الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصري

الفرق بين التقادم المسقط والتقادم المكسب

الفرق بين التقادم المسقط والتقادم المكسب

مفهومان جوهريان في القانون المدني

يعد التقادم من أهم المبادئ القانونية التي تنظم العديد من العلاقات والحقوق، ويقسم بصفة أساسية إلى نوعين رئيسيين يختلفان في طبيعتهما وآثارهما، وهما التقادم المسقط والتقادم المكسب. فهم الفروقات الدقيقة بين هذين المفهومين ضروري لكل من يتعامل مع القانون، سواء كان محامياً، قاضياً، أو مواطناً عادياً يسعى لحماية حقوقه أو الوفاء بالتزاماته. تهدف هذه المقالة إلى تقديم شرح مبسط ومفصل لكلا النوعين، مع التركيز على الجوانب العملية وكيفية تطبيقها في القانون المصري.

التقادم المسقط: إنهاء المطالبة بالحقوق والالتزامات

الفرق بين التقادم المسقط والتقادم المكسبالتقادم المسقط، المعروف أيضاً بالتقادم المنقضي، هو نظام قانوني يؤدي بمرور فترة زمنية معينة يحددها القانون إلى سقوط الحق في المطالبة القضائية بدين أو حق عيني، أو سقوط الالتزام نفسه في بعض الحالات. جوهره هو معاقبة صاحب الحق المهمل الذي لا يطالب بحقه خلال المدة القانونية. يهدف هذا النوع إلى تحقيق استقرار المراكز القانونية وتصفية المعاملات التي طال عليها الأمد. هذا التقادم لا يسقط الحق في ذاته، بل يسقط فقط الحق في المطالبة به أمام القضاء، مما يحوله إلى التزام طبيعي غير قابل للتنفيذ الجبري.

شروط تطبيق التقادم المسقط بدقة

لكي يتحقق التقادم المسقط وفقاً للقانون، يجب توفر مجموعة من الشروط الأساسية المحددة. الشرط الأول هو وجود حق قابل للسقوط بالتقادم، مثل معظم الحقوق الشخصية (الديون) وبعض الحقوق العينية كحق الشفعة. لا تسقط بالتقادم الحقوق المتصلة بالنظام العام أو التي لا تتقادم بطبيعتها. الشرط الثاني يتمثل في مرور مدة زمنية محددة قانوناً دون أن يمارس صاحب الحق مطالبته القضائية. هذه المدة تختلف باختلاف نوع الحق والظروف المحيطة به.

المدة العامة للتقادم المسقط في القانون المدني المصري هي خمس عشرة سنة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. توجد مدد أقصر لبعض الحقوق، مثل خمس سنوات للديون الناشئة عن الأعمال التجارية، وثلاث سنوات للحقوق الدورية المتجددة كالأجور والإيجارات، وسنة واحدة لبعض الحقوق المحددة كالمطالبة بأجرة الأطباء والمحامين. الشرط الثالث هو أن يكون صاحب الحق قد توانى أو أهمل في المطالبة بحقه خلال هذه المدة دون اتخاذ أي إجراء قانوني يقطع التقادم.

الشرط الرابع والأخير هو ألا يكون هناك عذر شرعي يبرر عدم المطالبة بالحق، كأن يكون صاحب الحق قاصراً أو محجوراً عليه ولا يوجد من يمثله قانوناً، أو كان هناك مانع مادي أو أدبي يمنعه من المطالبة. وجود هذه الموانع يوقف سريان التقادم حتى زوال المانع. كما ينقطع التقادم بتقديم المطالبة القضائية، أو الإقرار بالدين من المدين، أو الحيازة التي يقصد بها صاحب الحق حيازة حقه.

آثار التقادم المسقط وكيفية التعامل معه قانونياً

يترتب على تمام التقادم المسقط سقوط الحق في المطالبة القضائية، مما يعني أن المحكمة لا تستطيع أن تحكم بالحق لصالح الدائن إذا تمسك المدين بالتقادم كدفع. هذا الدفع يجب أن يتمسك به المدين، ولا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها. ومع ذلك، فإن الالتزام الأصلي لا يسقط تماماً بل يتحول إلى “التزام طبيعي”، بمعنى أن المدين غير ملزم قانوناً بالوفاء به لكنه إذا أوفى به اختياراً بعد انقضاء مدة التقادم، فلا يحق له استرداد ما دفعه.

للدائنين، للتعامل مع التقادم المسقط ومنع سقوطه، يجب الحرص على اتخاذ الإجراءات اللازمة لقطع مدة التقادم قبل انقضائها. يمكن ذلك عن طريق إرسال إنذار رسمي موثق إلى المدين، أو رفع دعوى قضائية بالمطالبة بالحق، أو الحصول على إقرار كتابي من المدين بالدين. يمكن أيضاً الاتفاق مع المدين على تجديد الدين أو تحويله، مما يؤدي إلى بدء مدة تقادم جديدة. أما بالنسبة للمدين، فيمكنه التمسك بالتقادم كدفع قانوني أمام المحكمة لرفض الدعوى المرفوعة ضده، وهذا من حقه للدفاع عن مصالحه.

التقادم المكسب: اكتساب الحقوق العينية بمرور الزمن

على النقيض من التقادم المسقط، يعمل التقادم المكسب على اكتساب الحقوق العينية الأصلية بمرور الزمن مع توافر شروط معينة. يعرف هذا النوع أيضاً بـ “الحيازة”، وهو يهدف إلى إضفاء الشرعية على وضع واقعي استمر لفترة طويلة من الزمن دون منازع. غالباً ما يتعلق التقادم المكسب بالحقوق العينية العقارية، مثل حق الملكية أو حق الارتفاق. مبدأه الأساسي هو حماية الحائز الذي استمر في حيازة العقار أو الحق العيني بصفة هادئة ومستمرة وظاهرة وبنية التملك كمالك حقيقي له.

شروط تحقق التقادم المكسب وإجراءات إثباته

لتطبيق التقادم المكسب، يجب توفر شروط أساسية تتعلق بالحيازة ومدة مرور الزمن. الشرط الأول والأهم هو وجود حيازة مادية للعقار أو الحق العيني، ويجب أن تكون هذه الحيازة مستمرة دون انقطاع، وهادئة أي خالية من الإكراه والنزاع، وظاهرة للعيان وليست خفية، وواضحة أي لا يشوبها لبس أو غموض، وبنية التملك أي أن الحائز يتصرف في الشيء كمالك له وليس مستأجراً أو مستعيراً. إذا تخلف أي من هذه الشروط، فإن الحيازة لا تكون صالحة للتقادم المكسب.

الشرط الثاني هو مرور المدة القانونية اللازمة لاكتمال التقادم. في القانون المصري، المدة العامة للتقادم المكسب هي خمسة عشر عاماً للحيازة بسوء نية أو بدون سند صحيح، وهي تعرف بالتقادم الطويل. أما إذا كانت الحيازة بحسن نية ومستندة إلى سبب صحيح، مثل عقد بيع غير مسجل أو هبة، فإن المدة تكون خمس سنوات، وتعرف بالتقادم القصير. يبدأ احتساب المدة من تاريخ بدء الحيازة المستوفاة للشروط، ولا يمكن لصاحب الحق الأصلي قطع هذه المدة إلا برفع دعوى قضائية لاسترداد الحيازة أو المطالبة بالملكية.

آثار التقادم المكسب وكيفية استغلاله

التقادم المكسب يؤدي إلى اكتساب الحائز للحق العيني الذي كان يحوزه، مثل حق الملكية، وبالتالي يصبح مالكاً شرعياً للعقار أو صاحب الحق العيني. هذا الأثر يسري بأثر رجعي إلى تاريخ بدء الحيازة المستوفاة للشروط، مما يعني أن الحائز يعتبر مالكاً منذ ذلك التاريخ. لإثبات التقادم المكسب واكتساب الملكية بشكل رسمي، يجب على الحائز رفع دعوى قضائية تسمى “دعوى تثبيت ملكية بالتقادم” أو “دعوى كسب ملكية بالتقادم”.

يقدم الحائز في هذه الدعوى كافة الأدلة التي تثبت حيازته للعقار بالشروط والمدد القانونية المطلوبة، مثل شهادات الشهود، المحررات العرفية، فواتير المرافق باسمه، عقود الإيجار التي أبرمها بصفته مالكاً، وغيرها من الوثائق التي تثبت تصرفه كمالك. يجب على المحكمة التأكد من توافر جميع شروط الحيازة (الهادئة، المستمرة، الظاهرة، وبنية التملك) ومرور المدة القانونية كاملة قبل الحكم بتثبيت الملكية. هذا الحكم القضائي هو السند الرسمي الذي يمكن للحائز بموجبه تسجيل ملكيته في السجل العيني.

الفروق الجوهرية بين التقادم المسقط والتقادم المكسب

على الرغم من أن كلاً من التقادم المسقط والتقادم المكسب يتعلقان بمرور الزمن وأثره على الحقوق، إلا أنهما يختلفان اختلافاً جوهرياً في طبيعتهما وأهدافهما وآثارهما. التقادم المسقط يسقط الحق في المطالبة القضائية، وبالتالي يحول الحق إلى التزام طبيعي غير قابل للتنفيذ الجبري، بينما التقادم المكسب يؤدي إلى اكتساب حق عيني جديد. الأول يعالج إهمال الدائن في المطالبة بحقه، والثاني يكافئ الحائز الذي استقر وضعه القانوني بمرور الزمن.

يختلف النوعان أيضاً في نوع الحقوق التي يطبق عليها كل منهما. فالتقادم المسقط يتعلق عادة بالالتزامات والحقوق الشخصية وبعض الحقوق العينية الفرعية كحق الشفعة. في حين أن التقادم المكسب يتعلق بالحقوق العينية الأصلية كالملكية وحقوق الارتفاق والانتفاع. من الناحية الإجرائية، التقادم المسقط هو دفع يمكن للمدين التمسك به أمام القضاء لرد الدعوى المرفوعة ضده، ولا يمكن للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها إلا إذا تمسك به صاحب المصلحة (المدين).

أما التقادم المكسب، فهو طريق لاكتساب الحق، ويجب على الحائز رفع دعوى قضائية (دعوى تثبيت ملكية) لإثباته والحصول على حكم قضائي بتثبيت ملكيته. هذا الحكم يصبح سنداً رسمياً للملكية. فهم هذه الفروق الدقيقة ضروري جداً لتحديد الاستراتيجية القانونية المناسبة في كل حالة، سواء كان الهدف هو حماية حق من السقوط أو اكتساب حق بمرور الزمن، ويتطلب استشارة قانونية متخصصة لضمان تطبيق صحيح للقانون.

نصائح وإجراءات إضافية لتجنب مخاطر التقادم وحماية الحقوق

لضمان حماية حقوقك وتجنب الوقوع ضحية للتقادم، سواء كان مسقطاً أو مكسباً، هناك مجموعة من الإجراءات والنصائح العملية التي يمكن اتباعها. بالنسبة للتقادم المسقط، يجب على الدائنين المتابعة الدورية لديونهم وحقوقهم، وعدم التهاون في المطالبة بها قانونياً. ينصح بشدة بإنذار المدينين بشكل رسمي وموثق (مثل إنذار على يد محضر) قبل انقضاء مدة التقادم بوقت كافٍ، أو رفع دعاوى قضائية متقطعة لقطع هذه المدة، أو طلب الأمر بالأداء في حال كانت المطالبة بدين مستحق ومعلوم المقدار وثابت بالكتابة.

يمكن أيضاً الاتفاق على تجديد الدين أو الحصول على إقرار جديد به من المدين، مما يبدأ مدة تقادم جديدة. هذه الإجراءات تضمن أن يظل الحق قابلاً للمطالبة القضائية. أما في سياق التقادم المكسب، فعلى أصحاب العقارات أن يكونوا حذرين ويتابعوا عقاراتهم بانتظام لمنع أي حيازة غير مشروعة قد تؤدي إلى اكتساب الغير للملكية بمرور الزمن. يجب تسجيل جميع العقود والوثائق الرسمية فوراً في الشهر العقاري، والتأكد من عدم وجود أي تعديات على الممتلكات.

في حال وجود حيازة من قبل شخص آخر على عقار، يجب اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة فوراً لاسترداد الحيازة وقطع مدة التقادم المكسب للحائز. يمكن ذلك عن طريق رفع دعوى استرداد حيازة أو دعوى طرد. استشارة محامٍ متخصص في كلتا الحالتين تعتبر خطوة حيوية لضمان الامتثال للقوانين وحماية المصالح. المحامي يمكنه تقديم النصح القانوني المناسب وتقييم الموقف وتوجيه الخطوات اللازمة سواء لقطع التقادم المسقط أو لمنع التقادم المكسب أو للمطالبة به.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock