القانون الجنائي مشكلة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة
مشكلة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة
مشكلة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة

أولاً: ماهية العقوبات قصيرة المدة

العقوبة قصيرة المدة ليست فكرة محددة قانوناً، إذ لا وجود لهذا الاصطلاح في التشريعات الجنائية وإنما هو اصطلاح من اصطلاحات علم العقاب ولذا اختلفت الآراء في تعريف المقصود بها فيذهب البعض إلي تحديد العقوبة القصيرة المدة بأنها تلك التي لا يتجاوز حدها الأقصى ثلاثة أشهر، ويذهب البعض الأخر إلي القول بأن العقوبة قصيرة المدة هي التي لا يتجاوز حدها الأقصى ستة أشهر، ويري فريق ثالث أن العقوبة قصيرة المدة هي التي لا يزيد حدها الأقصى علي سنة.

والرأي الذي يتجه إلي ترجيحه أغلب الباحثين في علم العقاب يذهب إلي تحديد عقوبة الحبس القصيرة المدة بما لا يقل عن سنة كاملة علي اساس أن الفترة تكون كافية لتحقيق الردع العام.

ثانياً: تقدير القيمة العقابية للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة

أ‌) مساوئ العقوبات قصيرة المدة

نسبت إلي هذه العقوبات عيوب كثيرة يمكن إجمالها فيما يلي:

  1. لا يحقق الحبس قصير المدة غرض العقوبة في الردع العام إذ أن في اجراءات القبض والتحقيق والمحاكمة وصدور حكم الإدانة ما يكفي لبلوغ هذا الغرض دون حاجة إلي سلب الحرية بضعة ايام أو بضعة أسابيع بل أن قصر المدة لا يحفظ لها قيمتها في تحقيق الردع و يجعلها محل استهانة للرأي العام.
  2. عجز عقوبة الحبس قصيرة المدة عن تحقيق هدف العقوبة في الردع الخاص لأن المدة غير كافية للتعرف جيداً علي شخصية المحكوم عليه وبالتالي اقتراح انسب الوسائل الملائمة لمعاملته.
  3. يضاف إلي ذلك ما تسببه هذه العقوبة من مضار عديدة تلحق بالمحكوم عليه وبأسرته وبالمجتمع بدوره، فهي تفقد المحكوم عليه ثقته واحترامه بنفسه واحترام الأخرين له وتؤدي في الغالب إلي فقده لعمله كذلك تعرضه إلي مساوئ الاختلاط بمجرمين أكثر خطورة مما يساعد علي انتقال عدوي الإجرام إليه.

ب‌) مزايا العقوبات قصيرة المدة

  1. تحقق هذه العقوبة اعتبارات الردع الخاص بالنسبة لفئات المجرمين الذين لم تتأصل فكرة الاجرام في نفوسهم، ومن ثم فهم لا يحتاجون إلي برنامج اصلاحي طويل المدة إذ يكفيهم سلب الحرية لمدة قصيرة تمثل صدمة نفسية لهم تحول بينهم وبين سلوك طريق الجريمة مرة أخري.
  2. في بعض الأحيان تتطلب اعتبارات الردع العام توقيع عقوبة سالبة للحرية ذات مدة قصيرة وأهم موضوع لذلك ان تحدث الجريمة أضراراً كبيرة دون ان تكشف في الوقت ذاته عن شخصية اجرامية خطيرة كقتل أو اصابة خطأ، ففي هذه الجرائم يكون الاكتفاء بالغرامة مثيراً لسخرية الرأي العام، كما يثير توقيع عقوبة سالبة للحرية طويلة المدة سخطه.
  3. ان ثمة جرائم تستلزم هذه العقوبة ولا يصلح لقمعها سواها، وخاصة تلك الجرائم التي تقع نتيجة طيش أو رعونة أو عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع حدوثها كجرائم القتل والإصابة الخطأ والجرائم الناشئة عن القيادة في حالة السكر او تجاوز السرعة المقررة والتي قد يترتب عليه بعض جرائم النفس إذ أن مرتكبي مثل هذه الجرائم لا تقومهم صدمة سلب الحرية حتي يفيقوا من طيشهم واستهتارهم إلي طابع الجدية الذي ينبغي الاعتراف به للحياة في المجتمع.

ونحن من جانبنا نري أن الانتقادات الموجهة للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة لا تغني إلغائها تماماً، فما زال هناك مجال للإبقاء علي هذه العقوبات حتي يكون من المنتظر ان تحقق وظيفتها في الانذار.

ثالثاً : بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة

نظام إيقاف التنفيذ

تعريفه وعلته: إيقاف التنفيذ هو تعليق تنفيذ عقوبة علي شرط موقف خلال فترة يحددها المشرع، وهذا يعني ان إيقاف يفترض إدانة المتهم والحكم عليه بعقوبة إلا أن القاضي يأمر بوقف تنفيذها لمدة معينة فإذا كان الحكم بعقوبة سالبة للحرية يترك المحكوم عليه حراً أو يفرج عنه ان كان محبوساً احتياطياً، مما يعني تشابه وضعه المادي مع وضع من لم يحكم عليه بعقوبة، فإذا انقضت المدة التي حددها القانون دون تحقق الشرط الموقف لتنفيذ العقوبة سقط الحكم بالعقوبة واعتبر كأن لم يكن، أما إذا تحقق الشرط خلاص المدة التي حددها القانون نفذت العقوبة.

شروط إيقاف التنفيذ

1) من حيث المتهم

تُجمل هذه الشروط في غلبة احتمال التأهيل دون حاجة إلي تنفيذ العقوبة وقد اكتفي المشرع المصري في ذلك بأن تري المحكمة من اخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنة أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة مما يبعث علي الاعتقاد بأنه لن يعود إلي مخالفة القانون.

2) من حيث العقوبة

فيجوز للمحكمة في القانون المصري عن الحكم في جناية أو جنحة بالغرامة أو الحبس مدة لا تزيد عن سنة أن تأمر في نفس الوقت الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة ويعني هذا ان العقوبات التي يجوز وقف تنفيذها هي الحبس والغرامة وأنه يشترط في الحبس الا تزيد مدته علي سنة.

3) من حيث الجريمة

فأنه يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة في الجنايات والجنح ولا يجوز ذلك في المخالفات نظراً لتفاهة عقوبتها، كما أنه لا يعتد بها في العود للجريمة إذ أن سجل السوابق لا يحتوي علي ذكر الاحكام الصادرة في مواد المخالفات ولا يمكن معرفة المخالفة المرتكبة هي أو جريمة ام لا.

مدة فترة إيقاف التنفيذ: ينتهج الشارعان المصري والإماراتي خطة واحدة في تحديد مدة الفترة التي يتم فيها إيقاف التنفيذ إذ يصدر الامر بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائياً مع ملاحظة ان هذه المدة يلتزم بها القاضي ولا يملك تعديلاً أو تغييراً فيها من لحظة ابتدائها.

إلغاء إيقاف التنفيذ

قد حدد المشرع للقاضي حالتين يجوز بسبب واحدة منهما الغاء وقف تنفيذ العقوبة.

الحالة الأولي: إذا صدر ضد المحكوم عليه في خلال مدة الإيقاف حكم بالحبس أكثر من شهر علي فعل أرتكبه قبل الأمر بالإيقاف أو بعده، والحالة الثانية: إذا ظهر خلال مدة الإيقاف ان المحكوم عليه صدر ضده قبل الإيقاف حكم ولم تكن المحكمة قد علمت به.

نظام شبه الحرية: يتلخص هذا النظام في اتاحة الفرصة للمحكوم عليه بالبقاء خارج المؤسسة العقابية وهو يعمل دون ملاحظة مستمرة مع تقاضيه اجراً لقاء عمله كأي عامل مع إلزامه بالعودة إلي السجن كل مساء وبقائه به أيضاً ايام العطلة والبطالة، ويتضح من ذلك أن هذا النظام يقوم علي تقسيم حياة المحكوم عليه إلي شطرين:

الشطر الاول: يمضيه داخل المؤسسة العقابية ويعامل اثناءه كسائر نزلاء المؤسسة حيث يخضع لكل ما يلتزمون به من التزامات مرتبطة بوضعهم العقابي.

الشطر الثاني: فيمضيه المحكوم عليه خارج المؤسسة يعيش خلاله كأي انسان شريف لم يحكم عليه بعقوبة حيث يتمتع المحكوم عليه ببعض المزايا كما يخضع لبعض الالتزامات التي تستهدف الرقابة علي سلوكه، فيسمح له بارتداء الملابس العادية كما يسمح له بقضاء يوم العطلة الاسبوعي خارج المؤسسة كي يزور اسرته وأقاربه، وكل ما يلتزم به المستفيد من نظام شبه الحرية أن يواظب علي عمله ويحسن أداءه وان يعود مباشرة إلي المؤسسة فور انتهاء العمل.

نظام الوضع تحت الاختبار: الوضع تحت الاختبار نظام عقابي مؤداه الحكم علي المتهم بعقوبة ما بل يكتفي بوضعه تحت الاختبار خارج المؤسسة العقابية ولمدة معينة تحت اشراف يباشره شخص يعهد إليه بذلك فإذا وفي المحكوم عليه بالالتزامات المفروضة عليه خلال فترة الاختبار دل ذلك علي جدواها في تحقيق التأهيل عن طريقها ويكتفي بها، أما اذا اخل بهذه الالتزامات فمعني ذلك أن الخاضع للاختبار يحتاج إلي الأساليب التي تطبق في المؤسسة العقابية، فلا يكون مفر من أن تسلب حريته ليتحقق عن هذا الطريق تأهيله.

المقارنة بين الاختبار وإيقاف التنفيذ

يشترك نظام الاختبار مع نظام إيقاف التنفيذ في أم كل منهما يمثل معاملة عقابية تعمل علي مكافحة مساوئ العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة وتجتهد في تجنب المحكوم هذه المساوئ، مع إعطائه الفرصة لإصلاح نفسه في فترة زمنية معينة وذلك تحت رهبة التهديد بتنفيذ العقوبة التي اوقف النطق بها أو أوقف تنفيذها عليه إذا ثبت أنه غير جدير بهذه المعاملة، ولكن هنا فروق أساسية بينهما ففي إيقاف التنفيذ ينطق القاضي بالعقوبة ثم يعلق تنفيذها بينما يتقرر الاختبار قبل الحكم بعقوبة ما، كذلك فإن إيقاف التنفيذ لا يلغي إلا إذا ارتكب المحكوم عليه جريمة جديدة أثناء فترة تنفيذ العقوبة، اما نظام الاختبار فإن إلغائه لا يحتاج إلي ارتكاب فعل إجرامي بل يكفي لذلك مجرد مخالفة المحكوم عليه  لأحدى الالتزامات المفروضة عليه خلال فترة الاختبار.

  • المقال

  • الكاتب:

    الدكتور مينا فايق
  • تصنيف:

    القانون الجنائي القانون المصري المحاضرات علم العقاب