الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريالنيابة العامة

متى تُقيد حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى؟

متى تُقيد حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى؟

القيود القانونية على سلطة النيابة العامة في مباشرة الدعوى الجنائية

تمثل النيابة العامة السلطة الأصلية في المجتمع لتحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها، فهي الأمينة على الدعوى العمومية ونائبة عن المجتمع في ملاحقة الجناة. ولكن هذه السلطة ليست مطلقة بلا حدود، فقد وضع المشرع المصري قيودًا محددة على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى، وذلك بهدف تحقيق التوازن بين مصلحة المجتمع في العقاب وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم ومصالحهم الخاصة التي قد تكون أولى بالرعاية في بعض الأحيان. في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل القيود التي ترد على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى، وكيفية التعامل معها بخطوات عملية واضحة.

القيد الأول: الشكوى

ما هي الجرائم التي تتطلب شكوى؟

متى تُقيد حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى؟
حدد القانون المصري مجموعة من الجرائم التي لا يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية بشأنها إلا بناءً على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو وكيله الخاص. تهدف هذه القاعدة إلى حماية الروابط الأسرية والاجتماعية من التصدع، وترك الخيار للمجني عليه في تقدير مدى الضرر الذي لحق به ورغبته في التسامح أو المضي في الإجراءات. تشمل هذه الجرائم على سبيل المثال لا الحصر، جرائم السرقة بين الأصول والفروع أو الأزواج، وجريمة الزنا، وجرائم السب والقذف، والامتناع عن تسليم الصغير لمن له الحق في طلبه.

الإجراءات العملية لتقديم الشكوى

لتقديم شكوى بشكل صحيح يترتب عليها تحريك الدعوى، يجب على المجني عليه أو وكيله الخاص التوجه إلى قسم الشرطة المختص أو إلى النيابة العامة مباشرة. يجب أن تقدم الشكوى خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها. يتم إثبات الشكوى في محضر رسمي، ويجب أن تتضمن بيانات واضحة عن الشاكي والمشكو في حقه وتفاصيل الواقعة الإجرامية. عدم تقديم الشكوى خلال المدة القانونية يؤدي إلى انقضاء الحق في الشكوى، وبالتالي لا تستطيع النيابة العامة تحريك الدعوى من تلقاء نفسها.

القيد الثاني: الطلب

مفهوم الطلب كقيد على سلطة النيابة

الطلب هو إجراء إداري يصدر من هيئة أو جهة حكومية محددة، يكون لازمًا لتحريك الدعوى الجنائية في جرائم معينة. يختلف الطلب عن الشكوى في أن الشكوى تصدر من فرد (المجني عليه)، بينما الطلب يصدر من هيئة عامة. الحكمة من هذا القيد هي أن الدولة، ممثلة في هذه الهيئات، تكون أقدر على تقدير المصلحة العامة في تحريك الدعوى من عدمه، خصوصًا في الجرائم التي تمس كيان الدولة أو موظفيها العموميين، لتجنب الدعاوى الكيدية التي قد تعرقل سير العمل الإداري بالدولة.

أمثلة على جرائم تستلزم طلبًا

تتعدد الجرائم التي قيد فيها القانون سلطة النيابة العامة بضرورة تقديم طلب. من أبرز هذه الحالات الجرائم التي تقع من الموظف العام أثناء أو بسبب تأدية وظيفته، حيث يتطلب الأمر طلبًا من الوزير المختص أو الجهة التي يتبعها الموظف. كذلك جرائم تهريب النقد الأجنبي التي تستلزم طلبًا من وزير الاقتصاد، وجرائم التهرب الضريبي التي تتطلب طلبًا من وزير المالية. بدون هذا الطلب الكتابي الرسمي، يكون أي إجراء تتخذه النيابة العامة في تحريك الدعوى باطلاً.

القيد الثالث: الإذن

طبيعة الإذن وأهميته

الإذن هو إجراء يهدف إلى رفع الحصانة الإجرائية التي يتمتع بها أفراد فئات معينة بحكم مناصبهم أو وظائفهم. هذه الحصانة ليست امتيازًا شخصيًا، بل هي ضمانة لتمكينهم من أداء مهامهم بحرية واستقلال دون الخشية من الدعاوى الكيدية. لا يمكن للنيابة العامة اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المحاكمة ضد هؤلاء الأفراد في غير حالة التلبس بالجريمة، إلا بعد الحصول على إذن من الجهة التي يتبعونها. هذا القيد يضمن عدم استخدام الإجراءات الجنائية كوسيلة للضغط السياسي أو للتأثير على أداء هؤلاء لواجباتهم.

الفئات التي تتطلب الإجراءات ضدها إذنًا

توجد عدة فئات تتمتع بالحصانة الإجرائية التي تستلزم الإذن. على رأس هذه الفئات يأتي أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، حيث لا يمكن اتخاذ إجراءات جنائية ضدهم إلا بإذن من المجلس الذي ينتمون إليه. كذلك القضاة وأعضاء النيابة العامة، حيث يتطلب الأمر إذنًا من مجلس القضاء الأعلى. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع المحامون بحصانة معينة أثناء ممارسة عملهم، وكذلك الدبلوماسيون الأجانب وفقًا للاتفاقيات الدولية. يجب على النيابة العامة مخاطبة الجهة المختصة لطلب رفع الحصانة قبل البدء في أي إجراء.

حلول وخطوات عملية

كيفية التحقق من وجود قيد على الدعوى

قبل اتخاذ أي خطوة، يجب على المجني عليه أو محاميه التأكد من طبيعة الجريمة وما إذا كانت تخضع لأحد القيود المذكورة. يمكن تحقيق ذلك من خلال مراجعة نصوص قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية. فالمواد المتعلقة بكل جريمة توضح ما إذا كانت تتطلب شكوى. أما بالنسبة للطلب والإذن، فعادة ما تنص عليها قوانين خاصة مثل قانون مجلس النواب أو قانون السلطة القضائية. استشارة محام متخصص تعد خطوة ضرورية لتحديد المسار القانوني الصحيح وتجنب رفض الدعوى لأسباب شكلية.

ماذا تفعل إذا لم يتم استيفاء القيد؟

إذا اكتشفت أن تحريك الدعوى متوقف على قيد لم يتم استيفاؤه، فإن الحل يكمن في العمل على استيفاء هذا القيد. إذا كان القيد هو الشكوى، فيجب على المجني عليه الإسراع بتقديمها خلال المدة القانونية. إذا كان القيد هو الطلب، يمكن مخاطبة الجهة الإدارية المختصة بشكل رسمي لتقديم الطلب للنيابة العامة، مع توضيح أسانيد وأدلة الجريمة. أما في حالة الإذن، فالأمر يعود لتقدير الجهة المانحة للحصانة، ولكن يمكن تقديم طلب رسمي مدعوم بالأدلة إليها للنظر في رفع الحصانة عن الشخص المطلوب محاكمته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock