الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالجرائم الالكترونيةالقانون المصريجرائم الانترنت

قضايا التشهير والإساءة عبر الإنترنت في مصر

قضايا التشهير والإساءة عبر الإنترنت في مصر

دليل شامل للتعامل مع التجاوزات الرقمية وحماية سمعتك

في عصر التطور الرقمي المتسارع، أصبحت مساحات التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ورغم ما توفره هذه المنصات من فرص للتواصل وتبادل المعلومات، إلا أنها أصبحت أيضاً أرضاً خصبة للتشهير والإساءة التي قد تلحق أضراراً بالغة بالأفراد والمؤسسات. يواجه الكثيرون في مصر تحديات التعامل مع هذه التجاوزات الرقمية. هذا المقال يقدم دليلاً شاملاً يوضح كيفية مواجهة قضايا التشهير والإساءة عبر الإنترنت في مصر، مستعرضاً الخطوات العملية والحلول القانونية المتاحة لحماية سمعتك الرقمية.

فهم التشهير والإساءة عبر الإنترنت في القانون المصري

تعريف التشهير والإساءة قانونياً

قضايا التشهير والإساءة عبر الإنترنت في مصر
يعرف القانون المصري التشهير (القذف) بأنه إسناد واقعة محددة إلى شخص، لو صحت لأوجبت عقابه قانوناً أو احتقاره عند أهل وطنه. أما الإساءة (السب) فهي كل إهانة أو عبارة تمس الشرف أو الاعتبار، دون أن تتضمن إسناد واقعة معينة. يشترط في كليهما أن يكون الإسناد أو الإهانة علنياً، وهذا ما ينطبق على النشر عبر الإنترنت. يجب التمييز بينهما لتحديد المسار القانوني الصحيح.

أشكال التشهير والإساءة الرقمية

تتخذ أشكال التشهير والإساءة عبر الإنترنت صوراً متعددة، تشمل نشر معلومات كاذبة أو مضللة عن شخص عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التعليقات المسيئة، إنشاء صفحات وهمية تنتحل شخصية الضحية، أو مشاركة صور وفيديوهات تم التلاعب بها. كما يمكن أن يشمل ذلك التسريبات غير المصرح بها للمعلومات الشخصية أو المهنية. كل هذه الأفعال تندرج تحت طائلة القانون.

القوانين المنظمة في مصر

تنظم قضايا التشهير والإساءة عبر الإنترنت في مصر عدة قوانين، أبرزها قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته، والذي يتناول جرائم القذف والسب. بالإضافة إلى ذلك، يعد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 حجر الزاوية في التعامل مع الجرائم الإلكترونية، حيث يحدد عقوبات واضحة لجرائم التشهير والإساءة التي تتم عبر الإنترنت، ويمنح النيابة العامة سلطات واسعة للتحقيق.

الخطوات الأولية للتعامل مع التشهير الإلكتروني

جمع الأدلة والتوثيق

الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي جمع وتوثيق كافة الأدلة المتعلقة بالتشهير أو الإساءة. يجب التقاط لقطات شاشة (Screenshots) للصفحات والمنشورات والتعليقات المسيئة، مع التأكد من ظهور تاريخ ووقت النشر ورابط الصفحة (URL). يفضل تصوير شاشات فيديو لضمان توثيق كامل، وحفظ هذه الأدلة في أكثر من مكان لضمان عدم فقدانها. هذه الأدلة هي أساس أي إجراء قانوني لاحق.

تحديد هوية المتعدي (إن أمكن)

محاولة تحديد هوية الشخص الذي قام بالتشهير أو الإساءة يمكن أن يسهل الإجراءات القانونية. ابحث عن أي معلومات متاحة في حسابه الشخصي، مثل الاسم الحقيقي أو مكان العمل أو أي تفاصيل قد تساعد الجهات المختصة على تتبعه. حتى لو كان الحساب وهمياً، فإن مباحث الإنترنت لديها القدرة على تتبع مصادر هذه الحسابات في معظم الحالات.

محاولة حل النزاع ودياً (إن أمكن)

في بعض الحالات، قد يكون الحل الودي ممكناً إذا كان الأمر لا يرقى إلى جريمة خطيرة أو كان المتعدي معلوماً ولديه استعداد للتراجع. يمكن محاولة التواصل المباشر وطلب إزالة المحتوى المسيء أو تقديم اعتذار. في حال فشل ذلك، أو إذا كانت الإساءة جسيمة، يجب الانتقال مباشرة إلى الخطوات القانونية الرسمية دون تردد.

السبل القانونية لمواجهة التشهير والإساءة

الطريق الجنائي

يعد الطريق الجنائي هو المسار الأكثر شيوعاً وفعالية في قضايا التشهير والإساءة. يتطلب هذا المسار تقديم بلاغ رسمي للنيابة العامة أو لمباحث الإنترنت. بعد تقديم البلاغ، تبدأ النيابة العامة بالتحقيق في الواقعة وجمع الأدلة، وقد تحيل المتهم إلى المحكمة الجنائية المختصة. هذا الطريق يهدف إلى توقيع العقوبة الجنائية على الفاعل.

الطريق المدني

يمكن اللجوء إلى الطريق المدني للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالضحية نتيجة التشهير والإساءة. يمكن رفع دعوى تعويض مدنية أمام المحكمة المدنية المختصة، سواء بالتزامن مع الإجراءات الجنائية أو بشكل منفصل بعد صدور حكم في القضية الجنائية. يجب إثبات الضرر المادي أو المعنوي والعلاقة السببية بينه وبين فعل التشهير.

دور المحاكم الاقتصادية

في بعض الحالات المتعلقة بجرائم تقنية المعلومات، قد يكون للمحاكم الاقتصادية اختصاص في نظر الدعاوى. ينطبق ذلك بشكل خاص إذا كانت الجريمة تتعلق بنظم معلومات مصرفية أو مالية، أو إذا كانت لها طبيعة تجارية. يُنصح بالتشاور مع محامٍ متخصص لتحديد ما إذا كانت المحكمة الاقتصادية هي الجهة المختصة بنظر القضية الخاصة بك أم لا.

إجراءات تقديم البلاغ والتحقيق

تقديم بلاغ للنيابة العامة

لتقديم بلاغ للنيابة العامة، يجب التوجه إلى سراي النيابة التابعة لمحل إقامتك أو محل وقوع الجريمة. ستحتاج إلى تقديم صورة بطاقة الرقم القومي والأدلة التي جمعتها (صور الشاشة، روابط، إلخ). سيتم تحرير محضر بالواقعة، وسيُطلب منك الإدلاء بأقوالك تفصيلياً. يجب أن تكون دقيقاً ومفصلاً في سرد الواقعة وتأثيرها عليك.

بلاغ مباحث الإنترنت

يمكن أيضاً تقديم بلاغ مباشر إلى الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات (مباحث الإنترنت) التابعة لوزارة الداخلية. هذه الإدارة متخصصة في التعامل مع الجرائم الإلكترونية ولديها القدرة التقنية على تتبع الجناة. يمكنك التوجه إلى مقرها أو الاتصال بالخط الساخن المخصص للإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية. ستحتاج أيضاً إلى تقديم نفس الأدلة المذكورة سابقاً.

متابعة إجراءات التحقيق

بعد تقديم البلاغ، من المهم متابعة سير التحقيقات. قد تطلب النيابة أو مباحث الإنترنت منك تقديم معلومات إضافية أو الحضور للإدلاء بشهادتك مرة أخرى. يُفضل أن يكون لديك محامٍ يتابع معك هذه الإجراءات لضمان سيرها بشكل صحيح وتجنب أي تأخير أو تعقيدات. الالتزام بالمتابعة يسرع من عملية الوصول إلى حلول.

التعويضات والعقوبات القانونية

العقوبات الجنائية المقررة

تتراوح العقوبات الجنائية لجرائم التشهير والإساءة عبر الإنترنت في مصر بين الحبس والغرامة، وتختلف حسب طبيعة الجريمة ودرجة الضرر. على سبيل المثال، ينص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على عقوبات بالحبس وغرامات مالية كبيرة لمن يرتكب أفعال سب أو قذف عبر شبكة الإنترنت. هذه العقوبات تهدف إلى ردع المخالفين وحماية الضحايا.

التعويض المدني عن الأضرار

بالإضافة إلى العقوبات الجنائية، يحق للمتضرر المطالبة بتعويض مدني عن الأضرار التي لحقت به. يشمل التعويض الأضرار المادية (مثل خسارة العمل أو التكاليف الطبية والنفسية) والأضرار المعنوية (مثل الألم النفسي وتدهور السمعة الاجتماعية). يتم تقدير قيمة التعويض بناءً على حجم الضرر الذي تعرض له الضحية ومقدار ما تكبده من خسائر.

نصائح إضافية للحماية والوقاية

تعزيز الخصوصية والأمان الرقمي

للوقاية من الوقوع ضحية للتشهير والإساءة، يجب تعزيز إعدادات الخصوصية والأمان لحساباتك الرقمية. استخدم كلمات مرور قوية ومختلفة لكل حساب، وقم بتفعيل خاصية التحقق بخطوتين. راجع إعدادات خصوصية حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي بانتظام لتقييد من يمكنه رؤية منشوراتك ومعلوماتك الشخصية. تجنب مشاركة معلومات حساسة مع الغرباء.

الاستعانة بمحام متخصص

إن الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا الجرائم الإلكترونية والتشهير أمر بالغ الأهمية. يمتلك المحامي الخبرة القانونية اللازمة لتوجيهك خلال الإجراءات المعقدة، وتقديم المشورة الصحيحة، وتمثيلك أمام الجهات القضائية. كما يساعدك في صياغة البلاغات وجمع الأدلة وتقديم المطالبات القانونية بشكل فعال لضمان حصولك على حقوقك كاملة.

الوعي القانوني والرقمي المستمر

حافظ على وعيك القانوني والرقمي من خلال متابعة التحديثات في قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية وأفضل الممارسات للحماية على الإنترنت. فهم حقوقك وواجباتك يساعدك على تجنب الوقوع في مشاكل، ويمنحك الأدوات اللازمة للدفاع عن نفسك في حال تعرضت لأي نوع من الإساءة الرقمية. العلم هو خط الدفاع الأول في هذا المجال.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock