مسؤولية صاحب العمل عن أفعال تابعيه
محتوى المقال
مسؤولية صاحب العمل عن أفعال تابعيه
شرح تفصيلي لأسس وشروط المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير في القانون المصري
كثيراً ما يقع الضرر على الأفراد نتيجة أخطاء يرتكبها موظفون أو عمال أثناء قيامهم بأعمالهم لصالح جهة أخرى. في هذه الحالات، يطرح التساؤل حول من يتحمل عبء التعويض عن هذا الضرر، هل هو الفاعل المباشر للخطأ أم صاحب العمل؟ يقرر القانون المصري مبدأ مهماً يعرف بمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه، وهو ما يعني أن صاحب العمل يكون مسؤولاً عن تعويض الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع. هذا المقال يقدم دليلاً عملياً لفهم هذه المسؤولية وشروطها وكيفية المطالبة بالتعويض.
الأساس القانوني لمسؤولية صاحب العمل
نص المادة 174 من القانون المدني المصري
تستند مسؤولية صاحب العمل بشكل أساسي على نص المادة 174 من القانون المدني المصري، والتي تنص على أن: “يكون المتبوع مسؤولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعاً منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها”. هذا النص يضع قاعدة قانونية واضحة، حيث يفترض المشرع وجود خطأ من جانب صاحب العمل في اختيار تابعه أو في رقابته وتوجيهه، وهي مسؤولية قائمة على خطأ مفترض لا يقبل إثبات العكس.
فلسفة المشرع من تقرير هذه المسؤولية
لم يضع المشرع هذا النص من فراغ، بل يستهدف تحقيق عدة أهداف. أولاً، توفير ضمانة كافية للمضرور للحصول على التعويض، حيث إن صاحب العمل غالباً ما يكون أكثر قدرة مالية على الوفاء بالتعويض من التابع. ثانياً، تطبيقاً لنظرية تحمل المخاطر، فمن يستفد من نشاط معين (صاحب العمل)، عليه أن يتحمل المخاطر والأضرار التي قد تنجم عن هذا النشاط. وبهذا، يتم تحقيق نوع من العدالة وتوزيع الأعباء بشكل منطقي.
شروط قيام مسؤولية صاحب العمل (المتبوع)
الشرط الأول: قيام علاقة التبعية
تعتبر علاقة التبعية الركن الأساسي لقيام هذه المسؤولية. لا يكفي وجود أي علاقة عمل، بل يجب أن تكون علاقة تتضمن سلطة فعلية في الرقابة والتوجيه من المتبوع (صاحب العمل) على التابع (العامل أو الموظف). لا يشترط أن تكون هذه السلطة قائمة على عقد عمل رسمي، بل يكفي ثبوتها واقعياً. فالمعيار هو قدرة المتبوع على إصدار الأوامر والتعليمات للتابع فيما يتعلق بكيفية أداء العمل المنوط به، ووجود رقابة على تنفيذ هذه التعليمات.
الشرط الثاني: وقوع خطأ من التابع يوجب مسؤوليته
لكي يُسأل صاحب العمل، يجب أولاً أن يكون هناك خطأ قد وقع من التابع نفسه. هذا الخطأ يجب أن يكون من النوع الذي يرتب المسؤولية التقصيرية في ذمة التابع. بمعنى آخر، لو كان فعل التابع مشروعاً أو لا يشكل خطأ قانونياً، فلا مسؤولية عليه، وبالتالي لا تنتقل المسؤولية إلى المتبوع. يجب إثبات أن التابع قد ارتكب فعلاً ضاراً بالغير، وأن هذا الفعل يمثل إخلالاً بالتزام قانوني عام.
الشرط الثالث: ارتكاب الخطأ أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها
هذا هو الشرط الأكثر دقة وتفصيلاً. لا يكفي أن يقع الخطأ من التابع، بل يجب أن يكون مرتبطاً بالوظيفة. يتحقق هذا الارتباط في حالتين: الأولى هي وقوع الخطأ “أثناء تأدية الوظيفة”، كأن يقوم سائق سيارة تابعة لشركة بدهس أحد المارة أثناء توصيل بضاعة. والحالة الثانية هي وقوع الخطأ “بسبب الوظيفة”، أي أن الوظيفة هي التي مكنت التابع من ارتكاب الخطأ أو سهلت له ذلك، حتى لو وقع الخطأ خارج نطاق العمل المباشر.
خطوات عملية لإثبات المسؤولية وطلب التعويض
الخطوة الأولى: جمع الأدلة والمستندات
بمجرد وقوع الضرر، يجب على المضرور التحرك سريعاً لجمع كافة الأدلة التي تثبت أركان المسؤولية. تشمل هذه الأدلة: محاضر الشرطة التي تثبت الواقعة، تقارير طبية في حالة وجود إصابات، شهادة الشهود الذين رأوا الحادث، صور فوتوغرافية لمكان الحادث أو حجم الضرر، وأي مستندات تثبت علاقة التابع بالشركة أو صاحب العمل مثل إيصالات أو فواتير أو ملابس عمل تحمل شعار الشركة.
الخطوة الثانية: تحرير محضر رسمي بالواقعة
تعتبر الخطوة الرسمية الأولى هي التوجه إلى قسم الشرطة المختص وتحرير محضر لإثبات الواقعة بكافة تفاصيلها. يجب ذكر تفاصيل خطأ التابع، والضرر الذي نتج عنه، والإشارة إلى أن الفاعل كان يؤدي عملاً لصالح جهة معينة إذا كان ذلك معلوماً. هذا المحضر هو مستند رسمي بالغ الأهمية في أي نزاع قضائي لاحق، ويعتبر بداية لجمع الأدلة بشكل رسمي.
الخطوة الثالثة: رفع دعوى قضائية للمطالبة بالتعويض
بعد استكمال الأدلة، يمكن للمضرور رفع دعوى قضائية أمام المحكمة المدنية المختصة. يتم اختصام كل من التابع (مرتكب الخطأ) والمتبوع (صاحب العمل) في نفس الدعوى. يطالب المضرور في دعواه بإلزام المدعى عليهما متضامنين بدفع مبلغ التعويض المناسب لجبر الضرر المادي والأدبي الذي لحق به. يتولى القاضي فحص الأدلة والتأكد من توافر شروط مسؤولية المتبوع قبل الحكم بالتعويض.
عناصر إضافية وحلول منطقية
دور صاحب العمل في تفادي المسؤولية
يمكن لأصحاب الأعمال اتخاذ إجراءات استباقية لتقليل فرص وقوع مثل هذه الأخطاء. من أهم هذه الإجراءات: حسن اختيار الموظفين والعمال، وتدريبهم بشكل كافٍ على أصول المهنة وقواعد السلامة، ووضع سياسات عمل واضحة، وممارسة إشراف ورقابة فعالة على أدائهم. كما يعد التأمين ضد المسؤولية المدنية تجاه الغير حلاً عملياً ممتازاً لتغطية مثل هذه المخاطر ونقل عبء التعويض إلى شركة التأمين.
حق صاحب العمل في الرجوع على التابع
إذا قام صاحب العمل (المتبوع) بدفع التعويض للمضرور بناءً على حكم قضائي، فإن القانون يمنحه الحق في الرجوع على التابع (مرتكب الخطأ) ومطالبته بكل المبلغ الذي دفعه. فمسؤولية صاحب العمل تجاه المضرور هي مسؤولية تضامنية، ولكن في العلاقة الداخلية بين صاحب العمل والعامل، يبقى العامل هو المسؤول الأصلي عن خطئه. ويتم ذلك عبر رفع دعوى قضائية مستقلة من صاحب العمل ضد تابعه.