الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالقانون الجنائيالقانون المصريمحكمة الجنايات

الدفع ببطلان الإجراءات لعدم تمكين الدفاع من الاطلاع

الدفع ببطلان الإجراءات لعدم تمكين الدفاع من الاطلاع

دليل شامل للمحامين والمتقاضين لاستعادة حقوق الدفاع الجوهرية

يعد حق الدفاع من أقدس الحقوق التي يضمنها الدستور والقانون للمتقاضين، وهو أساس العدالة الجنائية. من أبرز صور هذا الحق، التمكين الكامل للدفاع من الاطلاع على كافة أوراق الدعوى ومستنداتها. عند الإخلال بهذا الحق، تتاح فرصة قوية للدفع ببطلان الإجراءات، وهو ما يمكن أن يغير مجرى القضية بأكملها. يستعرض هذا المقال الطرق والخطوات العملية لتقديم هذا الدفع بفعالية، ويسلط الضوء على الحلول المتاحة لضمان حق الدفاع الأصيل.

مفهوم الدفع ببطلان الإجراءات وأساسه القانوني

تعريف البطلان الإجرائي في القانون

البطلان الإجرائي هو الجزاء القانوني الذي يترتب على مخالفة قاعدة إجرائية جوهرية في سير الدعوى، والتي تؤثر على سلامة الإجراءات وتحقيق غايتها. لا يقتصر البطلان على الشكليات فقط، بل يمتد ليشمل أي إخلال يؤثر على حقوق الدفاع الأساسية. الدفع ببطلان الإجراءات هو الوسيلة القانونية التي يتمسك بها الدفاع لإلغاء هذه الإجراءات المعيبة، مما قد يؤدي إلى سقوط الاتهام أو إعادة نظر القضية من جديد.

يجب أن يكون الإخلال بالقواعد الإجرائية قد أثر بالفعل في حق الدفاع أو ألحق ضرراً بالمتهم لكي يمكن التمسك بالبطلان. ليس كل مخالفة إجرائية تؤدي إلى البطلان، بل يجب أن تكون المخالفة ذات طبيعة جوهرية تمس صميم الإجراءات القضائية. هذا ما يميز البطلان الإجرائي عن مجرد المخالفات الشكلية التي لا يترتب عليها أي أثر قانوني.

أهمية حق الدفاع في الاطلاع على أوراق الدعوى

حق الدفاع في الاطلاع على أوراق الدعوى ومستنداتها هو حجر الزاوية في بناء دفاع قوي ومتين. يتيح هذا الحق للمحامي فهم جميع تفاصيل الاتهام، الأدلة المقدمة ضده، والوقائع التي يستند إليها الادعاء. بدون هذا الاطلاع الشامل، يصبح الدفاع غير قادر على إعداد رده بشكل كافٍ، أو تفنيد الأدلة، أو تقديم أدلة مضادة. هذا الحق ليس مجرد امتياز، بل هو ضرورة لتحقيق مبدأ المساواة بين الخصوم أمام القضاء وضمان محاكمة عادلة.

كما أن الاطلاع يمكّن الدفاع من اكتشاف أي ثغرات أو مخالفات إجرائية قد تكون حدثت خلال مراحل التحقيق أو جمع الأدلة. وبالتالي، فإن حجب أي جزء من أوراق القضية عن الدفاع يعتبر إخلالاً جوهرياً بهذا الحق، ويفتح الباب واسعاً للدفع ببطلان الإجراءات. هذا الحق يمتد ليشمل محاضر التحقيق، تقارير الخبراء، الأدلة المادية، وجميع المستندات المتعلقة بالقضية.

النصوص القانونية المنظمة لحق الاطلاع وأثر الإخلال به

يكفل القانون المصري حق الدفاع في الاطلاع عبر نصوص صريحة في قانون الإجراءات الجنائية. فالمواد المتعلقة بالتحقيق الابتدائي والمحاكمة تفرض ضرورة تمكين الدفاع من الاطلاع قبل الاستجواب أو المرافعة. على سبيل المثال، تنص المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية على حق المتهم في حضور محاميه التحقيق، وحق المحامي في الاطلاع على الأوراق.

كما تؤكد المادة 125 على حق المحامي في تقديم مذكرات وأوجه دفاع. أحكام النقض المصرية تواترت على تأكيد هذا الحق باعتباره من النظام العام. أي إخلال بهذه النصوص أو حجب للمستندات يؤدي إلى بطلان الإجراءات التي شابها هذا العيب. يعالج القانون هذه المسألة بجدية لضمان عدم الإضرار بحقوق المتهم أو إهدارها، مؤكداً على أن المحاكمة العادلة تستند إلى الشفافية والوضوح.

حالات عدم تمكين الدفاع من الاطلاع وأثرها القانوني

أمثلة عملية على عدم تمكين الدفاع من الاطلاع

تتعدد صور عدم تمكين الدفاع من الاطلاع على أوراق الدعوى، وقد تظهر في مراحل مختلفة من التقاضي. من أبرز هذه الأمثلة، رفض النيابة العامة أو قاضي التحقيق السماح للمحامي بالاطلاع على محاضر التحقيقات قبل استجواب موكله، أو حجب بعض التقارير الفنية أو أدلة الإثبات الأساسية. كذلك، قد يحدث حجب جزئي للمستندات، حيث يتم عرض جزء منها وإخفاء الجزء الآخر، مما يعيق إعداد دفاع شامل. في بعض الحالات، قد يتم تأجيل الجلسات دون إتاحة الوقت الكافي للدفاع للاطلاع على مستندات جديدة تم تقديمها في آخر لحظة.

مثال آخر، هو عدم تمكين الدفاع من الاطلاع على الأوراق التي بُني عليها قرار الإحالة أو قرار الاتهام، قبل بدء المحاكمة. كما يشمل ذلك عدم السماح بالاطلاع على الأحراز أو المعاينات التي تمت في غياب الدفاع، أو التي لم يتم إخطاره بها بشكل صحيح. هذه الأمثلة توضح مدى خطورة حرمان الدفاع من حقه، وتبرز الحاجة الملحة للدفع بالبطلان في مثل هذه الظروف. كل حالة من هذه الحالات تشكل إخلالاً صريحاً بحقوق الدفاع الأساسية.

الأثر القانوني المترتب على عدم التمكين

عدم تمكين الدفاع من الاطلاع يترتب عليه بطلان الإجراءات التي تلت هذا الحرمان أو التي بنيت عليه. هذا البطلان ليس مجرد عيب شكلي، بل هو بطلان يؤثر على جوهر المحاكمة. فإذا لم يتمكن الدفاع من الاطلاع على أوراق القضية قبل الاستجواب، فإن الاستجواب ذاته يكون باطلاً، وكذلك ما ترتب عليه من اعترافات أو إقرارات. يمتد هذا الأثر ليشمل جميع الإجراءات التالية التي استندت إلى هذا الإجراء الباطل.

قد يصل الأثر القانوني إلى إلغاء حكم الإدانة إذا ثبت أن عدم تمكين الدفاع كان له تأثير حاسم على مجريات المحاكمة، وأنه أضر بحق المتهم في الدفاع عن نفسه. هذا يعني أن المحكمة العليا (محكمة النقض) قد تقضي بإلغاء الحكم وإعادة القضية إلى محكمة الموضوع لنظرها مرة أخرى، مع تمكين الدفاع من حقه في الاطلاع. وبالتالي، فإن البطلان الناتج عن عدم تمكين الدفاع له قوة تأثيرية كبيرة على مسار القضية ونتائجها.

التمييز بين البطلان المطلق والبطلان النسبي في هذه الحالات

في سياق عدم تمكين الدفاع من الاطلاع، غالباً ما يعتبر البطلان هنا من قبيل البطلان المطلق لأنه يتعلق بحق جوهري من حقوق الدفاع المرتبطة بالنظام العام. البطلان المطلق هو الذي يتعلق بمخالفة قواعد النظام العام، ولا يجوز النزول عنه، وتتمسك به المحكمة من تلقاء نفسها في أي مرحلة من مراحل الدعوى. أما البطلان النسبي، فهو الذي يتعلق بمصلحة الخصوم فقط، ويجب التمسك به في وقت معين وإلا سقط الحق فيه بالتقادم.

في حالة عدم تمكين الدفاع من الاطلاع، لما له من أثر على حق المتهم في محاكمة عادلة ومبدأ المساواة بين الخصوم، فإنه يُصنف عادةً ضمن البطلان المطلق. هذا يعني أن المحامي يمكنه الدفع بهذا البطلان في أي مرحلة من مراحل الدعوى، بل وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها. ومع ذلك، هناك بعض الآراء التي قد تعتبره نسبياً إذا كان الإخلال بسيطاً ولم يؤثر جوهرياً على حق الدفاع، لكن الغالب في الفقه والقضاء هو اعتباره بطلاناً مطلقاً لصلته الوثيقة بحقوق الدفاع الأساسية.

كيفية الدفع ببطلان الإجراءات: خطوات عملية دقيقة

توقيت الدفع بالبطلان وأشكاله القانونية

يعتبر توقيت الدفع بالبطلان عنصراً حاسماً في قبوله. يجب على الدفاع أن يدفع بالبطلان في أقرب فرصة ممكنة بعد اكتشاف المخالفة الإجرائية، وقبل الدخول في أساس الموضوع. بمعنى آخر، ينبغي إثارة الدفع قبل الشروع في المرافعة في الموضوع الرئيسي للقضية. يمكن أن يتم الدفع شفوياً أمام المحكمة، مع ضرورة إثباته في محضر الجلسة، أو كتابياً بتقديمه في مذكرة دفاع شاملة. يُفضل دائماً الدفع كتابياً لضمان وضوح الحجج وتفصيلها، وتوثيق الدفع بشكل رسمي.

من المهم جداً أن يكون الدفع بالبطلان محدداً وواضحاً، مع ذكر الإجراء الباطل تحديداً، والسبب الذي أدى إلى بطلانه (عدم تمكين الدفاع من الاطلاع)، والنص القانوني الذي تم مخالفته. التباطؤ في تقديم الدفع قد يُفسر على أنه تنازل ضمني عن الحق في التمسك بالبطلان، خاصة في حالات البطلان النسبي. لذا، فإن اليقظة وسرعة الاستجابة لاكتشاف العيوب الإجرائية ضرورية لضمان نجاح الدفع.

إعداد مذكرة الدفع وبناء الحجج القانونية

تتطلب مذكرة الدفع ببطلان الإجراءات إعداداً دقيقاً ومنهجياً. يجب أن تبدأ المذكرة ببيان وافٍ لوقائع القضية ذات الصلة بالإخلال بحق الاطلاع. بعد ذلك، يتم التركيز على الإجراءات الباطلة بالتحديد، مع الإشارة إلى التاريخ والظرف الذي تم فيه حرمان الدفاع من الاطلاع. الخطوة التالية هي الاستشهاد بالنصوص القانونية ذات الصلة، سواء كانت من قانون الإجراءات الجنائية أو الدستور، والتي تؤكد حق الدفاع في الاطلاع.

يجب أن تتضمن المذكرة تحليلاً قانونياً قوياً يوضح كيف أثر هذا الحرمان على حق الدفاع في إعداد دفاعه، وكيف أدى إلى الإضرار بمصلحة المتهم. ينبغي دعم الحجج بأحكام محكمة النقض السابقة التي تناولت حالات مشابهة وأكدت على بطلان الإجراءات لعدم تمكين الدفاع. صياغة المذكرة يجب أن تكون واضحة ومقنعة، مع التركيز على الجوانب الجوهرية التي تبرر البطلان. من المفيد أيضاً إرفاق أي مستندات تدعم ادعاء الدفاع بعدم التمكين، مثل طلبات الاطلاع التي قوبلت بالرفض.

تقديم الدفع أمام المحكمة: الإجراءات والتحديات

عند تقديم مذكرة الدفع ببطلان الإجراءات أمام المحكمة، يجب على المحامي أن يكون مستعداً لمناقشة الدفع شفوياً وتوضيح جميع جوانبه للقاضي. قد تطلب المحكمة رد النيابة العامة أو الطرف الآخر على الدفع. من المهم أن يظل المحامي ثابتاً على موقفه وأن يدافع عن حقه وحق موكله بقوة. يجب التأكيد على أن عدم التمكين أثر بشكل مباشر على قدرة الدفاع على تقديم دفاع فعال، وليس مجرد عيب شكلي بسيط. قد يواجه الدفاع تحدياً في إثبات عدم التمكين، خاصة إذا لم يكن هناك إثبات كتابي لرفض طلب الاطلاع.

للتغلب على ذلك، يمكن للمحامي أن يطلب من المحكمة ضم ملف القضية كاملاً للاطلاع، أو أن يطلب شهادة من أحد الموظفين أو الزملاء الذين حضروا الواقعة. كما يمكنه الاستناد إلى قرارات المحكمة السابقة أو الأحكام المستقرة لمحكمة النقض التي تؤكد على ضرورة تمكين الدفاع. الاستعداد الجيد للمرافعة الشفوية، وتقديم الحجج القانونية المدعومة بالبراهين، يزيد من فرص قبول المحكمة للدفع بالبطلان وإلغاء الإجراءات المعيبة. يجب أن يكون الدفاع حازماً في طلباته.

طرق متعددة لتعزيز الدفع وتقديم الحلول

طلب التأجيل للاطلاع على أوراق الدعوى

إحدى الطرق الفعالة لتعزيز الدفع ببطلان الإجراءات هي تقديم طلب تأجيل الجلسة بهدف تمكين الدفاع من الاطلاع على أوراق الدعوى. إذا لم يتمكن الدفاع من الاطلاع على جميع المستندات قبل الجلسة، يجب عليه فوراً طلب تأجيل لسبب جوهري، وهو استكمال الاطلاع. هذا الطلب يجب أن يقدم بشكل واضح ومحدد، مع بيان الأوراق التي لم يتم الاطلاع عليها، والمدة التي يحتاجها الدفاع لإعداد رده. رفض المحكمة لطلب تأجيل مبرر كهذا قد يشكل في حد ذاته سبباً آخر للدفع ببطلان الإجراءات.

يجب أن يكون الطلب مسبباً، موضحاً كيف أن عدم الاطلاع سيؤثر سلباً على قدرة الدفاع على أداء واجبه. المحكمة ملزمة بتمكين الدفاع من حقه، وتأجيل الجلسة لهذه الغاية هو إجراء قانوني مشروع. في حال رفض الطلب، يجب على المحامي أن يثبت هذا الرفض في محضر الجلسة، وأن يدفع بالبطلان بعد ذلك على أساس حرمان الدفاع من حقه الجوهري. هذا الإجراء يوثق بشكل رسمي محاولة الدفاع لضمان حقوقه ويؤسس لأي دفع بالبطلان لاحقاً.

طلب ضم الأوراق الناقصة أو المرفوض الاطلاع عليها

عند اكتشاف نقص في أوراق القضية، أو رفض جهة التحقيق أو المحكمة تمكين الدفاع من الاطلاع على مستندات معينة، يمكن للدفاع أن يطلب ضم هذه الأوراق بشكل رسمي إلى ملف الدعوى. هذا الطلب يجب أن يحدد الأوراق الناقصة بدقة، وأن يوضح أهميتها للدفاع. على سبيل المثال، إذا كانت هناك تقارير فنية لم يتم الاطلاع عليها، يجب طلب ضمها للملف. هذا الإجراء ليس فقط لتمكين الدفاع، بل أيضاً لضمان سلامة الإجراءات القضائية وشفافيتها. يمكن تقديم هذا الطلب في مذكرة مستقلة أو ضمن مذكرة الدفع بالبطلان.

إذا رفضت المحكمة طلب ضم الأوراق الضرورية للدفاع دون مبرر قانوني سليم، فإن هذا الرفض يمكن أن يشكل إخلالاً جوهرياً آخر بحق الدفاع، ويمكن البناء عليه للدفع ببطلان الإجراءات. يوضح هذا الإجراء سعي الدفاع الحثيث للوصول إلى الحقيقة وتوفير دفاع متكامل لموكله. التأكيد على أهمية الأوراق الناقصة وضرورتها لتكوين الصورة الكاملة للقضية يعزز موقف الدفاع ويدفع المحكمة نحو الاستجابة لطلبه المشروع. المحكمة ملزمة بتوفير كل ما يلزم لإنصاف المتقاضين.

الاستناد إلى أحكام النقض والسوابق القضائية

تعتبر أحكام محكمة النقض المصرية بمثابة المرجع الأعلى للقوانين وتفسيراتها. عند تقديم الدفع ببطلان الإجراءات لعدم تمكين الدفاع من الاطلاع، فإن الاستناد إلى أحكام النقض السابقة التي تناولت حالات مشابهة يعد دليلاً قوياً ومقنعاً للمحكمة. يجب على المحامي البحث عن أحكام النقض التي أرست مبادئ قانونية تؤكد على جوهرية حق الدفاع في الاطلاع، وعلى بطلان الإجراءات التي شابها إخلال بهذا الحق.

ذكر أرقام الأحكام وتواريخها والمبادئ التي أرستها يعزز من قوة الدفع ويظهر للمحكمة أن هناك سوابق قضائية تدعم موقف الدفاع. هذا يضفي مصداقية قانونية كبيرة على الدفع ويوجه المحكمة نحو اتخاذ القرار الصحيح. يمكن إرفاق صور من أحكام النقض ذات الصلة بالمذكرة لتعزيز الحجج. الاعتماد على السوابق القضائية المستقرة يؤكد على أن هذا الدفع ليس مجرد محاولة للمماطلة، بل هو تمسك بحق أصيل ومعترف به قضائياً.

دور النيابة العامة والقاضي في تمكين الدفاع

لا يقع عبء تمكين الدفاع على عاتق الدفاع وحده، بل تتحمل النيابة العامة وقاضي التحقيق والمحكمة مسؤولية أساسية في ضمان هذا الحق. فالنيابة العامة، بصفتها حامية للمصلحة العامة، يجب عليها ألا تحجب أي أوراق عن الدفاع إلا بمبرر قانوني صريح وواضح. كما أن قاضي التحقيق ملزم بتمكين الدفاع من الاطلاع قبل استجواب المتهم أو اتخاذ أي إجراء يمس حريته. المحكمة بدورها، يجب أن تتأكد من أن جميع الأطراف قد تمكنت من ممارسة حقوقها الدفاعية بشكل كامل.

في حالة وجود إخلال، يجب على القاضي التدخل لتصحيح الوضع وتمكين الدفاع. فإذا رفضت النيابة التمكين، يمكن للمحكمة أن تأمر بذلك. هذا يبرز الدور الإيجابي للقضاء في حماية حقوق الأفراد وضمان محاكمة عادلة. إن المطالبة بهذا الدور من قبل الدفاع في مذكراته ومرافعاته يعزز من موقفه ويجعل المحكمة أكثر ميلاً للاستجابة للدفع ببطلان الإجراءات. المساءلة القضائية هي حجر الزاوية في بناء العدل.

نصائح إضافية لضمان فعالية الدفع

التدقيق المستمر في محاضر الجلسات والإجراءات

لضمان فعالية الدفع ببطلان الإجراءات، يجب على المحامي التدقيق المستمر في محاضر الجلسات وجميع الإجراءات التي تتخذ أثناء سير القضية. هذا التدقيق يساعد على اكتشاف أي إخلال بحق الدفاع في الاطلاع في وقته المناسب. يجب مراجعة محضر كل جلسة بعناية للتأكد من تسجيل جميع الطلبات التي قدمها الدفاع، بما في ذلك طلبات الاطلاع، والقرارات الصادرة بشأنها. أي سهو أو خطأ في التسجيل يجب تنبيه المحكمة إليه فوراً لتصحيحه.

كما يشمل التدقيق متابعة قرارات التحقيق والأوامر الصادرة من النيابة العامة أو قاضي التحقيق. يجب أن يكون المحامي على دراية كاملة بما تم وما لم يتم في القضية. هذا النهج الاستباقي يقلل من فرص تفويت أي مخالفة إجرائية قد تؤثر على حق الدفاع، ويضمن أن يتم الدفع بالبطلان في توقيته الصحيح وبناءً على معلومات دقيقة وموثقة. اليقظة القانونية هي مفتاح النجاح في هذا النوع من الدفوع.

التواصل الفعال مع جهات التحقيق والمحكمة

يعد التواصل الفعال والمستمر مع جهات التحقيق والمحكمة أمراً ضرورياً لضمان تمكين الدفاع من حقه في الاطلاع. يجب على المحامي تقديم طلبات الاطلاع بشكل كتابي وموثق، والاحتفاظ بنسخ من هذه الطلبات وإثبات تسليمها. في حال رفض الطلب، يجب أيضاً الحصول على إثبات كتابي للرفض إذا أمكن. هذا التوثيق يمثل دليلاً قوياً على محاولات الدفاع لضمان حقوق موكله.

التواصل يشمل أيضاً طرح هذه المسألة بوضوح أمام المحكمة، وطلب توجيه جهات التحقيق لتمكين الدفاع من الاطلاع إذا كانت هي الجهة المسؤولة عن حجب الأوراق. هذا النهج الاستباقي والتوثيقي يقلل من إمكانية التذرع بعدم علم المحكمة أو جهة التحقيق بطلب الدفاع، ويعزز موقفه في حال اضطر للدفع بالبطلان. الشفافية في التعامل والمتابعة الحثيثة تخدم مصلحة الموكل بشكل كبير.

توثيق جميع محاولات الاطلاع الفاشلة

لتعزيز قوة الدفع ببطلان الإجراءات، يجب على المحامي توثيق جميع محاولات الاطلاع التي باءت بالفشل. يمكن أن يتم ذلك عن طريق:
1. طلبات كتابية: تقديم طلبات رسمية للاطلاع على الأوراق إلى النيابة أو قاضي التحقيق أو المحكمة، مع الاحتفاظ بنسخة عليها ختم الاستلام.
2. مذكرات إثبات: إذا تم الرفض شفهياً، يمكن تقديم مذكرة إثبات إلى الجهة المعنية تصف واقعة الرفض.
3. محاضر الجلسات: التأكد من إثبات طلبات الاطلاع ورفضها في محاضر الجلسات.
4. شهادة الشهود: في بعض الحالات، يمكن الاستعانة بشهادة زميل أو مساعد حضر محاولة الاطلاع الفاشلة.
توثيق هذه المحاولات يقدم دليلاً مادياً للمحكمة على أن الدفاع قد بذل العناية الواجبة لتمكينه من الاطلاع، وأن الحرمان لم يكن بسبب إهماله. هذا يعزز من مصداقية الدفع ويجعل المحكمة أكثر استعداداً للنظر فيه بجدية.

متى لا يجوز الدفع بالبطلان؟ استثناءات هامة

ليس كل إخلال إجرائي يؤدي إلى البطلان، وهناك حالات معينة لا يجوز فيها الدفع بالبطلان:
1. عدم وجود ضرر: إذا لم يترتب على الإخلال الإجرائي أي ضرر بحق الدفاع أو بمصلحة المتهم، فلا يمكن الدفع بالبطلان. فالقاعدة هي “لا بطلان بغير ضرر”.
2. التنازل عن الحق: إذا تنازل الدفاع صراحة أو ضمناً عن حقه في التمسك بالبطلان، كأن يدفع في الموضوع رغم علمه بالإخلال الإجرائي دون إثارة الدفع بالبطلان أولاً.
3. العلم بالإخلال وعدم الدفع به في الوقت المناسب: في حالات البطلان النسبي، إذا علم الدفاع بالإخلال ولم يدفع به في أول فرصة ممكنة بعد العلم، يسقط حقه في التمسك بالبطلان.
4. تحقق الغاية من الإجراء: إذا كانت الغاية من الإجراء قد تحققت على الرغم من وجود عيب شكلي بسيط، فلا يقع البطلان.
5. القواعد غير الجوهرية: إذا كانت المخالفة لقواعد إجرائية غير جوهرية لا تمس حقوق الدفاع الأساسية أو النظام العام، فلا يترتب عليها بطلان.
معرفة هذه الاستثناءات تساعد المحامي على تقييم مدى جدوى الدفع بالبطلان وتجنب إضاعة الوقت في دفوع غير مؤسسة قانونياً.

إن الدفع ببطلان الإجراءات لعدم تمكين الدفاع من الاطلاع هو أحد أقوى الأدوات القانونية في يد المحامي لضمان محاكمة عادلة وحماية حقوق موكله. يتطلب هذا الدفع فهماً عميقاً للقانون، ودقة في المتابعة، ومهارة في صياغة الحجج القانونية. من خلال اتباع الخطوات العملية والحلول المتعددة المقدمة في هذا المقال، يمكن للمحامين تعزيز فرص نجاح هذا الدفع، وبالتالي إعادة العدالة إلى نصابها. تظل اليقظة والاحترافية هما مفتاح النجاح في جميع جوانب العمل القانوني.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock