الجدل حول مسألة توحيد العقوبات السالبة للحرية

القانون الجنائي الجدل حول مسألة توحيد العقوبات السالبة للحرية
الجدل حول مسألة توحيد العقوبات السالبة للحرية
الجدل حول مسألة توحيد العقوبات السالبة للحرية

لم تثر مشكلة توحيد العقوبات السالبة للحرية في ظل النظام العقابي القائم على تدرج العقوبات السالبة للحرية وفقاً لجسامة الجريمة، إذ حرصت هذه التشريعات على تقسيم الجرائم من حيث جسامتها، ثم فرضت لكل طائفة منها العقوبة التي تلائم قدر هذه الجسامة تحقيقاً لمقتضيات العدالة والردع، واهم التقسيمات في هذا الشأن هو تقسيم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات الذي يقابله تقسيم العقوبات إلى عقوبات جنايات وعقوبات جنح وعقوبات مخالفات.

ولقد ظهرت فكرة توحيد العقوبات السالبة للحرية نتيجة لتقدم دراسات علم العقاب والذي يهتم اساساً بفكرة الردع الخاص، ويجعلها تفوق في أهميتها فكرة الردع العام، والردع الخاص هدفه الاساسي اصلاح الجاني وتأهيله، لكي يعود للمجتمع عضواً صالحاً، ويتسنى تحقيق ذلك بتجريد العقوبة من كل قدر من الإيلام وان تقتصر على مجرد سلب الحرية إذ هو القدر الأدنى لتطبيق الأساليب العلاجية والتأهيلية على المحكوم عليه مع مراعاة ان تنفيذ العقوبة السالبة للحرية في ضل فكرة التوحيد يقتضى تصنيفهم الى طوائف وفقاً لحالة المحكوم عليهم من حيث جسامة الجرم ومدى خطورتهم، حتى يمكن معالجتهم بأسلوب معين، وهذا يسمى بالتفريد التنفيذي للعقاب.

على ان فكرة توحيد العقوبات السالبة للحرية قد أثارت كثيراً من الجدل بين رجال الفقه الذي انقسم الى فريقين متعارضين تماماً، الاول يعارض فكرة توحيدها ويمثله أنصار الفكر التقليدي في السياسة الجنائية، والآخر حديث يدعو إليها، ونعرض فيما يلي حجج كلا الفريقين:

اولاً: حجج المعارضين لتوحيد العقوبات السالبة للحرية

يرى المعارضون لفكرة توحيد العقوبات السالبة للحرية ان ثمة مبررات تدعو إلى رفضها، ومن ثم فهم يفضلون الابقاء على تعدد العقوبات السالبة للحرية، وتتلخص الحجج التي يستندون اليها فيما يلي: 

  1. إن النظام العقابي الحالي يقوم على تعدد أنواع العقوبات السالبة للحرية، فهو يقوم على تقسيم الجرائم الى جنايات وجنح ومخالفات مقرراً لكل فصيلة منها نوعاً من العقوبات معيناً، ومن ثم فإن الاخذ بفكرة توحيد  السالبة للحرية يبدو مناقضاً لمبدأ أساسي يقوم عليه التشريع العقابي.
  2. إن توحيد العقوبات السالبة للحرية وإن كان يحقق الردع الخاص، إلا انه يفشل في تحقيق العدالة والردع العام كغرضين رئيسين للعقوبة، إذ لا يمكن تحقيقها إلا إذا كانت العقوبة متناسبة في مقدار جسامتها مع جسامة الجريمة، فأن اختل مقدار تلك الجسامة سواء بكون العقوبة أقل او اشد من جسامة الجريمة فأنها أي العقوبة تكون قد فشلت في كفالتها لغرض العدالة و الردع العام. 
  3. إن توحيد العقوبات السالبة للحرية في عقوبة واحدة هي الحبس يجعل مناط التفرقة بين المجرمين وما يرتكبونه من جرائم منحصراً في مدة العقوبة، وبهذا تصبح الملائمة بين الجزاء والمحكوم عليه من وظيفة السلطة التنفيذية المشرفة على المؤسسات العقابية لأمن وظيفة السلطة القضائية بما تتمتع به من استقلال، وما توفره من ضمانات قضائية مقررة للأفراد.
  4. إن تعدد العقوبات السالبة للحرية يساعد على تصنيف المحكوم عليهم تبعاً لظروفهم، اذ أن تفريد العقاب انما يقوم على اساس تفاوت خطورة الشخصية الاجرامية التي يستدل عليها من مدى جسامة الجريمة المرتكبة، وليس صحيحاً أن التصنيف الصائب هو ذلك الذي يقوم على تفاوت ظروف كل محكوم عليه مع اغفال درجة جسامة جريمته، اذ ان هناك صلة وثيقة بين تلك الاخيرة ومدى خطورة الجاني، وعلى ذلك فان تقسيم المحكوم عليهم تبعاً لاختلاف مدى جسامة جرائمهم هو في نفس الوقت تقسيم لهم تبعاً لاختلاف ظروفهم الإجرامية.

ثانياً: حجج انصار توحيد العقوبات السالبة للحرية

لفكرة توحيد العقوبات السالبة للحرية مؤيدين كثيرين من رجال الفقه والباحثين في علم العقاب، وهم يسوقون لتأييد هذه الفكرة العديد من الحجج والأسانيد التي يمكن تأصيلها الى طائفتين : تتعلق الأولى بالرد على حجج أنصار التعدد، وتتصل الثانية بتقديم حجج جديدة تدعم فكرة التوحيد.

الرد علي حجج أنصار تعدد العقوبات السالبة للحرية

يذهب أنصار توحيد العقوبات السالبة للحرية إلي القول بعدم صحة الحجج التي استند إليها أنصار التعدد علي أنه:

  1. ليس صحيحاً أن توحيد العقوبات السالبة الحرية يعوق تطبيق قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية لإهداره التقسيم الثلاثي للجرائم، إذ من الممكن تلافي ذلك بخلق عدة عقوبات متدرجة في الجسامة مع الاستناد إلي مدة العقوبة كأساس لهذا التدرج، وتطبيق ذلك يكون بتحديد مدة معينة لعقوبة الجناية ومدة معينة لعقوبة الجنحة ومدة معينة لعقوبة المخالفة.
  2. ليس صحيحاً أن توحيد العقوبات السالبة للحرية ينجم عنه إهدار لأغراضها في تحقيق العدالة والردع العام وما يتطلبه ذلك من كون العقوبة علي قدر جسامة الجريمة، إذ أن معيار التدرج في المدة يتكفل بهذا الأمر بصورة واضحة حيث تختلف مدة العقوبة تبعاً لجسامة الجريمة ومن هنا يتحقق الردع والعدالة.
  3. أن القول بأن توحيد العقوبات السالبة للحرية يجعل توقيع العقوبة منوطاً بسلطة التنفيذ في المؤسسة العقابية مما يحرم المتهم من ضمانات إجرائية متعددة قول غير صحيح، إذ أن القاضي هو الذي يقرر العقوبة نوعاً ومقداراً، أما تنفيذها فهو من اختصاص السلطة المشرفة علي إدارة المؤسسة العقابية شأن سائر العقوبات.

حجج تدعيم فكرة التوحيد

  1. إن فكرة الردع العام لم تعد وحدها المسيطرة علي خطة المشرع في سياسته العقابية، وإنما برزت فكرة الردع الخاص الذي من شأنه أن يحثث الغرض التأهيلي للعقوبة، وهو غرض خلصنا إلي ترجيحه علي ما عداه من أغراض العقوبة نظراً لانطوائه علي برنامج تهذيبي وعلاجي من ناحية فضلاً عن تجرده من مظاهر القسوة والإيلام التي لا تجدي في تأهيل المحكوم عليه لذلك يتعين أن يقتصر سلب علي مجرد الحيلولة بين المحكوم عليه والحياة الحرة ليس أكثر.
  2. إن من شأن توحيد العقوبات السالبة للحرية اتاحة السبيل نحو تصنيف المحكوم عليهم علي أسس علمية صحيحة بالاستناد إلي معايير شخصية واقعية وليس استناداً إلي نوع العقوبة أو جسامة الجريمة.
  3. ان هناك تشريعات جنائية حديثة تخص طوائف عديدة من المحكوم عليهم بمعاملة خاصة فتفرد لهم مؤسسات عقابية خاصة بهم، وبقدر تكاثر هذه الطوائف تقترب هذه التشريعات من توحيد العقوبات السالبة للحرية ويمكن تفسير ذلك بأمرين : الأول : إن المشرع يجمع في كل طائفة بين جميع المحكوم عليهم والذين يحتاجون إلي معاملة خاصة دون أن يميز بينهم بحسب نوع الجريمة فهو بذلك قد وحد بالنسبة لهم العقوبات السالبة للحرية، والأمر الثاني : أن تكاثر هذه الطوائف يقلل من عدد المحكوم عليهم الذين يخضعون لأساليب المعاملة العادية وتتنوع بالنسبة لهم العقوبات السالبة للحرية، وهذا يعني أن مجال التنوع في العقوبات السالبة للحرية يضيق ومجال توحيدها يتسع.

موقف التشريع المصري من العقوبات السالبة للحرية

لم يأخذ المشرع المصري بفكرة توحيد العقوبات السالبة للحرية حيث أبقي علي التقسيم الثلاثي للعقوبات تبعاً لجسامة الجريمة المرتكبة، وهي الأشغال الشاقة والسجن للجنايات والحبس للجنح.

  1. الاشغال الشاقة
    هي أشد أنواع العقوبات السالبة للحرية جسامة، وهي أما مؤبدة أو مؤقتة والمقصود بالأشغال الشاقة تشغيل المحكوم عليه في أشق الأعمال التي تعينها الحكومة مدة حياته أن كانت العقوبة مؤبدة أو المدة المحكوم بها أن كانت مؤقتة، إلا أن الواقع العملي وطبقاً لنظام الإفراج الشرطي يجوز الافراج عن المحكوم عليه بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بعد قضاء عشرين سنة في السجن، وتنفذ عقوبة الاشغال الشاقة في الليمان، كما يعفي من تنفيذ هذه العقوبة الرجال الذين جاوزوا الستين من عمرهم والنساء مطلقاً ومن تقتضي حالتهم الصحية عدم تشغيلهم لمدة مؤقتة أو دائمة.
  2. السجن
    هو إيداع المحكوم عليه في أحد السجون العمومية، وتشغيله داخلها أو خارجها في الأعمال التي تعينها الحكومة في المدة المحكوم بها، ولا يجوز أن تنقص تلك المدة عن ثلاث سنين ولا أن تزيد عن خمس عشرة سنة إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانوناً.
  3. الحبس
    وهو العقوبة المقررة للجنح، يتحقق بوضع المحكوم عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه ولا يجوز أن تنقص هذه المدة عن أربع وعشرين ساعة ولا أن تزيد عن ثلاث سنين إلا في الاحوال المنصوص عليها قانوناً، والحبس نوعان حبس بسيط وحبس مع الشغل للالتزام بالعمل داخل السجن أو خارجه في الأعمال التي تعينها الحكومة.

  • المقال

  • الكاتب:

    الدكتور مينا فايق
  • تصنيف:

    القانون الجنائي القانون المصري المحاضرات علم العقاب