جرائم السب العلني عبر وسائل التواصل
محتوى المقال
جرائم السب العلني عبر وسائل التواصل
دليلك الكامل لفهم جريمة السب العلني الإلكتروني وكيفية التعامل معها قانونيًا
أصبح الفضاء الرقمي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومعه ظهرت تحديات قانونية جديدة أبرزها جرائم السب والقذف عبر منصات التواصل الاجتماعي. يواجه الكثيرون صعوبة في معرفة حقوقهم وكيفية التصرف عند التعرض لمثل هذه الإساءات. يقدم هذا المقال دليلًا عمليًا ومفصلًا، يشرح بالتفصيل الخطوات القانونية التي يجب اتخاذها لحماية حقوقك ومقاضاة المعتدين، بداية من إثبات الواقعة وجمع الأدلة، وصولًا إلى تقديم البلاغ الرسمي ومتابعة الإجراءات القضائية للحصول على حقك بالكامل.
التعريف القانوني والإطار المنظم لجريمة السب الإلكتروني
التمييز بين السب والقذف والتشهير في القانون
من الضروري فهم الفروق الدقيقة بين المصطلحات القانونية. السب هو كل لفظ يتضمن خدشًا للشرف أو الاعتبار بطبيعته دون إسناد واقعة معينة. أما القذف، فهو إسناد واقعة محددة لشخص لو صحت لأوجبت عقابه قانونًا أو احتقاره عند أهل وطنه. بينما يعتبر التشهير هو النشر المتعمد لهذه الأقوال أو الوقائع بهدف الإضرار بسمعة المجني عليه. ويتحقق كل ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمجرد كتابة منشور أو تعليق أو إرسال رسالة تحمل هذه الألفاظ المسيئة.
تحقق ركن العلانية في الفضاء الرقمي
يعتبر ركن “العلانية” شرطًا أساسيًا لقيام جريمة السب أو القذف. في الماضي كانت العلانية تقتصر على الأماكن العامة أو المطبوعات. أما اليوم، فقد استقر القضاء على أن النشر عبر حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة للعامة أو حتى لمجموعة من الأصدقاء يحقق شرط العلانية. أي منشور أو تعليق يمكن أن يراه شخص ثالث غير المرسل والمستقبل يعتبر علنيًا، مما يجعل الجريمة قائمة ومكتملة الأركان القانونية.
النصوص القانونية الحاكمة للجريمة في مصر
تخضع جرائم السب والقذف عبر الإنترنت لنصوص قانون العقوبات المصري، خاصة المواد من 302 إلى 308، بالإضافة إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018. تشدد هذه القوانين العقوبة إذا وقع السب أو القذف عبر الإنترنت، نظرًا لسرعة انتشاره والأثر الواسع الذي يتركه. تتراوح العقوبات بين الحبس والغرامة المالية، وقد تصل إلى مبالغ كبيرة حسب جسامة الضرر الواقع على المجني عليه.
خطوات عملية لإثبات جريمة السب وتقديم البلاغ
الطريقة الأولى: التوثيق الفوري للأدلة الرقمية
بمجرد رؤيتك للمحتوى المسيء، يجب التصرف بسرعة لتوثيقه قبل أن يتمكن الجاني من حذفه. الخطوة الأولى هي أخذ لقطات شاشة (Screenshots) واضحة للمنشور أو التعليق أو الرسالة المسيئة. يجب أن تظهر لقطة الشاشة الحساب الخاص بالجاني، وتاريخ ووقت النشر، والمحتوى المسيء بالكامل. يُنصح أيضًا بتسجيل فيديو للشاشة وأنت تتصفح الصفحة وتصل إلى المحتوى، فهذا يوفر دليلًا ديناميكيًا يصعب الطعن فيه. احتفظ برابط (URL) المنشور والحساب الشخصي للجاني.
الطريقة الثانية: تقديم بلاغ رسمي لدى مباحث الإنترنت
بعد جمع الأدلة الرقمية، يمكنك التوجه لتقديم بلاغ رسمي. توفر وزارة الداخلية عدة طرق لذلك. يمكنك الدخول إلى الموقع الرسمي لوزارة الداخلية وتقديم بلاغ إلكتروني، أو الاتصال بالخط الساخن المخصص لمباحث تكنولوجيا المعلومات. الخيار الأكثر فعالية غالبًا هو التوجه شخصيًا إلى مقر إدارة تكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية أو أقرب قسم شرطة، وتقديم الأدلة التي قمت بجمعها، وتحرير محضر رسمي بالواقعة. سيقوم المختصون بتتبع مصدر الإساءة وتحديد هوية الجاني.
الطريقة الثالثة: تحرير محضر عن طريق محامٍ
يمكنك توكيل محامٍ متخصص في قضايا الإنترنت ليتولى الأمر نيابة عنك. سيقوم المحامي بصياغة البلاغ بشكل قانوني دقيق، وتقديمه إلى النيابة العامة مباشرة أو عن طريق قسم الشرطة. هذه الطريقة تضمن أن جميع الإجراءات تتم بشكل صحيح من الناحية القانونية، ويزيد من قوة موقفك. المحامي سيقوم أيضًا بإثبات الواقعة عن طريق عمل محضر إثبات حالة رسمي يتضمن تفريغًا للمحتوى المسيء، وهو ما يعتبر حجة قوية أمام جهات التحقيق والمحكمة.
مسار الدعوى القضائية والعقوبات والتعويضات
الإجراءات المتبعة بعد تقديم البلاغ
بعد تحرير المحضر، تبدأ النيابة العامة في التحقيق في الواقعة. تقوم باستدعاء مقدم البلاغ (المجني عليه) لسماع أقواله، ثم تستدعي المشكو في حقه (الجاني) لمواجهته بالأدلة. تقوم النيابة بفحص الأدلة الرقمية وقد تستعين بالخبراء الفنيين من مباحث الإنترنت لتأكيد صحتها وتحديد هوية مرتكب الجريمة. إذا ثبتت الأدلة، يتم إحالة القضية إلى المحكمة المختصة، وهي غالبًا المحكمة الاقتصادية أو محكمة الجنح حسب طبيعة الجريمة.
العقوبات القانونية المقررة للجريمة
تختلف العقوبة باختلاف طبيعة الجريمة. بالنسبة لجريمة السب العلني عبر الإنترنت، ينص القانون على عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنة وغرامة مالية، أو بإحدى هاتين العقوبتين. أما في حالة القذف، فتكون العقوبة أشد. وتغلظ العقوبة إذا كان السب أو القذف يمس سمعة العائلات أو يتضمن طعنًا في الأعراض. القاضي له سلطة تقديرية في تحديد العقوبة المناسبة بناءً على ظروف كل قضية ومدى الضرر الذي لحق بالمجني عليه.
الحق في المطالبة بالتعويض المدني
إلى جانب الشق الجنائي للقضية، يحق للمجني عليه رفع دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به. الضرر الأدبي يتمثل في الإساءة للسمعة والشرف والألم النفسي الذي عانى منه. يتم رفع هذه الدعوى أمام المحكمة المدنية، ويقدر القاضي قيمة التعويض بناءً على حجم الضرر ومكانة المجني عليه الاجتماعية والوظيفية، ومدى انتشار الإساءة. يمكن المطالبة بالتعويض المدني تبعًا للدعوى الجنائية أو في دعوى مستقلة.