من صحتها وأصالتها. يمكن تعديل النصوص أو الصور أو التواريخ لخلق رواية كاذبة، وهو ما يضعف من حجيتها كدليل مستقل. تفتقر لقطات الشاشة عادة إلى البيانات الوصفية (metadata) التي يمكن أن توفر معلومات حول تاريخ الإنشاء، وقت الالتقاط، الجهاز المستخدم، أو حتى برنامج التشغيل، مما يعيق عملية التحقق الجنائي. هذه الثغرات تفتح الباب أمام الدفوع القانونية التي تشكك في مصداقية الدليل.

2. السياق المفقود وعدم اكتمال الدليل

في كثير من الأحيان، تقدم لقطة الشاشة جزءًا صغيرًا من المحادثة أو المحتوى الإجمالي، مما يؤدي إلى فقدان السياق الكامل للحدث. يمكن أن يؤدي هذا التجزئة إلى تفسيرات خاطئة أو تقديم معلومات مضللة للمحكمة. فالجريمة الإلكترونية غالبًا ما تكون سلسلة من الأحداث أو التفاعلات التي لا يمكن اختزالها في صورة واحدة. يتطلب الإثبات الجنائي تقديم تسلسل منطقي ومتكامل للأحداث لدعم الاتهام، وهو ما لا يمكن أن توفره لقطات الشاشة بمفردها دائمًا.

3. ضعف الحجية القانونية في المحاكم المصرية

في النظام القانوني المصري، كما هو الحال في العديد من الأنظمة القضائية، تُعامل الأدلة الرقمية بحذر شديد. على الرغم من أن لقطات الشاشة يمكن أن تكون مؤشرًا مبدئيًا أو دليلًا مساندًا، إلا أنها نادرًا ما تكون كافية بمفردها لإدانة شخص بجريمة إلكترونية. تتطلب المحاكم أدلة قوية وقاطعة مثل التقارير الفنية الجنائية الرقمية، أو سجلات الخادم، أو شهادة الخبراء المتخصصين في الأدلة الرقمية، لضمان صحة الدليل وعدم التلاعب به. هذا لا يعني استبعادها كليًا، ولكن يعتمد قبولها على دعمها بأدلة أخرى.

حلول وطرق عملية لتعزيز قيمة لقطات الشاشة كدليل

1. توثيق لقطات الشاشة بطرق نظامية

لزيادة حجية لقطة الشاشة، يجب توثيقها بشكل يضمن عدم التلاعب بها. يمكن البدء بالتقاط الفيديو أثناء تصفح المحتوى الأصلي قبل أخذ لقطة الشاشة، مع إظهار شريط العنوان والوقت والتاريخ بوضوح. يفضل استخدام برامج متخصصة لالتقاط الشاشة التي توفر بعض البيانات الوصفية أو تتضمن علامات مائية. يجب الاحتفاظ بالملف الأصلي للقطة الشاشة دون أي تعديلات وتدوين تاريخ ووقت الالتقاط. يُنصح كذلك بحفظ نسخ احتياطية متعددة من الدليل لضمان عدم فقده أو تلفه.

2. الاستعانة بخبراء الأدلة الرقمية

يُعتبر الاستعانة بخبير متخصص في الأدلة الجنائية الرقمية خطوة حاسمة لتعزيز قوة الدليل المستخلص من لقطات الشاشة. يمكن لهؤلاء الخبراء فحص الصورة لتحديد ما إذا كانت قد تعرضت للتعديل، واستخراج أي بيانات وصفية مخفية، وتقديم تقرير فني مفصل للمحكمة يؤكد صحة الدليل أو يشير إلى أي تلاعب. يعطي تقرير الخبير الفني ثقلًا كبيرًا للدليل أمام القضاء ويساهم في بناء قضية قوية قائمة على أسس علمية ومهنية. يشرح الخبراء للمحكمة الجوانب التقنية للدليل.

3. دعم لقطات الشاشة بأدلة رقمية أخرى

يجب عدم الاعتماد على لقطات الشاشة وحدها، بل يجب دعمها وتكاملها مع أدلة رقمية أخرى أكثر قوة وموثوقية. يشمل ذلك سجلات المحادثات الكاملة من المنصات الموثوقة، سجلات الدخول والخروج (log files) من الخوادم، عناوين بروتوكول الإنترنت (IP addresses) المرتبطة بالنشاط الإجرامي، بيانات تحديد الموقع الجغرافي، رسائل البريد الإلكتروني الأصلية ذات الرؤوس الكاملة، وتسجيلات الفيديو الأصلية. كلما زاد عدد الأدلة المترابطة التي تدعم بعضها البعض، زادت قوة الموقف القانوني وإمكانية إثبات الجريمة.

4. توثيق الإجراءات القانونية المتبعة

إن الالتزام بالإجراءات القانونية الصحيحة في جمع وحفظ وتقديم الأدلة الرقمية أمر بالغ الأهمية. يجب الإبلاغ عن الجريمة للجهات المختصة فور اكتشافها (مثل مباحث الاتصالات أو النيابة العامة)، وتسليم الأدلة لهم ليقوموا بإجراءات التحفظ الرسمية. تُعرف هذه العملية باسم “سلسلة الحضانة” (Chain of Custody)، وهي تضمن أن الدليل لم يتعرض للتلاعب أو التلف منذ لحظة جمعه وحتى تقديمه للمحكمة. أي إخلال بهذه السلسلة قد يؤدي إلى إضعاف الدليل أو رفضه قضائيًا.

نصائح إضافية لتعزيز الإثبات في الجرائم الإلكترونية

1. الحفاظ على الجهاز المصدر وعدم التلاعب به

بعد اكتشاف الجريمة، من الضروري الحفاظ على الجهاز الذي يحتوي على الدليل (هاتف، حاسوب) في حالته الأصلية وعدم محاولة إصلاحه أو حذف أي بيانات منه. أي محاولة للتعديل قد تدمر الأدلة القيمة أو تجعلها غير مقبولة قضائيًا. يجب فصل الجهاز عن الإنترنت لمنع أي اختراق أو تغيير إضافي، وتسليمه للجهات المختصة لإجراء الفحص الجنائي الرقمي عليه بشكل احترافي. التلاعب بالجهاز قد يؤدي إلى فقدان أدلة حاسمة أو خلق شكوك حول أصالة الأدلة.

2. طلب أوامر قضائية لجمع البيانات

في بعض الحالات، قد يكون من الضروري الحصول على أوامر قضائية لإلزام مقدمي الخدمات (مثل شركات الاتصالات أو منصات التواصل الاجتماعي) بتسليم البيانات المتعلقة بالمتهم أو النشاط الإجرامي. هذه البيانات، مثل سجلات الاتصالات، سجلات الدخول والخروج، بيانات المستخدمين، أو حتى المحتوى الخاص، تكون أكثر موثوقية من لقطات الشاشة لأنها تأتي مباشرة من المصدر الرسمي. الأوامر القضائية تضمن أن جمع البيانات يتم بشكل قانوني وتزيد من قبولها كدليل قطعي أمام المحكمة، مما يعزز موقف الادعاء.

3. التوعية القانونية والرقمية

لتعزيز القدرة على إثبات الجرائم الإلكترونية، يجب رفع مستوى الوعي لدى الأفراد والمؤسسات حول كيفية التعامل مع هذه الجرائم. يشمل ذلك معرفة القوانين المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، وكيفية توثيق الأدلة بشكل صحيح، وأهمية الإبلاغ الفوري، وكيفية حماية البيانات الشخصية. التوعية تمكن الضحايا من اتخاذ الخطوات الصحيحة فور وقوع الجريمة، مما يسهل على الجهات القضائية جمع الأدلة وتقديم الجناة للعدالة. المعرفة القانونية تساهم في بناء قضايا أقوى وأكثر نجاحًا.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock