جرائم التحرش في أماكن العمل: الحماية القانونية
محتوى المقال
- 1 جرائم التحرش في أماكن العمل: الحماية القانونية
- 2 مفهوم التحرش وأنواعه في بيئة العمل
- 3 الإطار القانوني لحماية ضحايا التحرش في مصر
- 4 خطوات عملية للتعامل مع جرائم التحرش في أماكن العمل
- 5 دور جهات التحقيق والمحاكمة في قضايا التحرش
- 6 تدابير وقائية لإنشاء بيئة عمل خالية من التحرش
- 7 توفير الدعم للضحايا وحماية المبلغين
- 8 الخاتمة
جرائم التحرش في أماكن العمل: الحماية القانونية
مكافحة التحرش وضمان بيئة عمل آمنة بموجب القانون المصري
تُعد ظاهرة التحرش في أماكن العمل تحديًا جسيمًا يمس كرامة الأفراد ويؤثر سلباً على سلامتهم النفسية والمهنية، كما يقلل من الإنتاجية ويعكر صفو البيئة المهنية بأكملها. تتطلب مواجهة هذه المشكلة فهماً شاملاً لأشكال التحرش المتنوعة والآليات القانونية المتاحة التي توفر الحماية اللازمة للضحايا، بهدف إرساء بيئة عمل آمنة ومحترمة للجميع. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على هذه الجرائم الخطيرة وتقديم حلول عملية وإجراءات قانونية واضحة لمواجهتها. سنركز بشكل خاص على الإطار القانوني المصري الذي يكفل هذه الحماية، موضحين الخطوات الواجب اتخاذها والجهات التي يمكن اللجوء إليها لضمان حقوق الضحايا.
مفهوم التحرش وأنواعه في بيئة العمل
لفهم جرائم التحرش في أماكن العمل، يجب أولاً تحديد مفهوم التحرش وأشكاله المختلفة التي قد يواجهها الأفراد. التحرش هو أي سلوك غير مرحب به ذو طبيعة جنسية أو أي سلوك آخر يهدف إلى إهانة شخص أو ترهيبه أو إخافته أو تقليل شأنه، ويخلق بيئة عمل عدائية أو مسيئة. يمكن أن يتخذ التحرش أشكالاً متعددة، تتراوح من الإشارات غير اللائقة إلى التعدي الجسدي. فهم هذه الأشكال يساعد الضحايا على التعرف على ما يتعرضون له وكيفية التعامل معه بشكل فعال. من المهم التأكيد على أن التحرش ليس بالضرورة أن يكون له طابع جسدي مباشر، بل يشمل أيضاً الأفعال اللفظية والسلوكية التي تخلق جواً من عدم الأمان.
التحرش اللفظي
يشمل التحرش اللفظي أي تعليقات أو عبارات غير مرغوب فيها ذات إيحاءات جنسية صريحة أو ضمنية. يمكن أن تتضمن هذه التعليقات النكات الجنسية، أو الإشارات إلى مظهر شخص ما بطريقة غير لائقة، أو التعليقات المهينة حول النوع الاجتماعي. كما يشمل أيضاً نشر الشائعات المسيئة أو تداولها في بيئة العمل. قد يجد الضحايا صعوبة في إثبات التحرش اللفظي إذا لم يكن هناك شهود، ولكن تسجيل التفاصيل الدقيقة للأحداث يمكن أن يكون مفيداً. يجب على الشركات أن يكون لديها سياسات واضحة تحظر هذا النوع من السلوك وتوفر آليات للإبلاغ عنه.
تتجاوز الأمثلة الشائعة للتحرش اللفظي مجرد المزاح العابر لتصل إلى حد الإهانة والتقليل من شأن الأفراد. يمكن أن يتضمن أيضاً تكرار طلبات المواعدة بعد الرفض الواضح، أو استخدام ألفاظ بذيئة ذات دلالات جنسية في الخطاب الموجه للضحية. تكرار هذه الأفعال أو شدتها يؤثر بشكل مباشر على راحة الضحية وقدرتها على أداء مهامها الوظيفية بفعالية. لذلك، يجب على الضحايا توثيق كل واقعة بشكل دقيق، مع ذكر التاريخ والوقت والمكان وأي شهود محتملين.
التحرش الجسدي
يُعد التحرش الجسدي من أخطر أشكال التحرش، حيث يتضمن أي ملامسة جسدية غير مرغوب فيها. يمكن أن تتراوح هذه الأفعال من اللمسات الخفيفة غير اللائقة إلى الاعتداء الجسدي الصريح. قد يشمل أيضاً محاولة تقبيل شخص أو احتضانه بالإكراه، أو حتى التعرض للتحسس الجسدي غير المرغوب فيه. التحرش الجسدي غالباً ما يترك آثاراً نفسية عميقة على الضحية، وقد يتطلب تدخلاً قانونياً فورياً. من الضروري جداً توثيق أي اعتداء جسدي بأسرع وقت ممكن، وطلب المساعدة القانونية أو الطبية عند الضرورة.
في بعض الحالات، قد يتعدى التحرش الجسدي مجرد الملامسة ليشمل حصار الضحية في مكان معين أو عرقلة حركتها بشكل متعمد. هذه الأفعال تخلق شعوراً بالتهديد والخوف، وتعد انتهاكاً صارماً للخصوصية والسلامة الشخصية. الإبلاغ عن هذه الحالات يتطلب شجاعة، ويجب أن يجد الضحايا الدعم الكافي من بيئة العمل والسلطات المختصة. يجب على الشركات توفير بيئة عمل خالية تماماً من أي تهديد جسدي، واتخاذ إجراءات رادعة ضد مرتكبي هذه الأفعال.
التحرش البصري أو السلوكي
يشمل التحرش البصري أو السلوكي مجموعة واسعة من الأفعال غير اللفظية التي تخلق بيئة عدائية. يمكن أن يتضمن ذلك التحديق المزعج، أو الإشارات والإيماءات ذات الإيحاءات الجنسية، أو عرض مواد بصرية غير لائقة (مثل الصور أو مقاطع الفيديو الإباحية). كما يشمل أيضاً الملاحقة، أو التتبع، أو إرسال رسائل غير مرغوب فيها عبر البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي. هذا النوع من التحرش قد يكون خفياً ولكنه يسبب ضرراً نفسياً كبيراً للضحية، ويؤثر على شعورها بالأمان في مكان العمل.
إلى جانب الأفعال المذكورة، يمكن أن يتضمن التحرش السلوكي أيضاً إحاطة الضحية بمواضيع ذات طبيعة جنسية بشكل متكرر وغير مرغوب فيه، أو التعليق على علاقاتها الشخصية بطريقة مسيئة. هذه السلوكيات تخلق بيئة عمل غير مريحة وتؤثر على تركيز الضحية وأدائها. يجب على الضحية أن تسعى لتوثيق هذه الأفعال قدر الإمكان، حتى لو كانت مجرد تفاصيل صغيرة، لأنها قد تكون ذات أهمية عند تقديم الشكوى، وتساعد في بناء قضية قوية.
الإطار القانوني لحماية ضحايا التحرش في مصر
لضمان بيئة عمل آمنة، وضع المشرع المصري إطاراً قانونياً متيناً يجرم أفعال التحرش ويفرض عقوبات رادعة على مرتكبيها. هذا الإطار القانوني يشمل تشريعات جنائية صريحة، بالإضافة إلى مواد في قانون العمل تلزم أصحاب الأعمال بتوفير حماية لموظفيهم. فهم هذه القوانين أمر حيوي للضحايا للتعرف على حقوقهم وكيفية استخدامها للدفاع عن أنفسهم. كما أنه يرسي مسؤولية واضحة على المؤسسات والشركات للوقاية من التحرش ومكافحته. إن تطبيق هذه القوانين بفعالية يساهم في بناء مجتمع عمل أكثر عدلاً وأماناً للجميع.
التشريعات الجنائية المصرية
جرم القانون المصري أفعال التحرش بشكل واضح وصريح في قانون العقوبات، وتحديداً في المواد (306 أ) و(306 ب) التي تم تعديلها وتغليظ العقوبات فيها. تنص المادة (306 أ) على تعريف التحرش وتجريم كل من يتعرض للغير في مكان عام أو خاص أو في وسائل النقل بأي فعل أو قول أو إشارة ذات إيحاء جنسي أو إباحي، كما تشدد العقوبة إذا كان الجاني من له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه، أو إذا ارتكبت الجريمة في أماكن العمل.
أما المادة (306 ب)، فتزيد من العقوبة إذا كان الفعل بغرض الحصول على منفعة جنسية، أو إذا تكرر الفعل من نفس الجاني. هذه المواد تعكس إدراك المشرع لخطورة التحرش، وخصوصاً في البيئات التي يفترض فيها الأمان والثقة، كأماكن العمل. توفر هذه التشريعات الأساس القانوني لتقديم البلاغات ومقاضاة مرتكبي جرائم التحرش، مؤكدة على ضرورة حماية الأفراد من أي انتهاك لكرامتهم وحريتهم الشخصية. يجب على الضحايا الاستعانة بمحامٍ متخصص لضمان تطبيق هذه المواد بشكل فعال.
قانون العمل واللوائح الداخلية للشركات
إلى جانب التشريعات الجنائية، يلعب قانون العمل المصري دوراً محورياً في مكافحة التحرش بأماكن العمل. يلتزم أصحاب الأعمال بموجب قانون العمل بتوفير بيئة عمل آمنة وصحية لموظفيهم، وخالية من أي مضايقات أو تمييز. هذا الالتزام يتضمن وضع لوائح داخلية واضحة تجرم التحرش وتحدد آليات الإبلاغ والتحقيق والعقوبات التأديبية التي قد تصل إلى الفصل. يجب أن تكون هذه اللوائح متاحة ومعروفة لجميع العاملين لضمان الشفافية.
كما يتطلب قانون العمل من الشركات إجراء تحقيقات فورية ونزيهة في أي بلاغ عن تحرش، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المبلغين والشهود من أي انتقام. فشل صاحب العمل في اتخاذ هذه الإجراءات قد يعرضه للمسؤولية القانونية، بما في ذلك التعويض للضحية. لذلك، فإن دور اللوائح الداخلية للشركات لا يقتصر على مجرد التنظيم الإداري، بل يمتد ليشمل توفير حماية فعالة للعمال من جرائم التحرش وضمان حقوقهم القانونية والإنسانية في بيئة العمل.
خطوات عملية للتعامل مع جرائم التحرش في أماكن العمل
عند التعرض لجريمة تحرش في مكان العمل، قد يشعر الضحية بالصدمة والارتباك، مما قد يعيق قدرته على اتخاذ القرارات السليمة. لذلك، من الضروري معرفة الخطوات العملية والدقيقة التي يجب اتخاذها لضمان الحصول على الحماية القانونية اللازمة وتقديم الجاني للعدالة. هذه الخطوات تتطلب جمع الأدلة، والإبلاغ الداخلي، ثم اللجوء إلى الإجراءات القانونية الخارجية إذا لزم الأمر. إن اتخاذ هذه الخطوات بشكل منظم ومنهجي يزيد من فرص نجاح القضية ويضمن حقوق الضحية بشكل كامل.
الخطوات الأولية للضحية
أولى الخطوات بعد التعرض للتحرش هي توثيق الواقعة بأكبر قدر ممكن من التفاصيل. قم بتدوين كل ما حدث: التاريخ، الوقت، المكان، الأطراف المتورطة، الوصف الدقيق للأفعال أو الأقوال، وأي شهود محتملين. احتفظ بأي أدلة مادية مثل الرسائل النصية، رسائل البريد الإلكتروني، أو صور إذا كانت متاحة. هذه الأدلة ستكون حاسمة في دعم قضيتك. من المهم أيضاً إخبار شخص موثوق به بالواقعة، سواء كان زميلاً، صديقاً، أو فرداً من العائلة، لطلب الدعم النفسي والمعنوي، وربما ليشهد على حالتك لاحقاً.
في بعض الحالات، قد يكون من المفيد استشارة طبيب أو متخصص نفسي لتوثيق أي آثار نفسية أو جسدية ناتجة عن التحرش. هذا التوثيق الطبي يمكن أن يكون دليلاً إضافياً مهماً في أي إجراءات قانونية لاحقة. تذكر أن الهدف من هذه الخطوات الأولية هو بناء قضية قوية وجمع كل ما يدعم روايتك ويساعد في إثبات الجريمة. لا تتردد في طلب المساعدة القانونية المبكرة لفهم حقوقك وخياراتك.
الإبلاغ داخلياً في مكان العمل
بعد جمع الأدلة الأولية، الخطوة التالية هي الإبلاغ عن الواقعة داخلياً في مكان العمل. ابحث عن سياسة الشركة المتعلقة بالتحرش وتعرف على الجهة المسؤولة عن تلقي الشكاوى (عادةً قسم الموارد البشرية، أو الإدارة العليا، أو لجنة مختصة). قم بتقديم شكوى رسمية مكتوبة تتضمن تفاصيل الواقعة والأدلة التي جمعتها. يجب أن تلتزم الشركة بإجراء تحقيق فوري ونزيه. تأكد من الاحتفاظ بنسخة من الشكوى وأي مراسلات تتعلق بها.
إذا لم تكن هناك سياسة واضحة في الشركة، أو إذا شعرت أن الشكوى لم تُؤخذ على محمل الجد، يمكنك تصعيد الأمر إلى الإدارة العليا أو الجهات المختصة في الشركة. من حقك أن يتم التعامل مع شكواك بجدية وسرية، وأن يتم حمايتك من أي أعمال انتقامية. في حالة عدم استجابة الشركة أو عدم اتخاذها للإجراءات المناسبة، يصبح اللجوء إلى الجهات القضائية الخارجية ضرورة لحماية حقوقك.
الإجراءات القانونية الخارجية (الشرطة والنيابة)
إذا لم يتم حل المشكلة داخلياً أو كانت الجريمة خطيرة، يجب اللجوء إلى الإجراءات القانونية الخارجية. يمكنك تقديم بلاغ للشرطة أو مباشرة للنيابة العامة. عند تقديم البلاغ، ستحتاج إلى تقديم كل الأدلة التي جمعتها. ستقوم النيابة العامة بفتح تحقيق في الواقعة، وسماع أقوالك وأقوال الشهود، وجمع أي أدلة إضافية. من المستحسن جداً الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا التحرش لمساعدتك في هذه المرحلة.
يقوم المحامي بتقديم الدعم القانوني اللازم، ومتابعة سير التحقيقات، والتأكد من أن جميع الإجراءات القانونية تسير بشكل صحيح. يمكنه أيضاً مساعدتك في تقديم طلبات للنيابة العامة لاتخاذ إجراءات معينة، مثل طلب التحفظ على الأدلة أو سماع شهود معينين. هذه الخطوة حاسمة للحصول على العدالة، ويجب عدم التردد في اللجوء إليها لضمان معاقبة الجاني وحماية نفسك من المزيد من التحرش.
دور جهات التحقيق والمحاكمة في قضايا التحرش
بعد تقديم البلاغ، تبدأ مراحل التحقيق والمحاكمة التي تضطلع بها جهات قضائية متخصصة. هذه الجهات تتحمل مسؤولية جسيمة في ضمان تطبيق القانون وتحقيق العدالة للضحايا. فهم دور كل جهة والإجراءات التي تتخذها يساعد الضحايا على تتبع قضاياهم والتعاون بفعالية مع السلطات. بدءاً من جمع الأدلة وصولاً إلى إصدار الأحكام، تعمل هذه المؤسسات لضمان أن مرتكبي جرائم التحرش يواجهون العواقب القانونية لأفعالهم، وأن الضحايا يحصلون على حقوقهم كاملة.
النيابة العامة ودورها
بعد تقديم البلاغ، تتولى النيابة العامة التحقيق في الواقعة. تبدأ النيابة بسماع أقوال المجني عليه (الضحية) وتفريغ البلاغ، ثم تستدعي الشهود لسماع أقوالهم، وتطلب المستندات والأدلة التي قدمتها. قد تطلب النيابة أيضاً إجراء تحريات إضافية من الشرطة أو الأجهزة الأمنية للتأكد من صحة الواقعة وجمع المزيد من الأدلة. دور النيابة حاسم في جمع كافة تفاصيل الجريمة وتقييم الأدلة لتحديد ما إذا كانت هناك أدلة كافية لإحالة المتهم إلى المحكمة.
في بعض الحالات، قد تتخذ النيابة العامة إجراءات احترازية، مثل إصدار قرار بمنع المتهم من التعرض للضحية أو الاقتراب منها، أو حتى حبس المتهم احتياطياً إذا رأت ضرورة لذلك. بعد اكتمال التحقيقات، إذا وجدت النيابة أن هناك أدلة كافية لإدانة المتهم، ستقوم بإحالة القضية إلى المحكمة المختصة لتبدأ مرحلة المحاكمة. يجب على الضحية التعاون التام مع النيابة العامة وتقديم كل ما يطلبونه من معلومات أو مستندات.
المحاكم المختصة وإجراءات التقاضي
بعد إحالة القضية من النيابة العامة، تنظر المحاكم المختصة فيها. يتم تحديد المحكمة بناءً على طبيعة الجريمة وشدتها؛ فجرائم التحرش البسيطة قد تنظر أمام محكمة الجنح، بينما الجرائم الأكثر خطورة مثل التحرش المصحوب بعنف أو اعتداء قد تصل إلى محكمة الجنايات. في المحكمة، يتم سماع أقوال الشهود مرة أخرى، وتقديم المرافاعات من جانب النيابة والدفاع، وعرض الأدلة.
تتخذ المحكمة قرارها بناءً على الأدلة المقدمة والتحقيقات التي أجريت. قد تصدر المحكمة حكماً بالإدانة وتوقع العقوبة المقررة قانوناً على الجاني، والتي قد تشمل الحبس والغرامة، أو كليهما. يحق للضحية أيضاً المطالبة بالتعويض المدني عن الأضرار التي لحقت به جراء جريمة التحرش. بعد صدور الحكم، يحق للأطراف استئناف الحكم أمام محكمة أعلى درجة. يجب أن يكون الضحية مستعداً للتعاون مع المحكمة وتقديم شهادته بوضوح وصراحة.
تدابير وقائية لإنشاء بيئة عمل خالية من التحرش
الوقاية خير من العلاج، وهذا المبدأ ينطبق بقوة على جرائم التحرش في أماكن العمل. لا يكفي فقط معاقبة مرتكبي الجرائم، بل يجب على المؤسسات اتخاذ خطوات استباقية لإنشاء بيئة عمل ترفض التحرش وتضمن عدم حدوثه في المقام الأول. هذه التدابير الوقائية تشمل وضع سياسات صارمة، وتوفير التوعية والتدريب المستمر، وإنشاء آليات شكوى آمنة. إن التزام الشركات بهذه التدابير يخلق ثقافة عمل داعمة ومحترمة، ويقلل بشكل كبير من فرص وقوع حوادث التحرش، ويحمي الجميع.
وضع سياسات واضحة وصارمة
يجب على كل شركة وضع سياسة واضحة وصارمة لمكافحة التحرش، وأن تكون هذه السياسة متاحة لجميع الموظفين وسهلة الفهم. يجب أن تتضمن هذه السياسة تعريفاً واضحاً للتحرش بجميع أشكاله، وتحديد السلوكيات المحظورة، وتوضيح آليات الإبلاغ عن أي واقعة تحرش. كما يجب أن تتضمن السياسة تفصيلاً للإجراءات التي ستتخذها الشركة عند تلقي شكوى، بما في ذلك التحقيق والعقوبات التأديبية التي قد تصل إلى الفصل الفوري من العمل.
هذه السياسات يجب أن يتم مراجعتها وتحديثها بانتظام لضمان فعاليتها ومواكبتها لأي تغييرات قانونية أو اجتماعية. يجب أن تكون السياسة مدعومة بالتزام حقيقي من الإدارة العليا للشركة، وتطبيقها دون تمييز أو محاباة. الشفافية والوضوح في هذه السياسات ترسخ ثقافة الاحترام وتوضح للموظفين حقوقهم ومسؤولياتهم، وتجعل الجميع على دراية بالعواقب المترتبة على أي سلوك تحرشي.
التوعية والتدريب المستمر
لا يكفي مجرد وضع السياسات، بل يجب أيضاً توعية الموظفين والإدارة بهذه السياسات وتدريبهم على كيفية تطبيقها. يجب تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية منتظمة لجميع العاملين، تشمل تعريف التحرش، آثاره السلبية على الأفراد والبيئة العملية، وكيفية الإبلاغ عنه. يجب أن تتضمن هذه الدورات أيضاً تدريباً خاصاً للمشرفين والإدارة حول كيفية التعامل مع شكاوى التحرش بجدية وحساسية.
هذا التدريب يساعد على خلق وعي جماعي بالمشكلة، ويشجع على التدخل الإيجابي من قبل الزملاء في حال ملاحظة أي سلوك تحرشي. كما يعزز فهم الضحايا لحقوقهم وكيفية المطالبة بها. التوعية المستمرة تساهم في تغيير الثقافة السلبية التي قد تسمح بالتحرش، وتعمل على بناء بيئة عمل تقدر الاحترام المتبادل وتوفر الحماية لكل فرد.
إنشاء آليات شكوى سرية وآمنة
يجب على الشركات توفير آليات شكوى متعددة وسرية وآمنة، تتيح للضحايا الإبلاغ عن التحرش دون خوف من الانتقام. قد تشمل هذه الآليات خطوطاً ساخنة سرية، أو صناديق شكاوى مغلقة، أو بريد إلكتروني مخصص لشكاوى التحرش يتم التعامل معه من قبل جهة مستقلة أو موثوقة. يجب ضمان سرية هوية المبلغين والشهود وحمايتهم من أي شكل من أشكال التمييز أو التضييق الوظيفي بعد الإبلاغ.
إن توفير بيئة آمنة للإبلاغ يشجع الضحايا على الكشف عن حوادث التحرش بدلاً من السكوت عنها. يجب أن يتم التحقيق في كل شكوى بجدية ونزاهة، واتخاذ الإجراءات التأديبية المناسبة ضد الجاني. الشفافية في التعامل مع الشكاوى، مع الحفاظ على سرية الأطراف، تعزز الثقة في آليات الشركة وتزيد من فعاليتها في مكافحة التحرش وضمان بيئة عمل عادلة وآمنة.
توفير الدعم للضحايا وحماية المبلغين
بصرف النظر عن الإجراءات القانونية، من الضروري أن يتم توفير دعم شامل لضحايا التحرش، ليس فقط لمساعدتهم على تجاوز المحنة، بل أيضاً لتشجيعهم على الإبلاغ دون خوف. يشمل هذا الدعم الجوانب النفسية والقانونية، بالإضافة إلى توفير حماية قوية للمبلغين والشهود لضمان سلامتهم المهنية والشخصية. هذه العناصر الأساسية تكمل الإطار القانوني وتضمن أن الضحايا لا يواجهون تبعات سلبية لإبلاغهم عن الجرائم، مما يسهم في بناء ثقافة عمل أكثر عدلاً وتضامناً.
الدعم النفسي والقانوني للضحايا
غالباً ما يعاني ضحايا التحرش من آثار نفسية عميقة تتطلب دعماً متخصصاً. يجب أن توفر الشركات، أو الجهات المعنية، إمكانية الوصول إلى استشارات نفسية لضحايا التحرش لمساعدتهم على التعامل مع الصدمة والقلق والاكتئاب الذي قد ينجم عن الواقعة. كما أن توفير الدعم القانوني من خلال محامين متخصصين يمكن أن يكون حاسماً في إرشاد الضحايا عبر تعقيدات النظام القضائي، وضمان حصولهم على أفضل تمثيل قانوني ممكن.
هذا الدعم المتكامل، سواء كان نفسياً أو قانونياً، يساهم في تمكين الضحايا واستعادة شعورهم بالكرامة والأمان. قد يشمل الدعم القانوني المساعدة في صياغة الشكاوى، وجمع الأدلة، والمثول أمام جهات التحقيق والمحاكمة. الشركات التي تهتم برفاهية موظفيها يجب أن تتبنى برامج لدعم الضحايا كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية والأخلاقية، مما يعزز الثقة والولاء بين الموظفين والإدارة.
حماية المبلغين والشهود
إن حماية المبلغين عن جرائم التحرش والشهود أمر حيوي لضمان فعالية آليات الإبلاغ. كثيراً ما يتردد الأفراد في الإبلاغ عن التحرش خوفاً من الانتقام، سواء كان ذلك بفقدان الوظيفة، أو التمييز، أو التضييق المهني. لذلك، يجب على القانون واللوائح الداخلية للشركات أن توفر ضمانات قوية لحماية هؤلاء الأفراد. يجب أن يتم التعامل مع المعلومات بسرية تامة، وأن تضمن الشركة عدم تعرض المبلغين لأي إجراءات تأديبية أو سلبية بسبب إبلاغهم بحسن نية.
يمكن أن تشمل هذه الحماية توفير خيارات للإبلاغ المجهول، أو نقل الضحية إلى قسم آخر إذا لزم الأمر، أو اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي شخص يحاول الانتقام من المبلغ أو الشاهد. إن تطبيق سياسات صارمة ضد الانتقام يرسل رسالة واضحة بأن الشركة تقدر شجاعة المبلغين وتلتزم بحماية حقوقهم، مما يشجع المزيد من الأفراد على التقدم بشكواهم ويسهم في خلق بيئة عمل أكثر شفافية وعدالة.