شروط صحة الاعتراف ومدي حجيته في النظم الإجرائية الوضعية

القانون الجنائي شروط صحة الاعتراف ومدي حجيته في النظم الإجرائية الوضعية
شروط صحة الاعتراف ومدي حجيته في النظم الإجرائية الوضعية

شروط صحة الاعتراف

أولاً : الأهلية الإجرائية : 

تنهض الأهلية الإجرائية للمعترف ، على عنصرين أساسيين ، هما :

  • أ) أن يكون المعترف متهماً بالجريمة : 

والمتهم هو الطرف الثاني في الدعوى الجنائية وهو الخصم الذي يوجه إليه الاتهام بواسطة تحريك الدعوى الجنائية قبله ، ولم يميز القانون المصري بين المتهم في كافة مراحل الدعوى الجنائية ، فهو يحمل هذه الصفة أياً كانت المرحلة التي تمر بها الدعوي .

وذلك خلاف القانون الفرنسي الذي ميز بين المتهم في مرحلة التحقيق الابتدائي بالمعنى الضيق ( أمام قاضي التحقيق ) والمتهم المحال أمام محكمة الجنح والمخالفات والمتهم المحال أمام محكمة الجنايات .

وفي الاتحاد السوفيتي قبل تفكيكه ميز قانون الإجراءات الجنائية بين المتهم في مرحلة التحقيق والمتهم المحال إلي المحاكمة .

والمتهم بالمعنى السابق يختلف عن المشتبه فيه ، من حيث أن هذا الأخير يعني كل إنسان قدم ضده بلاغ أو شكوى أو أجرى بشأنه مأمور الضبط القضائي المعني التحريات أو الاستدلالات ، وهذا الشخص طالما بقي مشتبهاً في أمره فإن المحقق يسأله بوصفه شاهداً حتى تتجلى حقيقته ويصبح محلاً للاتهام ، ويبدو الفارق واضحاً بين المتهم والمشتبه فيه في مرحلة التحقيق الابتدائي حيث يوجب القانون في الشرائع اللاتينية تحليف الشاهد اليمين دون المتهم ، وذلك كله مع ملاحظة التحفظ الذي أورده المشرع الفرنسي في المادة 105 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه لا يجوز لقاضي أن يسمع كشاهد الشخص الذي توجد ضده دلائل قوية على الاتهام ، وعندما يسأل هذا الشخص يسأل كمتهم وتبطل الشهادة إذا كان المحقق تعمد تأخير توجيه الاتهام حتى يسمع شهادته بعد حلف اليمين ، ولا يكفي أن يكون المعترف متهماً بل ينبغي أن يكون اعترافه قد صدر بعد علمه بموضوع الاتهام .

  • ب) أن يتوافر لدى المعترف الإدراك أو التمييز وقت الإدلاء بالاعتراف : 

يقصد بالإدراك أو التمييز قدرة الشخص على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع آثارها ، وليس المقصود فهم ماهية التكييف القانوني للفعل ، فالشخص يسأل عن فعله ولو كان يجهل بأن القانون يعاقب عليه ، وإنما المقصود أن يكون الفاعل على جانب من الذكاء يكفي لتفهم الفعل وما يترتب عليه من نتائج ، وينعدم هذا الإدراك أو التمييز في الحالات الآتية : 

1) بالنسبة لصغر السن : نجد أن سن التمييز يختلف من قانون لآخر ، فالقانون المصري يعفي من المسئولية الصغير الذي لم يبلغ من العمر سبع سنوات ، إذا افترض الشارع أن التمييز يكون منصفاً ، ويعتبر الصغير ناقص الأهلية من سن التمييز حتى الخامسة عشرة . 

ففي حالة الصغير عديم التمييز لا يقبل اعترافه ، أما في حالة الصغير ناقص الأهلية وهذا من الممكن أن يكون أهلاً لصدور اعتراف صحيح منه ، على أن يخضع في نهاية المطاف لتقدير محكمة الموضوع . 

2) بالنسبة للجنون والعاهة العقلية : 

فإنه لا يعتد في الإثبات باعتراف المتهم المجنون أو المصاب بعاهة في العقل ، نظراً لأن هذه الأمراض تعدم الشعور والإدراك وتؤثر في مقدرة المتهم على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع آثارها ، وهذه قاعدة مجمع عليها بين النظم الإجرائية الوضعية . 

3) بالنسبة للغيبوبة الناشئة عن سكر غير اختياري : 

فإنه لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها ، إذا أخذها قهراً عنه أو على غير  علم منها بها ، ويشترط أن يكون فقد الشعور تاماً لكي يعفى  الجاني من إسناد الفعل إليه ، أما الفقد الجزئي فيصلح سبباً لتخفيف العقوبة في حدود السلطة التقديرية للقاضي . 

ونفس الشيء بالنسبة لاعتراف السكران ، فإنه لا يكون أهلاً لصدور الاعتراف منه ، لأنه يكون فاقداً للشعور والإدراك أما إذا فقد الشعور تماماً فلا يبطل اعترافه ، ولكن لا يجوز للمحكمة أن تكتف به وحده وتصدر حكمها بناء عليه ، بل لابد من تأييد أدلة أخرى له ، وفي بلاد الشريعة العامة فإن هذا الاعتراف يكفي بمقدوره طالما أن السكر لم يصل إلي حد إفقاد الوعي أو الإدراك . 

ثانياً : الإرادة الحرة : 

يقصد بالإرادة الحرة قدرة الإنسان على توجيه نفسه إلي عمل معين أو إلي الامتناع عنه ، وهذه القدرة لا تتوافر لدى شخص إلا إذا انعدمت المؤثرات التي تعمل في إرادته وتفرض عليه إتباع وجهة خاصة ، وتطبيقاً لذلك فإن الاعتراف الذي يعول عليه في الإثبات يجب أن يكون صادراً عن إرادة حرة ، ولذلك يجب استبعاد كل وسائل التأثير المختلفة لحمل المتهم على الاعتراف ، سواء أكانت معنوية أم مادية ، وسواء أكانت وسائل تقليدية أم وسائل علمية حديثة . 

أ) وسائل انتزاع الاعتراف من المتهم : 

  • 1) الوسائل التقليدية لانتزاع الاعتراف : 

#الإكراه : يعتبر الإكراه من أقدم وسائل التأثير في إرادة المتهم ، وذلك بغية الحصول على اعترافه ، والإكراه نوعان ، الإكراه المادي ، والإكراه المعنوي ، ومن أهم صور الإكراه المادي : العنف وهو عبارة عن فعل مباشر يقع على الشخص فيه مساس بجسده ويمثل اعتداء عليه ويكون من نتيجته أن يسلبه الإرادة نهائياً بحيث يشل حرية الاختيار أو يؤثر فيها نسبياً فيترك لها فرصة للتعبير ولكن على غير رغبتها ، وفي كلتا الحالتين يصبح الإجراء باطلاً .

ومن صور الإكراه المادي أيضاً إطالة الاستجوابات لفترات متصلة من الليل والنهار دون انقطاع بقصد تحطيم أعصاب المتهم وتضييق الخناق عليه ، ويقر بما هو منسوب إليه بصرف النظر عن مدى حقيقته ، كما أن الحبس الاحتياطي قد يتخذ أحياناً وسيلة للضغط على المتهم وإكراهه على الإدلاء باعترافه ، كذلك الضرب أو الاعتداء بأية كيفية على الجسم والقبض والحبس بدون وجه حق .

أما بالنسبة للإكراه المعنوي فإنه لا يختلف في طبيعته عن الإكراه المادي ، حيث أن كل الاختلافات بينمها ينحصر في الوسيلة المؤثرة على الإرادة ، فبينما تكون هذه الوسيلة مباشرة في الإكراه المادي فإنها تكون غيره مباشرة في الإكراه المعنوي ، ومن أهم صور الإكراه المعنوي التهديد وهو عبارة عن ضغط يمارسه شخص على إرادة شخص آخر لتوجيها إلي سلوك معين ويستوى في ذلك أن يكون التهديد بإيذاء الشخص في ماله أو بإيذاء شخص عزيزاً لديه ، وتطبيقاً لذلك يعتبر تهديداً مبطلاً للاعتراف تهديد المتهم بالقبض على زوجته .

#الوعد : يعتبر الوعد أحد الوسائل التقليدية لحمل المتهم على الاعتراف ، وهو كل ما من شأنه إيجاد الأمل لدى المتهم بتحسين ظروفه إذا اعترف بجريمته ، مثال ذلك وعد المتهم بالعفو عنه ، أو بإعتباره شاهد ملك ، أو بعدم محاكمته أو بالإفراج عنه أو بتخفيف العقوبة .

وهكذا فإن الاعتراف الصادر نتيجة الوعد في هذه الحالات يقع باطلاً حتى ولو كان حقيقياً . 

#تحليف_اليمين : من المستقر عليه في الدول ذات النزعة اللاتينية أنه لا يجوز تحليف المتهم اليمين، لأن ذلك يمثل اعتداء على حريته في الدفاع ، كما أنه يؤدي إلي وضع المتهم بين اختيارين كلاهما مراً مصلحته في حلف اليمين كذباً فيخالف ضميره الديني والأخلاقي ومصلحته في إرضاء ضميره فيكشف الحقيقة ويتهم نفسه ويعرض نفسه للعقاب . 

#خداع_المتهم : يقصد بالخداع تلك الاعمال الخارجية التي يقوم بها الباحث أو المحقق لتأييد ما يدعيه من أقوال كاذبة للإيهام بصحة الواقعة أو الأمر المدعي به ، وذلك بغية تضليل المتهم والحصول منه على اعتراف ، ومن أمثلة ذلك أن يعمد القاضي أثناء قيامه باستجواب المتهم بإيهامه إن شركاؤه قد اعترفوا عليه ، في حين أن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى يثير فيه رغبة الانتقام منهم فيدلي بأقواله ضدهم . 

والقاعدة أنه لا يجوز استعمال وسائل الخداع والحيلة للحصول على اعترافات من المتهم ، حتى ولو كان الوصول إلي الحقيقة متعذراً بدون استعمالها . 

  • 2) الوسائل العلمية الحديثة لانتزاع الاعتراف : 

الوسائل العلمية الحديثة التي يمكن استخدامها كأدلة للإثبات في المواد الجنائية والتي تهمنا في هذا المجال تتنوع وتعدد ، فهنا العقاقير المخدرة والتنويم المغناطيسي وجهاز كشف الكذب . 

ب) ضمانات صدور الاعتراف عن إرادة حرة : حرصت النظم الإجرائية المختلفة على إيراد بعض الضمانات لحماية صدور الاعتراف عن إرادة حرة ، فنصت أغلب التشريعات على حظر التأثير على المتهم سواء بالإكراه أو التهديد بأية وسيلة غير مشروعة لحمله علي الاعتراف .

ثالثاً : الصراحة والوضوح : 

يشترط في الاعتراف الذي يستند إليه كدليل إثبات في الدعوى أن يكون صريحاً وواضحاً لا لبس فيه ولا غموض ، فغموض الأقوال التي يدلى بها المتهم من حيث دلالتها على ارتكابه للجريمة محل الاتهام المنسوب إليه ينفي فيها صفة الاعتراف بالمعنى الدقيق لأنها تحتمل أكثر من تأويل ، كذلك لا يجوز أن يستنتج الاعتراف من هروب المتهم إثر وقوع الحادث أو غيابه عن الجلسة إذ قد يكون ذلك لخشية القبض عليه ، كما أنه لا يجوز اعتبار صمت المتهم قرينة على إدانته ، إذ قد يكون صمته نتيجة لخوفه من إسارة الدفاع عن نفسه وانتظاراً منه لمشورة محاميه أو بسبب حرج لا قبل له بدفعه ، كالشخص الذي يضبط بمسكن قصد لارتكاب فعل مناف للأخلاق ، ويصمت أمام اتهامه بالسرقة حتى لا يسئ إلي شرفه وسمعته هو والطرف الآخر .

رابعاً : الإجراءات الصحيحة : 

يجب أن يستند الاعتراف إلى إجراءات صحيحة ، وذلك لإمكان الاستناد إليه كدليل إثبات في الدعوى ، فإذا كان الاعتراف ثمرة إجراءات باطلة وقع باطلاً ، وتتنوع أسباب بطلان الاعتراف ، فقد يصدر الاعتراف نتيجة لاستجواب باطل بسبب تحليف المتهم اليمين ، أو بسبب عدم دعوة محامي المتهم في جناية للحضور قبل استجوابه في غير حالتي التلبس والاستعجال ، كذل الاعتراف الذي يأتي نتيجة قبض أو تفتيش باطلين.

حجية الاعتراف: 

يخضع الاعتراف في تقدير قيمته كدليل إلى سلطة المحكمة شأنه في ذلك شأن سائر أدلة الإثبات الأخرى ، فليس معنى اعتراف المتهم بالتهمة المنسوبة إليه أن تكون المحكمة ملزمة بالحكم بالإدانة ، بل أنها إن لم يكن من واجبها أن تتحقق من أن الاعتراف الصادر من المتهم قد توافرت شروط صحته ، من حيث عدم تأثر إرادة المتهم بأي مؤثر خارجي ، كما ينبني عليها مراعاة توافر باقي الشروط الأخرى حتى يمكنها التعويل عليها كدليل ، وبعد أن تتحقق المحكمة من توافر شروط صحة الاعتراف الإجرائية تبدأ مهمتها في تقدير ذلك الاعتراف ، والهدف من هذا التقدير هو التحقق من صدق الاعتراف من الناحية الواقعية بأن يكون مطابقاً وماديات الواقعة.

وأن اعتراف المتهم لا يضع نهاية لإجراءات التحقيق الابتدائي أو النهائي بل للمحكمة أن تواصل السير في الدعوى بحثاً عن أدلة أخرى ، رغم صدور اعتراف المتهم أمامها. 

ومتى أطمأنت المحكمة إلي الاعتراف ، وتحققت من توافر جميع شروط صحته كان لها أن تستند في الحكم على المتهم ، ولو لم يكن قد وقع أمامها وإنما أمام سلطات التحقيق.

  • المقال

  • الكاتب:

    الدكتور مينا فايق
  • تصنيف:

    القانون الجنائي القانون المصري المحاضرات