الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصريقانون الأحوال الشخصية

أحكام إبطال الوصية المخالفة للقانون

أحكام إبطال الوصية المخالفة للقانون

دليلك الشامل لمعرفة أسباب بطلان الوصية وكيفية الطعن عليها قضائياً

تمثل الوصية أداة قانونية هامة لتنظيم انتقال جزء من تركة الشخص بعد وفاته لمن يشاء من غير الورثة. إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة، بل قيدها القانون المصري بمجموعة من الشروط والأحكام لضمان عدم الإضرار بحقوق الورثة الشرعيين أو مخالفة النظام العام. وعندما تتجاوز الوصية هذه الحدود، تصبح قابلة للإبطال. في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل الحالات التي تكون فيها الوصية باطلة، ونقدم خطوات عملية واضحة لكيفية الطعن عليها قضائياً لضمان حقوقك.

ما هي الوصية وشروط صحتها في القانون المصري؟

أحكام إبطال الوصية المخالفة للقانون
الوصية هي تصرف قانوني من جانب واحد، يصدر من شخص يسمى “الموصي” في مرض الموت أو في حالة صحته، ويتم تنفيذه بعد وفاته. يهدف هذا التصرف إلى تمليك شخص آخر يسمى “الموصى له” لجزء من ممتلكات الموصي دون مقابل. ولكي تكون الوصية صحيحة ومنتجة لآثارها القانونية، وضع قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 مجموعة من الشروط الأساسية التي يجب توافرها، وإلا أصبحت الوصية عرضة للبطلان.

شروط تتعلق بالموصي

يجب أن يكون الموصي كامل الأهلية القانونية وقت إنشاء الوصية. وهذا يعني أن يكون عاقلاً، بالغاً سن الرشد، وغير محجور عليه لسفه أو غفلة. إذا صدرت الوصية من شخص ناقص الأهلية كالمجنون أو المعتوه أو من لم يبلغ السن القانونية، فإنها تكون باطلة بطلاناً مطلقاً. كما يجب أن تكون إرادة الموصي حرة وخالية من أي عيوب مثل الإكراه أو الغش أو التدليس، حيث إن أي ضغط يمارس على الموصي لإجباره على كتابة وصية معينة يبطلها.

شروط تتعلق بالموصى له

يشترط في الموصى له أن يكون موجوداً على قيد الحياة وقت وفاة الموصي، سواء كان وجوداً حقيقياً أو تقديرياً كالجنين في بطن أمه. كما يجب ألا يكون الموصى له قاتلاً للموصي، فلا وصية لقاتل. ومن أهم الشروط ألا يكون الموصى له وارثاً للموصي، فالأصل في القانون المصري أنه لا وصية لوارث إلا إذا أجازها باقي الورثة بعد وفاة الموصي، وتكون هذه الإجازة بمثابة تنازل منهم عن جزء من حقهم في التركة.

شروط تتعلق بالموصى به

يجب أن يكون الشيء الموصى به مالاً متقوماً، أي له قيمة مالية ويمكن تداوله قانوناً. كما يجب أن يكون مملوكاً للموصي وقت وفاته. والأهم من ذلك، يجب ألا تتجاوز قيمة الشيء الموصى به ثلث صافي تركة الموصي بعد سداد الديون. أي وصية تتجاوز هذا المقدار تكون موقوفة على إجازة الورثة، فإذا وافقوا عليها نفذت، وإذا رفضوا، لا تنفذ إلا في حدود الثلث فقط، ويقسم الباقي كميراث شرعي.

الأسباب الرئيسية لإبطال الوصية لمخالفتها القانون

بطلان الوصية هو جزاء قانوني يترتب على تخلف أحد شروط صحتها الأساسية. تتعدد الأسباب التي يمكن الاستناد إليها لرفع دعوى إبطال وصية، وتختلف في طبيعتها بين ما يتعلق بأهلية الموصي، أو بموضوع الوصية ذاته، أو بشكلها. معرفة هذه الأسباب بدقة هي الخطوة الأولى والأساسية لأي شخص يسعى للطعن على وصية يعتقد أنها غير قانونية.

مخالفة النصاب القانوني (الوصية بأكثر من الثلث)

يعتبر هذا السبب من أكثر أسباب الطعن على الوصايا شيوعاً. حدد القانون المصري نطاق الوصية في ثلث التركة فقط لحماية حقوق الورثة الشرعيين الذين لهم نصيب مفروض من الله. إذا أوصى شخص بأكثر من ثلث تركته، فإن الوصية تكون صحيحة في حدود الثلث، وما زاد عن ذلك يكون موقوفاً على موافقة جميع الورثة الراشدين. إذا رفض واحد منهم فقط، تبطل الوصية فيما زاد عن الثلث ويتم توزيعه على الورثة وفقاً لأنصبتهم الشرعية.

الوصية لوارث

تنص القاعدة القانونية المستقرة على أنه “لا وصية لوارث”. الهدف من هذه القاعدة هو منع الموصي من محاباة أحد ورثته على حساب الآخرين، مما قد يخل بتقسيم الميراث الذي حدده الشرع. بالتالي، أي وصية تصدر لأحد الورثة تعتبر باطلة من الأساس. لكن هناك استثناء مهم، وهو إجازة باقي الورثة لهذه الوصية بعد وفاة الموصي. فإذا وافق جميع الورثة الآخرون على تنفيذها، فإنها تصبح نافذة وصحيحة.

انعدام أهلية الموصي أو عيوب الإرادة

تعتبر أهلية الموصي ركناً أساسياً لصحة الوصية. إذا ثبت أن الموصي وقت تحرير الوصية كان فاقداً للوعي أو الإدراك بسبب مرض عقلي أو شيخوخة متقدمة (خرف) أو كان تحت تأثير مخدر، فإن الوصية تكون باطلة. كذلك، تبطل الوصية إذا ثبت أن إرادة الموصي لم تكن حرة، كأن يكون قد تعرض للإكراه المادي أو المعنوي، أو وقع ضحية للغش والتدليس من قبل المستفيد من الوصية أو غيره بهدف دفعه للتوصية له.

الخطوات العملية لرفع دعوى إبطال الوصية

إذا كنت تعتقد بوجود سبب قانوني قوي لبطلان وصية ما، فإن الطريق للحصول على حقك هو اللجوء إلى القضاء. رفع دعوى إبطال وصية يتطلب اتباع سلسلة من الإجراءات الدقيقة والمنظمة لضمان عرض قضيتك بشكل سليم أمام المحكمة المختصة. وهذه الإجراءات تضمن فحص الأدلة والمستندات المقدمة من جميع الأطراف للوصول إلى حكم عادل.

استشارة محام متخصص في قضايا الأحوال الشخصية

قبل اتخاذ أي خطوة، من الضروري جداً استشارة محام متخصص في قضايا الميراث والوصايا. المحامي سيقوم بتقييم الموقف القانوني بناءً على المستندات والوقائع التي تقدمها له، وسيحدد مدى قوة أسباب البطلان التي تستند إليها. كما سيقدم لك النصح حول أفضل استراتيجية قانونية يمكن اتباعها، ويوضح لك فرص النجاح في الدعوى والتكاليف المتوقعة.

جمع المستندات والأدلة الداعمة

تعتمد دعوى إبطال الوصية بشكل كبير على قوة الأدلة المقدمة. يجب عليك جمع كافة المستندات اللازمة مثل نسخة من الوصية المطعون عليها، وشهادة وفاة الموصي، وإعلام الوراثة لتحديد صفة المدعين كوراث. بالإضافة إلى ذلك، يجب جمع الأدلة التي تثبت سبب البطلان، مثل التقارير الطبية التي تثبت الحالة العقلية للموصي، أو شهادة الشهود الذين يمكنهم إثبات وقوع إكراه أو تدليس، أو أي مستندات تثبت أن الموصى به يتجاوز ثلث التركة.

رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة

بعد تجهيز كافة المستندات، يقوم المحامي بكتابة صحيفة الدعوى، موضحاً فيها أسماء المدعين والمدعى عليهم، وموضوع الدعوى، والأسباب القانونية والواقعية التي يستند إليها طلب الإبطال. يتم بعد ذلك قيد الدعوى في قلم كتاب المحكمة المختصة، وهي غالباً ما تكون محكمة الأسرة أو المحكمة المدنية حسب طبيعة النزاع. بعد قيد الدعوى، يتم تحديد جلسة لنظرها وإعلان الخصوم بها.

حلول وطرق بديلة للتعامل مع الوصية الباطلة

اللجوء إلى القضاء ليس هو الحل الوحيد دائماً، خاصة في النزاعات الأسرية المتعلقة بالتركات والوصايا. قد تكون إجراءات التقاضي طويلة ومكلفة، وقد تؤدي إلى تفاقم الخلافات بين أفراد العائلة. لذلك، من الحكمة البحث عن حلول بديلة وودية يمكن أن تحقق العدالة وتحافظ على الروابط الأسرية قبل التفكير في رفع دعوى قضائية.

التسوية الودية وإجازة الورثة

يعتبر الحوار والتفاوض بين الورثة هو الحل الأمثل في كثير من الحالات. يمكن للورثة الاجتماع والاتفاق على قسمة جديدة للتركة تتجاوز ما ورد في الوصية الباطلة، بما يرضي جميع الأطراف. كما ذكرنا سابقاً، يمكن للورثة إجازة الوصية المخالفة للقانون (مثل الوصية لوارث أو بأكثر من الثلث). هذه الإجازة يجب أن تصدر منهم بعد وفاة الموصي وعن علم ودراية، وبموجبها تصبح الوصية نافذة بكامل بنودها.

اللجوء إلى الوساطة الأسرية

إذا فشلت محاولات التفاوض المباشر بين الورثة، يمكن الاستعانة بوسيط محايد. يمكن أن يكون هذا الوسيط أحد كبار العائلة ممن يحظون بالاحترام، أو رجل دين، أو وسيط قانوني متخصص. دور الوسيط هو تقريب وجهات النظر، وشرح الجوانب القانونية والشرعية لكل طرف، والمساعدة في الوصول إلى حل وسطي وعادل يوافق عليه الجميع، وتوثيق هذا الاتفاق في عقد صلح رسمي ينهي النزاع بشكل نهائي.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock