المدرسة التقليدية الأولى في تحديد أساس المسئولية الجنائية

التشريع الجنائي المدرسة التقليدية الأولى في تحديد أساس المسئولية الجنائية
المدرسة التقليدية الأولى في تحديد أساس المسئولية الجنائية
المدرسة التقليدية الأولى في تحديد أساس المسئولية الجنائية

نشأة المدرسة وأسسها الفكرية:

نشأت هذه المدرسة في عصر ساد فيه نظام يتسم بالقسوة في العقوبة ولا تحقق العدل او يوفر الاستقرار فضلاً عن سيادة مبدأ التحكم في التجريم والعقاب، فكانت سلطات القضاة مطلقة والمساواة بين الناس امام القانون معدومة، ولقد آثار هذا الوضع العالم الايطالي سيزاري بكاريا والعالم الانجليزي بنتام والعالم الالماني انسلم فويرباج الذين كانوا هم المؤسسين للمدرسة التقليدية الاولي.

وقد استندت تعاليم هذه المدرسة إلي بعض الآراء  التي ذاعت في ذلك الحين ونادي بها فلاسفة القرن الثامن عشر، وفيها نظرية (العقد الاجتماعي) كأساس للعلاقة بين الحاكم والمحكومين والتي قال بها جان جاك روسو، والتي قرر فيها بان سلطة المجتمع في العقاب هي جماع حقوق الافراد في الدفاع عن أنفسهم وأموالهم ونزلوا عنها بالعقد الاجتماعي فالفرد لا يخضع للمجتمع إلا بإرادته وانه يتنازل عن القدر من حريته وحقوقه ليكفل صيانة المجتمع واشاعة الامن والنظام وتنظيم الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع، وانطلاقاً من مفهوم العقد الاجتماعي، اسست هذه المدرسة ثلاثة أسس فكرية تعتبر الأسس الحديثة للقانون الجنائي ويمكن تلخيصها فيما يلي:

أولاً: اساس حق العقاب منفعته:

يري بكاريا أن اساس حق الدولة في العقاب يكمن في تحقيق المنفعة العامة والتي تتجلي في منع وقوع الجريمة مستقبلاً وذلك بمنع الجاني من ارتكاب جرائم جيدة وصرف الآخرين عن ارتكابها ومادامت الغاية من العقوبة هو منع الضرر فيجب أن تقدر بقدر جسامة الضرر.

فالعقوبة لا يجب ألا تزيد عن الحد الذي يتفق مع قواعد العقد الاجتماعي أي الحد الضروري لمنع الجريمة.

وكان العالم بتنام يدافع أيضاً عن مبدأ منفعة العقوبة ويفسره تفسيراً رياضياً، وهو يعتقد أن الإنسان مقود بمنفعته الخاصة لأنه أناني بطبيعته يحكمه مبدأ اللذة والألم، وما دام الإنسان يبحث عن اللذة ويتجنب الألم، فأن العقوبة يجب أن تتسم بالألم الذي يفوق الفائدة المتوقعة من الجريمة، بحيث تجعل علي فرد علي بينة من أنه إذا أقدم علي الجريمة فأنه سيخضع لعقوبة يفوق الأمها المنفعة التي يسعي لتحقيقها من الجريمة.

ولذلك يري بتنام أنه لا محل للعقاب إلا إذا كان لتحقيق مزية إيجابية.

ولهذا كان بتنام أميل إلي جانب قسوة العقوبة من بكاريا الذي كان أقرب منه إلي النظرة الإنسانية المعتدلة التي تتوخي التناسب بين الجريمة والعقاب.

وقد شارك فويرباج الفيلسوف بتنام ف اعتبار المنفعة أساساً للعقوبة حيث إنها ضرورية لحماية المجتمع ، حيث تجعل الانسان يفكر في ما سيناله من اذي منها مقابل ما يصيبه من فائدة في ارتكاب الجريمة فيرتدع عن الجريمة ولذلك وجب تشديد العقوبة.

وقد ظهرت آثار افكار بتنام وفوبرياج في تشديد العقوبة في قانون نابليون 1810 .

ثانياً: مبدأ الشرعية في الجريمة والعقوبة:

أبرزت المدرسة التقليدية أهمية مبدأ (شرعية الجرائم والعقوبات) بما ينتج عنه من تقييد سلطة القضاة وتحديدها. فليس للقاضي أن ينشئ الجرائم إن ذلك من صلاحية المشرع وحده.

وتعتبر هذه النتيجة تطبيقاً منطقياً لفكرة العقد الاجتماعي الذي يؤكد سيادة القانون.

فلا يجوز للقاضي إلا أن يطبق القانون علي الجميع كما أن سلطته في تطبيق القانون مقيدة بصورة كبيرة فلا يمكنه تطبيق عقوبة أشد أو أخف من التي يقررها القانون.

ومن هنا نري أن أفكار هذه المدرسة قد أدت إلي إلى إقامة نظام جنائي يعتمد علي مبدأ الشرعية الذي تبنته الثورة الفرنسية في إعلان حقوق الإنسان ، كما أقره قانون العقوبات الفرنسي الصادر 1791.

ثالثاً: أساس المسئولية الجنائية هو حرية الاختيار:

أساس حق العقاب لا يتأتى التسليم به إلا مع التسليم بحرية الإنسان وإرادته.

فأساس المسئولية الجنائية هو المسئولية الخلقية القائمة علي مبدأ حرية الاختيار .

بل قد ذهب بعض أنصار المدرسة إلي حد القول بأن حرية الاختيار تكاد تكون مطلقة لدي الإنسان وأنه يملك إرادة كاملة ، وذهب البعض الي إنها ليست مطلقة فحسب بل متساوية عند جميع الأشخاص لذا وجبت المساواة التامة في مدي المسئولية الجنائية بين جميع الجناة عدا من كان عديم التمييز منهم أو فاقد الإرادة.

كما ترتب علي اعتناق المدرسة لمبدأ حرية الاختيار بصورته المطلقة أن علقت الأهمية الأولي علي جسامة الفعل من الناحية المادية ثم جسامة نتائجه الموضوعية بدون أن تعلق الأهمية علي ميول اجاني وظروفه النفسية والاجتماعية.

ومن ثم فهي تعامل الجرم العائد والمجرم البادئ  علي قم المساواة طالما كانت جريمتهما متساوية في الجسامة وفي الضرر الناتج عنها.

وساد هذا النظر عند وضع قانون العقوبات الفرنسي ، وساد في قانون نابليون بصورة أقل تطرفاً.

تقدير القيمة العلمية للمدرسة التقليدية:

يرجع لها الفضل في القضاء علي النظام الجنائي القديم بعيوبه وفضل اساء المبادئ التي قام عليها النظام الجنائي الحديث وبصفة خاصة مبدأ المساواة والشرعية واستبعاد التحكم القضائي، وتخفيف قسوة العقوبات.

ومع ذلك لم تفلت هذه المدرسة من جملة انتقادات أساسية أهمها:

  1. أنها مدرسة متطرفة تبالغ في التجريد والموضوعية وفهمت مبدأ المساواة فهماً خاطئاً متمثل في تطبيق نفس العقوبة علي كل من يرتكب نفس الجريمة دون مراعاة ظروفه الشخصية ، فانقلبت المساواة بذلك إلي عدم مساواة لان العدالة تتحقق إلا مع مراعاة جميع الظروف والملابسات الواقعية التي أحاطت بالجاني وقت ارتكاب الجريمة.
  2. كما قيل انها اكتفت بالردع العام وحده غرضاً للعقوبة وأهملت شخص الجاني فلم تعمل علي إصلاحه وتأهيله.
  3. قيل بأن الأسس الفكرية التي قامت عليها محل شك كبير سواء فكرة العقد الاجتماعي لروسو والتي لم يقم دليل علي وجود هذا العقد في التاريخ ، أو فكرة المنفعة الاجتماعية لبتنام لمجافاتها للصواب لأن المنفعة غاية والعقوبة وسيلة ولا تكفي مشروعية المنفعة لتبرير العقوبة.

مهدت هذه العيوب السبيل لقيام مدرسة جديدة تتمسك بالصالح من التعاليم السابقة وتجتهد في تجنب عيوبها.

  • المقال

  • الكاتب:

    الدكتور مينا فايق
  • تصنيف:

    التشريع الجنائي القانون المصري المحاضرات علم العقاب