الجدل حول عقوبة الإعدام |
منذ ارسى بكاريا الأسس الفلسفية الجديدة للتشريع الجنائي، والجدل مستمر حول الإبقاء على عقوبة الاعدام او إلغائها، فهناك تيار فكري يذهب الى القول بإلغاء هذه العقوبة، بينما يذهب تيار اخر إلى القول بضرورة الإبقاء عليها، ولكل منهما حججه ومؤيده، وقد امتد هذا الخلاف إلى التشريعات الجنائية حيث قامت بعض الدول بإلغاء عقوبة الاعدام، مثال ذلك، ايطاليا وهولندا وسويسرا وفرنسا وانجلترا وبعض الولايات المتحدة، إلا ان غالبية الدول ما زالت تطبق عقوبة الاعدام، كما هو الحال في اسبانيا والاتحاد السوفيتي الذي كان قد الغاها عام 1947 ثم أعادها عام 1950، والدول العربية الاسلامية.
ونعرض فيما يلي حجج واسانيد كل من المؤيدين والمعارضين لعقوبة الاعدام.
اولاً: حجج الاتجاه المؤيد لإلغاء عقوبة الإعدام
- إن عقوبة الاعدام عقوبة غير شرعية، لان الحياة منحة من الخالق وليست هبة من المجتمع حتى يحق له ان يسلبها و يستردها، ويرد علي هذه الحجة بأن سلب الحياة في الاحوال التي يقررها المجتمع مبرر على اساس ان الضرورة تقتضيه، وتكون الضرورة قائمة اذا كان اي عقاب اخر لا يمكن ان يحل محل عقوبة الاعدام في درجة ردعه وزجره.
- أن عقوبة الاعدام عقوبة غير عادلة، لأنها غير قابله للتدرج وفقاً لمدى مسؤولية الجاني او مدى جسامة الضرر الذي حققه بارتكاب الجريمة، وهذا القول لا ينطبق مع المنطق لان التناسب الكامل بين الجريمة والعقوبة وتحقيق العدالة المطلقة هو احد ضروب الاستحالة، لان تقدير الانسان للأمور واحكامه عليه من الامور النسبية.
- ان عقوبة الاعدام عقوبة غير انسانية تتسم بالقسوة والبشاعة، تولد الاشمئزاز في النفوس وتوقظ الشهوة إلى سفك الدماء وهذا القول لا ينال من عقوبة الاعدام في ذاتها لتحقيق الردع العام، ولكن القصور يرجع الى اسلوب تنفيذها وإلى من يقوم بتنفيذ هذه العقوبة.
- ان عقوبة الاعدام عقوبة غير مجدية وغير نافعة سواء بالنسبة للفرد او للجماعة.
- ان عقوبة الاعدام تقطع السبيل امام اصلاح المحكوم عليه وإعادة تقويمه ومن ثم تتنافى مع اهداف السياسة الجنائية واغراض العقوبة التي تسعى الدولة في تحقيقها إلى اصلاح الجاني.
- إن عقوبة الاعدام يستحيل اصلاح آثارها إذا بدت ضرورة العدول عنها , وذلك إذا نفذت عقوبة الاعدام وظهرت أدلة جديدة او وقائع تظهر براءة المحكوم عليه، ذلك ان الاخطاء القضائية ليست امراً مستحيلاً، وواضح انه اذا كان الحكم صادر بعقوبة الاعدام ونفذ، فلا سبيل لإنقاذ مواطن برئ.
ان عقوبة الاعدام غير مفيدة في الردع لأنه لوحظ ان نسبة الإجرام المعاقب عليه بها لم تقل في الدول التي تطبقها ولم تزد في الدول التي ألغتها، ويرد على هذا بأن الابحاث التي اجريت عن تأثير إلغاء عقوبة الاعدام على زيادة او انخفاض معدل الجريمة لم تستطع ان تنتهي إلى نتائج قاطعة خاصة وأن تجارب أغلب الدول في هذا الشأن ما زالت قصيرة المدى.
ثانياً : حجج الاتجاه المعارض لإلغاء عقوبة الاعدام
- إن عقوبة الاعدام عقوبة شرعية، تستمد شرعيتها من الشرائع السماوية والقوانين الوضعية التي ما زالت تبقى عليها ويلاحظ في هذا الشأن ان شريعتنا الاسلامية الغراء، قد اوجبت القصاص في القتل العمد، ومن قوله تعالى في صورة المائدة : (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس).
- ان عقوبة الاعدام تحقق اكبر قدر من الزجر والردع في النفس خشية سلب الحق في الحياة، وبالتالي فهي اكثر الوسائل فاعلية في المحافظة على كيان المجتمع وأمنه ضد الجرائم الخطيرة والدليل على ذلك ان الدول التي الغت هذه العقوبة تعيد النظر في اعادتها مرة اخرى.
- إن لعقوبة الاعدام فائدة جلية في مواجهة حالات المجرمين الخطرين الذين لا يجدي معهم ردع او اصلاح، فلا يكون هناك سبيل إلا استئصالهم من المجتمع.
- ان عقوبة الاعدام وان كانت جزاء بالغ الشدة إلا انه الجزاء العادل والمتناسب مع الجرائم الخطيرة كالقتل مثلاً وهي بذلك تحقق العدل كقيمة سامية، وترضي الشعور العام بأن الجاني لابد ان يلقى جزاءه بأسلوب شرعي.
رأينا في الموضوع
نحن نرى وجوب الإبقاء علي عقوبة الاعدام لمواجهة الجرائم التي حددتها الشريعة الاسلامية، وتلك التي تقتضيها اعتبارات المصلحة العامة، وظروف كل مجتمع اخذاً في الاعتبار المبادئ والقيم الاجتماعية والدينية السائدة في المجتمع، تلك الاعتبارات التي تؤثر دون شك في تكوين القاعدة القانونية، وذلك لما لهذه العقوبة من قوة رادعة عامة، ولما تحدثه في النفوس من خوف ورهبة مما يجعل الكثيرين ممن تسول لهم انفسهم ارتكاب مثل تلك الجرائم التردد قبل الاقدام على ارتكابها، هذا فضلاً عن ان مجتمعنا الاسلامي الذي يستقر في وجدان ابنائه ان عقوبة الاعدام احياناً قصاص عادل يصبح من اللغو المناداة بإلغاء هذه العقوبة بدعوى انها غير عادلة او ضد مصلحة المجتمع ويعد ذلك منافياً لقوله تعالى : (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب).