الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريالنيابة العامة

الشهادة في الدعوى الجنائية: شروطها وقيمتها القانونية

الشهادة في الدعوى الجنائية: شروطها وقيمتها القانونية

دليل شامل لأهمية الشهود ودورهم في تحقيق العدالة

تُعد الشهادة من أهم أدلة الإثبات في الدعاوى الجنائية، فهي تمثل رواية شخص لما شاهده أو سمعه أو أدركه بحواسه حول واقعة الجريمة. هذه الرواية، إذا ما توافرت فيها الشروط القانونية، يمكن أن تشكل أساسًا جوهريًا للحكم في الدعوى. لكن، ما هي الشروط التي يجب أن تستوفيها الشهادة لتكون ذات قيمة قانونية معتبرة؟ وما هو الدور الحقيقي الذي يلعبه الشاهد في مسار العدالة الجنائية؟ هذا المقال يستعرض بعمق كل هذه الجوانب، مقدمًا تحليلًا شاملًا للشهادة في إطار القانون المصري.

أهمية الشهادة في النظام القانوني الجنائي

الشهادة كدليل إثبات مباشر

الشهادة في الدعوى الجنائية: شروطها وقيمتها القانونيةتتمتع الشهادة بمكانة فريدة بين أدلة الإثبات الجنائية، كونها دليلًا مباشرًا يكشف عن حقيقة الواقعة الجرمية. هي بمثابة عين وأذن العدالة في مسرح الجريمة، حيث يقدم الشاهد معلومات مستقاة من إدراكه الحسي الشخصي للحدث. هذا الطابع المباشر يجعلها ذات قوة إقناعية كبيرة لدى القاضي، إذا ما ثبتت صحتها ومصداقيتها. يمكن للشهادة أن ترجح كفة الإدانة أو البراءة، وتغير مسار القضية بشكل جذري.

بخلاف الأدلة المادية التي قد تحتاج إلى تفسير وتحليل، فإن الشهادة تقدم رواية بشرية للأحداث، مما يضفي عليها بعدًا إنسانيًا يساعد في فهم الملابسات الكاملة للجريمة. تكمن قوتها في قدرتها على ربط الأحداث ببعضها البعض وتقديم سياق متكامل للوقائع، مما يدعم جهود المحكمة في الوصول إلى الحقيقة الموضوعية. لذا، يولي القانون اهتمامًا بالغًا بضمان نزاهة الشهود وسلامة إفاداتهم.

دور الشهود في كشف الحقيقة

يُعتبر الشهود عصب الكشف عن الحقيقة في الدعاوى الجنائية. فهم ليسوا مجرد رواة للأحداث، بل قد يكونون المفتاح الذي يفتح أبوابًا مغلقة أمام جهات التحقيق والمحاكمة. من خلال شهاداتهم، يمكن التعرف على الجناة، تحديد زمان ومكان الجريمة، كشف تفاصيل لم تكن معلومة، أو دحض ادعاءات غير صحيحة. إنهم يقدمون منظورًا حيًا للأحداث، يساعد في رسم الصورة الكاملة للواقعة.

تعتمد النيابة العامة والمحكمة بشكل كبير على أقوال الشهود في بناء قناعتها حول الاتهام الموجه. فبدون الشهود، قد تظل العديد من الجرائم طي الكتمان أو يصعب إثباتها، خاصة في غياب الأدلة المادية الكافية. دور الشاهد يتجاوز مجرد الإخبار، ليشمل المساهمة الفعالة في تحقيق العدالة وكشف الغموض، مما يجعله عنصرًا لا غنى عنه في سير الإجراءات الجنائية.

الشروط القانونية لقبول الشهادة

الأهلية القانونية للشاهد

لا تقبل كل شهادة أمام المحاكم، بل يجب أن تتوافر في الشاهد شروط معينة لكي تكون شهادته ذات قيمة قانونية. أول هذه الشروط هي الأهلية القانونية، والتي تعني أن يكون الشاهد قادرًا على فهم طبيعة اليمين، وإدراك معنى الشهادة، وتمييز ما يراه ويسمعه بشكل صحيح. هذا الشرط يهدف إلى ضمان أن تكون الشهادة صادرة عن شخص مؤهل عقليًا ونفسيًا لتقديم معلومات موثوقة.

تتضمن الأهلية القانونية عدم وجود عوارض الأهلية التي قد تؤثر على قدرة الشاهد على الإدلاء بشهادة صحيحة وموثوقة. في القانون المصري، يضع المشرع ضوابط تتعلق بالعمر وسلامة العقل لضمان هذه الأهلية. فإذا كان الشاهد غير أهل قانونيًا، فإن شهادته قد تُرفض أو تُضعف قيمتها التقديرية بشكل كبير، حتى لو كانت تحتوي على معلومات قد تكون ذات صلة بالواقعة الجرمية.

البلوغ والعقل

يشترط في الشاهد أن يكون بالغًا وعاقلًا لكي تُقبل شهادته كدليل إثبات كامل. يُحدد القانون سنًا معينًا للبلوغ الذي يسمح للطفل بالإدلاء بشهادة، مع الأخذ في الاعتبار أن شهادة الصغار تُؤخذ على سبيل الاستدلال وليس على سبيل الإثبات الكامل، وتخضع لتقدير خاص من المحكمة، وقد لا يُحلفون اليمين. أما العقل، فيعني ألا يكون الشاهد مصابًا بمرض عقلي أو ذهني يفقده القدرة على الإدراك والتمييز.

الشخص المجنون أو الذي يعاني من ضعف عقلي شديد، لا يمكن أن تكون شهادته معتبرة قانونًا، لأنه غير قادر على فهم طبيعة الواقعة أو تذكر تفاصيلها بدقة، أو فهم مسؤولية اليمين. تهدف هذه الشروط إلى حماية نظام العدالة من الشهادات التي قد تكون غير موثوقة أو متأثرة بعوامل لا إرادية، وبالتالي ضمان عدالة الإجراءات والمحاكمة.

عدم وجود موانع قانونية

بالإضافة إلى الأهلية العامة، قد توجد موانع قانونية محددة تمنع شخصًا معينًا من الشهادة في ظروف معينة أو تضعف من قيمة شهادته. في الدعاوى الجنائية، القاعدة العامة هي قبول شهادة الجميع، حتى الأقارب وذوي المصلحة، ولكن المحكمة تملك سلطة تقديرية واسعة في تقييم مدى مصداقية هذه الشهادات. قد تكون هناك حالات يمنع فيها القانون بعض الأشخاص من الشهادة لحماية أسرار معينة، مثل المحامين والأطباء والكهنة بخصوص ما أُفضي إليهم بحكم مهنتهم.

الهدف من هذه الموانع هو حماية بعض العلاقات الخاصة أو الثقة المهنية التي يرى المشرع أهمية الحفاظ عليها. ومع ذلك، في سياق الدعاوى الجنائية، يتم التعامل مع هذه الموانع بحذر شديد لضمان عدم إعاقة كشف الحقيقة، وغالبًا ما يوازن القاضي بين المصلحة العامة في كشف الجريمة والحفاظ على تلك الأسرار أو الثقة. يجب على المحكمة أن تُعلل قرارها بقبول أو رفض شهادة الشاهد الذي تنطبق عليه إحدى هذه الموانع.

تعلق الشهادة بواقعة الجريمة

يُشترط أن تكون الشهادة متعلقة مباشرة بواقعة الجريمة محل الدعوى. بمعنى أن ما يرويه الشاهد يجب أن يكون له صلة وثيقة بالأفعال المكونة للجريمة أو بملابساتها، وأن يكون الشاهد قد أدرك هذه الوقائع بحواسه بشكل مباشر. لا تُقبل الشهادة على مجرد الإشاعات أو التكهنات أو الرأي الشخصي للشاهد، بل يجب أن تكون مبنية على علم يقيني ومباشر بالحدث.

إذا كانت الشهادة تدور حول وقائع لا علاقة لها بالجريمة، أو وقائع بعيدة وغير مؤثرة في تحديد المسؤولية الجنائية، فليس للمحكمة أن تعول عليها. هذا الشرط يضمن تركيز الجهود القضائية على الأدلة ذات الصلة الفعلية بالاتهام، ويمنع إضاعة الوقت في سماع شهادات لا تسهم في كشف الحقيقة الجنائية أو تضليل العدالة بمعلومات غير ذات صلة.

الإدلاء بالشهادة أمام الجهات المختصة

لكي تكون الشهادة معتبرة قانونًا، يجب أن تُدلى بها أمام الجهات القضائية أو التحقيقية المختصة، مثل النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو المحكمة. لا تُعتبر الأقوال التي يدلي بها الشخص في غير هذه الأماكن، كالمحادثات الخاصة أو أمام جهات غير قضائية، شهادة بالمعنى القانوني الذي يمكن الاعتماد عليه كدليل إثبات في الدعوى الجنائية. الهدف من هذا الشرط هو ضمان تسجيل الشهادة بشكل رسمي وتحت الإشراف القضائي.

هذا الإجراء يسمح للجهات المختصة بضمان صحة الإجراءات، وتوجيه الأسئلة اللازمة، وتوثيق الأقوال، وإتاحة الفرصة للأطراف الأخرى للمناقشة والمواجهة. كما أنه يضمن حماية الشاهد ووعيه بالمسؤولية القانونية المترتبة على شهادته، خاصة بعد حلف اليمين. أي شهادة تتم خارج هذا الإطار قد تُستخدم كقرينة أو معلومة، ولكنها لا تكتسب قوة الدليل القضائي الكامل.

أداء اليمين القانونية

يُعتبر أداء اليمين القانونية شرطًا أساسيًا لضمان جدية الشهادة ومصداقيتها في الدعاوى الجنائية، وذلك قبل الإدلاء بأي أقوال أمام المحكمة أو النيابة العامة. يقسم الشاهد بأن يقول الحق كل الحق ولا شيء غير الحق، وهو ما يضع على عاتقه مسؤولية أخلاقية وقانونية كبيرة. التخلي عن قول الحقيقة بعد أداء اليمين يُعرض الشاهد لعقوبة شهادة الزور، مما يمثل رادعًا قويًا ضد الكذب أو التضليل.

هذا الإجراء يهدف إلى تذكير الشاهد بأهمية شهادته وتأثيرها على مصير المتهم وحقوق المجني عليه والمجتمع بأسره. كما أنه يمنح الشهادة قوة إضافية في نظر القاضي، الذي يفترض أن الشاهد قد أقدم على قول الصدق بعد أداء هذا الإجراء الرسمي الهام. الاستثناء الوحيد من أداء اليمين يكون غالبًا للأطفال الصغار جدًا الذين لا يدركون معنى اليمين، حيث تؤخذ أقوالهم على سبيل الاستدلال.

إجراءات الإدلاء بالشهادة وتقدير قيمتها

استدعاء الشاهد وسماع أقواله

تبدأ إجراءات الشهادة عادة باستدعاء الشاهد للحضور أمام جهة التحقيق أو المحكمة، وذلك بموجب إعلان رسمي. بعد حضور الشاهد، يتم التحقق من هويته وبياناته الشخصية، ثم يتم سؤاله عما إذا كانت لديه موانع للشهادة. بعد ذلك، يؤدي الشاهد اليمين القانونية المنصوص عليها، ليبدأ في الإدلاء بأقواله المتعلقة بواقعة الجريمة. يتم تدوين أقوال الشاهد بشكل دقيق في محضر رسمي.

يُمنح الشاهد الحرية في سرد ما يعرفه عن الواقعة، ثم يقوم وكيل النيابة أو القاضي بتوجيه الأسئلة إليه لاستجلاء بعض النقاط أو طلب توضيحات إضافية. تهدف هذه الخطوات إلى جمع أكبر قدر من المعلومات الدقيقة والموثوقة من الشاهد، وتوثيقها بشكل يحفظها للرجوع إليها لاحقًا خلال مراحل الدعوى المختلفة. يجب أن يكون سماع الأقوال خالياً من أي ضغوط أو إكراه.

المواجهة والمناقشة

بعد سماع أقوال الشاهد، يحق لأطراف الدعوى، سواء النيابة العامة أو الدفاع، مناقشة الشاهد وتوجيه الأسئلة إليه. تُعرف هذه العملية بالمواجهة أو الاستجواب المتبادل. تهدف المناقشة إلى اختبار مصداقية الشاهد، مدى دقة ذاكرته، وتطابق أقواله مع الأدلة الأخرى. يمكن للدفاع أن يشير إلى تناقضات في أقوال الشاهد، أو يُبرز الدوافع المحتملة للكذب أو الخطأ في الشهادة.

كما يمكن للنيابة أن تستوضح نقاطًا تدعم الاتهام أو تفند دفاع المتهم. تعتبر المواجهة والمناقشة أداة أساسية لفلترة المعلومات التي يقدمها الشاهد، وتقييم مدى قوتها وضعفها، وكشف أي محاولات للتضليل أو التحيز. تُجرى هذه العملية بحضور القاضي الذي يضمن سيرها وفقًا للقواعد القانونية ويمنع أي تجاوزات من قبل الأطراف.

تقدير المحكمة لقيمة الشهادة

لا يعني مجرد الإدلاء بالشهادة قبولها كدليل قاطع، بل تخضع الشهادة لسلطة المحكمة التقديرية في وزنها وتقييم قيمتها. القاضي ليس ملزمًا بالأخذ بكل ما يقوله الشاهد، بل له أن يقتنع ببعض أجزاء الشهادة دون الأخرى، أو أن يرفض الشهادة كليًا إذا وجد أنها غير مقنعة أو متناقضة مع أدلة أخرى. هذا التقدير يعتمد على عوامل متعددة تشكل قناعة القاضي.

تتمتع المحكمة بسلطة تقديرية واسعة في تقييم الشهادة، وهي تحدد مدى الأخذ بها بناءً على قناعتها الشخصية المستنبطة من ظروف الدعوى وملابساتها. هذا التقدير هو جوهر عمل القاضي في الحكم على صحة وصدق الأدلة المقدمة أمامه، وهو ما يضمن تحقيق العدالة بشكل عادل ومنصف، بعيدًا عن أي إلزام بتقدير مسبق للشهادة.

عوامل تقوية الشهادة

توجد عدة عوامل تزيد من قوة الشهادة ومصداقيتها في نظر المحكمة. من أبرزها تطابق الشهادة مع أقوال شهود آخرين أو مع الأدلة المادية الأخرى في الدعوى. كما أن وضوح الشهادة، تفاصيلها الدقيقة، وعدم وجود تناقضات جوهرية فيها يعزز من قيمتها. كذلك، إذا كان الشاهد لا تربطه أي مصلحة شخصية في القضية، ولا توجد عداوة سابقة بينه وبين المتهم، فإن ذلك يزيد من حياديته وموثوقيته.

استقامة الشاهد وسمعته الطيبة، وكفاءته في الإدراك والتذكر، كل ذلك يؤثر إيجابًا في وزن شهادته. إذا كانت أقوال الشاهد تتسق مع المنطق ومع مجرى الأمور الطبيعي، فإن المحكمة تميل إلى الأخذ بها. الهدف هو بناء قناعة راسخة لدى المحكمة بأن الشاهد يقول الحقيقة، وأن ما يرويه يعكس الواقع الفعلي للحدث الجرمي الذي كان محل إدراكه الحسي.

عوامل إضعاف الشهادة

على النقيض، هناك عوامل تضعف من قيمة الشهادة وتقلل من اعتماد المحكمة عليها. التناقضات الصارخة في أقوال الشاهد، سواء كانت بين أقواله المختلفة في مراحل التحقيق أو المحاكمة، أو بين شهادته وشهادات أخرى موثوقة، تعتبر من أقوى العوامل المضعفة. كذلك، إذا ثبت أن للشاهد مصلحة شخصية مباشرة في نتيجة الدعوى، أو وجود عداوة بينه وبين المتهم، فإن ذلك يثير الشكوك حول حياديته.

ضعف ذاكرة الشاهد، أو عدم قدرته على تذكر التفاصيل الجوهرية، أو وقوعه تحت تأثير ضغط نفسي أو تهديد، يمكن أن يؤثر سلبًا على قيمة شهادته. كما أن شهادة الشاهد على واقعة سمع عنها فقط دون رؤيتها، أو كانت مجرد رأي شخصي، لا يمكن التعويل عليها كدليل إثبات. كل هذه العوامل تدفع المحكمة إلى التعامل بحذر مع الشهادة، وربما رفضها كليًا أو جزئيًا.

الشهادة الواحدة ومدى كفايتها

في القانون المصري، لا توجد قاعدة عامة تلزم المحكمة بعدد معين من الشهود للحكم بالإدانة في الدعاوى الجنائية. مبدأ اقتناع القاضي هو الأساس، وبالتالي يمكن للمحكمة أن تبني حكمها على شهادة شاهد واحد فقط إذا اطمأنت إلى صدقه وتطابق شهادته مع باقي الأدلة والقرائن في الدعوى. ومع ذلك، غالبًا ما تبحث المحكمة عن مؤيدات للشهادة الواحدة، خاصة في الجرائم الخطيرة أو في غياب أدلة أخرى.

الغاية هي الوصول إلى اليقين القضائي، وليس مجرد الاحتمال. لذلك، إذا كانت هناك شهادة واحدة فقط، فإن المحكمة ت scrutinize (تفحص بدقة) هذه الشهادة بشكل خاص للتأكد من خلوها من الشكوك وأوجه النقص، وللتأكد من أنها كافية لتكوين قناعتها بشكل مستقل. في بعض الحالات، قد تتطلب بعض الجرائم، بموجب نصوص خاصة، عددًا معينًا من الشهود، ولكن هذه استثناءات على القاعدة العامة التي تمنح القاضي سلطة التقدير.

أنواع الشهود وحقوقهم وواجباتهم

الشاهد العادي والشاهد الخبير

يُقسم الشهود في الدعاوى الجنائية إلى نوعين رئيسيين: الشاهد العادي والشاهد الخبير. الشاهد العادي هو الشخص الذي أدرك الواقعة الجرمية بحواسه الخمس (سمع، بصر، شم، لمس، تذوق) ويقدم روايته للأحداث كما رآها أو سمعها. شهادته تتناول وقائع مادية وليس آراءً فنية أو علمية. يتم التركيز على قدرته على الإدراك والتذكر وصدق الرواية.

أما الشاهد الخبير، فهو شخص لديه معرفة فنية أو علمية متخصصة في مجال معين، وتستعين به المحكمة لتقديم رأي فني حول وقائع تحتاج إلى تحليل علمي، مثل تقارير الطب الشرعي، الخبرة الفنية في تزوير المستندات، أو تحليل الأدلة الرقمية. شهادة الخبير هي رأي فني يستند إلى خبرته وعلمه، وتُقدم للمحكمة لمساعدتها في فهم الجوانب المعقدة للقضية، وهي تخضع أيضًا لسلطة المحكمة التقديرية.

حقوق الشاهد

لضمان مشاركة الشهود الفعالة وحمايتهم، كفل القانون لهم مجموعة من الحقوق. من أبرز هذه الحقوق حق الشاهد في الحصول على مصاريف الانتقال والتعويض عن تعطله عن عمله بسبب الإدلاء بالشهادة. كما يحق له عدم الإجابة على الأسئلة التي قد تعرضه أو تعرض أحد أقاربه المقربين للمساءلة الجنائية (الحق في عدم تجريم الذات). في بعض الحالات، يمكن توفير حماية خاصة للشهود المهددين، مثل تغيير محل إقامتهم أو هويتهم، لضمان سلامتهم.

يجب أن تُعامل المحكمة الشاهد باحترام، وتوفر له بيئة آمنة للإدلاء بشهادته دون خوف أو ضغط. كذلك، يحق للشاهد أن تُتلى عليه أقواله بعد تدوينها للتأكد من مطابقتها لما قاله، وأن يوقع عليها أو يبصم إذا كان لا يعرف القراءة والكتابة. هذه الحقوق تهدف إلى تشجيع الشهود على الحضور والإدلاء بشهاداتهم بصدق وبدون تردد، مما يعزز من سير العدالة.

واجبات الشاهد

يقابل حقوق الشاهد واجبات أساسية يجب عليه الالتزام بها لضمان سلامة الإجراءات القضائية. أول وأهم هذه الواجبات هو واجب الحضور أمام الجهة القضائية أو التحقيقية المختصة عندما يُستدعى بصفة قانونية. الامتناع عن الحضور دون عذر مقبول قد يُعرض الشاهد لعقوبات قانونية، مثل الغرامة أو الإحضار بالقوة. الواجب الثاني هو أداء اليمين القانونية قبل الإدلاء بالشهادة.

الواجب الأبرز هو قول الحقيقة كاملة ودون تحريف أو كذب. الكذب في الشهادة بعد حلف اليمين يُعتبر جريمة شهادة الزور، والتي يعاقب عليها القانون بشدة. كما يجب على الشاهد الإجابة على كافة الأسئلة الموجهة إليه من قبل المحكمة أو النيابة أو الدفاع، ما لم تكن هذه الأسئلة تعرضه لتجريم الذات. الالتزام بهذه الواجبات يضمن أن تكون الشهادة أداة فعالة في تحقيق العدالة.

تحديات الشهادة والحلول المقترحة

تأثير الضغوط النفسية والتهديدات

يواجه الشهود في الدعاوى الجنائية، وخصوصًا في الجرائم الخطيرة، تحديات كبيرة تتمثل في الضغوط النفسية والتهديدات. قد يتعرض الشاهد لضغوط من المتهم أو ذويه أو جماعات منظمة، لثنيه عن الإدلاء بشهادته أو لتغييرها. هذه التهديدات لا تؤثر فقط على سلامة الشاهد الجسدية والنفسية، بل يمكن أن تشوه مسار العدالة وتؤدي إلى براءة مجرمين أو إدانة أبرياء. كما أن الضغوط النفسية المرتبطة بالواقعة ذاتها قد تؤثر على ذاكرة الشاهد وقدرته على السرد.

التعامل مع هذه التحديات يتطلب آليات حماية فعالة. يمكن أن تشمل هذه الآليات توفير الحماية الجسدية للشهود، أو منع الكشف عن هويتهم في بعض الحالات، أو حتى برامج تغيير الهوية إذا كانت حياة الشاهد في خطر حقيقي. يجب على الأنظمة القانونية أن توفر بيئة آمنة تشجع الشهود على الإدلاء بالحق دون خوف، لضمان سير العدالة بشكل سليم. كما أن الدعم النفسي للشهود، خاصة في الجرائم المؤلمة، يمكن أن يعزز قدرتهم على الشهادة بفعالية.

التدابير القضائية لضمان صحة الشهادة

لضمان أن تكون الشهادة دليلًا قويًا وموثوقًا، تتخذ الجهات القضائية عدة تدابير. من أهمها إجراء المواجهة بين الشهود أو بين الشاهد والمتهم إذا كانت هناك تناقضات. كما تُعنى المحكمة بملاحظة سلوك الشاهد وطريقة إجابته على الأسئلة، للكشف عن أي علامات كذب أو تردد. يمكن للمحكمة أيضًا أن تطلب إجراء معاينة للواقعة أو الاستعانة بالخبراء إذا كانت الشهادة تتناول جوانب فنية تحتاج إلى تأكيد.

القاضي هو الحارس على صحة الشهادة، وله أن يرفض الشهادة إذا ساورته الشكوك حولها، أو إذا كانت متناقضة مع أدلة أخرى قاطعة. هذه التدابير تهدف إلى تمحيص الشهادة وفحصها بدقة من جميع الجوانب لضمان أنها تمثل الحقيقة قدر الإمكان، وتساهم في بناء قناعة قضائية راسخة تقوم على أدلة دامغة. الهدف الأسمى هو منع الظلم وتحقيق العدالة للجميع.

تُعد الشهادة ركيزة أساسية في بناء الحكم الجنائي، وهي تتطلب دقة متناهية في جمعها وتقديرها. فالقانون المصري يضع إطارًا واضحًا لشروط قبولها وإجراءات سماعها، مع منح القاضي السلطة التقديرية لوزنها في ميزان العدالة. إن فهم هذه الجوانب يساهم في تعزيز نزاهة المحاكمات وضمان حقوق جميع الأطراف. يجب أن يظل الهدف دائمًا هو كشف الحقيقة وتحقيق العدالة، وذلك من خلال تقدير قيمة الشهادة بكل احترافية وموضوعية.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock