الإجراءات القانونيةالاستشارات القانونيةالدعاوى المدنيةالقانون المدنيالقانون المصري

العقد غير المكتوب والإثبات بالعرف

العقد غير المكتوب والإثبات بالعرف

دليلك العملي لإثبات حقوقك في العقود الشفهية وفقًا للقانون المصري

الكثير من التعاملات اليومية تتم بناءً على اتفاقات شفهية أو وعود متبادلة دون توثيقها في محرر مكتوب. ورغم أن القانون يعترف بصحة هذه العقود في كثير من الحالات، إلا أن المشكلة تظهر عند نشوب خلاف حول تنفيذ الالتزامات. فكيف يمكنك إثبات حقك في عقد لم يتم تدوينه؟ هذا المقال يقدم لك خطوات عملية ومنهجية واضحة لإثبات العقد غير المكتوب، مع التركيز على دور العرف كأحد أهم أدوات الإثبات في القانون المصري، لضمان عدم ضياع حقوقك.

مفهوم العقد غير المكتوب وأركانه الأساسية

تعريف العقد غير المكتوب (العقد الشفهي)

العقد غير المكتوب والإثبات بالعرفالعقد غير المكتوب، أو ما يعرف بالعقد الرضائي أو الشفهي، هو اتفاق يتم وينعقد بمجرد تطابق إرادة طرفين أو أكثر على إحداث أثر قانوني معين، دون الحاجة إلى إفراغ هذا الاتفاق في شكل مكتوب. فبمجرد صدور الإيجاب من طرف وقبوله من الطرف الآخر، ينشأ العقد صحيحًا ومنتجًا لآثاره القانونية. القانون المصري يعترف بهذا النوع من العقود في معظم المعاملات المدنية والتجارية، ما لم يشترط القانون شكلًا معينًا لانعقاد العقد، كما في عقد بيع العقارات الذي يتطلب التسجيل.

أركان انعقاد العقد الأساسية

لكي يكون العقد الشفهي صحيحًا، يجب أن تتوافر فيه الأركان العامة لانعقاد أي عقد. الركن الأول هو التراضي، ويعني توافق إرادتي الطرفين على العناصر الجوهرية للتعاقد. الركن الثاني هو المحل، ويقصد به العملية القانونية المراد تحقيقها، كبيع شيء أو تأدية خدمة، ويشترط أن يكون ممكنًا ومعينًا ومشروعًا. أما الركن الثالث فهو السبب، أي الباعث الدافع إلى التعاقد، ويجب أن يكون هذا الباعث مشروعًا وغير مخالف للنظام العام أو الآداب.

طرق إثبات العقد غير المكتوب في القانون المصري

الإثبات بشهادة الشهود

تعتبر شهادة الشهود هي الوسيلة الأكثر شيوعًا وفعالية لإثبات العقود غير المكتوبة. إذا كانت قيمة التصرف القانوني لا تتجاوز النصاب القانوني الذي يحدده القانون للإثبات بالكتابة، فيمكن اللجوء للشهود مباشرة. كما يجوز الإثبات بالشهادة فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة، وهو كل كتابة تصدر من الخصم وتجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال. إعداد الشهود وتوجيههم لسرد الوقائع بدقة وموضوعية أمام المحكمة هو خطوة حاسمة لنجاح الإثبات.

الإقرار (الاعتراف)

الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه، وذلك أثناء سير الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة. يعتبر الإقرار القضائي حجة قاطعة على المقر ولا يجوز له الرجوع فيه. يمكن أن يكون الإقرار صريحًا أو ضمنيًا يُستفاد من تصرفات الخصم. الحصول على إقرار من الطرف الآخر، حتى لو كان في محادثة مسجلة أو رسالة نصية، يمكن أن يشكل قرينة قوية أو حتى مبدأ ثبوت بالكتابة يدعم موقفك في الدعوى ويسهل عملية الإثبات أمام المحكمة.

القرائن ودورها في الإثبات

القرائن هي كل ما يستنبطه القاضي من واقعة معلومة للوصول إلى واقعة مجهولة. في سياق العقود الشفهية، يمكن أن تكون هناك قرائن قوية تدل على وجود الاتفاق. من أمثلة ذلك وجود تحويلات بنكية منتظمة بين الطرفين، أو البدء الفعلي في تنفيذ جزء من الالتزامات المتفق عليها، أو وجود رسائل بريد إلكتروني أو محادثات عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي تشير إلى تفاصيل الاتفاق. القاضي يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في الأخذ بهذه القرائن وتكوين عقيدته بناءً عليها.

دور العرف كدليل إثبات رئيسي

ما هو العرف التجاري أو المهني؟

العرف هو مجموعة من القواعد التي درج الناس على اتباعها في معاملاتهم لفترة طويلة من الزمن مع شعورهم بإلزاميتها. في المجال التجاري والمهني، ينشأ عرف خاص بكل قطاع، كقطاع المقاولات أو التجارة أو الصناعة. هذا العرف يكمل نصوص القانون ويفسر إرادة المتعاقدين. فعندما يكون هناك نقص في الاتفاق الشفهي، يفترض القانون أن الطرفين قد قصدا تطبيق القواعد العرفية السائدة في مهنتهما أو في المنطقة التي تم فيها إبرام العقد.

شروط الاعتداد بالعرف كدليل إثبات

لكي تعتد المحكمة بالعرف كدليل إثبات، يجب أن تتوافر فيه عدة شروط. أولًا، يجب أن يكون العرف عامًا، أي يتبعه كافة المشتغلين في مهنة معينة أو سكان منطقة محددة. ثانيًا، يجب أن يكون قديمًا ومستقرًا، بمعنى أن العمل به مستمر منذ فترة طويلة. ثالثًا، يجب أن يكون ثابتًا ومطردًا، أي يتم تطبيقه بشكل دائم دون انقطاع. وأخيرًا، يجب ألا يكون العرف مخالفًا لنص قانوني آمر أو للنظام العام والآداب.

خطوات عملية للاستناد إلى العرف في الإثبات

لإثبات عقد شفهي بالاستناد إلى العرف، يجب اتباع خطوات محددة. أولًا، قم بتحديد القاعدة العرفية التي تحكم النقطة محل النزاع في مهنتك أو تجارتك. ثانيًا، اجمع الأدلة التي تثبت وجود هذا العرف، ويمكن أن يتم ذلك من خلال إحضار شهود من نفس المجال (خبراء أو تجار آخرون) ليشهدوا بوجود هذه الممارسة المستقرة. ثالثًا، يمكنك تقديم فواتير أو عقود سابقة لك أو لغيرك تتضمن نفس البنود العرفية. أخيرًا، يقوم محاميك بتقديم كل ذلك للمحكمة موضحًا كيف أن هذا العرف يفسر إرادة الطرفين ويكمل اتفاقهما.

خطوات عملية لرفع دعوى قضائية لإثبات عقد شفهي

استشارة محامٍ متخصص

قبل اتخاذ أي إجراء، الخطوة الأولى والأهم هي استشارة محامٍ متخصص في القضايا المدنية والتجارية. المحامي سيقوم بتقييم قوة موقفك القانوني والأدلة المتاحة لديك، وسيرشدك إلى أفضل طريق يمكن سلوكه. سيساعدك في تحديد ما إذا كانت الأدلة كافية لرفع دعوى قضائية، وما هي فرص النجاح، وما هي الطلبات التي يمكن تقديمها للمحكمة لضمان الحصول على كامل حقوقك التي نص عليها الاتفاق الشفهي.

تجميع كافة الأدلة المتاحة

بناءً على توجيهات محاميك، ابدأ في جمع وتنظيم كافة الأدلة التي تدعم ادعاءك. قم بإعداد قائمة بأسماء وعناوين الشهود المحتملين الذين حضروا الاتفاق أو لديهم علم بتفاصيله. اجمع أي مستندات غير رسمية مثل الرسائل النصية، رسائل البريد الإلكتروني، تسجيلات المحادثات (مع مراعاة الإجراءات القانونية لصحتها)، إيصالات التحويلات المالية، أو أي أوراق أخرى قد تشير إلى وجود علاقة تعاقدية بينك وبين الطرف الآخر. هذا التجميع المنظم للأدلة هو أساس الدعوى الناجحة.

تحرير صحيفة الدعوى وتقديمها للمحكمة

يقوم المحامي بصياغة صحيفة الدعوى، وهي الوثيقة الرسمية التي تبدأ بها الخصومة القضائية. يجب أن تتضمن الصحيفة شرحًا مفصلًا لوقائع الاتفاق الشفهي، وتحديد الالتزامات المترتبة على كل طرف، وتوضيح الجزء الذي أخل به الطرف الآخر. الأهم من ذلك، يجب أن تتضمن الصحيفة كافة الأدلة التي تستند إليها، من شهادة الشهود والقرائن والعرف السائد. يتم إيداع هذه الصحيفة في قلم كتاب المحكمة المختصة وإعلانها للخصم لبدء الإجراءات القانونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock