نشر صور محرّضة على العنف: التكييف القانوني
محتوى المقال
نشر صور محرّضة على العنف: التكييف القانوني
الأطر القانونية والعواقب الجنائية في القانون المصري
في عصر التطور الرقمي والانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الصور والمحتوى المرئي أداة قوية للتعبير، ولكنها في الوقت ذاته قد تُستخدم لنشر أفكار أو رسائل خطيرة، كالمحرضة على العنف. هذه الظاهرة تطرح تحديات قانونية كبيرة، لا سيما في تحديد الفاصل بين حرية التعبير وارتكاب الجرائم. تتناول هذه المقالة التكييف القانوني لنشر الصور المحرضة على العنف في القانون المصري، وتوضح الأركان الجنائية لمثل هذه الأفعال، وتقدم طرقًا عملية للتعامل معها، إضافة إلى شرح للعقوبات المترتبة.
الإطار القانوني لنشر المحتوى المحرض
مفهوم التحريض على العنف في القانون المصري
يعرّف القانون المصري التحريض بأنه كل فعل أو قول أو كتابة أو إشارة من شأنها دفع شخص أو جماعة لارتكاب فعل مجرم. عندما يتعلق الأمر بالصور، فإنها تُعد وسيلة فعالة للتحريض، حيث يمكن للصورة الواحدة أن تحمل معاني عميقة ومؤثرة تدفع المتلقي نحو سلوكيات عنيفة أو غير قانونية. يُعد القصد الجنائي أساسيًا في تحديد مدى مسؤولية الناشر، حيث يجب أن يتوافر لديه نية إحداث الأثر المحرض.
لا يُشترط أن يُسفر التحريض عن وقوع الجريمة فعليًا لكي يُعاقب عليه القانون. يكفي أن يكون الفعل المادي للتحريض قد وقع وأن تتوافر فيه نية دفع الآخرين لارتكاب الجرائم. هذا التكييف يهدف إلى حماية المجتمع من الأخطار المحتملة قبل تفاقمها، مؤكدًا على الدور الوقائي للقانون في كبح جماح المحتوى الضار.
النصوص القانونية المجرمة لنشر المحتوى المحرض
تتعدد النصوص القانونية التي تجرم نشر المحتوى المحرض على العنف في القانون المصري. ينص قانون العقوبات المصري في مواده مثل المادة 171 على معاقبة كل من يحرض على ارتكاب الجنايات أو الجنح العلانية. كما تُجرم مواد أخرى في القانون ذاته الأفعال التي تُعد تحريضًا مباشرًا على الكراهية أو العنف.
إضافة إلى قانون العقوبات، جاء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 ليُعالج بشكل خاص الجرائم المرتكبة عبر الإنترنت والوسائل الإلكترونية. تُجرم مواد هذا القانون، مثل المادة 25 والمادة 26، نشر المحتوى الذي يتضمن تحريضًا على العنف أو الكراهية عبر الشبكة المعلوماتية، وتُحدد عقوبات صارمة على المخالفين. هذه القوانين تُشكل الإطار الذي يمكن من خلاله تتبع ومحاسبة ناشري الصور المحرضة.
التكييف الجنائي لصور التحريض
أركان جريمة نشر صور التحريض
تستند جريمة نشر صور التحريض على العنف إلى ركنين أساسيين: الركن المادي والركن المعنوي. يتكون الركن المادي من فعل النشر الفعلي للصورة التي تتضمن مضمونًا تحريضيًا على العنف، سواء كان ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، المواقع الإلكترونية، أو أي منصة رقمية أخرى. يجب أن تكون الصورة ذات طبيعة تحريضية واضحة ومباشرة.
أما الركن المعنوي، فيتمثل في القصد الجنائي الخاص، أي أن تكون لدى الناشر نية واضحة لإثارة العنف أو الكراهية من خلال الصورة المنشورة. يجب أن يكون على علم بأن هذه الصورة ستؤدي إلى تحريض الآخرين على ارتكاب أفعال عنف. يُمثل إثبات هذا القصد تحديًا قانونيًا ويتطلب تحليلًا دقيقًا للمحتوى وظروف النشر.
التمييز بين حرية التعبير والتحريض
يُعد التمييز بين حرية التعبير المشروعة والتحريض غير المشروع أمرًا دقيقًا وحاسمًا في القانون. تضمن الدساتير والقوانين حرية التعبير كحق أساسي، ولكنها تُقيد هذا الحق عندما يتعارض مع النظام العام أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين. لا تُعد كل صورة تعبر عن رأي نقدي أو احتجاجي تحريضًا على العنف.
يتمثل الفارق الجوهري في وجود دعوة صريحة أو ضمنية لارتكاب أفعال عنيفة، أو التحريض على الكراهية والتمييز ضد فئة معينة من المجتمع. يجب أن يكون التحريض مباشرًا ومؤثرًا ومن شأنه أن يدفع المتلقي إلى الفعل. تُراعي المحاكم عند الفصل في هذه القضايا سياق النشر، الغرض منه، وتأثيره المحتمل على الجمهور.
الإجراءات القانونية لمواجهة جرائم التحريض
كيفية الإبلاغ عن المحتوى المحرض
لمواجهة جرائم نشر الصور المحرضة على العنف، يجب اتخاذ خطوات عملية للإبلاغ عنها. يمكن للمواطن الإبلاغ عن هذا المحتوى عبر عدة قنوات. أولاً، يجب الإبلاغ عن الصورة أو المنشور مباشرةً إلى منصة التواصل الاجتماعي التي تم النشر عليها، مثل فيسبوك أو تويتر أو إنستجرام، حيث تملك هذه المنصات آليات إبلاغ لإزالة المحتوى المخالف.
ثانيًا، يمكن تقديم بلاغ رسمي إلى الجهات القضائية المصرية. يُنصح بالتوجه إلى أقرب قسم شرطة أو مبنى نيابة عامة لتقديم بلاغ مدعومًا بأي أدلة متاحة، مثل لقطات شاشة (screenshots) للمحتوى المحرض، وروابط المنشورات، وتواريخ النشر. تُقدم وحدة مكافحة جرائم الحاسبات وشبكات المعلومات التابعة لوزارة الداخلية أيضًا خدمة استقبال البلاغات الإلكترونية.
دور النيابة العامة والمحاكم في التعامل مع هذه الجرائم
بعد تقديم البلاغ، تتولى النيابة العامة دورها في التحقيق. تقوم النيابة بجمع الأدلة، استدعاء الشهود، والتحقق من صحة الواقعة وتكييفها القانوني. في حالات جرائم الإنترنت، تتعاون النيابة مع الأجهزة الأمنية المتخصصة في تتبع المصادر الإلكترونية وتحديد هوية الناشرين. تُعد النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص في تحريك الدعوى الجنائية.
بعد انتهاء التحقيقات، إذا رأت النيابة العامة أن هناك أدلة كافية لإدانة المتهم، تُحيل القضية إلى المحكمة المختصة. تُنظر هذه القضايا عادةً أمام محكمة الجنح أو محكمة الجنايات، بحسب جسامة الجريمة والعقوبة المقررة لها في القانون. تُصدر المحكمة حكمها بعد الاستماع إلى الدفوع وتقديم البينات من قبل الطرفين.
الوقاية والعقوبات المترتبة
المسؤولية الجنائية والمدنية
تترتب على نشر الصور المحرضة على العنف مسؤولية جنائية ومدنية. فمن الناحية الجنائية، يُعاقب القانون المصري على هذه الجرائم بالحبس والغرامة، وقد تصل العقوبات إلى السجن المشدد في بعض الحالات، خاصة إذا ترتب على التحريض وقوع أفعال عنف أو إرهاب. تختلف العقوبة بناءً على طبيعة التحريض ومدى جسامة الجريمة التي يدعو إليها.
أما المسؤولية المدنية، فتنشأ عن الأضرار التي لحقت بالأفراد أو المجتمع نتيجة للتحريض. يحق للمتضررين رفع دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم. قد تُقدم هذه الدعوى بشكل مستقل أو بالتبعية للدعوى الجنائية أمام المحاكم المدنية، بهدف جبر الضرر الناتج عن الفعل الإجرامي.
سبل الحماية من التعرض للمساءلة القانونية
للوقاية من التعرض للمساءلة القانونية جراء نشر المحتوى المحرض، يجب على الأفراد والمستخدمين توخي الحذر الشديد عند التعامل مع الصور والمحتوى الرقمي. أولاً، يجب دائمًا التحقق من مصداقية أي محتوى قبل نشره أو مشاركته. تجنب نشر الصور التي يمكن أن تُفسر على أنها تحريض على العنف أو الكراهية.
ثانيًا، يُنصح بالاطلاع على القوانين المتعلقة بالجرائم الإلكترونية وحرية التعبير في مصر، لفهم الحدود الفاصلة بين المسموح والمحظور. تجنب التعليقات أو المنشورات التي قد تُشجع على العنف، أو تُهين الآخرين. تذكر دائمًا أن ما يُنشر عبر الإنترنت يترك أثرًا دائمًا ويمكن أن يُستخدم كدليل قانوني ضدك.