الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصري

العقد الصوري وآثاره على الغير

العقد الصوري وآثاره على الغير

فهم أبعاد العقد الصوري وتداعياته القانونية

العقد الصوري هو اتفاق ظاهري يخفي وراءه حقيقة مغايرة أو لا توجد له حقيقة على الإطلاق، وهو ما يثير العديد من الإشكاليات القانونية، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الغير الذين قد يتعاملون بناءً على هذا المظهر الخادع. فهم هذه الظاهرة القانونية وآثارها ضروري لحماية المصالح وتجنب النزاعات القانونية المعقدة التي قد تنشأ.

تحديد العقد الصوري وأركانه

مفهوم العقد الصوري

العقد الصوري وآثاره على الغيرالعقد الصوري هو ذلك التصرف القانوني الذي يبرمه الطرفان في الظاهر، ولكن في الحقيقة لا يقصدان ترتيب آثاره القانونية، أو يقصدان ترتيب آثار عقد آخر يسمى العقد المستتر. تكمن صورية العقد في الاختلاف بين الإرادة الظاهرة المعلنة والإرادة الحقيقية الباطنة للطرفين المتعاقدين، ما يخلق حالة من التناقض بين المظهر والجوهر.

أنواع الصورية

تنقسم الصورية إلى نوعين رئيسيين: الصورية المطلقة والصورية النسبية. في الصورية المطلقة، لا يوجد عقد حقيقي إطلاقًا، والعقد الظاهر لا يهدف إلى تحقيق أي أثر قانوني بين الأطراف، وكأنه لم يكن. أما في الصورية النسبية، فيوجد عقد حقيقي ومستتر يخفيه العقد الظاهر، وقد تكون الصورية هنا بنوع العقد نفسه أو ببعض شروطه أو بأحد أطرافه الحقيقيين.

أركان العقد الصوري

لكي تتحقق الصورية، لا بد من توافر ثلاثة أركان أساسية لا يمكن الاستغناء عنها. أولاً، وجود اتفاقين: اتفاق ظاهر ومعلن، واتفاق حقيقي ومستتر. ثانياً، تعاصر الاتفاقين زمنياً، أي أن الاتفاق المستتر يسبق أو يعاصر الاتفاق الظاهر. ثالثاً، وجود نية الصورية لدى الطرفين، أي أن كلاهما يقصد إخفاء الحقيقة عن الغير.

آثار العقد الصوري على المتعاقدين

العلاقة بين طرفي العقد الصوري

بين طرفي العقد الصوري، تسود الإرادة الحقيقية والمستترة. فالعقد المستتر هو الذي ينتج آثاره القانونية الملزمة لهما، بينما لا ينتج العقد الظاهر أي أثر بينهما، ويعتبر وكأنه لم يبرم. هذا يعني أنه لا يجوز لأي طرف أن يتمسك بالعقد الظاهر ضد الطرف الآخر إذا كانت نيتهما المشتركة قد اتجهت إلى إبرام عقد مستتر.

إثبات الصورية بين المتعاقدين

إثبات الصورية بين المتعاقدين يخضع للقواعد العامة للإثبات في القانون المدني. عادة ما يتم إثباتها بالكتابة، خاصة بالكتابة المضادة أو ورقة الضد التي توضح حقيقة العقد المستتر ونية الطرفين. يمكن اللجوء إلى القرائن القضائية أو شهادة الشهود في بعض الحالات الاستثنائية التي يجيزها القانون صراحة، مثل وجود مانع مادي أو أدبي.

آثار العقد الصوري على الغير وحمايتهم

مفهوم الغير المتضرر من الصورية

الغير في هذا السياق هو كل شخص لم يكن طرفاً في العقد الصوري، ولم يكن ممثلاً فيه، وتأثرت حقوقه أو مصالحه من جراء وجود هذا العقد. هؤلاء الأغيار هم من يستحقون الحماية القانونية من آثار العقد الظاهر الذي لا يعبر عن الحقيقة، لأنهم قد بنوا قراراتهم أو تصرفاتهم على المظهر الخارجي للعقد.

حماية الغير حسن النية

القاعدة الأساسية هي أن العقد الصوري لا يحتج به على الغير حسن النية. هذا يعني أن الغير الذي تعامل بناءً على العقد الظاهر بحسن نية وجهل بحقيقة الصورية، يحق له التمسك بهذا العقد الظاهر وكأنه حقيقي ومنتج لآثاره. القانون هنا يحمي المظهر والثقة المشروعة التي أولاها الغير للعقد الظاهر.

طرق حماية الغير

لحماية الغير، يمكنهم التمسك بالعقد الظاهر إذا كان يصب في مصلحتهم ويحقق لهم أفضل فائدة، أو إثبات الصورية والتمسك بالعقد المستتر إذا كان ذلك يحقق لهم مصلحة أكبر. الخيار يكون لهم بناءً على ما يحقق أفضل حماية لحقوقهم ومصالحهم المتأثرة بالعقد الصوري، والقانون يمنحهم هذه المرونة.

كيفية إثبات الصورية من قبل الغير

اللجوء إلى كافة طرق الإثبات

خلافاً للمتعاقدين، يجوز للغير إثبات الصورية بكافة طرق الإثبات المتاحة، بما في ذلك البينة (شهادة الشهود) والقرائن القضائية. هذا التيسير في الإثبات يهدف إلى حماية حقوقهم المتضررة، نظراً لصعوبة إثبات ما خفي عنهم من اتفاقات مستترة لم يكونوا طرفاً فيها، ويعكس حرص المشرع على العدالة.

القرائن كأداة للإثبات

تعتبر القرائن القضائية من أقوى وسائل إثبات الصورية بالنسبة للغير. ومن أمثلة هذه القرائن: عدم دفع الثمن في بيع العقار، أو استمرار البائع في حيازة المبيع بعد إبرام عقد البيع، أو وجود علاقة قرابة قوية بين المتعاقدين، أو سوء الحالة المالية للمشتري الظاهر، وجميعها مؤشرات تدل على عدم جدية العقد.

رفع دعوى الصورية

يمكن للغير المتضرر رفع دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة بطلب إعلان صورية العقد. في هذه الدعوى، يجب على الغير تقديم الأدلة التي تثبت عدم جدية العقد الظاهر ووجود عقد مستتر أو عدم وجود أي عقد حقيقي على الإطلاق، ويقع عبء الإثبات عليه لاستصدار حكم قضائي يؤكد الصورية.

نصائح وإجراءات للتعامل مع العقد الصوري

التدقيق القانوني قبل إبرام العقود

للوقاية من الوقوع في فخ العقود الصورية، ينصح دائمًا بالتدقيق القانوني الشامل قبل إبرام أي عقد، خاصة العقود ذات القيمة الكبيرة. يجب مراجعة جميع المستندات والتحقق من نية الأطراف الحقيقية واستشارة محام متخصص لضمان سلامة التعامل وتجنب أي مفاجآت مستقبلية قد تضر بمصالحك.

توثيق جميع التعاملات

الحرص على توثيق جميع التعاملات المتعلقة بالعقود، سواء كانت كتابة أو بأي وسيلة إثبات أخرى مقبولة قانونًا. هذه الوثائق قد تكون حاسمة في إثبات حقيقة العقد، سواء كانت تدعم الظاهر أو تكشف المستتر، وهي ضرورية لحماية الحقوق وتدعيم موقفك في أي نزاع قانوني محتمل.

طلب استشارة قانونية فورية

في حال الشك في وجود صورية في عقد ما، سواء كنت طرفاً فيه أو كنت غيراً متضرراً، يجب طلب استشارة قانونية فورية من محام متخصص في القانون المدني. يمكن للمحامي تقديم النصح حول أفضل مسار عمل واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحماية مصالحك ومنع تفاقم الأضرار المحتملة.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock