الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون الدوليالقانون المصري

جريمة التعذيب في إطار القانون الدولي

جريمة التعذيب في إطار القانون الدولي

آليات الحماية والملاحقة القضائية

تُعد جريمة التعذيب من أبشع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وقد حظيت باهتمام بالغ من القانون الدولي الذي سعى جاهداً لتجريمها وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب. يهدف هذا المقال إلى استعراض الإطار القانوني الدولي لمكافحة التعذيب، وتقديم حلول عملية للتعامل مع هذه الجريمة، سواء على مستوى الوقاية أو الملاحقة القضائية، وتسليط الضوء على آليات الحماية المتاحة للضحايا.

تعريف التعذيب وحظرُه في القانون الدولي

اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

جريمة التعذيب في إطار القانون الدوليتُعرف اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT) التعذيب بأنه أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول منه أو من شخص ثالث على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه.

يشمل التعريف أيضاً الترهيب أو الإكراه عليه أو على شخص ثالث، أو لأي سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب موظف عمومي أو أي شخص يتصرف بصفة رسمية، أو بتحريض منه أو بموافقته أو سكوته. هذا التعريف يمثل حجر الزاوية في مكافحة التعذيب دولياً.

مبدأ الحظر المطلق للتعذيب

القانون الدولي يحظر التعذيب حظراً مطلقاً، ولا يجوز تبرير هذا الفعل تحت أي ظرف من الظروف. لا توجد ظروف استثنائية، سواء كانت حرباً أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أي حالة طوارئ عامة أخرى، تبرر التعذيب. هذا الحظر يعتبر من القواعد الآمرة في القانون الدولي.

هذا المبدأ يعني أن الدول ملزمة بضمان عدم وقوع التعذيب على أراضيها أو في أي مكان خاضع لولايتها القضائية، كما يفرض عليها التزامات إيجابية للتحقيق في أي ادعاءات بالتعذيب وملاحقة المتورطين وتقديمهم للعدالة، وتقديم سبل الانتصاف للضحايا.

آليات الملاحقة القضائية على المستوى الدولي

اختصاص المحكمة الجنائية الدولية

تختص المحكمة الجنائية الدولية (ICC) بالنظر في أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي ككل، ومنها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. يمكن أن تندرج أفعال التعذيب ضمن هذه الجرائم إذا ما ارتُكبت في سياق واسع النطاق أو منهجي ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، أو أثناء نزاع مسلح.

للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية تكميلية، مما يعني أنها تتدخل فقط عندما تكون الدول غير راغبة أو غير قادرة بصدق على التحقيق في جرائم التعذيب وملاحقة مرتكبيها. يمكن للضحايا وأسرهم تقديم شكاوى للمحكمة، مما قد يؤدي إلى فتح تحقيقات في حالات معينة.

مبدأ الولاية القضائية العالمية

يسمح مبدأ الولاية القضائية العالمية لأي دولة بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم دولية خطيرة، مثل التعذيب، بغض النظر عن المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة أو جنسية الجاني أو الضحية. هذا المبدأ يعزز مبدأ عدم الإفلات من العقاب ويضمن أن مرتكبي التعذيب يمكن أن يواجهوا العدالة في أي مكان يتواجدون فيه.

لتطبيق هذا المبدأ، يجب على الدول أن تسن تشريعات وطنية تسمح بمحاكمة هذه الجرائم، كما يجب أن تتوافر لديها الإرادة السياسية والموارد اللازمة لإجراء التحقيقات والمحاكمات المعقدة. هذا يوفر طريقة إضافية لملاحقة الجناة عندما تفشل الدولة التي ارتكبت فيها الجريمة في القيام بذلك.

مسؤولية الدول والأفراد عن جريمة التعذيب

مسؤولية الدولة عن أعمال التعذيب

تقع على عاتق الدول مسؤولية دولية مباشرة عن أعمال التعذيب التي يرتكبها موظفوها أو الأشخاص الذين يتصرفون تحت سلطتها. تلتزم الدول بمنع التعذيب، والتحقيق الفوري في أي ادعاءات، وملاحقة الجناة، وتوفير سبل الانتصاف الفعالة للضحايا.

فشل الدولة في الوفاء بهذه الالتزامات يؤدي إلى مسؤوليتها الدولية، والتي قد تتضمن تقديم تعويضات للضحايا، واتخاذ تدابير لمنع تكرار الانتهاكات، ومحاكمة المسؤولين. هذا يضمن أن الدول تتحمل عواقب عدم احترام التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.

المسؤولية الجنائية الفردية

إلى جانب مسؤولية الدول، يتحمل الأفراد الذين يرتكبون التعذيب أو يأمرون به أو يحرضون عليه أو يساعدون فيه مسؤولية جنائية فردية. لا يمكن للأوامر العليا أو الصفة الرسمية أن تكون ذريعة لتبرير التعذيب، ويجب محاكمة الجناة على المستوى الوطني أو الدولي.

يجب على الأنظمة القانونية الوطنية تجريم التعذيب بشكل واضح في قوانينها الجنائية، وتوفير آليات فعالة للتحقيق والملاحقة القضائية. كما يجب أن تكون هناك برامج تدريب للمسؤولين عن إنفاذ القانون لضمان فهمهم لحظر التعذيب وتطبيقه في ممارساتهم اليومية.

سبل الانتصاف للضحايا والوقاية من التعذيب

حقوق الضحايا في جبر الضرر

يحق لضحايا التعذيب الحصول على جبر ضرر كامل وفعال، يشمل إعادة التأهيل، والتعويض، والرد، والترضية، وضمانات عدم التكرار. يتضمن إعادة التأهيل تقديم الرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية للضحايا لمساعدتهم على التعافي من آثار التعذيب.

التعويض يشمل التعويض المادي عن الخسائر التي لحقت بهم. كما أن ضمانات عدم التكرار تتضمن إصلاحات تشريعية ومؤسسية لمنع وقوع التعذيب مستقبلاً، ومحاسبة الجناة. يجب أن تكون هذه السبل سهلة الوصول وفعالة لضمان كرامة الضحايا وحقوقهم.

التدابير الوقائية والمراقبة الدولية

تتخذ الدول والمجتمع الدولي عدة تدابير للوقاية من التعذيب، منها إنشاء آليات وطنية ودولية للمراقبة مثل اللجنة الفرعية لمنع التعذيب التابعة للأمم المتحدة. هذه الآليات تقوم بزيارات دورية لأماكن الاحتجاز لتقييم ظروف المعاملة وتقديم توصيات لتحسينها.

تشمل التدابير الوقائية الأخرى تدريب المسؤولين عن إنفاذ القانون، ووضع قوانين واضحة تضمن حقوق المحتجزين، وتعزيز استقلالية القضاء، وضمان الشفافية والمساءلة. هذه الإجراءات مجتمعة تقلل من فرص وقوع التعذيب وتساهم في بناء مجتمعات تحترم حقوق الإنسان.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock