الإجراءات القانونيةالدعاوى المدنيةالقانون المصريقانون الأحوال الشخصيةمحكمة الأسرة

أحكام الوصية في القانون المصري

أحكام الوصية في القانون المصري

دليلك الشامل لفهم شروط وأركان ونفاذ الوصية وفقاً للتشريع المصري

تعتبر الوصية تصرفًا قانونيًا هامًا ينظم انتقال جزء من أموال الشخص بعد وفاته لمن يشاء من غير الورثة، أو حتى لأحد الورثة بشروط خاصة. ينظم القانون المصري رقم 71 لسنة 1946 أحكام الوصية بشكل دقيق لضمان حقوق كل من الموصي والموصى له والورثة. في هذا المقال، نقدم لك دليلًا عمليًا ومفصلًا حول كل ما يتعلق بالوصية، بدءًا من تعريفها وأركانها، مرورًا بشروط صحتها وحدودها، وصولًا إلى إجراءات تنفيذها وحالات بطلانها.

ما هي الوصية وأركانها الأساسية؟

تعريف الوصية قانوناً

أحكام الوصية في القانون المصريالوصية هي تصرف قانوني في التركة مضاف إلى ما بعد الموت. بمعنى آخر، هي إرادة شخص (يُسمى الموصي) بتمليك جزء من ماله أو منفعته لشخص آخر (يُسمى الموصى له) أو لجهة معينة، على أن يتم تنفيذ هذا التمليك بعد وفاة الموصي. هذا التصرف هو اختياري وليس إجباريًا، ويهدف إلى تحقيق رغبات الموصي في توزيع جزء من ثروته خارج نطاق التوريث الإلزامي الذي يحدده الشرع والقانون.

أركان قيام الوصية

لكي تكون الوصية صحيحة من الناحية القانونية، يجب أن تتوافر فيها أربعة أركان أساسية لا يمكن أن تقوم بدونها. الركن الأول هو الموصي، وهو الشخص الذي يقوم بإنشاء الوصية. الركن الثاني هو الموصى له، وهو الشخص أو الجهة التي تستفيد من الوصية. الركن الثالث هو الموصى به، وهو المال أو الحق الذي يتم التوصية به. أما الركن الرابع والأخير فهو الصيغة، وهي الإيجاب والقبول الذي يعبر عن إرادة الموصي وقبول الموصى له للوصية بعد وفاة الموصي.

شروط صحة الوصية في القانون المصري

شروط خاصة بالموصي (كاتب الوصية)

يشترط القانون في الموصي أن يكون كامل الأهلية، أي عاقلًا بالغًا سن الرشد القانوني (21 عامًا ميلاديًا). كما يجب أن تكون إرادته حرة ومختارة تمامًا عند كتابة الوصية، دون أن يكون واقعًا تحت تأثير إكراه مادي أو معنوي، أو غش أو تدليس. إذا ثبت أن الموصي كان فاقدًا للأهلية أو أن إرادته لم تكن سليمة وقت تحرير الوصية، فإنها تعتبر باطلة ولا يترتب عليها أي أثر قانوني.

شروط خاصة بالموصى له (المستفيد)

يجب أن يكون الموصى له موجودًا على قيد الحياة وقت وفاة الموصي، سواء كان وجودًا حقيقيًا أو تقديريًا كالجنين في بطن أمه، بشرط أن يولد حيًا. كما يشترط ألا يكون الموصى له قاتلًا للموصي عمدًا، سواء كان فاعلًا أصليًا أو شريكًا، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. كذلك، يجب أن يكون الموصى له معلومًا ومحددًا تحديدًا نافيًا للجهالة، فلا تصح الوصية لشخص مجهول.

شروط خاصة بالموصى به (المال محل الوصية)

يجب أن يكون المال الموصى به مملوكًا للموصي وقت وفاته، وأن يكون مالًا متقومًا، أي له قيمة مادية ويمكن تداوله قانونًا. لا تصح الوصية بشيء غير مشروع كالمخدرات. كما يجب أن يكون الموصى به قابلاً للتمليك والنقل إلى الموصى له بعد وفاة الموصي. إذا هلك المال الموصى به قبل وفاة الموصي، فإن الوصية تبطل تلقائيًا لاستحالة تنفيذها.

حدود الوصية وكيفية حسابها

قاعدة الثلث (1/3) الملزمة

حدد القانون المصري حدًا أقصى للوصية لا يمكن تجاوزه إلا بموافقة الورثة. تكون الوصية نافذة في حدود ثلث (1/3) صافي تركة الموصي بعد سداد كافة ديونه وتكاليف تجهيزه ودفنه. أي وصية تزيد عن هذا الثلث تكون موقوفة على إجازة الورثة البالغين العاقلين. فإذا وافقوا عليها، تم تنفيذها بالكامل. أما إذا رفضوا الزيادة، فإنها تنفذ فقط في حدود الثلث، ويتم توزيع الباقي على الورثة وفقًا لأنصبتهم الشرعية.

حكم الوصية لأحد الورثة

الأصل في القانون المصري أن الوصية لا تجوز لأحد الورثة الشرعيين، وذلك منعًا لتفضيل وارث على آخر بما يخل بقواعد الميراث. ومع ذلك، تصح الوصية للوارث وتكون نافذة إذا أجازها ووافق عليها باقي الورثة بعد وفاة الموصي، بشرط أن يكونوا من أهل التبرع (بالغين وعاقلين). إذا لم يوافق باقي الورثة، فإن الوصية تعتبر باطلة ولا يتم تنفيذها، ويأخذ هذا الوارث نصيبه الشرعي فقط من الميراث.

خطوات عملية لحساب ثلث التركة

لحساب قيمة الثلث الذي تجوز فيه الوصية، يجب اتباع خطوات دقيقة. أولاً، يتم حصر جميع ممتلكات المتوفى من عقارات وأموال سائلة ومنقولات. ثانيًا، يتم خصم جميع الديون المستحقة على المتوفى من إجمالي قيمة التركة، بالإضافة إلى نفقات الجنازة. ثالثًا، المبلغ المتبقي بعد خصم الديون والنفقات هو صافي التركة. رابعًا، يتم قسمة هذا المبلغ الصافي على ثلاثة، والناتج هو الحد الأقصى الذي يمكن أن تنفذ فيه الوصية دون الحاجة لموافقة الورثة.

إجراءات تنفيذ الوصية بعد وفاة الموصي

إثبات الوصية أمام المحكمة المختصة

بعد وفاة الموصي، يجب على المستفيد من الوصية أو أحد الورثة تقديم الوصية إلى محكمة الأسرة المختصة لطلب إثباتها والحصول على أمر بتنفيذها. يتم ذلك من خلال رفع دعوى تسمى “دعوى إثبات وصية”. يتولى القاضي فحص الوصية والتأكد من استيفائها لكافة الشروط الشكلية والموضوعية التي يتطلبها القانون. إذا كانت الوصية رسمية أو موثقة، تكون إجراءات إثباتها أسهل بكثير من الوصية العرفية التي قد تتطلب شهودًا لإثبات صحة توقيع الموصي.

دور المحكمة في التحقق من صحة الوصية

تقوم المحكمة بالتحقق من عدة أمور جوهرية. تتأكد من أهلية الموصي وقت كتابة الوصية، وأن إرادته كانت حرة وسليمة. كما تتحقق من شخصية الموصى له ووجوده. وتنظر في المال الموصى به للتأكد من أنه ضمن حدود الثلث الجائز قانونًا. إذا كانت الوصية تتجاوز الثلث، تستدعي المحكمة الورثة لسؤالهم عن موافقتهم على الزيادة من عدمها. دور المحكمة هو ضمان تطبيق القانون وحماية حقوق جميع الأطراف المعنية.

حالات بطلان الوصية والرجوع عنها

أسباب بطلان الوصية

تبطل الوصية في عدة حالات محددة قانونًا. منها وفاة الموصى له قبل الموصي، أو إذا أصبح الموصى له غير أهل لاستحقاق الوصية كأن يقتل الموصي. كما تبطل الوصية إذا هلك المال الموصى به بالكامل قبل وفاة الموصي أو إذا تصرف الموصي في هذا المال تصرفًا يخرجه من ملكيته. كذلك، يعتبر جنون الموصي جنونًا مطبقًا متصلاً بالموت سببًا لبطلان وصيته التي أنشأها قبل حالة الجنون.

كيفية الرجوع في الوصية

منح القانون للموصي الحق الكامل في الرجوع عن وصيته في أي وقت قبل وفاته. يمكن أن يكون الرجوع صريحًا، وذلك بأن يكتب الموصي وثيقة جديدة يعلن فيها صراحة إلغاء الوصية السابقة كليًا أو جزئيًا. كما يمكن أن يكون الرجوع ضمنيًا، ويستفاد من أي تصرف يقوم به الموصي يدل على رغبته في إلغائها، مثل بيع العين الموصى بها أو إتلافها. ويعتبر إنشاء وصية جديدة تتعارض مع وصية قديمة رجوعًا عن كل ما يتعارض بينهما.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock