المقصود بالقوة في العلاقات الدولية

القانون الدولي المقصود بالقوة في العلاقات الدولية

المقصود بالقوة في العلاقات الدولية

نص ميثاق الأمم المتحدة علي حظر اللجوء إلي القوة أو التهديد بها ، وقد ثار جدل حول المقصود بتعبير القوة الذي أشارت إليه الفقرة الرابعة من المادة الثانية ، فهل يقصد به القوة المسلحة فقط أم أنه يمتد أيضاً ليشمل التدابير الاقتصادية والضغوط السياسية ، ونظراً لغموض الميثاق في بيان المقصود بالقوة فقد تعددت الآراء في تحديد المقصود بالقوة ، وذلك علي النحو الآتي : 

1) الرأي الأول : يذهب ذلك إلي المقصود بالقوة هنا ، القوة المسلحة دون أن ينصرف في ذلك إلي الضغوط السياسية والاقتصادية ، ويستند هذا الرأي إلي ما ورد بديباجة الميثاق من عدم استخدام القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة ، ومن ثم يلتزم أصحاب هذا الرأي بالتفسير الضيق في تفسير القوة والذي يتفق في رأيهم مع أهداف الأمم المتحدة . 

2) الرأي الثاني : 

يذهب إلي تفسير تعبير القوة علي أنه يشمل بالإضافة إلي القوة العسكرية الضغوط السياسية والاقتصادية ، والتي يمكن احتسابها في ظروف معينة مساوية لاستخدام القوة المسلحة من ناحية مساسها بالاستقلال السياسي لدولة من الدول ، ولم تحتسب أجهزة الأمم المتحدة الضغوط السياسية والاقتصادية من قبيل استخدام القوة طبقاً للمادة 2/4 من الميثاق ، وإن رأى البعض أن استخدام تلك الضغوط يعتبر مساوياً لاستخدام القوة إذا بلغت درجة معينة من الخطورة ، وتدعيماً لهذا الرأي نشير إلي بعض الأسانيد : 

1) نص الميثاق علي حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية أو التهديد باستخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي : وهذا يعكس تصور واضعي الميثاق إمكانية انتهاك الاستقلال السياسي للدولة دون المساس بسلامة أراضيها أو يحدث مساس بالاستقلال للدولة نتيجة ضغوط اقتصادية أو سياسية دون استخدام القوة .

2) إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من القرار التي تنص علي حظر وسائل الضغط السياسي أو الاقتصادي في العلاقات الدولية : 

ومن ذلك القرار رقم 2131 الصادر بتاريخ 21/12/1965 والخاص بإعلان عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها ، والقرار رقم 2526 لسنة 1970 والخاص " بإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ".

مجال تطبيق الحظر الذي ورد في نص المادة 2/4

أن الحظر المفروض علي الدول الأعضاء وفقاً لنص المادة 2/4 يقتصر علي العلاقات بين الدول وبعضها ، و من ثم فإن المنازعات الداخلية تخرج عن نطاق الحظر المشار إليه وتستطيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تلجأ إلي استخدام القوة داخل إقليمها لقمع ثورة أو للقضاء علي اضطرابات داخلية وهذا الحظر يتفق ونص المادة 2/1 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص علي عدم جواز تدخل الأمم المتحدة في المسائل التي تعد من صميم الاختصاص الداخلي للأعضاء ، ومع ذلك ، فقد يجد مجلس الأمن أن استخدام إحدى الدول القوة لقمع ثورة داخل إقليمها يهدد السلم والأمن الدوليين ، ومن ثم يكون للمجلس اتخاذ كافة الوسائل الكفيلة بالمحافظة علي السلم والأمن الدوليين .

الارتباط بين نص المادة 2/4 الخاص بحظر استخدام القوة وبين النصوص الأخرى المتعلقة بتسوية المنازعات بالوسائل السلمية

لا شك أن هناك صلة وثيقة بين النص الخاص بحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية وبين نصوص الميثاق الأخرى إذ تنص المادة 2/3 من ميثاق الأمم المتحدة علي أن " يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية علي وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضه للخطر ، والواقع أن مبدأ تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية طالما أن استخدام القوة أصبح محظوراً في العلاقات الدولية وأن المنازعات الدولية أمر واقع يفرض نفسه علي الساحة الدولية ، فكان من الضروري النص علي لجوء الدول إلي وسائل غير القوة لحل منازعاتهم . 

الاستثناءات علي مبدأ 

حظر اللجوء للقوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية

إذا كان ميثاق الأمم المتحدة قد حظر اللجوء إلي استخدام القوة في العلاقات الدولية ، إلا أنه أباح في حالات معينة اللجوء إليها استثناءً لما نصت عليه المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة : وبيان تلك الحالات كما يلي : 

1) ما نصت عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن حق الدفاع الشرعي حيث ورد بها "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقض الحق الطبيعي للدول ، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة علي أحد أعضاء الأمم المتحدة ، وذلك إلي أن يتخذ مجلس الأمن التدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس إلي المجلس فوراً ، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس ، بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلي نصابه " .

2) قيام مجلس الأمن بمهامه وفقاً للفصل السابع من الميثاق بشأن " ما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان " ، وهي السلطات التي تخول للمجلس حق اللجوء إلي تدابير معينة ، قد تصل إلي حد استخدام القوة المسلحة ضد الدولة التي تنتهك أحكام الميثاق ، ويمكن أن تتخذ تدابير مماثلة يقررها مجلس الأمن ويعهد بتنفيذها إلي المنظمات والوكالات الإقليمية تطبيقاً لنص المادة 53 من الميثاق .

3) تدابير القمع التي تتخذ وفقاً لنص المادتين 107 ، 53 من الميثاق ضد دولة من الدول الأعضاء ، وقد فقد هذا النص أهميته بعد أن صارت ألمانيا وإيطاليا واليابان أعضاء في الأمم المتحدة . 

تعريف العدوان ودور الأمم المتحدة في هذا الشأن : 

إذا كانت المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة قد حظرت اللجوء إلي استخدام القوة في العلاقات الدولية ، فإن هذا يتصل بالضرورة ببيان فكرة العدوان حتى يمكن الحكم علي مدى استخدام الدولة للقوة حتى يمكن اعتبارها معتدية أو في حالة دفاع شرعي . 

والواقع أن مسألة تعريف العدوان تتصل بالمحافظة علي السلم والأمن الدوليين وكذا التزام الدول الأعضاء بعدم اللجوء إلي القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية وبالتالي بدأ الاهتمام بهذا الموضوع منذ إنشاء عصبة الأمم وكذا الأمم المتحدة ، وقد بذلك جهود متواصلة لوصف تعريف عام للعدوان . 

وفي ظل الأمم المتحدة ، بدأت محاولات تعريف العدوان منذ مؤتمر سان فرانسيسكو إلا أن الجهود التي بذلت في هذا الشأن باءت بالفشل ، ثم بدأت هذه المحاولات مرة أخرى اعتباراً من عام 1950 عن طريق الجمعية العامة من خلال لجنة القانون الدولي ، وقد أنشئت لجنة لتعريف العدوان سنة 1967 ومن ثم التوصل إلي تعريف العدوان في 14 /12/ 1974 حيث صدر قرار الجمعية العامة رقم 3314 بشأن تعريف العدوان ، وقد نصت المادة الأولى من القرار علي المقصود بالعدوان حيث جاء بها "العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو بأي صورة أخرى تتنافي مع ميثاق الأمم المتحدة"

وجاءت المادة الثالثة بتعداد للأعمال التي يعد ارتكابها مكوناً للعدوان وذلك علي هذا النحو : 

1) قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو أو شن هجوم علي أراضي دولة أخرى أو أي احتلال عسكري مهما كان مؤقتاً ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم أو أي ضم عن طريق استخدام القوة لأراضي دولة أخرى أو جزء منها . 

2) قيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف أراضي دولة أخرى ، أو استخدام دولة لأية أسلحة ضد دولة أخرى . 

3) محاصرة موانئ أو سواحل دولة ما عن طريق استخدام القوة المسلحة لدولة أخرى . 

4) قيام القوات المسلحة لدولة ما بشن هجوم علي القوات البحرية أو البرية أو الجوية أو الأساطيل البحرية والجوية لدولة أخرى . 

5) استخدام القوات المسلحة لدولة ما ، والتي تكون متواجدة داخل أراضي دولة أخرى بموجب اتفاقية من جانب الدولة المستقلة استخداماً يعد انتهاكاً للشروط المنصوص عليها في الاتفاقية بين الدولتين ، أو أي حد لوجود هذه القوات في تلك الأراضي بعد انتهاء هذا الاتفاق . 

6) قيام دولة ما بالسماح باستخدام أراضيها ، التي وضعتها تحت تصرف دولة أخرى ، من قبل هذه الدولة ، بارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة . 

7) قيام دولة ما بإرسال أو إيفاد جماعات مسلحة ، أو قوات جنود غير نظاميين أو مرتزقة لارتكاب أعمال بالقوة ضد دولة أخرى ، تكون على نفس درجة الخطورة التي ورد ذكرها آنفاً ، أو مشاركة تلك الدولة الفعلية في هذه الأعمال . 

وإذا كان التعريف الوارد بالمادة الأولى ينص علي أن لمجلس الأمن أن يسترشد بتعداد الأعمال المكونة للعدوان لتحديد ما يعد منها عدواناً أم لا ، إلا أن نص المادة 2 من القرار اعتبر أن البدء باستخدام القوة من قبل دولة ما يعد خرقاً للميثاق تشكل بينة كافية علي ارتكابها عملاً عدوانياً ، ورغم هذا التحديد فقد أعطى نص المادة مجلس الأمن إلي أن يقرر ما إذا كان هناك عمل عدواني قد ارتكب في ضوء الظروف والملابسات التي تمكنه من الحكم علي التصرفات المتخذة . 

ولقد تميز الأسلوب الذي أتبع في صياغة التعريف بأنه يعطي لمجلس الأمن أن يقرر أن أعمالاً أخرى تعتبر عدواناً ، خاصة وأن التحديد الوارد في المادة (3) علي سبيل المثال وليس علي سبيل الحصر ، الأمر الذي يعطي مرونة في تحديد الأفعال التي تعتبر من قبيل استخدام القوة ويتفق مع أساليب القوة وتنوعها . 

كما قررت المادة الخامسة من التعريف عدم جواز تبرير العدوان مهما كانت طبيعة المبرر التي تحاول الدولة المعتدية استخدامه في ذلك الأسباب السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي أسباب أخرى ، وثانياً فهي اعتبرت أن الحرب العدوانية تعد جريمة ضد السلام الدولي ، وأن العدوان يؤدي إلي قيام المسئولية الدولية ، ومن أهم أحكام هذه المادة ما نصت عليه من عدم شرعية اكتساب الأراضي أو تحقيق مزايا خاصة نتيجة للعدوان وعدم جواز الاعتراف بمثل هذه الآثار . 

وقد حرص القرار علي إيضاح أن التعريف لا يؤثر علي أحكام ميثاق الأمم المتحدة بما في ذلك الأحكام المتعلقة بالحالات التي يعد استخدام القوة فيها أمراً مشروعاً . 

هذا وتجدر الإشارة هنا إلي أمرين علي جانب كبير من الأهمية : 

الأول : أن صدور تعريف للعدوان لم يؤد إلى إلغاء أو حتى تقليص دور مجلس الأمن المقرر وفقاً للمادة (39) من الميثاق . 

الثاني : أغفل التعداد الوارد في المادة (4) من القرار الإشارة إلى بعض صور العدوان وخاصة العدوان الاقتصادي والعدوان الإيديولوجي علي الرغم من الإشارة إليهما في العديد من قرارات الأمم المتحدة وقرارات المنظمات الإقليمية . 

وقد يرجع هذا الإغفال إلي أن التعريف تناول صورة واحدة من صور العدوان وهي العدوان المسلح والذي يعد من أخطر صور العدوان.

  • المقال

  • الكاتب:

    الدكتور مينا فايق
  • تصنيف:

    القانون الدولي المحاضرات المناقشات