حالات استخدام القوة في العلاقات الدولية

القانون الدولي حالات استخدام القوة في العلاقات الدولية

حالات استخدام القوة في العلاقات الدولية

عندما تختفي سلطة المجتمع الدولي وتصبح غير قادرة على مساعدة إحدى الدول لكي تحصل علي حقوقها المشروعة من دولة ثانية ، فإن هذا يعني أنه لو فشلت الدولة الأولى في مساعيها بالوسائل السلمية فلن يكون أمامها سوى أن تعتمد علي نفسها بوسائل أخرى في الحصول علي تلك الحقوق ، وهذا المبدأ يطلق عليه بسياسية المساعدة الذاتية .

والمساعدة الذاتية تعني قيام الطرف المعتدى عليه باتخاذ الوسائل الكفاية بتعويض الأضرار التي لحقت به دون اللجوء إلي إجراءات قانونية وبدأ ظهور هذا المبدأ  في النصف الأخير من القرن الثامن عشر ، وبدأت الدول تعرف هذا المبدأ وتطبقه في علاقاتها مع الدول الأخرى .

ويتفق غالبية فقهاء القانون الدولي علي الوسائل المختلفة لتطبيق مبدأ المساعدة الذاتية والتي قد تستخدم فيه القوة المسلحة إلا أن التدابير المختلفة لتطبيق هذه الوسائل حتي في حالة استخدام القوة لا تصل إلي حد وقوع الحرب بين الأطراف المتنازعة .

المعاملة بالمثل

الرد بالمثل أحد تدابير مبدأ المساعدة الذاتية ، ويعني قيام دولة بعمل مضاد أو غير ودي ضد دولة أخرى ، وذلك رداً علي عمل مضاد أو غير ودي سبق صدوره من الدول الأخرى ، ويتميز هذا العمل الأخير أيضاً بأنه يعد مشروعاً وفقاً لقانون الدولة الصادر عنها . 

ولما كان الرد بالمثل يضمن مشروعية العمل الصادر عن كل من الدولتين ، فيترتب على ذلك عدم وجود انتهاك لأحكام القانون الدولي أو للالتزامات الناشئة عن معاهدات دولية ترتبط بها الدول الأطراف في العلاقة . 

ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلي تطبيق أسلوب الرد بالمثل هو قيام دولة بالتمييز في المعاملة بين الأجانب الذين يقيمون علي إقليمها .

فإذا سحبت دولة (أ) بعض الامتيازات الغير متفق عليها في معاهدة من مواطني دولة (ب) الذين يقيمون علي إقليمها ، فإن دولة (ب) سوف تقوم بالرد بالمثل تماماً لمواطني دولة (أ) الذين يقيمون علي إقليمها ، كذلك لو أن دولة (ج) اتخذت بعض الإجراءات الاقتصادية التي أدت إلي الإضرار بمصالح دولة (د) ، فإذا لجأت الدولة الأخيرة إلي إقصاء سفن الصيد الخاصة بدولة (ج) من مياهها الإقليمية تكون قد ردت بالمثل علي ما اتخذته دولة (ج) من إجراءات . 

وقد تم تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بين الدول الرأسمالية والدول الاشتراكية خلال فترة الحرب الباردة اعتباراً من سنة 1948 حتي منتصف الخمسينات . 

ووفقاً لتعريف مبدأ المعاملة بالمثل فإن التدابير التي تتخذ تطبيقاً لهذا الأسلوب تعتبر مشروعة في مختلف مراحل النظام القانوني الدولي والسند الأساسي لهذا القول أن الأفعال التي تتم في إطار الأسلوب تعد أفعالاً مشروعة لا تنتهك بها أحكام القانون الدولي أو الالتزامات المترتبة علي معاهدات دولية . 

الأخذ بالثأر

الأخذ بالثأر هو أحد الأساليب التي تتبعها الدول كتطبيق لمبدأ المساعدة الذاتية ، ويعرف الانتقام أو الأخذ بالثأر بأنها إجراءات قهرية مخالفة للقواعد العامة في القانون الدولي ، وتتخذها دولة عقب تصرف غير مشروع ارتكبته دولة أخرى إضراراً بها . 

والهدف من الأخذ بالثأر هو أن يفرض علي الدولة التي ارتكبت العمل الغير مشروع احترام القانون ، وقد بدأ الانتقام أو الأخذ بالثأر في صورة انتقام الأفراد من بعضهم البعض ، وذلك في حالة ما إذا اعتدى على حقوق فرد في دولة فيضطر للحصول علي تعويض بالاستيلاء على ممتلكات شخص من الدولة المعتدية ، وقد ألغي هذا الانتقام بموجب معاهدة باريس 1856 ، واقتصر هذا الأسلوب علي الدول كتطبيق لمبدأ المساعدة الذاتية وأصبحت الدول تمارسه إذا اعتدى علي حقوقها مباشرة أو تمارسه بالنيابة عن رعاياها . 

هذا ويتعين لإعمال الانتقام وقوع تصرف غير مشروع من جانب الدولة التي تباشر ضدها 

تدابير الانتقام وأن تطالب الدولة التي أضيرت من التصرف بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها قبل اللجوء إلي التدابير الانتقامية ، وأن يكون هناك تناسب بين التدابير الانتقامية وبين الأعمال التي صدرت من الدولة التي تباشر ضدها هذه التدابير . 

وخلاص عصبة الأمم ، فإن بعض الآراء اعتبرت أن عهد العصبة لم يحظر اللجوء إلي التدابير الانتقامية حتى لو انطوت على استخدام القوة المسلحة طالما أن ذلك لم يؤدي إلي نشوء حالة الحرب في حين اعتبرها البعض الآخر مخالفة لميثاق العصبة ، وترتبط تدابير الانتقام في عصر عصبة الأمم بحادثة كورفو بين إيطاليا واليونان في 27 أغسطس 1923 . 

ومما تقدم يمكن القول أن أعمال الانتقام أو الأخذ بالثأر يمكن في بعض الأحوال أن تكون مشروعة كما أنه في ظروف أخرى تكون هذه الأعمال غير مشروعة . 

وقد شهد عصر الأمم المتحدة العديد من التدابير التي تتخذها الدول ضد بعضها والتي يمكن وصفها بالتدابير الانتقامية ونشير في هذا المقام إلي النزاع بين ألمانيا والمملكة المتحدة حول مضيق كورفو عام 1946 . 

ويمكن أن نشير هنا إلي بعض الأمثلة الخاصة بالتدابير الانتقامية في عصر الأمم المتحدة : 

1) حادث قبية 14-15 أكتوبر 1951 والتي هاجمت فيه قوات إسرائيلية بعض القرى الأردنية دراً علي تسلل الفلسطينيين من الأراضي الأردنية وقيامهم بعمليات فدائية . 

2) إغراق المدمرة الإسرائيلية ( إيلات ) 21 أكتوبر 1967 ، أغرقت البحرية المصرية المدمرة الإسرائيلية إيلات بناء علي حق الدفاع عن النفس نظراً لوجود تلك المدمرة في المياه الإقليمية المصرية ، وردت إسرائيل علي ذلك بقصف معامل تكرير البترول بمدينة السويس في 24 أكتوبر 1967 ، وبررت إسرائيل عدوانها علي أساس أن مجلس الأمن يقضي بالتزام الطرفين بوقف إطلاق النار . 

3) الهجوم الإسرائيلي علي مطار بيروت الدولي 28 ديسمبر 1968 : حيث قامت ثمان طائرات إسرائيلية بالهجوم علي مطار بيرت الدولي ، حيث دمرت جميع الطائرات التجارية المملوكة لشركات الطيران اللبنانية وهي 21 طائرة قيمتها 43،8 مليون دولار ، بالإضافة إلي الأضرار 

التي لحقت بالمطار نتيجة لهذا الهجوم . 

وأعلنت إسرائيل أن ما قامت به كان انتقاماً للهجوم الذي قام به عربيان في 26/2/1968 ضد إحدى طائرات شركة العال الإسرائيلية في مطار أثينا والذي قتل فيه أحد الركاب ، وقد أدان مجس الأمن في قراراه رقم 262 لسنة 1968 العدوان الإسرائيلي واعترف بحق لبنان في طلب تعويض عن الأضرار التي لحقت بها نتيجة الهجوم الإسرائيلي . 

وهناك محاولات من بعض فقهاء القانون الدولي لتبرير اللجوء إلي استخدام التدابير الانتقامية إما علي أساس اعتبارها جزاءات للقانون الدولي باعتبارها رد فعل ضد انتهاكات احكام القانون الدولي ولكن هذا الرأي لا يتفق مع الواقع لأن ميثاق الأمم المتحدة حدد الجزاءات التي يمكن توقيعها ضد الدول التي تنتهك أحكامه ، أو تبريرها علي أساس نظرية التبادل سواء في ذلك الاتفاقي أو العرفي ، وتجد هذه الفكرة أساسها في أن الدول غير مقيدة بالتزاماتها في مواجهة الدول الأخرى التي انتهكت القواعد التي تحكم تلك الالتزامات ، وبالتالي لا تحتاج أعمال الانتقام إلي تبرير ، إذ تعد التطبيق المشروع لشرط تعاقدي أو شبه تعاقدي تتضمنه قواعد القانون الدولي . 

الحصار

هو أحد الوسائل التي تستخدم كتطبيق لمبدأ المساعدة الذاتية والحصار نوعان : حصار سلمي وحصار عدواني ، وقد اعتبر الحصار السلمي من الوسائل ذات الفعالية المؤثرة في تسوية المنازعات الدولية وقت أن كان الحصار عملاً مشروعاً . 

وكان الحصار قبل عهد عصبة الأمم عملاً مشروعاً أما في ميثاق الأمم المتحدة فإن الحظر الوارد في المادة 2/4 يسري علي الحصار . 

فضلاً عن ذلك فقد نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر بتعريف العدوان عام 1974 في مادته الثالثة علي أن الحصار هو أحد الأعمال التي تعد عدواناً بغض النظر عن إعلانه حالة الحرب. 

وإلي جانب الحصار هناك من تدابير المساعدة الذاتية حجز السفن في الموانئ وكذلك مبدأ التدخل بصورة مختلفة.

  • المقال

  • الكاتب:

    الدكتور مينا فايق
  • تصنيف:

    القانون الدولي المحاضرات المناقشات