الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى المدنيةالقانون المدنيالقانون المصري

أحكام بطلان عقد البيع بسبب الإكراه

أحكام بطلان عقد البيع بسبب الإكراه

دليل شامل لفهم شروط الإكراه وآثاره على العقود في القانون المصري

أحكام بطلان عقد البيع بسبب الإكراهيعتبر عقد البيع من أهم العقود التي ينظمها القانون، حيث يقوم على مبدأ الرضا التام بين طرفيه. لكن، قد تشوب إرادة أحد المتعاقدين عيوب تجعل هذا الرضا منعدماً أو معيباً، ومن أبرز هذه العيوب هو الإكراه. في هذا المقال، نقدم دليلاً عملياً شاملاً حول كيفية بطلان عقد البيع بسبب الإكراه، موضحين الشروط الواجب توافرها، والخطوات القانونية اللازمة لإثباته، والآثار المترتبة على الحكم بالبطلان، وذلك وفقاً لأحكام القانون المصري.

ما هو الإكراه الذي يبطل العقد؟

تعريف الإكراه في القانون

الإكراه هو ضغط غير مشروع يقع على إرادة شخص ما، يدفعه إلى إبرام تصرف قانوني لم يكن ليبرمه لو ترك حراً مختاراً. هو بمثابة إجبار المتعاقد على قبول العقد تحت تأثير تهديد أو رهبة تتسبب في إفساد رضاه. لم يشترط القانون وسيلة محددة لتحقق الإكراه، فقد يكون بالتهديد بإلحاق أذى بالنفس، أو بالمال، أو بالشرف، سواء كان هذا التهديد موجهاً للمتعاقد نفسه أو لأحد أقاربه.

التمييز بين الإكراه المادي والإكراه المعنوي

ينقسم الإكراه إلى نوعين رئيسيين ولكل منهما تأثيره. الإكراه المادي هو الذي يعدم الإرادة تماماً، كأن يتم إمساك يد شخص وإجباره على التوقيع بالقوة. في هذه الحالة، يكون العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً لانعدام الرضا. أما الإكراه المعنوي أو النفسي، فهو الذي يفسد الإرادة دون أن يعدمها، ويكون عبر التهديد الذي يولد الخوف في نفس المتعاقد ويدفعه للتعاقد. هذا النوع يجعل العقد قابلاً للإبطال لمصلحة من وقع عليه الإكراه.

شروط تحقق الإكراه المبطل للعقد

الشرط الأول: استعمال وسيلة تهديد غير مشروعة

لكي يعتبر الإكراه سبباً لبطلان العقد، يجب أن تكون الوسيلة المستخدمة في التهديد غير مشروعة. لا يشترط أن يكون الفعل المهدد به جريمة، بل يكفي أن يكون غير قانوني. على سبيل المثال، تهديد شخص بالإبلاغ عن تهربه الضريبي لإجباره على بيع عقار بسعر بخس يعتبر وسيلة غير مشروعة. أما استخدام الحقوق القانونية بشكل مشروع، مثل التهديد بالحجز على أموال المدين، فلا يعتبر إكراهاً مبطلاً للعقد.

الشرط الثاني: بعث رهبة وخوف في نفس المتعاقد

يجب أن يكون التهديد مؤثراً لدرجة أنه يبعث الرهبة والخوف في نفس المتعاقد، مما يدفعه إلى إبرام العقد. تقدير مدى تأثير التهديد هو مسألة واقع يفصل فيها قاضي الموضوع، مع الأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة بالمتعاقد، مثل جنسه، عمره، حالته الصحية والاجتماعية. فالتهديد الذي قد يؤثر على شخص ضعيف قد لا يؤثر على شخص آخر قوي البنية أو ذي نفوذ.

الشرط الثالث: أن يكون الإكراه هو الدافع الرئيسي للتعاقد

يجب أن تكون هناك علاقة سببية مباشرة بين الإكراه الذي تعرض له المتعاقد وبين إبرامه للعقد. بمعنى آخر، يجب إثبات أن لولا هذا الضغط والتهديد، لما كان المتعاقد ليوافق على إبرام العقد بالشروط التي تم فرضها عليه. إذا كان دافعه للتعاقد مستقلاً عن التهديد، فلا يمكنه في هذه الحالة طلب إبطال العقد استناداً إلى الإكراه.

الخطوات العملية لإثبات بطلان عقد البيع للإكراه

الخطوة الأولى: جمع الأدلة والإثباتات

إثبات الإكراه يقع على عاتق من يدعيه. يمكن إثباته بكافة طرق الإثبات المتاحة قانوناً. تشمل الأدلة شهادة الشهود الذين حضروا واقعة التهديد، أو التسجيلات الصوتية أو المرئية التي توثق الضغط، والرسائل النصية أو الإلكترونية التي تحتوي على التهديدات. كذلك، يمكن الاستعانة بالمستندات التي تثبت عدم منطقية الصفقة، مثل البيع بسعر أقل بكثير من سعر السوق، مما قد يشير إلى وجود ضغط.

الخطوة الثانية: الاستعانة بمحامٍ متخصص

نظراً للطبيعة الفنية والدقيقة لدعاوى بطلان العقود، فإن الخطوة التالية الحاسمة هي توكيل محامٍ متخصص في القانون المدني والدعاوى العقارية. المحامي سيقوم بتقييم الموقف القانوني، وتحليل الأدلة المتاحة، وتحديد مدى قوتها في إثبات واقعة الإكراه أمام المحكمة. كما سيتولى صياغة صحيفة الدعوى بشكل سليم وتقديمها إلى المحكمة المختصة ومتابعة كافة الإجراءات القضائية اللازمة.

الخطوة الثالثة: رفع دعوى بطلان العقد

يقوم المحامي برفع دعوى قضائية أمام المحكمة المدنية المختصة، يطلب فيها الحكم ببطلان عقد البيع الموقع تحت تأثير الإكراه. يتم إرفاق كافة المستندات والأدلة التي تدعم الادعاء. خلال سير الدعوى، ستقوم المحكمة بالتحقيق في الواقعة وسماع الشهود وفحص الأدلة المقدمة من الطرفين، وصولاً إلى إصدار حكمها إما بتأييد صحة العقد أو ببطلانه.

آثار الحكم ببطلان عقد البيع

إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد

إذا قضت المحكمة ببطلان العقد، فإن الأثر الرئيسي هو زوال العقد بأثر رجعي واعتباره كأن لم يكن. يترتب على ذلك وجوب إعادة كل متعاقد لما حصل عليه بموجب هذا العقد الباطل. فإذا كان المشتري قد تسلم العقار، وجب عليه رده إلى البائع. وبالمثل، إذا كان البائع قد تسلم الثمن، وجب عليه رده كاملاً إلى المشتري. الهدف هو محو كافة آثار العقد الباطل.

الحق في المطالبة بالتعويض

بالإضافة إلى بطلان العقد، يحق للطرف الذي وقع عليه الإكراه أن يطالب بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به نتيجة هذا التصرف غير المشروع. يتم تقدير التعويض من قبل المحكمة بناءً على حجم الضرر الذي أصاب الطرف المكره، والذي قد يشمل الخسائر المالية التي تكبدها أو الأذى النفسي الذي تعرض له.

نصائح إضافية لتجنب عقود الإكراه

التأني وقراءة العقود جيداً قبل التوقيع

أول خط دفاع لك هو الوقت. لا توقع أبداً على أي عقد تحت ضغط الوقت أو في ظروف غير مريحة. خذ نسخة من العقد واقرأ كل بنوده بعناية فائقة في مكان هادئ. إذا كان هناك أي بند غير واضح أو غامض، فلا تتردد في طلب توضيح كتابي بشأنه. التأني يمنحك فرصة لاكتشاف أي شروط مجحفة أو غير منطقية قد تكون مؤشراً على وجود نية سيئة.

استشارة خبير قانوني دائماً

قبل التوقيع على أي عقد له أهمية مالية كبيرة، خاصة عقود بيع العقارات أو الشركات، من الضروري عرضه على محامٍ أو مستشار قانوني. الخبير القانوني يمتلك القدرة على تحليل العقد من الناحية الفنية وكشف أي ثغرات أو بنود قد تضرك مستقبلاً. هذه الخطوة الوقائية قد توفر عليك الكثير من المتاعب والخسائر المالية المحتملة في المستقبل.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock