أغراض العقوبة في التشريع الجنائي المصري |
الردع العام كغرض للعقوبة
يراد بالردع العام انذار الجاني والناس كافة عن طريق التهديد بالعقاب بسوء عاقبة الاجرام كي يجتنبوه وفي عبارة اخري ان وظيفة العقوبة هي حماية المجتمع بمنع عودة الجاني الى سلوكه الاجرامي مرة ثانية وانذار الكافة بسوء العاقبة لو انتهجوا طريقة وسلكوا سلوكه.
وتقوم فكرة الردع العام على اساس ان هناك دوافع اجرامية لدى اغلب الناس وهي بقايا نوازع نفسية تنبع من الطبيعة البدائية للإنسان وهذه الدوافع الاجرامية وان كانت للإنسان الاولي اهم اسلحته في اجتياز طريقه الشافي إلى اشباع حاجاته، الا انها مع التطور الحضاري بدأت تفقد الحاجة المشروعة اليها
وان لم تختلف تماماً من نفوس غالبية الناس وهذه الدوافع تخلق في المجتمع (اجراماً كامناً) والتطور العادي لهذا النوع من الاجرام هو ان يتحول الى اجرام فعلي، والتهديد بالعقوبة هو الحائل دون تحول الاجرام الكامن الي اجرام فعلي.
وقد سبق ان ذكرنا بانه يرجع الى المدرسة التقليدية الاولى فضل التنبيه الى اهمية تحقيق الردع العام كغرض نفعي في اغراض العقوبة، وهو ما تناوله قطب هذه المدرسة الفقيه الالماني (فويرباخ) عند عرضه لفكرة (الاكراه النفسي).
اذ يقرر بان وظيفة العقوبة هي ان تخلق لدى الافراد بواعث مضادة للبواعث الاجرامية تتوازن معها او تفوقها، فتنأى بهم عن سلوك طريق الجريمة، ويؤيده الفقيه الانجليزي (بنتام ) نفس الغرض باعتباره يحدث منفعة اجتماعية، تفوق الغنم الذي حصل عليها الجاني من ارتكابها، فيحمله ذلك في المستقبل، ويحمل اقرانه، على تجنب الاقدام عليها.
تقدير اعتبار الردع العام غرضاً للعقوبة :
تعرض الردع العام كغرض للعقوبة لانتقادات عديدة، فقيل بان الاعتداد به يجعل العقوبات قاسية، إذ تزداد فاعلية التهديد بها كلما ازدادت شدتها، كما انه ليس من العدالة ايلام انسان من أجل التأثير علي غيره، وهو لا شأن له به كما أثير الشك في النهاية حول جدوي فكرة الردع العام، فعلي الرغم من تقرير عقوبة الإعدام في كثير من الدول إلا ان التهديد بها لم ينجح في الاقلال من الجرائم التي يعاقب بها.
والواقع ان هذه الانتقادات مبالغ فيها : فليس صحيحاً القول بأن الردع العام يقود إلي القسوة في العقوبات إذ غالباً ما يتردد القضاء في النطق بها ويجتهد في التماس اسباب البراءة فينشأ الامل في ارتكاب الجريمة وتفادي عقابها.
وهكذا فإن رفض هذه الانتقاضات يقود إلي الاعتداد بالردع العام كغرض من أغراض العقوبة.
تحقيق العدالة كغرض من أغراض العقوبة
يرجع الفضل إلي الفيلسوف الالماني ( كانت ) في التنبيه إلي أهمية اعتبار العدالة غرضاً معنوياً للعقوبة، حيث ذهب إلي القول بأن العدالة المطلقة هي الغاية التي تسعي إليها إلي تحقيقها، - اي العدالة – واجبة التحقيق ولو لم يجن المجتمع من ورائها مغنماً، لأن الجريمة عمل عدواني ظالم باعتبارها حرماناً للمجني عليه من حق له، وبهذه الصفة تصدم شعور العدالة المستقر في ضمير الأفراد وهذا الشعور راسخ في الأذهان منذ القدم، فإذا تجاهلناه فإن ذلك يذكي شعور الانتقام الفردي.
تقدير اعتبار العدالة غرضاً للعقوبة :
انتقد البعض اعتبار العدالة غرضاً للعقوبة واستندوا في ذلك إلي بعث لفكرة الانتقام من الجاني، وبأنها استجابة لأفكار تسود الرأي العام ولا تصلح ان تكون مصدراً لقواعد علمية لافتقارها إلي سند علمي.
وهذا النقد في غير موضعه:
أولاً : لأن هناك ثمة فارق كبير بين الانتقام وهو شهوة مدمرة وبين العدالة وهي قيمة اجتماعية سامية.
وثانياً : ليست الاستجابة لأفكار تسود الرأي العام عيباً، إذ لا تودي العقوبة وظيفتها إلا إذا اتفقت مع القيم والمبادئ السائدة في المجتمع.
الردع الخاص كغرض من أغراض العقوبة
يراد بالردع الخاص علاج الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص المرجم بهدف استئصال خطورته علي المجتمع ومنعه في المستقبل من العودة إلي الاجرام.
سبل تحقيق الردع الخاص:
إذا كان الردع الخاص يعني علاج الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص الجاني والاجتهاد في استئصالها لمنعه في المستقبل من معاودة الإجرام، فإن سبل تحقيق هذا المنع تختلف حتماً باختلاف شخصية المجرم من حيث مدي قابليته للإصلاح والتأهيل أو مدي تأصل الخطورة الإجرامية الكامنة في شخصه.
أولاً: الاستبعاد
وهو يعني استئصال المجرم أو استبعاده عن المجتمع في الأحوال التي تقتضي ذلك كما هو الحال بالنسبة لمحترفي الاجرام، ومهربي المخدرات والمجرمين الذين يرتكبون الجرائم الخطيرة التي تهدد أمن المجتمع، فاستبعاد المجرم أو اقصائه عن المجتمع يعد وسيلة لمنعه مادياً من ارتكاب الجريمة وذلك بتجميد نشاطه الاجرامي ويتحقق هذا الاقصاء أو الاستبعاد بإعدام المجرم أو بسلب حريته بصورة مؤبدة.
ثانياً: انذار الجاني
يتحقق الانذار بالحكم علي المجرم بعقوبة يقصد بها مجرد تحذيره من العودة إلي طريق الجريمة مرة ثانية، فقد يحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة، أو بعقوبة مع ايقاف تنفيذها، أو بالوضع تحت الاختبار، أو قد يحكم عليه بغرامة مالية.
ويلاحظ أن الانذار كوسيلة من وسائل تحقيق الردع الخاص لا يحقق غرضه إلا بالنسبة لطائفة معينة من المجرمين وهم المجرمين بالصدفة حيث تكون الجريمة حدثاً عارضاً في حياتهم، ومجرد إنذارهم يحول بينهم وبين عودتهم إلي الجريمة مرة أخري.
ثالثاً: اصلاح الجاني
تعني هذه الوسيلة إصلاح الجاني وتأهيله كي يعود إلي الحياة الاجتماعية من جديد مواطناً صالحاً، وتقتضي هذه الوسيلة من المؤسسات العقابية ان تتجه بأساليب المعاملة العقابية نحو إصلاح الجاني وتهذيبه وإن تخلق لديه اعتياد سلوك الطريق المتفق والقانون.
ويتسنى تحقيق ذلك عن طريق تنمية شعور المحكوم عليه بمسئولياته قبل نفسه وقبل المجتمع الذي يعيش فيه والمحافظة علي ما لديه من امكانيات بدنية وذهنية ثم تنميتها أو محاولة خلقها إن لم تكن موجودة، مع محاولة التقليل من الآثار الضارة التي يقود إليها سلب الحرية، فضلاً عن وجوب تنظيم الرعاية اللاحقة للمحكوم عليه بعد انقضاء سلب حريته مع استمرارها حتي التيقن من تحقيق التأهيل.