أولاً : المقصود بقاعدة عبء الإثبات
يقصد بعبء الإثبات تكليف أحد المتداعين بإقامة الدليل علي صحة ما يدعيه , ويسمى التكليف بالإثبات عبئاً لأنه حمل ثقيل ينوء به من يلقي عليه.
وإنما كان التكليف بالإثبات أمر ثقيلاً لأن من كلف به قد لا يكون مالكاً للوسائل التي يتمكن بها من إقناع القاضي بصدق ما يدعيه.
ثانياً : أساس قاعدة عبء الإثبات
ويرجع الاساس الفلسفي لهذه القاعدة إلي احترام الوضع الظاهر وبراءة الذمة , ذلك أن أية منازعة قضائية تقوم علي عدم اتفاق الطرفين بشأن وقائع معينة وكيفية تطبيق القانون عليها , إذ يرى أحد الطرفين اكتسابه حقاً أي تمتعه بمركز قانوني معين طبقاً لهذه الوقائع القانونية أو المادية إعمالاً لحكم القانون , في حين ينكر الطرف الآخر هذا القول.
وقد أدت الرغبة في رعاية الحقوق المكتسبة والنظام العام والأمن الاجتماعي واستقرار الأوضاع القانونية إلي قيام أصل عام يفترض مطابقة الحالة القانونية القائمة.
وهذا وضع يثبت للفرد بصفة أصلية أو فعلية أو فرضية , وهو يسود المجتمعات والنظم حتي ولو لم تنص عليه التشريعات صراحة لأنها تؤيده وتستند إليه باعتباره من المبادئ الأساسية للتنظيمات القانونية.
وعلي هذا فإن كل من يدعي أمراً علي خلاف الوضع الثابت أصلاً أو فعلاً أو فرضاً , عليه إثبات ما يدعيه , وتقديم أدلة الإثبات الكافية لإقناع القاضي برجحان حقه أو ادعائه , فإذا دفع المدعي بدفوع معينة , فإن يصبح مدعياً في هذا الدفع , ويقع عليه عبء إثباته , إذ أنه في هذه الحالة يكون المدعي في الإثبات هو المدعي عليه في الدعوي , وبهذا فإن عبء الإثبات يقع علي عاتق المدعي في الدعوي والمدعي عليه في الدفع .
ومنها كان الهدف من تعيين المكلف بعبء الإثبات اتقاء تحكم القضاء , وكفالة حسن سير العدالة , وتأمين استقرار المعاملات .
اساس قاعدة عبء الإثبات في القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية
سجلت المادة 1315 من القانون المدني الفرنسي القاعدة العامة لعبء الإثبات فيما نصت عليه من أن : " من يطلب تنفيذ التزام علي إثباته , وعلي من يدعي التخلص إثبات الوفاء أو الواقعة التي أدت إلي التخلص من الالتزام ".
كما سجلت هذه القاعدة في فرنسا أيضاً المادة التاسعة من المدونة الجديدة للمرافعات المدنية والتجارية.
وفي مصر : نصت المادة الأولي من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية علي القاعدة العامة لعبء الإثبات , بقولها : " علي الدائن إثبات الالتزام , وعلي المدين إثبات التخلص منه ".
كما سجلتها أيضاً المادة 398 من القانون المدني المصري.
وفي الشريعة الإسلامية الغراء : وضع الفقهاء المسلمون قاعدة عامة فيمن يكلف بالإثبات وجعلوها أساس في فض المنازعات , وهذه القاعدة هي قولهم أن البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر , وقد استمدوا هذه القاعدة من قوله عليه السلام في حديث عن بن عباس : " البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر " . أخرجه البيهقي لسند صحيح.
ومن قوله ﷺ : " لو يعطي الناس بدعواهم لأدعي رجال دماء رجال وأموالهم ولكن البينة علي من أدعي " . متفق عليه.