حالات افتراض الركن المعنوي في الجرائم
حالات افتراض الركن المعنوي للجريمة بعضها مصدره نصوص خاصة في القانون ، وبعضها الآخر مصدره قضاء مستقر وسوف نبين ذلك علي الوجه التالي
افتراض الركن المعنوي للجريمة بواسطة القانون
في هذه الحالة نجد بعضاً من النصوص التشريعية تفترض توفر الركن المعنوي للجريمة ، فتعفى النيابة العامة من عبء إثباته ، وتحمل المتهم عبء إثبات انتفاء هذا الركن.
ومن أمثلة هذه النصوص في فرنسا ، ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 369 من قانون الجمارك من أن المخالفات المرتكبة تفترض أنها تمت عن طريق الغش ، وبالتالي فإنه يكفي أن تثبت النيابة أن المتهم قد ارتكب الجريمة من الناحية المادية ، حتى يفترض الركن المعنوي لها وحسن النية هنا لا يعتبر عذراً مقبولاً ، وأيضاً فإن المخالف لا يمكن له أن يتذرع الخطأ أو الجهل بالنسبة لطبيعة الأشياء التي نقلها ، إذ أنه في هذه الحالة يعقب علي أساس الإهمال حيث أنه لم يقم بإجراء ما ينبغي من تحريات لازمة.
وفي مصر ، فإنه طبقاً للمادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 22 لسنة 1955 يفترض العلم بالغش أو الفساد إذا كان المخالف من المشتغلين بالجريدة ، وعليه هو أن يثبت عدم علمه ، كذلك نصت المادة 195 من قانون العقوبات علي أنه مع عدم الإخلال بالمسئولية الجنائية بالنسبة لمؤلف الكتابة أو اضع الرسم أو غير ذلك من طرق التمثيل يعاقب رئيس تحرير الجريدة أو المحرر المسئول عن قسمها الذي حصل فيه النشر إذا لم يكن ثمة رئيس تحرير بصفته فاعلاً أصلياً للجرائم التي ترتكب بواسطة صحيفته .
ومع ذلك ، يعفى من المسئولية الجنائية:
- إذا ثبت أن النشر حصل بدون عمله وقدم منذ بدء التحقيق كل ما لديه من المعلومات والأوراق للمساعدة علي معرفة المسئول عن النشر.
- أو إذا أرشد في أثناء التحقيق عن مرتكب الجريمة وقدم كل ما لديه من المعلومات والأوراق لإثبات مسئوليته ، وأثبت فوق ذلك أنه لم يقم بالنشر لعرض نفسه لخسارة وظيفته في الجريدة أو لضرر جسيم آخر.
هذا النص يقرر مسئولية رئيس تحرير لجريمة ، مفترضاً القصد الإجرامي لديه ، وذلك علي أساس أن من واجباته الإشراف الفعلي علي محتويات الجريدة ومنع النشر ما يعد منها جريمة فقعوده عن هذا الواجب يعد قرينة علي أنه أراد النشر وأذن به فيعتبر فاعلاً أصلياً في الجريمة ، وقد أفصحت محكمة النقص عن ذلك فقالت : إن رئيس التحرير المسئول جنائياً طبقاً لأحكام قانون العقوبات والمسئولية إدارياً طبقاً لأحكام قانون المطبوعات يجب أصلاً أن يكون رئيساً فعلياً ، أي أنه يجب أن يباشر التحرير بنفسه أو يشرف عليه ، أو أن يكون في استطاعته هذا الإشراف ، وأن اتفاقه مع شخص آخر علي القيام بوظيفة رئيس التحرير لا يدرأ عنه المسئولية بعد أن أخذها علي نفسه رسمياً بقيامه بالإجراءات التي يقتضيها قانون المطبوعات وهذه المسئولية التي تنجم عن النشر ولو لم يطلع فعلاً.
وبالقانون يفترض توافر القصد الإجرامي لدى رئيس التحرير الذي لا يستطيع دفع المسئولية بإثبات أنه كان غائباً من مكان الإدارة وقت النشر أو أنه وكل غيره في القيام بأعمال رئيس التحرير ، أو أنه لم يطلع علي أصل المقال المنشور أو أنه لم يكن لديه الوقت الكافي لمراجعته.
ويظهر في ذلك أن المسئولية الجنائية في جرائم النشر أتت علي خلاف المبادئ العامة التي تقضي بأن الإنسان لا يكون مسئولاً إلا عن العمل الذي ثبت بالدليل المباشر أنه قام به فعلاً ، فهي إذن مسئولية رتبها القانون لتسهيل الإثبات في جرائم النشر.
افتراض الركن المعنوي للجريمة بواسطة القضاء
من أهم الاستثناءات التي استقر في شأنها القضاء الفرنسي : افتراض النية في جريمة تقليد " كل نسخة مكتوبة ، المؤلفات الموسيقية ، رسم لوحة ، أو كل إنتاج مطبوع أو محفور ويخالف كلية أو جزئياً القوانين التي تنظم الملكية الأدبية ، في هذه الحالة فإن النيابة العامة يقع علي عاتقها إثبات الركن المعنوي ، وذلك لأن القضاء قد استقر افتراض سوء النية في التقليد.
وتأسيساً علي هذا الافتراض أبطلت محكمة النقض الفرنسية أحكام البراءة المؤسسة علي افتراض حسن النية ، وقالت إن قضاة الموضوع يمكنهم الاكتفاء بذكر الوقائع المادية التي اقترفها المتهم حتي تتوفر في حقه الإدانة ، وذلك لأن ماديات الفعل فيها افتراض وجود الركن المعنوي ، وأن علي المتهم أن يثبت حسن نيته.
ومن تطبيقات القضاء المصري في هذا الصدد : افتراض علم الشريك في الزنا بزواج من زنى بها ، وافتراض علم المتهم بجريمة هتك العرض دون قوة أو تهديد بحقيقة سن المجني عليه وأنه دون الثامنة عشرة ، فقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية علي أن النيابة لا تحمل عبء إثبات عليم المتهم بهذه الأمور ، بل إنه لا يقبل من المتهم مجرد دفعه بجهله بها ، بل يتعين عليه أن يثبت هذا الجهل ، ولا يقبل منه أي دليل ، بل يتعين عليه " أن يثبت أن جهله يرجع لأسباب قهرية أو ظروف استثنائية ، وأنه لم يكن في مقدوره بحال أن يقف علي الحقيقة ، ويدخل في هذه التطبيقات أيضاً افتراض القضاء توافر القصد الجنائي العام لدى السكران باختياره.