الإجراءات القانونيةالاستشارات القانونيةالدعاوى المدنيةالقانون المدنيالقانون المصري

العقد المستتر والعقد الظاهر

العقد المستتر والعقد الظاهر

الآثار القانونية وشروط الإثبات في القانون المصري

في كثير من المعاملات المدنية والتجارية، قد يلجأ الأطراف إلى إخفاء اتفاقهم الحقيقي خلف ستار اتفاق آخر ظاهر لا يعبر عن إرادتهم الفعلية. يُعرف هذا الموقف قانونًا بـ “الصورية”، حيث يوجد عقدان، أحدهما ظاهر للعلن (صوري) والآخر مستتر (حقيقي). يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل عملي ومبسط لفهم هذه الظاهرة المعقدة، وتوضيح كيفية التعامل معها وإثباتها وفقًا لأحكام القانون المصري لحماية حقوق جميع الأطراف.

مفهوم الصورية: العقد الظاهر والعقد المستتر

تعريف العقد الظاهر (العقد الصوري)

العقد المستتر والعقد الظاهرالعقد الظاهر هو الاتفاق الذي يتعمد المتعاقدان إظهاره للغير، وهو لا يعبر عن حقيقة العلاقة القانونية التي تربطهما. يتم إنشاء هذا العقد لإخفاء العقد الحقيقي لأسباب متنوعة قد تكون مشروعة أو غير مشروعة. على سبيل المثال، قد يبرم شخصان عقد بيع صوري لعقار بينما يكون الاتفاق الحقيقي بينهما هو عقد هبة، وذلك بهدف التحايل على أحكام معينة أو تجنب رسوم تسجيل مرتفعة. هذا العقد يكون موجودًا على الورق فقط ليراه الناس والجهات الرسمية.

تعريف العقد المستتر (العقد الحقيقي)

العقد المستتر هو الاتفاق الفعلي والسري الذي يعبر عن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين، والذي قصدا إخفاءه عن الغير. هذا العقد هو الذي يرتب الآثار القانونية الفعلية فيما بين الطرفين، طالما توافرت فيه الأركان والشروط التي يتطلبها القانون لصحته. في المثال السابق، يكون عقد الهبة هو العقد المستتر والحقيقي، بينما عقد البيع هو العقد الظاهر. القانون يعترف بحجية هذا العقد بين طرفيه لأنه يعكس نيتهما الحقيقية.

أركان قيام الصورية

لكي نكون أمام حالة صورية بالمعنى القانوني، يجب توافر ثلاثة أركان أساسية. أولاً، وجود عقدين، أحدهما ظاهر والآخر مستتر. ثانيًا، أن يكون العقدان متعاصرين، أي أن نية إخفاء العقد الحقيقي تكون موجودة لدى الطرفين وقت إبرام العقد الظاهر. ثالثًا، وجود قصد التستر وإخفاء العقد الحقيقي، أي أن الصورية يجب أن تكون مقصودة ومتفق عليها بين الطرفين. إذا تخلف أي ركن من هذه الأركان، لا يمكن وصف الحالة بأنها صورية.

الآثار القانونية المترتبة على العقدين

أثر العقدين فيما بين المتعاقدين وخلفهما العام

القاعدة الأساسية في القانون هي أن العقد المستتر (الحقيقي) هو الذي يسري في العلاقة بين المتعاقدين أنفسهما، وكذلك بالنسبة لورثتهم (الخلف العام). فالقانون يعتد بالإرادة الحقيقية للطرفين وليس بالإرادة الظاهرة. فإذا كان العقد المستتر صحيحًا ومستوفيًا لأركانه القانونية، فهو وحده الذي ينتج آثاره بينهما. أما العقد الظاهر فلا يكون له أي أثر قانوني بين المتعاقدين لأنه لا يمثل إرادتهما المشتركة.

أثر العقدين بالنسبة للغير حسن النية

حمايةً لاستقرار المعاملات، منح القانون حماية خاصة للغير الذي تعامل مع أحد المتعاقدين بحسن نية اعتمادًا على العقد الظاهر. الغير حسن النية هو كل شخص لم يكن يعلم بوجود العقد المستتر. هذا الشخص له الحق في التمسك بالعقد الظاهر الذي اطمأن إليه وبنى عليه معاملاته. فلا يجوز للمتعاقدين أن يحتجا في مواجهته بالعقد المستتر. هذه القاعدة تهدف إلى حماية الثقة والمصداقية في التعاملات القانونية.

أثر العقدين بالنسبة لدائني المتعاقدين

يختلف وضع الدائنين باختلاف مصلحتهم. فإذا كان للدائن مصلحة في التمسك بالعقد الظاهر، كأن يكون مدينه قد باع أملاكه صوريًا للإضرار بدائنيه، فيمكن للدائنين الطعن على هذا البيع بالصورية والتمسك بالعقد المستتر إذا كان ذلك في صالحهم. وفي المقابل، إذا كان دائن المشتري في العقد الصوري، فله مصلحة في التمسك بالعقد الظاهر لإدخال العقار في الضمان العام لمدينه. القانون يمنح الدائنين الخيار بين التمسك بأي من العقدين وفقًا لما تحققه مصلحتهم.

خطوات عملية لإثبات العقد المستتر (دعوى الصورية)

الخطوة الأولى: جمع الأدلة وعلى رأسها ورقة الضد

الدليل الأقوى لإثبات العقد المستتر هو “ورقة الضد”. وهي مستند كتابي سري، غالبًا ما يتم تحريره بين المتعاقدين في نفس وقت تحرير العقد الظاهر، ويثبت فيه الطرفان حقيقة اتفاقهما. تعتبر ورقة الضد حجة قاطعة بين الطرفين. إذا لم تكن هناك ورقة ضد، يصبح الإثبات أكثر صعوبة ولكنه ليس مستحيلًا، حيث يمكن اللجوء إلى وسائل إثبات أخرى يسمح بها القانون في حالات محددة مثل وجود غش أو تحايل على القانون.

الخطوة الثانية: الإثبات بالبينة (شهادة الشهود) والقرائن

يجوز للغير (مثل الدائنين) إثبات الصورية بكافة طرق الإثبات، بما في ذلك شهادة الشهود والقرائن القضائية. أما بين المتعاقدين، فالأصل هو الإثبات بالكتابة. ولكن استثناءً، يمكن الإثبات بالشهادة والقرائن إذا كان هناك مانع مادي أو أدبي حال دون الحصول على دليل كتابي، أو في حال كان العقد الظاهر يهدف إلى التحايل على القانون أو يخفي عملًا غير مشروع. من القرائن مثلاً بقاء العقار في حيازة البائع بعد البيع الصوري.

الخطوة الثالثة: الإجراءات العملية لرفع الدعوى

لإثبات الصورية قضائيًا، يجب اتباع خطوات محددة. أولاً، يجب استشارة محامٍ متخصص في القانون المدني لتقييم الموقف والأدلة المتاحة. ثانيًا، يقوم المحامي بإعداد صحيفة الدعوى وتضمينها كافة الوقائع والأدلة التي تثبت الصورية، مثل ورقة الضد أو شهادة الشهود. ثالثًا، يتم رفع الدعوى أمام المحكمة المدنية المختصة. رابعًا، يتم تقديم الأدلة والمستندات أمام المحكمة التي تفصل في النزاع وتقرر ما إذا كان العقد صوريًا أم لا، وترتب على ذلك الآثار القانونية.

حلول ونصائح لتجنب المشاكل القانونية المتعلقة بالصورية

أهمية الوضوح وتوثيق العقود الحقيقية

أفضل حل لتجنب النزاعات المستقبلية هو الشفافية والوضوح منذ البداية. يجب على الأطراف دائمًا الحرص على أن تعكس عقودهم إرادتهم الحقيقية بشكل كامل ودقيق. إن اللجوء إلى العقود الصورية قد يبدو حلًا لمشكلة آنية، ولكنه يفتح الباب على مصراعيه لنزاعات قضائية معقدة ومكلفة في المستقبل، وقد يؤدي إلى ضياع الحقوق. توثيق الاتفاق الحقيقي في عقد رسمي وصحيح هو الضمانة الأفضل لحماية حقوق جميع الأطراف.

الدور الوقائي لاستشارة محامٍ متخصص

قبل الإقدام على إبرام أي اتفاق يتضمن صورية أو ترتيبات قانونية معقدة، من الضروري استشارة محامٍ. يمكن للمحامي أن يوضح لك الآثار القانونية الكاملة لمثل هذه الاتفاقات، والمخاطر المحتملة التي قد تتعرض لها. كما يمكنه أن يقترح عليك حلولًا قانونية بديلة ومشروعة تحقق أهدافك دون الحاجة إلى اللجوء للصورية، مما يوفر عليك الكثير من المتاعب المستقبلية ويضمن أن تكون تصرفاتك متوافقة مع أحكام القانون.

كيف تحمي نفسك كطرف ثالث (الغير)؟

إذا كنت طرفًا ثالثًا تتعامل مع شخص ما بناءً على عقد ظاهر (مثل شراء عقار)، يجب عليك اتخاذ بعض الاحتياطات. أولاً، قم بالتحري الدقيق عن العقار في الشهر العقاري للتأكد من صحة الملكية وعدم وجود قيود عليه. ثانيًا، كن حذرًا من الصفقات التي تبدو شروطها غير منطقية، مثل البيع بسعر أقل بكثير من سعر السوق. ثالثًا، في حالة الشك، لا تتردد في طلب مستندات إضافية أو استشارة قانونية. إن التصرف بحسن نية واعتمادك على الوضع الظاهر المسجل يوفر لك حماية قانونية قوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock