الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصري

صيغة دعوى إثبات مسئولية تقصيرية

صيغة دعوى إثبات مسئولية تقصيرية

دليلك الشامل لرفع دعوى المسئولية التقصيرية في القانون المصري

تعد المسئولية التقصيرية ركنًا أساسيًا في القانون المدني، وتنشأ عند إحداث ضرر للغير بفعل غير مشروع، مما يوجب على المحدث للضرر تعويض المتضرر. تهدف دعوى إثبات المسئولية التقصيرية إلى المطالبة بهذا التعويض، ورفع الظلم عن المضرور. يتناول هذا المقال بشمولية كيفية صياغة ورفع هذه الدعوى، مستعرضًا أركانها وشروطها وإجراءاتها، لتمكينك من فهمها والإلمام بكافة جوانبها القانونية.

أركان المسئولية التقصيرية

صيغة دعوى إثبات مسئولية تقصيريةلقيام المسئولية التقصيرية واستحقاق التعويض، يجب توافر ثلاثة أركان أساسية لا يمكن الاستغناء عن أي منها. هذه الأركان هي الخطأ، والضرر، والعلاقة السببية التي تربط بين الخطأ والضرر. فهم هذه الأركان ضروري جدًا لأي شخص يرغب في رفع دعوى تعويض أو الدفاع عنها، فهي تشكل الأساس القانوني الذي تبنى عليه الدعوى بالكامل.

الخطأ

يتمثل الخطأ في إخلال الشخص بواجب قانوني أو عرفي، أو ارتكاب فعل لا يجيزه القانون، سواء كان عمديًا أو ناتجًا عن إهمال أو تقصير أو عدم احتياط. يشمل الخطأ الأفعال الإيجابية والسلبية على حد سواء، ويجب أن يكون ثابتًا ومحددًا ليتمكن القاضي من تقديره وتقييم مدى تأثيره في إحداث الضرر. كما أن معيار الخطأ هو معيار موضوعي يعتمد على سلوك الشخص العادي الحريص في نفس الظروف.

الضرر

الضرر هو الأذى الذي يصيب الشخص في ماله أو جسده أو شرفه أو معنوياته نتيجة فعل غير مشروع. يجب أن يكون الضرر محققًا، أي أن يكون قد وقع بالفعل أو على وشك الوقوع بشكل مؤكد، وأن يكون مباشرًا وماديًا أو معنويًا. يشمل الضرر المادي الخسارة الفعلية التي لحقت بالمتضرر والكسب الفائت الذي حرم منه، بينما يشمل الضرر المعنوي الألم النفسي والمعاناة والمساس بالسمعة أو الكرامة.

العلاقة السببية

العلاقة السببية هي الرابط الذي يربط بين الخطأ والضرر، وتثبت أن الضرر ما كان ليحدث لولا ارتكاب الخطأ. يجب أن تكون العلاقة السببية مباشرة وواضحة، بحيث يكون الخطأ هو السبب المباشر والفعال في إحداث الضرر. إذا تدخل عامل أجنبي قطع هذه العلاقة، مثل قوة قاهرة أو خطأ المتضرر نفسه أو خطأ الغير، فإن المسئولية قد تنتفي أو تخفف تبعًا لذلك.

الشروط الأساسية لرفع دعوى المسئولية التقصيرية

إلى جانب توافر أركان المسئولية، هناك شروط إجرائية وقانونية يجب مراعاتها عند رفع دعوى المسئولية التقصيرية لضمان قبولها وصحتها أمام المحكمة. هذه الشروط تتعلق بالمدد القانونية للاشتكاء، واختصاص المحكمة بالنظر في الدعوى، وشرط المصلحة والصفة للطرفين.

التقادم

تخضع دعاوى المسئولية التقصيرية لآجال تقادم محددة في القانون. ففي القانون المصري، تسقط دعوى التعويض عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المتضرر بالضرر وبالشخص المسئول عنه، أو بخمس عشرة سنة من يوم وقوع الفعل الضار في كل الأحوال. يجب الانتباه جيدًا لهذه المدد حتى لا تسقط الدعوى بالتقادم وتفقد حقك في التعويض.

الاختصاص القضائي

يجب رفع دعوى المسئولية التقصيرية أمام المحكمة المختصة نوعيًا ومكانيًا. يكون الاختصاص النوعي غالبًا للمحاكم الابتدائية أو الجزئية حسب قيمة التعويض المطلوب، بينما يكون الاختصاص المكاني للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه، أو مكان وقوع الفعل الضار، أو مكان نشأة الالتزام أو تنفيذه. التأكد من الاختصاص يجنبك رفض الدعوى شكليًا.

الصفة والمصلحة

يشترط في رافع الدعوى (المدعي) أن يكون صاحب مصلحة شخصية ومباشرة في رفع الدعوى، وأن تكون له صفة قانونية تسمح له بالمطالبة بالتعويض (كأن يكون هو المتضرر أو وكيله القانوني أو ورثته). كما يشترط أن يكون المدعى عليه هو الشخص المسئول عن إحداث الضرر أو من يمثله قانونًا. عدم توفر الصفة أو المصلحة يؤدي إلى عدم قبول الدعوى.

خطوات إعداد وصياغة دعوى المسئولية التقصيرية

تتطلب صياغة دعوى المسئولية التقصيرية دقة وعناية لضمان تضمين كافة البيانات الضرورية والإثباتات المطلوبة. هذه الخطوات تساعدك على بناء دعوى قوية ومحكمة تزيد من فرص نجاحها أمام القضاء، وهي تبدأ من تحديد الوقائع بدقة وتنتهي بقيد الدعوى في المحكمة.

تحديد الوقائع بدقة

الخطوة الأولى تتمثل في تحديد كافة تفاصيل الواقعة التي أدت إلى الضرر، بما في ذلك الزمان والمكان والأشخاص المتورطين والأفعال التي ارتكبها المدعى عليه. يجب أن تكون الوقائع واضحة ومفصلة ومترابطة، وأن يتم سردها بتسلسل منطقي يساعد المحكمة على فهم مجريات الأحداث وكيفية وقوع الضرر.

تكييف الواقعة قانونًا

بعد تحديد الوقائع، يجب تكييفها قانونيًا، أي ربطها بالنصوص القانونية التي تجرم الفعل أو توجب المسئولية عنه. في هذه الحالة، يتم ربط الوقائع بنصوص القانون المدني المتعلقة بالمسئولية التقصيرية (مثل المادة 163 وما بعدها في القانون المدني المصري). هذا التكييف يوضح الأساس القانوني لطلب التعويض.

تحديد الطلبات

يجب أن تكون الطلبات في صحيفة الدعوى واضحة ومحددة. غالبًا ما يكون الطلب الرئيسي هو التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالمتضرر. يمكن أن تشمل الطلبات أيضًا المصاريف القضائية وأتعاب المحاماة. يجب تحديد قيمة التعويض المطلوبة، ويمكن طلب ندب خبير لتقديرها إذا كان الضرر يحتاج إلى تقييم فني.

إعداد صحيفة الدعوى

صحيفة الدعوى هي الوثيقة الرسمية التي تقدم للمحكمة. يجب أن تتضمن بيانات المدعي والمدعى عليه بالكامل، موضوع الدعوى، الوقائع بالتفصيل، الأساس القانوني، الطلبات، توقيع المدعي أو محاميه، وتاريخ تحرير الصحيفة. يجب أن تكون الصحيفة مكتوبة بوضوح ودقة، وخالية من الأخطاء اللغوية والإملائية، وتعبر عن الموضوع بشكل كامل.

إرفاق المستندات

يجب إرفاق كافة المستندات والوثائق المؤيدة للدعوى مع صحيفتها. تشمل هذه المستندات: المستندات التي تثبت وقوع الخطأ (مثل تقارير الشرطة، محاضر التحقيق، شهادات الشهود)، والمستندات التي تثبت الضرر (مثل تقارير طبية، فواتير علاج، مستندات تثبت الخسارة المادية)، وأي مستندات أخرى تدعم العلاقة السببية بين الخطأ والضرر. هذه المستندات هي عماد الإثبات في الدعوى.

إجراءات قيد الدعوى

بعد إعداد صحيفة الدعوى وإرفاق المستندات، يتم تقديمها إلى قلم كتاب المحكمة المختصة. يقوم الموظف المختص بقيد الدعوى في السجلات بعد سداد الرسوم القضائية المقررة. ثم يتم تحديد جلسة لنظر الدعوى ويتم إعلان المدعى عليه بصحيفة الدعوى وتاريخ الجلسة. متابعة هذه الإجراءات بدقة تضمن سير الدعوى في مسارها الصحيح.

أمثلة ونماذج لصور المسئولية التقصيرية

تتعدد صور المسئولية التقصيرية في الحياة العملية، ولا تقتصر على الأفعال المباشرة من الأشخاص. يشمل القانون حالات خاصة تستوجب المسئولية حتى لو لم يكن الفعل صادرًا بشكل مباشر عن الشخص المسئول، وهذا لتوسيع نطاق الحماية القانونية للمتضررين.

المسئولية عن فعل الغير

تنشأ هذه المسئولية عندما يقع الضرر من شخص يتبع مسئولية آخر، مثل مسئولية المتبوع عن أفعال تابعه (كالموظف عن أفعاله أثناء العمل)، أو مسئولية الولي أو الوصي عن القاصر، أو مسئولية المدرس عن تلاميذه. تقوم هذه المسئولية على قرينة الخطأ في الرقابة أو التوجيه، وتهدف إلى ضمان حصول المتضرر على تعويض.

المسئولية عن حراسة الأشياء

تشمل هذه المسئولية الضرر الذي ينشأ عن الأشياء غير الحية التي تكون تحت حراسة شخص معين، مثل مسئولية حارس البناء عن تهدمه، أو حارس الآلة عن الأضرار التي تسببها. يقوم هذا النوع من المسئولية على فكرة الخطر الناجم عن حراسة الأشياء التي تتطلب عناية خاصة لضمان سلامة الآخرين.

المسئولية عن حراسة الحيوان

تفرض هذه المسئولية على حارس الحيوان التعويض عن أي ضرر يسببه الحيوان، سواء كان ذلك الحيوان تحت سيطرته المباشرة أو ضل. تعتبر هذه المسئولية من أنواع المسئولية التي لا تتطلب إثبات خطأ الحارس، بل تقوم بمجرد وقوع الضرر بفعل الحيوان، وذلك لحماية سلامة الأفراد والممتلكات من مخاطر الحيوانات.

الفرق بين المسئولية التقصيرية والمسئولية العقدية

من المهم التمييز بين المسئولية التقصيرية والمسئولية العقدية، حيث يختلفان في مصدرهما وفي بعض الأحكام القانونية المترتبة عليهما. فهم هذا الفرق يساعد في تحديد الأساس القانوني الصحيح للدعوى المرفوعة، ويسهم في تطبيق النصوص القانونية الملائمة لكل نوع.

تنشأ المسئولية العقدية عن الإخلال بالتزام ناشئ عن عقد صحيح ومبرم بين طرفين، كأن يمتنع أحد الطرفين عن تنفيذ بنود العقد المتفق عليها. أما المسئولية التقصيرية، فتنشأ عن فعل ضار غير مشروع، لا يوجد بين الطرفين بشأنه أي علاقة تعاقدية مسبقة، ويكون أساسها هو إحداث ضرر للغير خارج إطار العقد. هذا هو الفارق الجوهري بينهما.

الدفوع المحتملة في دعاوى المسئولية التقصيرية

في المقابل، يمكن للمدعى عليه في دعوى المسئولية التقصيرية أن يدفع ببعض الدفوع التي قد تؤدي إلى رفض الدعوى أو تخفيف المسئولية عنه. معرفة هذه الدفوع تساعد المدعي على الاستعداد للرد عليها، وتساعد المدعى عليه على بناء دفاعه بفاعلية. يجب أن تكون هذه الدفوع مدعومة بالأدلة والبراهين.

انتفاء الخطأ

قد يدفع المدعى عليه بأن الفعل المنسوب إليه لم يكن خطأ من الأساس، أو أنه لم يرتكبه، أو أنه قام بواجبه القانوني والعرفي ولم يخالف أي معايير العناية المطلوبة. يقع عبء إثبات الخطأ على المدعي، وإذا استطاع المدعى عليه دحض هذا الإثبات، قد تنتفي المسئولية عنه.

انتفاء الضرر

يمكن للمدعى عليه أن يدفع بأن الضرر المدعى به غير حقيقي، أو أنه مبالغ فيه، أو أنه لم يقع بالفعل، أو أن المتضرر لم يتعرض لأي خسارة أو أذى نتيجة الفعل المنسوب إليه. يتطلب هذا الدفع غالبًا تقديم أدلة مضادة أو طلب ندب خبير لتقدير الضرر.

انتفاء العلاقة السببية

من أقوى الدفوع، هو الدفع بأن الضرر لم ينشأ عن فعل المدعى عليه، بل كان نتيجة لسبب أجنبي كالخطأ العمدي أو الإهمال الجسيم من جانب المتضرر نفسه، أو فعل قوة قاهرة، أو تدخل طرف ثالث. إذا أثبت المدعى عليه قطع العلاقة السببية، تنتفي المسئولية التقصيرية عنه بالكامل.

التقادم

كما ذكرنا سابقًا، يمكن للمدعى عليه الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم إذا مر الأجل القانوني المحدد لرفع الدعوى منذ علم المتضرر بالضرر والمسئول عنه، أو منذ وقوع الفعل الضار. يعتبر هذا الدفع من الدفوع الشكلية التي إذا ثبتت، تؤدي إلى رفض الدعوى دون الخوض في موضوعها.

نصائح هامة لنجاح دعوى المسئولية التقصيرية

لزيادة فرص نجاح دعواك في المسئولية التقصيرية، هناك مجموعة من النصائح العملية التي يجب اتباعها. هذه النصائح لا تقتصر على الجانب القانوني فقط، بل تشمل الجوانب الإجرائية والتكتيكية التي تؤثر بشكل كبير على مسار الدعوى ونتيجتها النهائية.

جمع الأدلة والبراهين

تعتبر الأدلة هي حجر الزاوية في أي دعوى قضائية. احرص على جمع كافة الأدلة التي تثبت الخطأ والضرر والعلاقة السببية. قد تشمل هذه الأدلة: الوثائق، الصور، مقاطع الفيديو، شهادات الشهود، تقارير الخبراء، أو أي مستند آخر يمكن أن يدعم موقفك. كلما كانت الأدلة قوية وموثقة، زادت فرصك في إثبات دعواك.

التشاور مع محامٍ متخصص

يفضل بشدة استشارة محامٍ متخصص في قضايا المسئولية التقصيرية والقانون المدني. يستطيع المحامي تقديم النصح القانوني السليم، ومساعدتك في تكييف الوقائع، وصياغة صحيفة الدعوى بشكل احترافي، وتقديم الدفوع والردود المناسبة، وتمثيلك أمام المحكمة بكفاءة، مما يزيد بشكل كبير من احتمالات نجاح الدعوى.

الاستعداد للجلسات القضائية

احضر جميع الجلسات القضائية في المواعيد المحددة، وكن مستعدًا لتقديم المستندات الإضافية أو الإجابة على استفسارات المحكمة. ناقش مع محاميك كافة السيناريوهات المحتملة والأسئلة التي قد توجه إليك، وكن مستعدًا لتقديم شهادتك أو شهادات الشهود بدقة ووضوح. الاستعداد الجيد يعكس الجدية ويدعم موقفك أمام القضاء.

إن فهم واستيعاب صيغة دعوى إثبات المسئولية التقصيرية وأركانها وشروطها، يمثل خطوة أساسية لكل من يسعى للحصول على تعويض عن ضرر أصابه. الالتزام بالخطوات القانونية السليمة، وجمع الأدلة القوية، والاستعانة بخبراء القانون، هي مفاتيح النجاح في هذا النوع من الدعاوى، لضمان استعادة الحقوق وتحقيق العدالة.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock