الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريالنيابة العامة

أثر الشكوى في تحريك الدعوى الجنائية

أثر الشكوى في تحريك الدعوى الجنائية

دليل شامل حول أهمية الشكوى وإجراءاتها في النظام القانوني المصري

تُعد الشكوى أداة قانونية بالغة الأهمية في النظام القضائي المصري، حيث تمثل أحيانًا المفتاح الأساسي لتحريك الدعوى الجنائية في عدد من الجرائم. فهم طبيعة الشكوى وإجراءات تقديمها وآثارها القانونية يُعد ضروريًا لكل من يرغب في حماية حقوقه أو الإلمام بالأسس الإجرائية للقانون الجنائي. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل شامل ومبسط لأثر الشكوى في مسار الدعوى الجنائية، مع التركيز على الجوانب العملية والحلول المتاحة.

مفهوم الشكوى وأهميتها في القانون الجنائي

تعريف الشكوى في القانون المصري

أثر الشكوى في تحريك الدعوى الجنائيةالشكوى هي تعبير عن إرادة المجني عليه أو من يمثله قانونًا في تحريك الدعوى الجنائية ضد مرتكب الجريمة. هي إذن خاص يصدر عن صاحب الحق لإبلاغ السلطات المختصة بواقعة إجرامية حدثت له، يطلب بموجبها اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. تختلف الشكوى عن البلاغ العام الذي يمكن لأي شخص تقديمه، فالبلاغ يخبر عن جريمة وقعت بينما الشكوى تحرك الإجراءات في جرائم محددة.

تُعد الشكوى شرطًا لازمًا لتحريك الدعوى الجنائية في بعض أنواع الجرائم التي يرى المشرع أن المصلحة الخاصة فيها هي الأرجح، أو التي تتطلب رغبة المجني عليه لحماية سمعته أو علاقته الاجتماعية. بدون الشكوى، تمتنع النيابة العامة عن اتخاذ أي إجراءات بشأن هذه الجرائم، حتى لو علمت بها من مصادر أخرى. هذا التأكيد على إرادة المجني عليه يبرز أهمية الشكوى كعنصر جوهري.

الفرق بين الشكوى والبلاغ

يكمن الفارق الجوهري بين الشكوى والبلاغ في طبيعة الجرائم التي تتعلق بكل منهما، وفي الأثر القانوني المترتب عليهما. البلاغ هو مجرد إعلام السلطات العامة بوقوع جريمة، ويمكن لأي شخص أن يقدمه، ولا يتوقف عليه تحريك الدعوى الجنائية في معظم الجرائم. النيابة العامة ملزمة بتحقيق البلاغات والتحقق من صحتها، ثم تحريك الدعوى الجنائية إذا توفرت أدلة كافية.

أما الشكوى، فهي إعلان إرادة المجني عليه صراحةً برغبته في ملاحقة الجاني، وهي شرط أساسي لتحريك الدعوى في الجرائم التي نص القانون على أنها “جرائم شكوى”. لا تستطيع النيابة العامة تحريك الدعوى أو اتخاذ إجراءات تحقيقية في هذه الجرائم إلا بوجود الشكوى الصحيحة. كما أن سحب الشكوى يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية، وهو أثر لا يترتب على سحب البلاغ.

الحكمة من اشتراط الشكوى في بعض الجرائم

المشرع المصري، شأنه شأن العديد من التشريعات، اشترط الشكوى لتحريك الدعوى الجنائية في أنواع معينة من الجرائم لاعتبارات متعددة. أول هذه الاعتبارات هو حماية الروابط الأسرية والاجتماعية، فبعض الجرائم تحدث داخل نطاق الأسرة أو تتصل بالعلاقات الشخصية، ورأى المشرع أن تدخل النيابة العامة فيها دون رغبة المجني عليه قد يؤدي إلى تفكك الأسر أو إفشاء أسرار خاصة.

الاعتبار الثاني هو حماية سمعة المجني عليه وكرامته، فبعض الجرائم تمس الشرف أو السمعة، وقد يفضل المجني عليه عدم إثارة الأمر علنًا والاكتفاء بعدم الملاحقة الجنائية. إعطاء المجني عليه هذا الحق يمنحه فرصة للتحكم في مسار القضية بما يتوافق مع مصلحته الخاصة. كما تهدف إلى تخفيف العبء على الأجهزة القضائية من الجرائم البسيطة التي يمكن للمجني عليه التنازل عنها.

الجرائم التي تتوقف على الشكوى (جرائم الشكوى)

قائمة بأبرز الجرائم التي تستلزم الشكوى

في القانون المصري، هناك أنواع محددة من الجرائم التي لا يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية بشأنها إلا بناءً على شكوى من المجني عليه أو وكيله الخاص. من أبرز هذه الجرائم ما يلي:

  • جرائم السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة بين الأصول والفروع أو الأزواج أو الأقارب حتى الدرجة الرابعة، باستثناء السرقة بالإكراه.
  • جرائم السب والقذف العلني التي تمس سمعة الأفراد أو المؤسسات.
  • جريمة إفشاء الأسرار التي تقع من الأطباء أو الصيادلة أو المحامين أو غيرهم ممن ائتمنوا عليها بحكم مهنتهم.
  • جريمة عدم تسليم الصغير لمن له الحق في حضانته أو رؤيته.
  • بعض جرائم التهديد.

يجب الإشارة إلى أن هذه القائمة ليست حصرية، وقد يضاف إليها أو يحذف منها بعض الجرائم بتعديل القوانين. لذا، من الضروري دائمًا الرجوع إلى النص القانوني الصريح للتأكد من ما إذا كانت الجريمة المعينة تتوقف على شكوى من عدمه. فهم هذه الجرائم يساعد المجني عليه على اتخاذ القرار الصحيح بتقديم الشكوى من عدمه.

مدة تقديم الشكوى وأهمية الالتزام بها

حدد القانون المصري مدة محددة لتقديم الشكوى، وهي ثلاثة أشهر من تاريخ علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها. هذا الميعاد يعتبر ميعاد سقوط وليس ميعاد تقادم، بمعنى أنه إذا انقضت هذه المدة دون تقديم الشكوى، سقط حق المجني عليه في تقديمها نهائيًا، ولا يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية بعد ذلك.

يُعد الالتزام بهذا الميعاد أمرًا في غاية الأهمية، فإذا تأخر المجني عليه في تقديم شكواه، فقد يضيع حقه في ملاحقة الجاني وإنصافه. تبدأ المدة من اليوم الذي يعلم فيه المجني عليه بحدوث الجريمة وشخص الفاعل، وليس من تاريخ وقوع الجريمة. لذلك، يجب على المجني عليه فور علمه بالواقعة واتضاح شخص مرتكبها أن يسارع بتقديم الشكوى لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وحفظ حقه.

إجراءات تقديم الشكوى

من يحق له تقديم الشكوى؟

يخول القانون حق تقديم الشكوى للمجني عليه شخصيًا. في حال كان المجني عليه قاصرًا أو فاقدًا للأهلية، يحق لوليه أو وصيه أو القيم عليه تقديم الشكوى نيابةً عنه. كما يجوز للمجني عليه أن يوكل محاميًا خاصًا لتقديم الشكوى باسمه ولحسابه، بشرط أن يكون الوكيل مزودًا بتوكيل خاص يتضمن صراحةً صلاحية تقديم الشكوى وتحريك الدعوى الجنائية.

لا يجوز لغير هؤلاء الأشخاص تقديم الشكوى، حتى لو كانوا من أقارب المجني عليه أو لهم مصلحة في القضية، إلا إذا كان المجني عليه قد فوضهم قانونًا. هذا القيد يضمن أن الشكوى تصدر عن إرادة حرة ومباشرة من صاحب الحق، ويحد من تدخل أطراف أخرى قد لا تكون لديها نفس المصلحة أو الرغبة في الملاحقة الجنائية. يجب التأكد من أهلية مقدم الشكوى القانونية.

أماكن تقديم الشكوى

تتعدد الجهات التي يمكن للمجني عليه أو وكيله تقديم الشكوى إليها في مصر، وذلك لتسهيل الإجراءات وضمان الوصول العدالة. الأماكن الرئيسية لتقديم الشكوى هي:

  1. النيابة العامة: يمكن تقديم الشكوى مباشرةً إلى مقر النيابة العامة المختصة، سواء كانت نيابة جزئية أو كلية. يُفضل تقديمها للنيابة لأنها هي الجهة الأصلية المنوط بها تحريك الدعوى الجنائية.
  2. أقسام الشرطة ومراكزها: يمكن تقديم الشكوى في أي قسم شرطة يقع في دائرة اختصاصه الجريمة أو محل إقامة المجني عليه أو المشكو في حقه. يقوم ضباط الشرطة بتحرير محضر بالواقعة وإرساله إلى النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم.
  3. مأمور الضبط القضائي: في بعض الحالات، يمكن تقديم الشكوى لأي من مأموري الضبط القضائي (مثل ضباط المباحث) الذين يقومون بدورهم بتدوين الشكوى وإحالتها للجهات المختصة.

اختيار المكان المناسب لتقديم الشكوى يعتمد على ظروف كل حالة ومدى إمكانية الوصول إلى الجهة المختصة. ينصح بتقديم الشكوى للنيابة العامة مباشرةً كلما أمكن ذلك لضمان سرعة الإجراءات ومتابعتها بشكل فعال.

كيفية صياغة الشكوى ومحتواها

لضمان قبول الشكوى وفعاليتها، يجب أن تُصاغ بعناية وتتضمن بيانات ومعلومات أساسية. يمكن تقديم الشكوى شفهيًا أو كتابيًا، ولكن يفضل دائمًا تقديمها كتابيًا لتجنب أي سوء فهم أو نقص في المعلومات. يجب أن تشتمل الشكوى على ما يلي:

  1. بيانات الشاكي: الاسم الكامل، الرقم القومي، العنوان، رقم الهاتف.
  2. بيانات المشكو في حقه: الاسم الكامل (إن أمكن)، العنوان، أي معلومات تعريفية أخرى.
  3. تفاصيل الواقعة الإجرامية: وصف دقيق وواضح للجريمة، تاريخ ومكان وقوعها، كيفية ارتكابها.
  4. الأدلة المتوفرة: ذكر أي شهود، مستندات، صور، تسجيلات، أو أي أدلة أخرى تدعم الشكوى.
  5. الطلبات: توضيح طلب الشاكي بتحريك الدعوى الجنائية ضد المشكو في حقه واتخاذ الإجراءات القانونية.

يجب أن تكون الصياغة موجزة وواضحة، مع تجنب الغموض أو المبالغة. يفضل الاستعانة بمحامٍ لصياغة الشكوى لضمان تضمين كافة التفاصيل القانونية اللازمة وتقديمها بالشكل الصحيح. هذا يضمن أن الشكوى ستكون مؤثرة وفعالة في نظر الجهات القضائية.

النماذج والإجراءات المطلوبة

لتقديم شكوى صحيحة وفعالة، يجب اتباع بعض الإجراءات وتجهيز المستندات المطلوبة. لا يوجد نموذج موحد صارم للشكوى في كل الأحوال، لكن هناك مبادئ عامة يجب مراعاتها. غالبًا ما يتم تحرير محضر بالشكوى سواء في النيابة أو قسم الشرطة. الإجراءات والوثائق المتوقعة تشمل:

  1. بطاقة الرقم القومي: لإثبات شخصية الشاكي.
  2. المستندات المؤيدة: أي مستندات تدعم وقائع الشكوى، مثل عقود، فواتير، تقارير طبية، صور.
  3. أسماء وعناوين الشهود: إن وجدوا، لتسهيل استدعائهم للإدلاء بشهاداتهم.
  4. توكيل خاص: إذا كان المحامي هو من يقدم الشكوى نيابةً عن المجني عليه.

عند التوجه إلى النيابة أو قسم الشرطة، سيتم تدوين أقوال الشاكي في محضر رسمي، ويجب على الشاكي التأكد من صحة ما ورد في المحضر قبل التوقيع عليه. يجب الاحتفاظ بنسخة من المحضر أو رقم القيد لمتابعة الشكوى لاحقًا. هذه الإجراءات تضمن تسجيل الشكوى بشكل قانوني ومنظم.

آثار الشكوى على الدعوى الجنائية

الشكوى كشرط لازم لتحريك الدعوى

في الجرائم التي تتطلب الشكوى، تُعد الشكوى شرطًا إجرائيًا لا غنى عنه لتحريك الدعوى الجنائية. وهذا يعني أنه بدون تقديم شكوى صحيحة ومقبولة قانونًا من المجني عليه أو من يمثله، لا يجوز للنيابة العامة اتخاذ أي إجراءات تحقيق أو محاكمة ضد المتهم. حتى لو توفرت أدلة دامغة على وقوع الجريمة، فإن غياب الشكوى يمنع السلطات القضائية من المضي قدمًا.

هذا الشرط ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو تعبير عن إرادة المشرع في إعطاء المجني عليه سلطة التقرير في مسار القضية في جرائم معينة. فهو يمنع التدخل الجنائي القسري في أمور قد يفضل المجني عليه تسويتها بشكل آخر أو عدم إثارتها علنًا. لذا، على المجني عليه أن يدرك أن قراره بتقديم الشكوى هو الذي يفتح الباب أمام العدالة الجنائية في مثل هذه القضايا.

أثر سحب الشكوى على الدعوى الجنائية

من أهم الآثار المترتبة على الشكوى هو إمكانية سحبها، وهذا السحب له أثر حاسم على مصير الدعوى الجنائية. إذا قام المجني عليه بسحب شكواه بعد تقديمها وقبل صدور حكم بات فيها، فإن الدعوى الجنائية تنقضي فورًا. هذا يعني أن كافة الإجراءات التي اتخذت بشأنها تعتبر لاغية، وتتوقف المحاكمة، ولا يمكن للنيابة العامة مواصلة ملاحقة المتهم.

يجوز للمجني عليه سحب الشكوى في أي مرحلة من مراحل الدعوى الجنائية، سواء كانت في مرحلة التحقيق أو المحاكمة، طالما لم يصدر حكم نهائي وبات فيها. يتم السحب عادةً بموجب محضر رسمي يُقدم للنيابة العامة أو المحكمة المختصة. هذا الحق في السحب يمنح المجني عليه سيطرة كبيرة على القضية، ويعكس الرغبة في تمكينه من حل النزاع وديًا أو لأسباب شخصية أخرى.

الشكوى ووقف السير في الدعوى

بالإضافة إلى أثرها في تحريك الدعوى أو انقضائها بسحبها، فإن الشكوى يمكن أن تؤثر على سير الدعوى الجنائية بطرق أخرى، خاصة فيما يتعلق بوقف الإجراءات. في بعض الحالات، قد يحدث تنازل أو صلح بين المجني عليه والمتهم بعد تقديم الشكوى وقبل صدور الحكم النهائي. هذا التنازل، وإن لم يكن سحبًا صريحًا للشكوى، قد يؤدي إلى وقف السير في الدعوى الجنائية.

في كثير من الجرائم التي تتوقف على شكوى، يرى القضاء أن الصلح أو التنازل عن الحق المدني من المجني عليه يؤثر على حق النيابة العامة في المضي قدمًا. وقد يؤدي هذا إلى قرار من المحكمة بوقف الدعوى أو اعتبارها منتهية. هذه الآلية توفر فرصة للأطراف لحل النزاع خارج أروقة المحاكم، وتحقيق العدالة التصالحية في بعض الجرائم، مما يقلل من الضغط على النظام القضائي.

الشكوى وأثرها في سقوط الدعوى الجنائية

سقوط الحق في الشكوى بالتقادم

كما ذكرنا سابقًا، الحق في تقديم الشكوى ليس دائمًا، بل يسقط بالتقادم بمرور ثلاثة أشهر من تاريخ علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها. هذا السقوط يحدث بقوة القانون، ولا يتطلب أي إجراء من النيابة العامة أو المحكمة. بمجرد مرور المدة المحددة، لا يمكن للمجني عليه بعد ذلك تقديم الشكوى، وتصبح الجريمة كأن لم تقع من الناحية الإجرائية.

يجب التمييز بين سقوط الحق في الشكوى وسقوط الدعوى الجنائية بالتقادم العام (والذي يكون عادةً بمدد أطول حسب نوع الجريمة). سقوط الحق في الشكوى يمنع تحريك الدعوى من الأساس، بينما سقوط الدعوى الجنائية بالتقادم يؤدي إلى انقضائها بعد أن تكون قد حُركت. هذا الفرق دقيق ومهم جدًا، ويتطلب من المجني عليه أن يكون واعيًا للمواعيد القانونية فور وقوع الجريمة التي تتطلب شكواه.

آثار الوفاة على الشكوى

في حالة وفاة المجني عليه قبل تقديم الشكوى، أو بعد تقديمها ولكن قبل صدور حكم بات في الدعوى، تترتب آثار قانونية مختلفة على مصير الشكوى والدعوى الجنائية. إذا توفي المجني عليه قبل أن يتمكن من تقديم شكواه، فإن حقه في تقديمها ينتقل إلى ورثته. يحق لورثة المجني عليه (عادةً الأصول والفروع والأزواج) تقديم الشكوى خلال المدة القانونية المحددة، وهي ثلاثة أشهر من تاريخ علمهم بالجريمة ومرتكبها.

أما إذا كان المجني عليه قد قدم الشكوى بالفعل ثم توفي قبل صدور حكم نهائي، فإن الدعوى الجنائية تستمر ولا تنقضي بالوفاة. يعتبر تقديم الشكوى بمثابة تحريك للدعوى، وتصبح من اختصاص النيابة العامة والمحكمة. ومع ذلك، قد يكون لوفاة المجني عليه أثر على سير التحقيقات أو إثبات بعض الوقائع، خاصةً إذا كان هو الشاهد الرئيسي، ولكنها لا تؤدي إلى انقضاء الدعوى تلقائيًا.

المصالحة كبديل للشكوى في بعض الجرائم

بالإضافة إلى الشكوى والسحب، توفر بعض التشريعات، بما في ذلك القانون المصري، آلية المصالحة كبديل فعال لحل النزاعات الجنائية في أنواع معينة من الجرائم. المصالحة هي اتفاق بين المجني عليه والمتهم يتم بموجبه إنهاء الخصومة الجنائية مقابل تحقيق مصلحة للطرفين، مثل دفع تعويض أو الاعتذار. لا تجوز المصالحة إلا في الجرائم التي يحددها القانون، وغالبًا ما تكون هي نفس الجرائم التي تتوقف على شكوى.

إذا تمت المصالحة قبل تحريك الدعوى، فإنها تمنع النيابة العامة من اتخاذ أي إجراءات. أما إذا تمت بعد تحريك الدعوى، فإنها تؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية. تعتبر المصالحة حلاً وديًا وسريعًا يجنب الأطراف عناء التقاضي الطويل، ويحافظ على العلاقات الاجتماعية، كما يقلل من الأعباء على القضاء. لذا، يجب على المجني عليه النظر في خيار المصالحة في الجرائم التي تجوز فيها قبل اللجوء للشكوى الجنائية.

حلول عملية ومقترحات لتقديم شكوى فعالة

الاستعانة بمحامٍ متخصص

لضمان تقديم شكوى فعالة وتجنب الأخطاء الإجرائية التي قد تؤثر سلبًا على القضية، يُنصح بشدة بالاستعانة بمحامٍ متخصص في القانون الجنائي. يمتلك المحامي الخبرة والمعرفة القانونية اللازمة لصياغة الشكوى بشكل صحيح، وتحديد الجهة المختصة بتقديمها، وجمع الأدلة اللازمة لدعمها. كما يمكنه تمثيل المجني عليه في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة.

المحامي المتخصص يمكنه أيضًا تقديم النصح القانوني بشأن جدوى الشكوى، واحتمالات نجاح القضية، والآثار المترتبة على سحب الشكوى أو المصالحة. هذه الاستشارة المبكرة يمكن أن توفر الوقت والجهد وتجنب الإجراءات غير المجدية. اختيار المحامي المناسب هو خطوة أساسية لضمان حماية حقوق المجني عليه وتحقيق العدالة المرجوة بأفضل طريقة ممكنة.

تجهيز المستندات والأدلة قبل التقديم

قبل التوجه لتقديم الشكوى، من الضروري جدًا تجهيز وجمع كافة المستندات والأدلة التي تدعم مزاعم المجني عليه. كلما كانت الأدلة قوية وموثقة، زادت فرص نجاح الشكوى وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة. يجب أن تشمل هذه الأدلة أي وثائق مكتوبة، صور، تسجيلات صوتية أو مرئية، رسائل نصية، رسائل بريد إلكتروني، أو شهادات شهود عيان.

يُنصح بترتيب هذه الأدلة بشكل منظم وتقديمها مع الشكوى، مع الإشارة إليها بوضوح في متن الشكوى. هذا يساعد النيابة العامة أو قسم الشرطة على فهم تفاصيل الواقعة بسرعة ويسهل عليهم عملية التحقيق. عدم وجود أدلة كافية قد يؤخر سير القضية أو يؤدي إلى ضعف موقف الشاكي، لذلك يجب الحرص على جمع كل ما يمكن أن يعزز الشكوى. يجب الحرص على أن تكون الأدلة أصلية أو صور طبق الأصل.

متابعة الشكوى بعد التقديم

تقديم الشكوى ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لمسار إجرائي يتطلب المتابعة المستمرة. يجب على المجني عليه أو محاميه متابعة الشكوى بشكل دوري مع الجهات التي قدمت إليها الشكوى (النيابة العامة أو قسم الشرطة) للاستعلام عن سير التحقيقات وما إذا كانت هناك حاجة لتقديم مستندات إضافية أو الإدلاء بأقوال جديدة. هذه المتابعة تضمن عدم إهمال الشكوى أو تأخرها.

يمكن للمتابعة أن تكشف عن أي عقبات تواجه التحقيق وتمكن المجني عليه من اتخاذ الإجراءات التصحيحية في الوقت المناسب. كما أنها تعكس جديته في المطالبة بحقوقه، مما قد يدفع الجهات المختصة إلى إعطاء الشكوى اهتمامًا أكبر. يجب الاحتفاظ برقم قيد الشكوى أو المحضر لسهولة الاستعلام والمتابعة، وتوثيق أي إجراءات يتم اتخاذها أو معلومات يتم الحصول عليها.

طرق بديلة لفض النزاعات دون الشكوى الجنائية

في بعض الأحيان، قد تكون الشكوى الجنائية هي الحل الأمثل، ولكن في حالات أخرى، قد تكون هناك طرق بديلة وأقل حدة لفض النزاعات يمكن للمجني عليه اللجوء إليها، خاصة في الجرائم التي تسمح بالمصالحة. هذه الطرق البديلة قد توفر حلولاً أسرع وأكثر مرونة وتجنب الطرفين تعقيدات الإجراءات الجنائية وتكاليفها.

من هذه الطرق البديلة الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي لحقت بالمجني عليه، أو اللجوء إلى الوساطة والتوفيق بين الطرفين للوصول إلى حل ودي. كما يمكن في بعض الجرائم الصغيرة اللجوء إلى التنازل أو الصلح قبل اللجوء للشكوى أصلاً، أو حتى بعد تقديمها. فهم هذه البدائل يمنح المجني عليه رؤية شاملة للخيارات المتاحة ويمكنه من اختيار المسار الأنسب لمصلحته وتحقيق العدالة بشكل فعال.

في الختام، يتبين لنا أن الشكوى في القانون الجنائي المصري ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي ركيزة أساسية لتحريك الدعوى الجنائية في العديد من الجرائم. إن فهم طبيعتها، أنواع الجرائم التي تتوقف عليها، الإجراءات الصحيحة لتقديمها، والآثار المترتبة على سحبها أو سقوط الحق فيها، يُعد ضروريًا لكل من يسعى لحماية حقوقه القانونية. باتباع الإرشادات وتقديم شكوى مستوفاة، يمكن للمجني عليه أن يضمن سير العدالة على النحو الأمثل ويحقق الإنصاف الذي يصبو إليه.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock